الابتكار الاجتماعي
كلاب الإنقاذ ضرورة عملية في أثناء الكوارث أم ثقافة متجذرة؟

مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 18

كلاب الإنقاذ ضرورة عملية في أثناء الكوارث أم ثقافة متجذرة؟

   عبيدة دباغ

زلزال تركيا الأخير الذي وقع في (6/شباط/ 2023) هز البلاد بقوة هائلة، وتسبب في دمار كبير وتساقط الأبنية، وتعرض الكثيرون لخطر الدفن تحت الأنقاض. وفي وقت كوارث مثل هذه تصبح جهود البحث والإنقاذ حاسمة في إنقاذ الأرواح البشرية. واندلعت الجهود الإنسانية والإنقاذ على نطاق واسع، وشاركت منظمات الإغاثة المحلية والدولية، والجيش، والشرطة، والمتطوعون في البحث عن الناجين. ومن بين هؤلاء المشاركين كانت الكلاب الباحثة إحدى الأدوات الرئيسية في البحث والإنقاذ. وبالطبع لعبت كلاب الإنقاذ دوراً بارزاً في هذه الجهود، حيث درِّبت الكلاب بعناية واهتمام للتعامل مع هذه الحالات الطارئة. إذ تعلمت كيفية البحث عن الروائح والعلامات التي تشير إلى وجود أشخاص تحت الأنقاض. وبمساعدة مدربيها أصبحت قادرة على تحديد مكان الناجين والمساعدة في استخراجهم بأمان، وبالطبع يمكن أن تقدم كلاب الإنقاذ ميزة إضافية في الزلازل، إذ يمكن لقدرتها على العمل في الظروف الصعبة تحسين فرص البحث والإنقاذ. وعندما يعجز الإنسان عن الوصول إلى مناطق ضيقة بسبب الأنقاض، يمكن للكلاب الباحثة الوصول إلى هذه المناطق بسهولة وتقديم المساعدة في العثور على الناجين.

على أي حال هذه المقالة بين يديك عزيزي القارئ، لا تركز على الدور العملي للكلاب في عملية الإنقاذ، بل تركز بخاصة على مناقشة كيفية تصوير وسائل الإعلام لدور الكلاب في التعامل مع الأزمات والكوارث، وما السياق الثقافي الذي يروج للاعتماد على الكلاب، ليس ضرورة عملية فحسب، بل كونهم أبطالاً اجتماعيين أيضاً.

 نتناول كيف يمكن أن يلعب هذا التصوير الإعلامي للكلاب دوراً في تسريب إيديولوجيا ثقافية معينة إلى الجمهور، من خلال ربط تلك الإيديولوجيا مع الضرورة العملية لاستخدام الكلاب في الأزمات لإنقاذ الأرواح البشرية. يعني ذلك أن فكرة إنقاذ الأرواح البشرية قد تستغل لتلعب دوراً هاماً في تلقي المشاهدين لهذه الإيديولوجيا دون وعي، إذ يمرر لإيديولوجيا ثقافية محددة عن طريق ربطها بأسلوب ذكي بالضرورة العملية لإنقاذ الأرواح البشرية.

من خلال هذه المقالة أيضاً نحاول فهم كيف يمكن أن تلعب وسائل الإعلام دوراً في صناعة تصوراتنا المعاصرة حول السبل الأفضل لمواجهة الكوارث.

ذلك أن في الإعلام أحياناً لا يعبَّر عن فكرة الكلاب المنقذة على أنها حل عملي للكوارث الإنسانية فحسب، بل تقدم على أنها شريك اجتماعي لا يقل دوره أهمية عن دور المنقذين البشر في إنقاذ الضحايا، بل يفوقهم أحياناً في الأهمية. ومن ثم فإن هذا الانتقال من التركيز على دور الكلب كونه ضرورة عملية للإنقاذ إلى تكريس صورة الكلب كبطل وشريك اجتماعي في عملية الإنقاذ في أثناء الكوارث الاجتماعية يشكل نقطة حوارنا في هذه المقالة.

باختصار نقول: في الأوقات التي يشهد فيها العالم كوارث طبيعية، قد يُظهر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مراراً وتكراراً الكلاب وهي تؤدي دوراً بارزاً في عمليات الإنقاذ خلال الزلازل. يُصورها التلفاز والصور الصحفية والفيديوهات وكأنها بطلة لا تعرف الخوف، وكأنها تعرف بالضبط ما يجب القيام به لإنقاذ الناس المحاصرين تحت الأنقاض.

الكلب السويدي كيليان Killian:

سنأخذ الحالة السويدية في مقالتنا مثالاً نموذجياً عن استخدام الكلاب كفاعل اجتماعي أكثر منه ضرورة عملية. ولكي نشير إلى دور الكلب السويدي كيليان في زلزال تركيا الأخير نستمع لما تخبرنا به Sky News Arabi عن الكلب السويدي كيليان:

في أثناء زلزال تركيا "شارك نحو 388 كلباً مدرباً من 47 دولة في عملية واسعة، شاركت فيها كلاب مدربة في عمليات الإغاثة في المناطق المنكوبة في تركيا، وأسهمت في إنقاذ 74 شخصاً في ولاية كهرمان مرعش وحدها. ومن الكلاب شديدة الفاعلية كان الكلب كيليان، وهو كلب إنقاذ سويدي، ساهم في إنقاذ حياة 18 شخصاً كانوا تحت الأنقاض.

وكيليان هو كلب من نوع جولدن ريتريفر، ويبلغ من العمر 6 سنوات، وهو كلب إنقاذ معتمد دربته وكالة الطوارئ المدنية السويدية MSB. سافر كيليان بصحبة رجلي الإطفاء كيريل وكلايس إلى تركيا بعد 3 أيام من وقوع الزلزال المدمر، ويعمل كيريل وكلايس في مجال الإنقاذ منذ 26 عاماً، وقاموا بهذه المبادرة الفردية للتطوع ومساعدة المتضررين، وبتمويل من مؤسسة جمع تبرعات سويدية". (Sky News Arabi, 2023).

تحليل السياق الثقافي السويدي للاعتماد على الكلاب:

في معرض الفيلم الوثائقي السويدي بعنوان "نظرية الحب السويدية" من إخراج المخرج الإيطالي السويدي إريك جانديني، يشير الراوي في الفيلم إلى حقيقة قد تبدو صادمة لبعض الناس ومشجعة لبعض آخر، وهي أن نصف المجتمع السويدي يعيش وحيداً دون أي ارتباطات أسرية أو عائلية. ويضيف الراوي ليقول بأن هذه النسبة هي أعلى نسبة في العالم بخصوص العيش وحيداً. ومن خلال سرد الفيلم نلاحظ كيف يرغب الراوي في إخبارنا بحقيقة واحدة، وهي أن هذه العزلة لم تظهر بين يوم وليلة، بل هي صنيعة أكثر من 40 عاماً من العمل السياسي والحفر عميقاً في تشكيلة المجتمع على جميع المستويات، بهدف خلق مشهد اجتماعي تسوده العزلة بهذا الشكل. وبعبارة أخرى نسبة العزلة هذه ليست وليدة الصدفة، بل أطلقت مجموعة من السياسيين في عام 1972 بياناً رسمياً (manifesto) بعنوان "عائلة المستقبل".

في هذا البيان أعلن السياسيون عن شكل العائلة المستقبلية التي يطمحون لتأسيسها، إذ يرى السياسيون من خلال البيان أن العلاقات الإنسانية يجب أن تقوم على روابط الحب فحسب. وبمعنى آخر بالنسبة لهم لا يجب أن تكون العلاقات الإنســـــــــانية مقيدة بتشكيلات اجتماعية مثل الأسرة، إذ يضمن ارتباط الأفراد بعلاقات الحب أن يبقوا معاً دون الالتزام القسري من هيئات اجتماعية مثل العائلة، أو نتيجة الالتزام الاجتماعي، أو الاحتياج للإعالة المالية.

وهذا يتطلب -كما رأى السياسيون في ذلك الوقت- دعماً مالياً لجميع أفراد الأسرة، لكيلا يبقى أحد يعيله أحد آخر في العائلة، وبذلك يبقى الجميع في الأسرة معاً بسبب رغبتهم في ذلك. أي يصبح دافع الحب هو الذي يحركهم للبقاء معاً، وليس بسبب خوفهم من عدم إعالتهم.

ومن ثم تتحرر المرأة من حاجتها لأن يعيلها زوجها، والطفل يتحرر من حاجته لأن يعيله والداه، ويغدو الجميع يسبح في فضاء الحب غير الملزم لأي من الأطراف. ويمكن القول بأن هذا المخطط السياسي الذي يقتضي تدخل الدولة من خلال مساعدتها لجميع أفراد الأسرة مالياً ليكونوا مستقلين ومتحررين من حاجتهم لإعالة بعضهم بعضاً، هو ما أسهم بطريقة ما في إنشاء ملامح مجتمع الرفاه بشكله الحالي (welfare society).

ولكن بنظرة خاطفة على الأثر الاجتماعي الذي أحدثه هذا البيان، فإننا نعود إلى الإشارة إلى بداية المقالة، حيث قلنا: إن الإحصائيات تخبرنا بأن نصف المجتمع السويدي يعيش وحيداً دون أي ارتباطات أسرية أو عائلية. أي باختصار إن الأثر الاجتماعي للبيان أن أصبح نصف المجتمع السويدي وحيداً دون أي ارتباطات ناتجة سواء عن الحب أو حتى بالإعالة.

ولكن لن يتوقف الأثر الاجتماعي عند ذلك، بل يمكن ملاحظة أن نسبة الاعتماد على الحيوانات الأليفة، مثل الكلاب في المجتمع السويدي زادت بنسبة واضحة، وقد يعزى السبب في ذلك جزئياً على الأقل إلى نسبة العزلة الاجتماعية العالية. إذ إن تبني المجتمع لمفهوم الحب والإخلاص أساساً وحيداً لبناء العلاقات الاجتماعية، جعل الكلب الحيوان الأليف هو الأقدر على إظهار الحب غير المشروط لصاحبه دون خيانة أو غدر، كما نراها في الطبيعة البشرية.

يمكن القول: إن تبني رعاية الكلاب في المجتمع السويدي هي ثقافة مجتمع قائم على تفكك الأسرة وعلاقات الحب فحسب، أكثر من كونها ضرورة عملية، ولكن تأتي الأبحاث العلمية والضرورات العملية فيما بعد لتعزز تلك الثقافة، من خلال الإشارة إلى الدراسات والإحصائيات الرصينة.

مثلاً أجرى باحثون في جامعة أوبسالا السويدية إحدى الدراسات، بالتعاون مع جهات أخرى، مثل الجامعة الزراعية السويدية، وجامعة سترات فورد، ومعهد كار ولينسكا. كان هدف هذه الدراسة هو رصد الرابط بين نسبة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية أو الوفاة المبكرة، وبين وجود كلب في المنزل. أي بمعنى آخر تتقصى الدراسة مدى نسبة مساهمة وجود كلب في المنزل في خفض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية أو الوفاة المبكرة.

وتقول توفي فال (Tove Fall) الطبيبة البيطرية والأستاذة المشاركة في علم الأوبئة في قسم العلوم الطبية في جامعة أوبسالا: إن هذه الدراسة تُعد الأكبر على الإطلاق في البحث عن الرابط بين تربية الكلاب في المنزل وأمراض القلب، فقد شملت الدراسة نحو ما يزيد عن 3.4 مليون سويدي تتراوح أعمارهم بين 40 و80 عاماً.

تابع الباحثون المشاركين في الدراسة لمدة تصل إلى اثنتي عشرة سنة، فقد كان ما يقرب من واحد من كل سبعة مشاركين لديه كلب. في بداية الدراسة لم يكن أي من المشاركين يعاني من أي مرض في القلب أو الأوعية الدموية. وفي النهاية نجح الباحثون في إثبات أن أصحاب الكلاب كانوا يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية أو يتوفون بنسبة أقل ممن لا يمتلكون كلاباً.

والجدير بالذكر أن الدراسة تركز في عرض نتائجها على مدى دور الكلاب، خاصةً مع الأشخاص الذين يعيشون وحيدين. إذ تشير الدراسة إلى وجود ارتباط واضح خصوصاً بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون بمفردهم. حيث كان أصحاب الكلاب الذين يعيشون بمفردهم أقل عرضة للوفاة بنسبة 33% من الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم من دون كلب، وأقل عرضة للإصابة بنوبة قلبية بنسبة 11% ( Yle,2017).

وبنهاية العرض تركز فال (Fall) في عرض النتائج بالذات على الأشخاص الوحيدين غير المتزوجين لتقول:

"حقيقة أن الروابط تكون أكثر وضوحاً بالنسبة للأشخاص غير المتزوجين هي أمر مثير للاهتمام بوجه خاص، فقد أشارت العديد من الدراسات السابقة إلى أن الأشخاص غير المتزوجين لديهم خطر متزايد للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ولكن ربما يمكن لاقتناء الكلاب أن يحيد هذا الخطر الزائد" (Yle,2017).

إن تركيز فال (Fall) في عرض النتائج على حقيقة أن الأشخاص غير المتزوجين هم عرضة أكثر للأمراض القلبية، وإخبارها لنا بعد ذلك عن الحل وهو أن اقتناء الكلاب يخفف من نسبة الإصابة عند هؤلاء الأشخاص غير المتزوجين، فيه دلالة واضحة على أن اقتناء الكلاب يُعد من أحد الحلول المطروحة وأحد البدائل لعدم الزواج.

أي بمعنى آخر كان يجدر القول: إن العزلة الاجتماعية تزيد من نسبة أمراض القلب، ولكن لا تقف توفي فال عند ذلك، بل تستدرك بسرعة لتخبرنا بالحل السريع وهو اقتناء الكلاب، وذلك فحسب لأنه ثبت أن اقتناء الكلاب يخفف من خطورة الأمراض القلبية على غير المتزوجين، ومن ثم نرى مدى تجذر ثقافة اقتناء الكلاب بديلاً أساسياً جذرياً عن العلاقات الإنسانية، وحلاً لعدم الزواج وتخفيف الأمراض الناتجة عن عدم الزواج. ومن ثم يغدو الكلب شريكاً اجتماعياً في العلاقات الإنسانية، ولا يُنظر إلى اقتنائه على أنه ضرورة عملية. ومن ثم وعند هذه النقطة سنتوقف لنحلل كيف يظهر دور الكلاب في الكوارث (والتي هي أكثر الظروف التي تنتج ضرورات عملية) على أنه شريك اجتماعي وبطل أكثر من كونه ضرورة عملية لإنقاذ أرواح البشر.

رصد الإعلام والصحافة لدور الكلاب في التصدي للكوارث:  

تنوعت العناوين الصحفية حول رصد دور الكلاب في زلزال تركيا الأخير، فقد أشارت بعض المواقع إلى الجانب العملي من الموضوع، مكتفية بالإشارة إلى دور الكلاب العملي الضروري في الكوارث. في حين أن عناوين أخرى لم تكتف بالإشارة العملية لدور الكلاب في الزلزال، بل قدمت الكلاب كأبطال اجتماعيين متفوقين يستحقون التقدير والتمجيد والتكريم.

فقد تصدرت مواقع التواصل عناوين مثل:

"الكلب السويدي البطل كيليان ينقذ حياة 18 شخصاً من بين الأنقاض، واحتفل به بحصوله على شهادة مرموقة" (2023 ,CLAESSON).

وأيضاً عناوين أخرى مثل : " كيليان المذهل... قصة كلب أنقذ 18 شخصاً من أنقاض الزلزال" (sky news arabi,2023
ونرى في موقع france24

عنواناً كالتالي: "زلزال تركيا وسورية: كلاب الإنقاذ تتحول إلى أبطال والمكسيك تنظم مراسم وداع عسكرية لكلبها بروتيو" (2023 ،france24) .

أما على BBC news عربي فنرى عناوين مثل: "تكريم كلب سويدي وجنازة عسكرية لكلب مكسيكي ساهما بإنقاذ ضحايا زلزال تركيا". (bbc,2023).

تحليل السياق الإعلامي في وسائل الإعلام حول تصوير الكلاب المنقذة في الكوارث:

من خلال تحليل السياق الإعلامي الذي يروج لاستخدام الكلاب في إنقاذ الأرواح خلال زلزال تركيا الأخير، سأركز على النواحي النقدية والجوانب التي تستحق أن تُعطى هامشاً إضافياً من التحليل، والتي تستحق التدقيق من وجهة النظر النقدية.

ويمكن القول بأن هناك عدة عناصر مشتركة بين تلك الوسائل الإعلامية في تقديمها للدور البطولي للكلاب، وتلك العناصر المشتركة هي:

  • التضخيم والاستفزاز الوجداني:

بدايةً يمكن رصد استخدام بعض وسائل الإعلام للكلاب بصورة مفرطة ومؤثرة ومبالغ فيها. تهدف وسائل الإعلام هذه إلى تحقيق التأثير وجذب الانتباه عبر استخدام صور وعبارات تستند إلى الرثاء والمشاعر. ذلك يجعلها تُظهر الكلاب بمظهر أبطال خارقين، مما ينتج عنه تضخيم الدور الذي تلعبه ويخلق نوعاً من التأثير العاطفي في المتلقي.

  • التبسيط والتحجيم للواقعة:

تعتمد بعض وسائل الإعلام على تقديم صور مبالغ فيها تمثل الكلاب وهي تحمل عبء إنقاذ البشر. يمكن أن يرى ذلك بأنه تبسيط للواقع، حيث يجري تجاهل التعقيدات والصعوبات الواقعة في تدريب واستخدام الكلاب في المواقف الطارئة.

  • استغلال العواطف:

الخطاب الإعلامي الذي يروج لاستخدام الكلاب في الزلازل يعتمد أحياناً بوجه ما على استغلال العواطف لجذب الجماهير، ويستفز مشاعر الشفقة والتعاطف من خلال عرض صور تظهر الكلاب في وضعيات مؤثرة أو ملحمية بطولية، مما يؤدي إلى استدراج الجمهور إلى فخ عاطفي مصطنع.

  • استخدام الأجندة السياسية:

من جانب آخر يمكن أن يكون هناك استخدام لدور الكلاب في الزلازل لأغراض سياسية، إذ يمكن أن تستفيد بعض الجهات من تصوير الكلاب كأدوات للتأثير السياسي والإعلان عن الجهود السياسية بدلاً من التركيز على الإنقاذ الفعلي.

  • تأثير في القرارات العامة:

هذا النوع من الإعلام يمكن أن يؤثر في قرارات الجمهور والجهات المسؤولة. تحت تأثير هذا السياق الإعلامي قد يتخذ الجمهور قرارات تعتمد على العواطف في مواجهة الكوارث دون مراعاة جوانب أخرى تتعلق بالتدريب والرعاية والسياسات العامة المتعلقة بالكلاب.

باختصار يظهر تحليلنا السريع لهذا النوع الخاص من السياق الإعلامي الجوانب النقدية، حيث يجري التلاعب بالعواطف ويُخفى التأثير السياسي. ويظهر هذا التحليل أيضاً كيف يمكن أن يؤدي هذا السياق الإعلامي إلى تشويه الواقع وتقديم صورة مبسطة ومبالغ فيها للجمهور، مما يجعل من الضروري التفكير بعمق في كيفية توجيه الدعم والجهود نحو تحقيق الاستفادة القصوى من دور الكلاب في إنقاذ الأرواح بواقعية حقيقية بعيداً عن الدعاية السياسية والترويج الثقافي لثقافة دوناً عن الأخرى.

تحليل السياق الثقافي لوسائل الإعلام:

يعكس هذا النمط من التقديم الإعلامي لدور الكلاب في الكوارث على أنها أبطال اجتماعية سياقاً ثقافياً مركزياً غربياً أكثر من كونه يعكس إجراء عملياً ضرورياً لتجنب الكوارث. إذ استخدام الكلاب كأبطال في جهود الإنقاذ في الزلازل غالباً ما يؤطر بطريقة أوروبية المركز، مما يعني ضمناً أنها تعكس قيم ووجهات نظر ومصالح المجتمعات الغربية. ويتضمن تحليل هذا السياق الثقافي المتمركز حول الغرب (Euro-Centric) إجراء دراسة نقدية لكيفية إعطاء الأولوية لجوانب معينة من دور الكلاب في الإنقاذ أو تصوير أدوارها بطريقة مثالية، ربما على حساب الثقافات والممارسات وأشكال المساعدة الأخرى. فيما يلي بعض المحاور الأساسية التي نحاول من خلالها في هذه المقالة تأطير النقاط الأساسية التي يجب أن تراعى في أثناء تحليل السياق الثقافي لمثل هذا الإعلام الذي يصور الكلاب على أنها تقوم بدور مثالي كشركاء اجتماعيين وأبطال:

  1. التحيز الثقافي والتعميم:
    قد يصور الإعلام المتمركز ثقافياً حول الغرب استخدام الكلاب كطريقة متفوقة ومثالية عالمياً للاستجابة للكوارث، ومن المحتمل أن يتجاهل الممارسات والأساليب الثقافية الأخرى من المناطق غير الغربية.
  2. الصور النمطية للثقافات الأخرى:
    يجب لتحليل السياق الثقافي للإعلام المتمركز حول الغرب تحديد الحالات التي يقوم فيها مثل هذا الإعلام عن غير قصد بتصوير نمطي أو التقليل من قدرات ومساهمات الثقافات غير الغربية وأساليبها في الاستجابة للكوارث. على سبيل المثال: لا نجد كثيراً صوراً ملحمية وبطولية لسكان الحي الذين نظموا أنفسهم عفوياً لمساعدة الضحايا في منطقتهم، ولا نسمع الكثير عن المبادرات العفوية في تنظيم إشعال النار للتدفئة والعناية بالأطفال الذين فقدوا آباءهم في الكارثة.
  3. تمثيل البطولة:
    قد يدعم الإعلام المتمركز حول الغرب الممارسات الأوروبية أو الغربية بوصفها بطولية وفعالة في حين يهمل الجهود البطولية التي تبذلها المجتمعات غير الأوروبية وأساليبها الفريدة في الاستجابة للكوارث.
  4. قمع المعرفة المحلية: 
    ينبغي لتحليلنا للسياق الثقافي أن يراعي ما إذا كان الإعلام المتمركز حول الغرب يقمع أهمية المعرفة والخبرة المحلية في تنظيم الأمور في أثناء الكوارث في المناطق غير الغربية، مما قد يؤدي إلى استبعاد الممارسات المحلية القيمة. وأحياناً يتجاهل إعلامياً الممارسات المحلية القيمة تماماً بحجة أنها قد تعد عشوائية وغير مجدية.
  5. التسلسل الهرمي الضمني:
    غالباً ما يخلق مثل هذا السياق الإعلامي الغربي المركز تسلسلاً هرمياً ضمنياً إذ ينظر إلى الأساليب الغربية في التعامل مع الكوارث على أنها المعيار الذهبي. وهنا يجب أن نتساءل عما إذا كان هذا التسلسل الهرمي يعتمد على تقييم موضوعي أم أنه يخدم مصالح معينة.
  6. الموروثات الاستعمارية:
    قد يكشف تحليلنا للسياق الثقافي للإعلام عن المورثات التاريخية والاستعمارية التي تؤثر في السياق الإعلامي المركزي. ولذلك من الضرورة دراسة كيف ساهم التاريخ الاستعماري في تشكيل التصورات المعاصرة للاستجابة للكوارث.
  7. النزعة العرقية:
    يجب في أثناء التحليل الثقافي للسياق الإعلامي تسليط الضوء على أي حالات من النزعة العرقية المدرجة ضمن السياق الإعلامي. إذ تقدم الممارسات الغربية على أنها متفوقة وخالدة أو جريئة وبطولية، ويحكم على الممارسات الثقافية الأخرى على أساس المعايير الغربية.
  8. النهج البديل:
    ومن الأهمية بمكان استكشاف أساليب بديلة للاستجابة للكوارث والنظر في فاعليتها في سياقات ثقافية مختلفة. إذ يجب أن يهدف تحليل السياق الثقافي إلى اعترافنا بقيمة الأساليب المتنوعة في مواجهة الكوارث.
  9. المنهج التعاوني والشامل:
    وينبغي لتحليل مثل هذا السياق الإعلامي المتمركز أن نشجع على منهج أكثر تعاونية وشمولية، يقدر ويحترم مختلف الأساليب في الاستجابة للكوارث، ويعزز التعلم المتبادل وتبادل المعرفة.

أخيراً ومن خلال تحليلنا السريع للإعلام المتعلق باستخدام الكلاب في عمليات الإنقاذ في أثناء الزلازل، نتعرف أولاً على الكيفية التي يمكن أنها أثرت في صناعة تصوراتنا المعاصرة عن الطريقة الأمثل للتصدي للكوارث. ويصبح بوسعنا أن نتحدى الروايات السائدة، ونتعرف على أشكال متنوعة من البطولة والاستجابة للكوارث، ونعزز فهماً أكثر إنصافاً وشمولاً لهذه الأمور الحيوية. حيث يفتح هذا التحليل الباب لتبني منظور عالمي يقدر مساهمات وحكمة جميع الثقافات في مواجهة الكوارث.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...