مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 15
الابتكار البيئي في المملكة العربية السعودية
تبذل المملكة العربية السعودية جهوداً كبيرة لتعزيز ممارساتها المستدامة في مختلف القطاعات، حيث تركز جهودها على العديد من المجالات للوصول إلى أهداف رؤية المملكة 2030 إذ تلعب الاستدامة فيها دوراً مهماً، حيث تهدف إلى تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وبيئية مستدامة.
عملت المملكة على تنويع مصادر الطاقة فيها من خلال الاعتماد على الطاقة المتجددة، شمل ذلك تنفيذ مشروعات كبيرة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وتبنت رؤية المملكة 2030 العديد من البرامج والمبادرات والمشروعات البناءة التي تعزز تلك الجهود المبذولة في سبيل تحقيق التنمية المستدامة والتي كان من أبرز أهدافها:
- توفير طاقة نظيفة بأسعار مدروسة.
- توفير الصناعة والابتكار والبنية التحتية.
- تنويع مصادر المياه النظيفة.
- إنشاء مدن ومجتمعات محلية مستدامة[1].
شهدت المملكة العربية السعودية تطوراً في قطاعات البيئة والمياه والزراعة كونها تحظى بدعم حكومي واسع، فقـد أبصرت تلك القطاعات نور النمو والتطور في مجال تحقيق الأمن المائي والغذائي بالمملكة، ورفع كفاءة الخدمـات المختلفة والمحافظة عـلى البيئـة، وابتكـار حلول لتعزيز اسـتدامة قطاعات البيئة والمياه والزراعة وصولاً إلى تجسيد رؤية المملكة 2030 على أرض الواقع.
سعت المملكة للحفاظ على المياه كأحد أثمن الموارد فيها، وشملت الابتكارات الخضراء في هذا المجال تطوير تقنيات جديدة لتحلية مياه البحر بتكلفة أقل واستهلاك طاقي مخفض، والاهتمام بإعادة تدوير المياه المستعملة ومعالجتها لمختلف الأغراض، وإدخال أساليب مبتكرة للري الذكي في الزراعة بما يؤدي إلى تقليل استهلاك المياه مع الحفاظ على الإنتاجية الزراعية.
أطلقت المملكة عدداً من المشروعات تحت رعاية مبادرة "السعودية الخضراء" التي انتهجتها منذ أن انطلقت وذلك في عام 2021، كانت الغاية من إعلان هذه المبادرة تعزيز جهود حماية البيئة، وتسريع وتيرة تفعيل الطاقة المتجددة، وتقليل الانبعاثات الكربونية، من خلال إنشاء مشروعات مثل: زيادة أعمال التشجير، استصلاح الأراضي الزراعية، الاستفادة من الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء وتحلية المياه، وكذلك استخدام توربينات الرياح لتوليد الطاقة الكهربائية أيضاً[2].
وكان من المشروعات التي أنشأت من خلال استغلال المملكة للطاقة الريحية:
مشروع محطة دومة الجندل:
يقع المشروع في منطقة الجوف التي تتمتع بقوة الرياح ما يساعد على نجاح المشروع، يعد المشروع من أهم وأكبر المشروعات الريادية نحو تحقيق الاستدامة البيئية في المملكة، تم منح المشروع بناءً على التكلفة القياسية للكهرباء بقيمة 2.13 سنت/كيلوواط بالساعة، لتسجل هذه التعرفة رقماً قياسياً جديداً لمشروع من هذا النوع في أوروبا والشرق الاوسط وأفريقيا، بلغت تكلفته الإنتاجية حوالي 1.876 مليار ريال، تم تشغيل المشروع عام 2022، وقد جهز ب99 توربيناً بسعة إجمالية بلغت 400 ميجاواط[3].
فوائد إنشاء محطة دومة الجندل:
على الصعيد البيئي تسهم المحطة في تفادي انبعاث نحو مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً.
كما وفر المشروع 1000 فرصة عمل[4].
مشروع محطة الخفجي لتحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية:
أصدر صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد مرسوم قرار بافتتاح مشروع محطة الخفجي لتحلية المياه عام 2018، لتشكل المحطة علامة فارقة في تحلية المياه المالحة وتحويلها إلى مياه شرب نظيفة، تعتمد المحطة على الطاقة الشمسية التي تقلل الانبعاث الكربوني في المملكة، وتساعد على التحول نحو طاقة نظيفة ومستدامة، وتصل القدرة الإنتاجية للمحطة إلى 90,000 متر مكعب يومياً.
تركزت أهداف المشروع على:
- لفت الأنظار العالمية نحو السعودية من خلال ريادتها في مجال تحلية المياه بواسطة الطاقة الشمسية.
- التقليل من استخدام الطاقة التقليدية في المملكة.
- تقليل انبعاثات الكربون للمساهمة في تحسين جودة الحياة[5].
مشروع مدينة أوكساجون في نيوم:
وجدت مدينة نيوم بدافع تحقيق الوجه المثالي للعيش على هذه الأرض بنحوٍ أكثر خضرة واستدامة، من خلال تركيزها على مخططات تنسجم مع الطبيعة كركيزة أساسية.
تتفرع "أوكساجون" عن المركز نيوم بكونها مدينة تتمتع بموقع استراتيجي على ساحل البحر الأحمر، حيث تعد أول مدينة تراعي متطلبات الاقتصاد الدائري، تعود تسميتها بأوكساجون نسبة إلى غاز الأوكسجين الذي يعد الأساس في ضمان نظافة البيئة، وبقائها على الدوام بكامل اخضراراها.
كان سبب إنشاء "أوكساجون" رغبة المملكة في إقرار مبادئ "الاقتصاد الأزرق" والذي يعني استغلال المساحة البيئية الخاصة بالمياه والبحار من بوابة الأنشطة التنموية الاقتصادية في مشاريع تتبنى السير بالواقع الخدمي نحو المقدمة، بما يساعدها على تطوير الموارد المائية، والتقليص من استخدام الأراضي للأغراض الصناعية والحفاظ على البيئة.
كما يفتح مشروع بناء المدينة مجالات واسعة وحلول كثيرة في سبيل تطوير تركيبة المدن الصناعية التي تقع على شواطئ المدن الساحلية، و المتضررة من تغير المناخ. تتميز "أوكساجون" بكونها مركزًا للصناعات النظيفة والمتقدمة، حيث تعمل على استخدام أحدث تكنولوجيات الثورة الصناعية والاقتصاد الدائري للمساهمة في سبيل دخول الشركات عالم الابتكار والمنافسة[6].
مشروع تصنيع الوقود الحيوي من زيوت الطهي:
يعد الوقود الحيوي المنتج من مخلفات الزيوت النباتية شكلاً من أشكال الطاقة المتجددة التي يمكن استعمالها بدلاً من الوقود الأحفوري، وهو ما يسهم في النهاية بتقليص الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية الملوثة للبيئة.
كما تعد صناعة وإنتاج الوقود الحيوي بواسطة الزيوت النباتية حلاً مبتكراً وفعالاً في المملكة من حيث التكلفة، ومن حيث المساهمة في خفض البصمة الكربونية.
تم افتتاح أول مصنع في المملكة لصناعة الوقود الحيوي صفري الكربون (البايوديزل) في منطقة الجبيل من قبل الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية الدكتور أحمد بن زيد آل حسين، وذلك عن طريق تحويل مخلفات زيوت الطهي وزيت النخيل، وزيت عباد الشمس إلى وقود حيوي، حيث تبلغ طاقته الإنتاجية حوالي 350 ألف لتر شهرياً، يستخدم الوقود الناتج عن مخلفات الزيوت للبواخر والشاحنات والمولدات الكهربائية.
يساهم المشروع في توفير فرص عمل، وتوفير حياة آمنة خالية من الانبعاثات الكربونية[7]، وتضمنت عملية إعادة تدوير مخلفات الزيوت النباتية وتحويلها إلى وقود حيوي المرور بعدة مراحل على الشكل التالي:
- يرشح الزيت لإزالة ما علق به من مكونات الطعام.
- بعد ذلك، يسخن الزيت المرشح ويمزج بالكحول كالميثانول مع مادة محفزة.
- يترك هذا الخليط ليتفاعل، لينتج عنه تكوّن الوقود الحيوي والغليسرين.
- أخيرًا، يفصل الوقود الحيوي عن الغليسرين، وينقّى من الشوائب لاستعماله كوقود[8].
مشروع البحر الأحمر:
تبلغ مساحة المشروع حوالي 28 ألف كيلومتر مربع، يتألف من عدد من الأراضي والبحيرات، ويفوق عدد جزره التسعين جزيرة، تتميز منطقة المشروع بكثرة الشواطئ، ووفرة العجائب الطبيعية فيها من براكين خامدة، وكثبان رملية، وجبال شاهقة، كما تزخر المنطقة بالشعب المرجانية البديعة التي يتميز فيها حوض المنطقة[9].
في يونيو عام 2017 أعلن ولي العهد السعودي عن إطلاق مشروع البحر الأحمر الذي يعد من أهم المشاريع الحديثة في المملكة، وذلك في إطار سعي المملكة لإنشاء عدة مشاريع ضمن رؤية 2030، للنهوض بالبلاد من نواحي عدة أبرزها الاقتصادية والتنموية، عملت المملكة على حماية البيئة البحرية في المنطقة، وذلك من خلال اتباعها لأحدث أساليب التنمية في مجال الاستدامة البيئية تحقيقاً لأهداف رؤية السعودية 2030 والتي تضمنت:
- الحد من التلوث بمختلف أنواعه.
- حماية وتهيئة المناطق الطبيعية.
يركز مشروع البحر الأحمر اهتمامه في الحفاظ على البيئة، يظهر ذلك من خلال طريقة البناء، والآليات المخطط لإنشائها فيما يخص الاستدامة البيئية، وسيتم تشغيل جميع مرافق المشروع بطاقة متجددة بنسبة 100%.
اشتملت خطة مشروع البحر الأحمر البيئية على:
- حظر استخدام البلاستيك غير القابل لإعادة التدوير.
- حظر رمي النفايات في الموقع.
- حظر تصريف المياه في البحر.
- إنشاء أكبر محمية بحرية في المملكة.
في نوفمبر 2020، تم الإعلان عن إنشاء أكبر منشأة لتخزين البطاريات في العالم، وذلك لإمداد مشروع البحر الأحمر بالطاقة النظيفة[10].
المركز الوطني لإدارة النفايات (MWAN):
تم تأسيس المركز الوطني لإدارة النفايات بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 457 بتاريخ 1440/8/11هـ. بهدف تنظيم أنشطة إدارة النفايات والإشراف عليها، وتحفيز الاستثمار فيها، والارتقاء بجودتها بناءً على مبدأ الاقتصاد الدائري في إدارة النفايات، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
تتمثل رؤية المركز في تنظيم قطاع إدارة النفايات بتبني مبادئ الاقتصاد الدائري لتحقيق الاستدامة وتعزيز حماية البيئة وجودة الحياة، وفي العمل على تنظيم قطاع جاذب من خلال تطبيق أفضل الممارسات والتقنيات والمعايير وتعزيز الشفافية والفعالية والابتكار.
يعمل المركز على إدارة النفايات سعياً منه نحو تحقيق الأهداف التالية:
- تنظيم قطاع إدارة النفايات.
- تعزيز الجاذبية الاستثمارية والأداء الاقتصادي للقطاع.
- تعزيز السلوكيات السليمة والممارسات المبتكرة لإدارة النفايات.
- تحقيق التحول الرقمي في القطاع وتعظيم الفائدة من البيانات.
أطلق المركز مبادرتين هما "مبادرة مستدام"، ومبادرة "شركاء الاستدامة" وذلك بهدف تعزيز العمل على إدارة النفايات.[11]
النمر العربي:
يعتبر النمر العربي رمزًا في شبه الجزيرة العربية، وفي المملكة العربية السعودية بصورة خاصة، ظهر النمر العربي في أفريقيا منذ حوالي 500 ألف سنة، هو من أهم أنواع الثدييات التي تعيش في شبه الجزيرة العربية.
وتتعرض فصيلة النمر العربي لمجموعة من التهديدات أبرزها:
- فقدان الموائل: يتزايد عدد المساكن البشرية والأنشطة الزراعية التي تتعدى على الموائل الطبيعية للنمر، ما يتركها مع مساحة وموارد متضائلة.
- استنزاف الفرائس: أدى الصيد الجائر إلى انخفاض كبير في أعداد الوعول والغزلان وغيرها من الفرائس، ما أجبر النمور العربية على البحث عن مصادر غذائية بديلة، والذي أدى في كثير من الأحيان إلى صراع مع المواشي.
- الصيد الجائر: يعد الصيد الجائر من أكبر مهددات حياة وتكاثر النمر العربي.
- قلة الوعي والحماية: يساهم الافتقار إلى الوعي بشأن النمور العربية، وقلة المناطق المحمية في زيادة تعرضها للخطر.
واستجابة لهذه التهديدات أطلقت الهيئة الملكية لمحافظة العلا يوم النمر العربي لأول مرة في العام 2022 وفي يونيو 2023، الأمر الذي اعتبر كلحظة تاريخية تشير إلى جهود المعنيين في حفظ التراث الطبيعي.
كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع قرارًا يقضي بإعلان 10 فبراير يوماً عالمياً للنمر العربي.
ويتضمن برنامج الحفاظ على النمر العربي التابع للهيئة الملكية لمحافظة العلا، عددًا من المبادرات نذكر منها: برنامج الإكثار وإعادة التوطين، وإنشاء صندوق النمر العربي، وتخصيص 25 مليون دولار من أجل حمايته. وتعد العلا اليوم موطن لخمس محميات طبيعية تبلغ مساحتها 12500 كيلومتر مربع. وتتجهز محميات وادي نخلة، وحرّة الزبن، وحرّة عويرض، موائل مستقبلية محتملة للنمور العربية.[12]
شركة تدوير:
شركة تدوير البيئة الأهلية (تدوير): شركة رائدة ومتخصصة في إعادة تدوير مخلفات الأجهزة الإلكترونية والكهربائية WEEE Recycling في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تسعى من خلال أعمالها إلى تحقيق مبادرة السعودية الخضراء عبر التحول من المرادم إلى إعادة التدوير، تحقيقاً لحماية البيئة وتعزيزاً لقيمة الاقتصاد الدائري في المملكة، حيث تقدم (تدوير) حلولاً بيئية وآمنة لإعادة تدوير النفايات الإلكترونية والكهربائية وفق المعايير العالمية المعتمدة.
تشكل النفايات الالكترونية خطراً على صحة الإنسان وسلامته، لأنها تحتوي على مواد سامة تضر بصحة الإنسان والبيئة، ونظراً لأن النفايات الالكترونية والكهربائية تحتوي على عدد كبير من العناصر الكيميائية الضارة، فقد أطلقت "تدوير" مبادرتها المجتمعية من خلال خدمة "دورك تدورها" وهي مبادرة تهدف إلى إعادة تدوير النفايات الالكترونية والكهربائية التالفة من أفراد المجتمع بشكل مجاني، حيث يتم التعامل معها بإعادة تدويرها بطريقة آمنة بيئياً.
دور تدوير في الاستدامة البيئية:
قامت شركة "تدوير" بإعادة تدوير ما يزيد عن 100 ألف طن من النفايات الإلكترونية والكهربائية على مدى خمس سنوات، أما عن الطاقة الإنتاجية للشركة فقد بدأت بنحو 15 ألف طن في السنة الواحدة، وتستهدف رفعها إلى ما يزيد عن 45 ألف طن ، و إلى أكثر من 128 ألف طن بحلول عام 2025، تهدف "تدوير" إلى تنمية حجم استثماراتها في هذا المجال إلى ما يقارب 70 مليون ريال في تطوير المصنع وخطوط الإنتاج، علماً بأن الشركة تمتلك تقنيات متقدمة، تعتمد على الذكاء الاصطناعي في عمليات الفرز وفصل المواد..[13]
ختاماً، تبدي المملكة حرصها الشديد على تحقيقها الاستدامة البيئية من خلال المشروعات الكبيرة والكثيرة التي أقرتها، وذلك في سبيل الوصول إلى انبعاث صفري للكربون فيها بحلول عام 2060، الأمر الذي يحفز دول العالم والجوار في السير نحو الخطط الرامية لتأمين حياة خالية من التلوث المؤدي إلى إزعاج الشريط البيئي بالتالي إنقاص عمر الكوكب.