الابتكار الاجتماعي
توظيف البصائر السلوكية في رفع معدلات الإكمال للطلاب في التعلُّم عن بعد

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 13

توظيف البصائر السلوكية في رفع معدلات الإكمال للطلاب في التعلُّم عن بعد

   د. فادي عمروش

يواجه التعليم عن بعدٍ تحدياً كبيراً في نسب الإكمال، إذ تعد نسبة الإكمال متواضعة جداً في الدورات الجماعية عبر الإنترنت، وتعد هذه النسب مُحبطة لكل مؤسَّسة تود التصدي لمشكلات التعلُّم عن بعد، وهو ما كاد أن يحبطنا أيضاً حين انطلقنا في العمل في مؤسسة نيوفيرستي التعليمية حين قررنا التصدي لذلك.

وللتصدي لمشكلة نسب الإكمال الضعيفة في التعليم عن بعد، انطلقنا خلال عملنا بأسلوب مكثَّفٍ في تطبيق البصائر السلوكية وتوظيف الاقتصاد السلوكي بالشكل الأمثل لتحفيز الطلاب على الإكمال، وخاصة من خلال تطبيق ما طرحه "ريتشارد ثالر" في نظريته الترغيب Nudge والتي تهدف إلى توظيف استراتيجيات الاقتصاد السلوكي في تغيير سلوكيات الأشخاص للأفضل بطريقة غير مباشرة.

خلال عام استطعنا الحصول على نتائج هائلة، واستطعنا اختبارها عملياً خلال شراكتنا مع برنامج مهارات من جوجل، عندما قدَّمنا برامج تعليميَّة مجانية في التسويق الرقمي بالتعاون مع برنامج مهارات من جوجل، واستطعنا الوصول إلى نحو 50 ألف طالبة وطالب من الناطقين بالعربية، والموجودين في مختلف دول العالم، وبنسب إكمال وصلت حتَّى 92 % ونسب إتقان (اجتياز الامتحان النهائي) وصلت إلى 71 %.

فكيف وصلنا إلى هذه النسب؟ أشارك معكم أهم البصائر السلوكية التي وظَّفناها في رحلتنا تلك مع المتعلِّمين.

إشراك الطلاب في اللعبة التعليمية

إذا كان هدفك هو جعل مزيد من الطلاب ينهون تجربة التعلم، فاطلب منهم إظهار التزامهم المبدئي، وكما أشرنا سابقاً فالطريقة الأكثر وضوحاً للقيام بذلك هي ببساطة تحصيل رسوم، ولكن في حالة البرامج المجانية ما البديل؟

يمكن أن تكون هناك استراتيجية أخرى فعَّالة تجعل الطلاب يُكملون، اطلب منهم التفكير في كيفية تطبيق ما تعلموه، وما يعدُّون لهذه التجربة، ويمكنك أيضاً أن تطلب منهم الحصول على توصيةٍ من شخصٍ آخر، أو إكمال مقابلة لحجز مقعدٍ.

عندما تبني إحساساً بالانتقائية في التسجيل، فإن الناس يُقدِّرون التجربة اللاحقة عموماً أكثر، ورأينا كثيراً أن الناس غالباً ما يُقدِّرون الأشياء في جميع أنحاء العالم، ويشعرون بقيمتها أكثر عندما يبذلون جهداً للحصول عليها.

في نيوفيرستي نتَّبع البصائر السلوكية التالية لإشراك الطلاب في لعبة التعليم أكثر:

  • لكل برنامج تعليمي موعد محدد بداية ونهاية، ولا تكون المدَّة مفتوحة كثيراً.
  • نفتح التسجيل خلال مدة محدَّدة قصيرة نسبياً.
  • لا نُخبر الطلاب بأنَّ القبول تلقائي، وإنَّما سنراسل المقبولين.
  • نطلب من الطلاب أن يشيروا إلى من رشَّحهم، وكيف عرفوا بالبرنامج التعليمي.
  • نطلب من الطلاب كتابة سطرين يشرحون فيهما سبب رغبتهم في الانتساب إلى البرنامج التعليمي.

تجنُّب تقديم المادة التعليمية عند الطلب، والحرص على فرض مواعيد نهائية

بدلاً من إتاحة الدورة التدريبية باستمرار، يجب تحديد موعد نهائي دوماً، أي يجب أن تُتاح المواد التعليمية لأوقاتٍ زمنيةٍ محدَّدة فحسب خلال العام، وليس طوال العام، في الواقع تنخفض نسب الإكمال عادةً بصورة مذهلةٍ حين يعلم الطلَّاب أنَّ الدورة متوفِّرة باستمرار، حتَّى لو كانوا يدفعون ثمنها.

غالباً ما يشتري الأشخاص دورات على منصَّات مثل Udemy أو Teachable، ولكن في بعض البرامج التعليميَّة لا يُسجِّل سوى ربع الذين اشتروا، وكل ما يفعلونه هو تسجيل الدخول لمشاهدة الفيديو الأول، رغم أنَّهم دفعوا الرسوم، وذلك لاطمئنانهم أنَّ البرنامج متاح للأبد! بنفس الطريقة التي يراكم بها الأشخاص أكواماً من مجلاتهم المفضَّلة، لكنهم لا يقرؤونها أبداً.

نحتاج غالباً إلى الجمع بين الدفع الخارجي والشعور بالإلحاح، كما يقول المثل القديم: "ما يمكن فعله في أي وقت، غالباً لن يُفعَل في أي وقتٍ من الأوقات".

في نيوفيرستي نفعل ما يلي:

  • نفتح الدورات بتواترٍ قليلٍ (كل شهر مرة أو كل شهرين).
  • لا نعطي أي ضمانة باحتمالية إعادة البرنامج التعليمي لاحقاً.
  • نخبر الطلاب أنَّنا سنغيِّر كلمات السر في نهاية المدَّة، وبذلك ندفعهم للإكمال بضغطٍ نفسيٍّ منَّا.
  • نُخبر الطلاب أنَّ مدة التمديد هي أمرٌ صعبٌ (رغم أنَّنا نتساهل في ذلك).

استخدام قوَّة ضغط الأقران

يرتفع أداء الطلاب حين يشعرون أنَّ غيرهم يُقدِّم أداءً جيِّداً، وتُشكِّل المنافسة دافعاً لهم بشكل أو بآخر، ومن ثم يجب أن يعرف الطلاب تَقدُّم الآخرين ليكون مُشجِّعاً لهم، فمن المهم خلال إعطاء الدروس الإشارة إلى الطلَّاب المُميَّزين مما يدفع طلاباً آخرين للاندماج في الجلسة والتميُّز، ومن المهم أيضاً إعلان أسماء الناجحين، وإخبار الآخرين بأن غيرهم قد سبقهم بالحصول على الشهادة فهذا يدفعهم للمضي قُدماً لمجاراته.

في نيوفيرستي نحرص على ما يلي:

  • استخدام ضغط الأقران خلال إلقاء المحاضرة التفاعلية ما يدفع الطلاب للاندماج أكثر.
  • طرح أسئلة على الطلاب عشوائياً، ما يدفعهم لإبقاء انتباههم عالياً كي لا يشعروا بالإحراج أمام الآخرين.
  • زيادة حماسة الطلاب من خلال إخبارهم أن هنالك من سبقهم بتقديم الوظائف.
  • مراسلة الطلاب وتذكيرهم أن غيرهم نال الشهادة وأنهم متأخرون عنهم.

البساطة

تتطلَّب الدورات عبر الإنترنت عموماً قدراً من التعقيد من خلال طلبات التسجيل والتحقُّق من التسجيل، ومن ثمَّ الدخول إلى منصَّات إلكترونية معقَّدة يضيع فيها الطلاب، وغالباً ما يترك الطالب البرنامج التدريبي، لأنه غير معتادٍ على منصَّة التعليم ولا يريد تجربة منصَّة جديدة.

لحل ذلك يجب تبسيط الأمور قدر الإمكان أمام الطلاب، وإتاحة الموارد لهم بأكثر من طريقة دون إجبارهم على طريقةٍ معيَّنةٍ، إذ يمكن مراسلتهم عبر البريد الإلكتروني بموارد الدورة، أو وضعها على منصَّةٍ مخصَّصةٍ لذلك.

في نيوفيرستي نراعي ما يلي:

  • هناك منصَّة بسيطة جدَّاً ومخصَّصة لإدارة العملية التعليمية حتَّى إنَّها لا تحتاج إلى تسجيل!
  • توضع الموارد بأكثر من شكلٍ عبر المنصَّة، أو خارج المنصَّة.
  • نراسل الطلاب بكل الطرائق الممكنة ليصل كل طالب إلى الموارد بالطريقة الأسهل له دون فرض شيء عليه.
  • ننشر المحاضرة بما يناسب كلّ شرائح الطلاب، مثلاً يتابع بعضهم المحاضرة عن بعد، وآخرون مُسجَّلة، ويتابع أحدهم التسجيل عبر المنصة، وآخر عبر يوتيوب، وتُأمَّن الموارد للطلاب بكل أشكال وجودهم، عبر البريد الإلكتروني، وفي أحيانٍ أخرى عبر فيسبوك أو واتساب، وهكذا يصل كل شخص بأبسطِ طريقة يعتقدها إلى الموارد دون إجباره على طريقةٍ ما.

وجود جائزة 

تتطلَّب الدورات عبر الإنترنت عموماً قدراً كبيراً من الدوافع الذاتية لإكمالها، ويجب في بعض الأحيان تخصيص مكافأة كي ينهي الطلاب رحلتهم التعليمية بنجاحٍ وحماسة.

ليس من الضروري أن تكون الجائزة مبلغاً مادياً، وإنَّما يمكن أن تكون منحةً مجانية لبرنامج تدريبيٍّ آخر، أو يمكن أن تكون الشهادة هي الجائزة بحدِّ ذاتها، أو أي شيءٍ آخر يمكن أن يُقدِّره الطلاب ويُشعرهم بالفخر عند حصولهم عليه. يمكن المشاركة مع أرباب العمل أو الممولين لتزويدِ الطلاب بأدواتٍ وموارد حقيقيَّة لتحويل أعمالهم الدراسية إلى منتجاتٍ وخدماتٍ فعليةٍ، وتقديم جوائز لهم.

في نيوفيرستي نفعل ما يلي:

  • وضع مكافأة في نهاية الدورة التدريبية وهي شهادة في حال اجتياز الاختبار.
  • وضع مكافأة تشجيعية، وهي دورة تدريبية مجانية متقدِّمة لمن ينال الشهادة.

الخلاصة

أدَّى تطبيق تلك البصائر السلوكية، بالإضافة إلى جودة الدورة التعليمية إلى قفزةٍ هائلةٍ في معدَّلات الإكمال في نيوفيرستي، كما كان لأتمتة إجراءات العمل دور في تسريع العملية أيضاً. يسجِّل الطلَّاب، ومن ثمَّ يحصلون على معلومات الدخول مؤتمتة، ومن ثمَّ يتعيَّن عليهم تقديم الامتحانات ويحصلون بعد ذلك على الشهادة مؤتمتة بالكامل، ما يعني إمكانية إعطاء برامج تعليميَّة جماعية لأعدادٍ هائلةٍ بشكلٍ متزامنٍ.

في الواقع نعتقد أنَّ توظيف تلك البصائر السلوكية في مؤسسة نيوفيرستي التعليمية في التعليم عن بعد قد أدى إلى تجاوز  مشكلات عدم الإكمال التي تواجه المقررات التدريبية عبر الإنترنت الحالية، وصولاً إلى نموذج يستحقُّ التعميم.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...