الابتكار الاجتماعي
الاقتصاد الدائري للكربون في السعودية

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 15

الاقتصاد الدائري للكربون في السعودية

   عبد الله باجحزر

مدخل

 مع تزايد الوعي العالمي بالتغير المناخي والحاجة إلى خفض انبعاثات الكربون، تتبنى المملكة نموذج الاقتصاد الدائري للكربون كجزء من رؤيتها الطموحة لعام 2030، يهدف هذا النموذج إلى تعزيز القيمة المضافة من الموارد الهيدروكربونية، وتحويلها من انبعاثات قد تضر بالبيئة إلى مورد اقتصادي يمكن إعادة استخدامه، لتعزيز النمو الاقتصادي بنحو مستدام، وذلك جزء من سعي المملكة للتعاون في خلق حلول تساهم بتحقيق نمو اقتصادي مستدام، يعزز جودة الحياة والرفاه لمواطني كوكب الأرض.

إن التحول نحو الاقتصاد الدائري للكربون يعكس التزام المملكة بتبني أحدث الابتكارات والتقنيات، لضمان مستقبل أكثر استدامة وازدهاراً لأجيالها القادمة، فما الاقتصاد الدائري للكربون وما مبادئه الرئيسية؟

لنتعرف على الاقتصاد الدائري يجب أن نعرف نظيره (الاقتصاد الخطي) وهو: 

النموذج الاقتصادي التقليدي الذي يعتمد على عملية خطية، تتكون من ثلاث خطوات رئيسية: استخراج الموارد، وتصنيع المنتجات، والتخلص منها كنفايات بعد الاستهلاك، وتكمن مشكلة هذا النموذج في أنه يؤدي لاستنزاف الموارد الطبيعية، وزيادة الانبعاثات المسببة لتغير المناخ، كما يهدر العديد من الفرص الاقتصادية الناشئة عن عمليات إعادة الاستخدام وإعادة التدوير.

(GLOBIS Insights)​​ (BuilderBold)​

(الاقتصاد الدائري) على الجانب الآخر، حسب GLOBIS Insights  هو نموذج اقتصادي يهدف إلى تقليل النفايات والاستخدام الأمثل للموارد. يقوم الاقتصاد الدائري على إعادة تدوير المنتجات والمواد، وإعادة استخدامها، وإطالة عمرها الافتراضي، وتصميمها بحيث يمكن تفكيكها وإعادة تدويرها بسهولة، الهدف هو إنشاء نظام مغلق، يقلل من الحاجة إلى مواد خام جديدة، ويقلل من التأثير البيئي.

أما منتدى الاقتصاد العالمي فيعرف الاقتصاد الدائري للكربون على أنه: نهج يهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون، وإعادة استخدامه وتدويره بنحو مستدام.

وتعرّف أرامكو الاقتصاد الدائري للكربون بأنه: إطار لإدارة وخفض الانبعاثات.

   

مثال يجسد الانخفاض في استهلاك الطاقة عند تبني مبدأ الاقتصاد الدائري

 

مبادئ الاقتصاد الدائري للكربون تُعرف بـ 4R وهي: 

  • التقليل (Reduce).
  • إعادة الاستخدام (Reuse).
  • التدوير (Recycle).
  • الإزالة (Remove).

 

 1. التقليل (Reduce)

تقليل انبعاثات الكربون من المصادر المختلفة من خلال تحسين كفاءة الطاقة، واستخدام تقنيات أقل إنتاجاً للكربون.

  • مثال: تحسين كفاءة الطاقة في المباني والصناعات، لتقليل استهلاك الوقود الأحفوري.
  • تحسين كفاءة الطاقة في المباني يمكن أن يخفض الانبعاثات بنسبة تصل إلى 30٪ بحلول عام 2030​.
2. إعادة الاستخدام (Reuse) 

 إعادة استخدام الكربون الملتقط في تطبيقات جديدة، مثل استخدام ثاني أكسيد الكربون في الزراعة أو الصناعة.

  • تتبنى أرامكو إعادة استخدام CO2 في تقنية حقن النفط لتحسين كفاءة استخراج النفط، مما يسهم في تقليل انبعاثات CO2 عبر تخزينه في الطبقات الجيولوجية.
 3. التدوير (Recycle)

تحويل الكربون إلى مواد أخرى يمكن استخدامها، مثل تحويل الكربون إلى وقود اصطناعي.

  • مشروع تدوير البلاستيك إلى وقود في السويد، تحول النفايات البلاستيكية إلى وقود ديزل بديل عبر عملية التحلل الحراري.
4- الإزالة (Remove)

إزالة الكربون من الغلاف الجوي باستخدام تقنيات، مثل احتجاز الكربون وتخزينه أو تقنيات الامتصاص البيولوجي.

  • مصنع احتجاز الكربون سابك: يجمع المصنع 500 ألف طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وهو ما يعادل زراعة 11 مليون شجرة للتخلص من مثل هذه الكمية.

المملكة وجهود الاستدامة

 تطبيق اقتصاد الكربون الدائري

أطلقت المملكة خلال رئاستها لمجموعة العشرين (G20)​ مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وحاز على تأييد مجموعة العشرين بوصفه مفهوماً متكاملاً لمعالجة الانبعاثات الكربونية وإدارتها، ليكون نهجاً اقتصادياً مستداماً لإدارة الانبعاثات والغازات الدفيئة.

المبادرات البيئية

في إطار رؤية المملكة 2030 تبنت السعودية عدة مبادرات تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الدائري للكربون، من بين هذه المبادرات تأتي "مبادرة السعودية الخضراء" التي تركز على زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وتقنيات احتجاز الكربون، تهدف هذه المبادرة إلى زراعة 10 مليارات شجرة خلال العقود القادمة، مما يساعد على امتصاص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي​.

كما تعمل المملكة على تطوير مشروعات ضخمة للطاقة المتجددة، وتشارك في العديد من الاتفاقيات الدولية، التي تهدف إلى مكافحة التغير المناخي، وتعزيز التعاون الدولي في مجال حماية البيئة​.

فوائد الاقتصاد الدائري للكربون

يقدم اقتصاد الكربون الدائري العديد من الفوائد البيئية والاقتصادية:

  • على الصعيد البيئي يساهم هذا النموذج في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، مما يحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، ويساهم في تحسين جودة الهواء والمياه.
  • على الصعيد الاقتصادي يفتح الاقتصاد الدائري للكربون آفاقاً جديدة للاستثمار والابتكار، حيث يمكن تحويل النفايات الكربونية إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية، مما يخلق فرص عمل جديدة، ويعزز النمو الاقتصادي.
فرص اقتصاد الكربون الدائري

يعد اقتصاد الكربون الدائري في المملكة العربية السعودية فرصة هائلة لتحقيق الاستدامة البيئية وتعزيز النمو الاقتصادي، ويمكن للسعودية تعزيز قدراتها التنافسية العالمية في مجال الطاقة النظيفة، كما يساهم اقتصاد الكربون الدائري في خلق فرص عمل جديدة ويحفز الابتكار الصناعي، مما ينعكس على تنويع الاقتصاد السعودي وتحقيق أهداف رؤية 2030 للتنمية المستدامة.

 أمثلة تطبيقية من المملكة العربية السعودية

 1. التقليل (Reduce)
  • مشروع محطة سكاكا للطاقة الشمسية: افتتحت محطة سكاكا للطاقة الشمسية في السعودية بقدرة إنتاجية تبلغ 300 ميجاواط، يساهم هذا المشروع في تقليل الانبعاثات بمقدار 500 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.

الأثر: تعزيز استخدام الطاقة المتجددة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يساهم في تحسين جودة الهواء وخفض الانبعاثات.

2. إعادة الاستخدام (Reuse)
  • مشروع إعادة استخدام المياه المعالجة: في مجمع الجبيل الصناعي، يعاد استخدام مياه الصرف الصناعي بعد معالجتها في عمليات التبريد والصناعات المختلفة، مما يقلل من استهلاك المياه العذبة، ويوفر مصادر مائية مستدامة.

الأثر: إعادة استخدام أكثر من 100 ألف متر مكعب من المياه يومياً، مما يحافظ على الموارد المائية، ويقلل من الأثر البيئي​.

3. إعادة التدوير (Recycle)
  • مشروع إعادة تدوير النفايات الإلكترونية: في السعودية أطلق مشروع لإعادة تدوير النفايات الإلكترونية، حيث تجمع الهواتف القديمة والأجهزة الإلكترونية، وتحول إلى مواد خام قابلة لإعادة الاستخدام.

الأثر: تقليل النفايات الإلكترونية، وتقليل الحاجة إلى استخراج مواد جديدة، مما يساهم في تقليل الأثر البيئي وتحقيق الاستدامة.

4. الإزالة (Remove)
  • تهدف المملكة إلى زراعة 10 مليارات شجرة بحلول عام 2030، هذه المبادرة ستساعد على امتصاص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي ضمن مبادرة السعودية الخضراء.

الأثر: زراعة 10 مليارات شجرة يمكن أن تمتص ما يقرب من 200 مليون طن من CO2 سنوياً، مما يساهم في مكافحة التغير المناخي وتحسين جودة الهواء.

  • زرعت أرامكو 13.3 مليون شجرة مانجروف وأكثر من مليون شجرة برية محلية، مما يساعد على احتجاز الكربون واستعادة التنوع البيولوجي، تقنية احتجاز الكربون المتنقلة من أرامكو يمكنها تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من المركبات بنسبة تصل إلى 40٪.

 

خاتمة

 تواصل المملكة جهودها الحثيثة لتكون نموذجاً يحتذى به نحو التحول المستدام، من خلال تطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وتحويل الانبعاثات إلى موارد اقتصادية مجدية، لتحقق أهدافها المناخية والاقتصادية ضمن إطار رؤيتها الطموحة والمتكاملة، رؤية المملكة 2030.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...