مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 21
الاستثمار في الطاقة المستدامة والمياه النظيفة لتحسين حياة القرى
«أصبح الحلم حقيقة... لن تتغيب ابنتي عن المدرسة بعد الآن»
هذا حلم عصام هادي الذي تحقق، إذ إن ابنته البالغة من العمر 11 عاماً لن تضطر إلى ترك المدرسة بعد الآن حتى تذهب لجلب المياه.
وهذا الحال في قرية الحمامي الجبلية في اليمن حال كثير من القرى والأرياف، حيث يضطر أفراد الأسر من الشباب وبخاصة الإناث إلى الذهاب لمسافات طويلة، مدة خمس ساعات مرة على الأقل في اليوم لجلب الماء للأسرة.
ومن هنا تبرز أهمية الاستثمار في الطاقة المستدامة والمياه النظيفة، ودوره في تحسين حياة القرى.
الطاقة المستدامة
هي الطاقة الناتجة عن المصادر الطبيعية، تتجدد بمعدل يفوق ما يستهلك منها، مثل: طاقة أشعة الشمس، والرياح، والمياه، والطاقة الحرارية الأرضية وغيرها، هذه المصادر وفيرة وموجودة في كل مكان حولنا، وهي على عكس الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز)، من الموارد غير المتجددة، إذ يستغرق تشكيلها مئات الملايين من السنين.
أهمية الاستثمار في الطاقة المتجددة:
- يتسبب الوقود الأحفوري عند حرقه لإنتاج الطاقة، في انبعاثاتٍ ضارة من غازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون، أما الانبعاثات الناجمة عن توليد الطاقة المتجددة فهي أقل بكثير، لذا يعد التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة أمراً أساسياً لمعالجة أزمة المناخ
- الطاقة المتجددة أقل تكلفة في الإنتاج في معظم البلدان من الطاقة الناتجة عن الوقود الأحفوري.
- تخلق الطاقة المتجددة بالتحول إليها وظائف أكثر بثلاث مرات من قطاع الوقود الأحفوري.
المياه النظيفة
المياه النظيفة أساس الحياة وشريانها، والحصول على المياه النظيفة هو الركيزة الأولى للصحة العامة، وحجر الزاوية في التنمية المستدامة، إذ يؤثر في جوانب مختلفة من المجتمع والبيئة، ويمتد إلى ما هو أبعد من الفوائد المباشرة للحصول على مياه صالحة للشرب، فتأثير المياه النظيفة عميق وبعيد المدى، ومن مجالات التأثيرات:
التأثير القوي للمياه النظيفة
- الصحة والنظافة: وهو التأثير المباشر للمياه النظيفة، إذ تحد المياه النظيفة من الأمراض المنقولة، مثل الكوليرا والتيفوئيد، مثلاً: في رواندا أدى إدخال مصادر المياه النظيفة إلى انخفاض كبير في أمراض الإسهال، وبخاصة بين الأطفال دون سن الخامسة.
- التعليم: للحصول على المياه النظيفة تأثير في قطاع التعليم، وبخاصة بالنسبة للفتيات، إذ يغلب في المجتمعات الريفية أن توكل مهمة تأمين المياه، التي قد تستغرق ساعات إلى الفتيات، ما يمنعهن من الالتحاق بالمدارس، ففي تنزانيا عندما ركبت نقاط المياه على بعد 15 دقيقة من المنازل، زادت نسبة التحاق الفتيات بالمدارس بنسبة 12%.
- القطاع الاقتصادي: يتأثر تأثراً مباشراً بتأمين المياه النظيفة، فعندما يتمتع الناس بصحة جيدة، يمكنهم الالتحاق بالأعمال كما في التعليم، ومن ثم المساهمة في الاقتصاد، في الهند تشير التقديرات إلى أن العبء الاقتصادي الناجم عن عدم كفاية مرافق الصرف الصحي، الذي يؤدي لتلوث المياه، يتجاوز 50 مليار دولار.
- الزراعة: من المعلوم أن المياه عنصر حيوي للزراعة، يمكن للري بالمياه النظيفة أن يزيد إنتاجية المحاصيل، ويضمن الأمن الغذائي، في مناطق قاحلة في أجزاء من جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، سمحت الإدارة الفعالة للمياه للمجتمعات بزراعة المحاصيل على مدار العام، وتحولت المناطق التي كانت تعاني من المجاعة إلى مناطق مصدرة للغذاء.
- الأمن الاجتماعي: إذ إن ندرة المياه، والسعي لتأمينها والحصول عليها، قد تؤدي إلى صراعات على الموارد، فمن خلال ضمان التوزيع والوصول العادل إلى المياه، تقل احتمالات الصراع بين المجتمعات، ومثال لذلك معاهدة مياه نهر السند بين الهند وباكستان، فقد حققت هذه الاتفاقية لتقاسم المياه السلام في المجتمعين.
رغم ذلك يعاني السكان في كثير من القرى من نقص موارد الطاقة والمياه النظيفة، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة، وزيادة معدلات الوفيات، ويضعف الاقتصادات المحلية، إذ يوجه السكان أوقاتهم وكثيراً من مواردهم لتأمين المياه النظيفة، والسعي للحصول على الطاقة، ناهيك عن الصراعات المجتمعية لتقسيم الموارد، من هنا تبرز أهمية الاستثمار في مجال الطاقة المستدامة والمياه النظيفة، لتحسين الحياة في القرى.
التحديات التي تواجه الاستثمار في مجال الطاقة المستدامة والمياه النظيفة
1.التحديات في مجال الطاقة المستدامة
إن التحول إلى الطاقة المتجددة والاستغناء قدر الإمكان عن الوقود الأحفوري، للحفاظ على الكوكب، وتسليمه صالحاً للعيش للأجيال القادمة، بات ضرورةً ومسعى تسعى إليه الاستثمارات الكبرى، لتحقيق الربح، والأثر الاجتماعي، والاستدامة، إلا أن تحديات عدة تواجه هذا القطاع، نذكر منها:
- التكاليف المرتفعة: على رغم انخفاض تكاليف إنتاج الطاقة المتجددة، إلا أن كلفة بنيتها التحتية ما تزال مرتفعة نسبياً، وهو ما يشكل عائقاً أمام الاستثمار في هذا القطاع.
- البنية التحتية: إن تقنيات التخزين والنقل بكفاءة تعد تحدياً كبيراً للاستثمار في هذا القطاع، إذ تتطلب هذه المشروعات تطويراً مستمراً، لضمان الموثوقية والاستمرارية في تأمين نقل الطاقة وتخزينها.
- الظروف المناخية: تعتمد موارد الطاقة المتجددة على حالات الطقس، مما يشكل تحدياً لاستمرارية تأمين الطاقة، مقابل الوقود الأحفوري الذي يعد مصدراً أكثر أماناً من هذه الناحية، ولعل العاصفة الثلجية التي ضربت تكساس في الولايات المتحدة أثبتت أن العالم أمامه الكثير من العمل لمواجهة التقلبات المناخية.
- التشريعات والسياسات: تختلف التشريعات والسياسات بين البلدان في دعم الاستثمار في الطاقة المتجددة وتسهيله، مما يؤثر في استقرار الاستثمار في هذا المجال.
وتعمل كثير من المنظمات والمستثمرين على تجاوز هذه التحديات وإيجاد حلول فعالة لها...
بعض الحلول لتحديات الاستثمار في مجال الطاقة
- يمكن للحكومات سن التشريعات والسياسات الداعمة للاستثمار، مثل الإعفاءات الضريبية، والحوافز المالية، والدعم الحكومي بتقديم عقود طويلة الأجل لشراء الكهرباء المنتجة من المصادر المتجددة، يضمن عائداً مستقراً للمستثمرين.
- الاعتماد على عدد من مصادر الطاقة، من الطاقة الشمسية، إلى الرياح، وطاقة المياه، والطاقة الحرارية الأرضية، يمكن أن يقلل من تأثير التغير المناخي، ويوفر بدائل مستدامة لمصادر الطاقة.
- الاستثمار والتطوير في تخزين الطاقة، مثل تقنيات البطاريات المتقدمة وتكنولوجيا الهيدروجين، يمكنها أن تساعد على حل مشكلة التخزين والنقل.
- وضع آليات تمويل ميسرة، مثل صناديق الاستثمار الخاصة بالطاقة المتجددة، والتعاون مع المؤسسات الدولية والإقليمية، يساعد ذلك على تسهيل التمويل، وتوفير الدعم المالي والفني، وتساعد في نقل التكنولوجيا والخبرات.
2. الاستثمار في المياه النظيفة
- إن توفير المياه النظيفة لتوطين السكان، وتخفيف معاناة الحصول عليها وما يليه من تبعات اجتماعية واقتصادية، بات أمراً يشغل كثيراً من المستثمرين الذين يبحثون عن الأثر الاجتماعي إلى جانب العائد المالي، إلا أن هذا القطاع أيضاً يواجه بعض التحديات، يمكن لنا إيجازها مع بعض الحلول المقترحة:
- ندرة المياه والتغير المناخي: النمو السكاني المتزايد، والتوسع العمراني يزيد الطلب على المياه النظيفة، كما يؤثر التغير المناخي في توافر المياه، بخاصة في المناطق التي تعاني الجفاف أو التصحر أو الفيضانات المتكررة، مما يزيد العبء على المشروعات التي تستثمر في المياه النظيفة، ويزيد صعوبة إدارة الموارد المتاحة. واجه سكان المغرب وليبيا خطر انعدام الأمن المائي بعد أن ضرب زلزال بقوة 6.8 درجات المغرب في 8 سبتمبر/ أيلول 2023، تلاه بعد يومين فيضانات مُدمّرة اجتاحت أجزاء من شرق ليبيا، ناجمة عن عاصفة دانيال.
- البنية التحتية المتقادمة: في كثير من المناطق إن وجدت البنى التحتية للمياه والصرف الصحي، فهي بحاجة إلى تجديد، وتحتاج إلى استثمارات ضخمة لإعادة تأهيلها.
- التلوث: تؤدي كثير من المصادر الصناعية والزراعية إلى تلوث المياه، وهذا يتطلب معالجة مكلفة لتأمين المياه النظيفة الصالحة للشرب.
- التمويل: يشكل تحدياً للمشروعات بخاصة في المناطق النامية، حيث محدودية الموارد.
- التشريعات والسياسات: التي تختلف من بلد لآخر، وقد تشكل تحدياً أمام المستثمرين.
تجاوز العقبات في وجه الاستثمار في المياه النظيفة:
سيبقى تأمين المياه النظيفة لأهالي القرى والأرياف، وما يترتب عليه من رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي، الهدف الأسمى للمستثمرين الاجتماعيين، يمكن التغلب على التحديات المذكورة:
- إدارة الموارد المائية، من خلال استخدام تقنيات الري الحديثة، وإعادة تدوير المياه، وتقليل الفاقد لمواجهة ندرة المياه، كما أن التكيف مع التغير المناخي، بتطوير استراتيجيات كبناء السدود، والخزانات الجديدة، وتحسين أنظمة الإنذار المبكر للفيضانات، وزيادة كفاءة استخدام المياه في الزراعة والصناعة، كل ذلك يساعد في تسهيل مشروعات الاستثمار في المياه النظيفة، صرحت جميلة الدويهي، مسؤولة الإمداد بالمياه والإصحاح والنهوض بالنظافة في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "في كل من المغرب وليبيا، كانت المياه جزءاً أساسياً من جهود الإغاثة خلال المرحلة الأولية لحالتي الطوارئ".
- مكافحة التلوث: بسن قوانين وتشريعات صارمة للحد من التلوث الصناعي والزراعي.
- تحديث البنية التحتية، وتشجيع الاستثمار في تحديث أنظمة الصرف الصحي وتطويرها، لضمان كفاءتها وتقليل الفاقد والتسربات.
- الدعم الحكومي ودعم مؤسسات دولية والقطاع الخاص، بسياسات وتشريعات تدعم الاستثمار في المياه النظيفة، وتقديم حوافز مالية، وإعفاءات ضريبية للمستثمرين.
- مشروعات مستدامة في الطاقة والمياه أعادت نبض الحياة للقرى والأرياف
حددت الأمم المتحدة من أهدافها المستدامة، في هدفها السادس: المياه النظيفة والنظافة الصحية، وفي الهدف السابع: طاقة نظيفة وبأسعار معقولة، ولتحقيق رؤية الأمم المتحدة تسعى الدول والمجتمعات إلى الاستثمار في المشروعات في هذين المجالين، وبخاصة في الأرياف والقرى، إذ بهما تتحقق سلسلة أهداف التنمية المستدامة، كالقضاء على الجوع والمرض، وبناء المجتمعات المستدامة، والعمل اللائق، وغيرها... ومن أمثلة هذه المشروعات:
- مشروع البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية: يعتمد على تقنيات متقدمة لتحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة، مما يوفر المياه النظيفة للمجتمعات المحلية، دون التأثير سلباً في البيئة.
- قرية الحمامي وما يجاورها في اليمن: وظف الصندوق الاجتماعي للتنمية أفراداً من المجتمع المحلي، لبناء الخزانات الخاصة لحصاد مياه الأمطار، وحصل أفراد المجتمع على مساعدات نقدية، إضافة إلى تأمين للحصول على مياه الشرب النظيفة، ما أنهى معاناة أهل القرية، بخاصة في أيام الجفاف، يقول محمد مجاهد، مهندس برنامج الصندوق الاجتماعي للتنمية: "إن خزانات حصاد مياه الأمطار تلبي الأولوية القصوى للمجتمع من مياه الشرب". هذا المشروع يموله الاتحاد الأوروبي، وينفذ بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والصندوق الاجتماعي للتنمية، لدعم 317 أسرة في مديرية بني العوام وحدها.
- مجمع المياه في البصرة: بني مجمع مياه الحسين عام 1977، ووفر المياه غير المعالجة من محطة (آر-زيرو) إلى المنازل والصناعات القريبة والقواعد العسكرية لأكثر من 40 عاماً، وعلى الرغم من الطلب المتزايد على المياه، توقف مجمع مياه الحسين عن العمل ثلاث سنوات، بسبب المعدات القديمة والتالفة في هذا المجمع، وقد أثر إغلاقه بشدة في إمدادات المياه في النواحي والمناطق المحيطة بها، مما أدى إلى مخاوف صحية للسكان، فضلاً عن الآثار السلبية، التي تلحق الشركات المحلية والإنتاج الزراعي، لذا أعاد تأهيل مجمع مياه الحسين برنامجُ الاستجابة للأزمات والقدرة على الصمود في العراق، التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، يعمل الآن بكامل طاقته مع مضخات مياه مطورة، ومعدات معالجة لضمان وصول مياه آمنة للاستهلاك البشري إلى المنازل والمدارس والمؤسسات الأخرى، واستأنف ما لا يقل عن 45 شخصاً العمل بعد إعادة افتتاح محطة معالجة المياه.
- قرية شاندبور في بنغلاديش، ركب فيها نظام لتحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية، مما وفر مياه شرب نظيفة للسكان، ساعد هذا المشروع على تقليل الأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة، وتحسين الحياة عامة.
- يعد مشروع توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بقرية ببنبان، التابعة لمركز دراو شمال مدينة أسوان بمصر، من المشروعات العملاقة في مجال إنتاج الطاقة النظيفة والمتجددة، يؤكده المهندس حسام سلطان مدير جمعية مستثمري الطاقة الشمسية بأسوان: "يعد هذ المشروع ضمن أكبر أربعة مشروعات للطاقة الشمسية على مستوى العالم، واستهدفنا المجتمع المحيط بخطة للمسؤولية المجتمعية، ودرسنا احتياجات الناس هنا في بنبان، ووجدنا أن هناك احتياجاً للتدخل في ثلاثة قطاعات، هي الصحة والتعليم والتمكين الاقتصادي، وساهمت الجمعية في إنشاء مدرسة ثانوية فنية للطاقة الشمسية، يتدرب طلابها بشكل عملي في هذا المشروع"، وتؤكد المهندسة أميرة غندور، التي تعمل في إحدى الشركات بالمشروع، أن المشروع يساهم في حل المشكلات المجتمعية في المجتمع المحلي: "لم يقتصر المشروع على المباني والأعمال الإنشائية والفنية، وإنما عمل القائمون على المشروع على خدمة المجتمع المحيط، بتوفير وحدات للغسيل الكلوي لعلاج مرضى الفشل الكلوي، بالإضافة لتوفير فرص تعليمية مميزة لأبناء القرية من خلال مدرسة الطاقة الشمسية".
في سعي الأمم المتحدة لتحقيق أهدافها من توفير المياه النظيفة والطاقة المتجددة، ومن ورائها الحكومات والقطاع الخاص والمستثمرون، تبرز أهمية الاستثمار في القرى والأرياف في هذين المجالين الحيويين، لتحقيق الآثار الاجتماعية والمالية المرجوة، إن تأمين الطاقة والمياه النظيفة للقرى والأرياف سينعش الاقتصاد، والحياة الاجتماعية، والعلمية، ويحقق الأمن الاجتماعي، وسيكون ركناً هاماً من العمل على الحد من التغير المناخي، وتنقية الكوكب، لتسليمه سليماً صالحاً للعيش للأجيال القادمة.
لمزيد من المعلومات، والتوسع في الموضوع يمكن مراجعة ما يلي:
https://news.un.org/ar/story/2024/01/1127362
https://www.undp.org/ar/arab-states/stories/tmkyn-alahaly-mn-alhswl-ly-myah-alshrb
https://www.ifrc.org/ar/article/
https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000375441
https://www.un.org/ar/climatechange/what-is-renewable-energy