الابتكار الاجتماعي
العائد على الاستثمار في الابتكار

مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 14

العائد على الاستثمار في الابتكار

   غياث خليل هواري

الاستثمار في الابتكار:

تتسارع وتيرة الابتكار يومياً لدرجة أنه بات يسبب أرقاً عند المؤسسات التي لا تمتلك تلك المرونة اللازمة في التغيير السريع، خصوصاً فيما يتعلق بالتكنولوجيا، فلم يعد الابتكار أداة تجارية فحسب، حيث أصبحت المجتمعات تتسابق لترسيخ ثقافة الابتكار انطلاقاً من قاعدة المجتمع، ففي موقع أمازون وحده تم إطلاق 255 كتاباً تضمن عنوانه كلمة "الابتكار Innovation" خلال 90 يوماً فقط!  وفي مسح أجرته شركة Capgemini Consulting في العام 2012 على عينة من المديرين التتنفيذيين حول العالم بيـّن 43 % منهم أن لديهم مديراً للابتكار أو منصباً شبيهاً بذلك [1]Chief Innovation Officer. وحوالي 28 % من كليات إدارة الأعمال في العالم تتضمّن عبارة مهمة الكلية كلمة "الابتكار"، وفقاً لأرقام The Association to Advance Collegiate Schools of Business في العام 2012.

ويعتقد 91% من المديرين في العالم أن الاستثمار في الابتكار هو الخيار الاستراتيجي الأول في أعمالهم، وتلك النزعة ظهرت جلياً عند مديري فيتنام ونيجيريا، وكندا، والصين، والبرازيل، وفي بالمقابل 30% من المديرين يعتقدون أن الابتكار له أثر سلبي بالمقابل، والذي يتعلق بالحالة التنافسية الشديدة والتوتر الناتج عن تسارع الابتكار والتطوير، خصوصاً فيما يتعلق بالتكنولوجيا [2].

ويعتبر التعاون بين الشركات في مشاريع الابتكار أحد أهم استراتيجيات الاستثمار في الابتكار، حيث يعتقد 87% من المديرين التنفيذيين لمؤسسات متنوعة حول العالم أن مؤسستهم ستبتكر بشكل أفضل فيما لو تعاونت مع مؤسسات شريكة أخرى في تطوير منتجات وخدمات جديدة، والحقيقة تبين أن 68% من المؤسسات قد تمكنت بالفعل من ابتكار منتجات وخدمات جديدة من خلال اتباع سياسة التعاون مع مؤسسات أخرى. والأهم من كل ذلك أن الابتكار ليس مُناطاً لمؤسسات بعينها أو مختصين في الاختراع والابتكار كما يراود بعضَنا، فنتائج الاستطلاعات تشير إلى أن 84% من المديرين في العام 2013 يعتقدون أن ابتكار حلول جديدة يجب أن ينطلق من علاج قضايا محلية، وليس نقلاً لحلول مبتكرة عالمية، في زيادة 8% عن مسح عام 2012 والذي بلغ 76% [3].

وبالنظر إلى العوامل التي تحتاجها المؤسسات للاستثمار الناجح في الابتكار، فهناك ثلاثة عوامل أساسية يتفق عليها نسبة كبيرة من مديري المؤسسات حول العالم وهي [3]:

  1. فهم الفئات المستهدفة وتوقع تحولات السوق، النقطة التي يعتقد بأهميتها 60% من العينة المدروسة.
  2.  جذب الأفراد المبتكرين والحفاظ عليهم، الجانب الذي يعتقد بأهميته 43% من العينة المدروسة.
  3. تطوير تكنولوجيا جديدة، النقطة التي يعتقد بأهميتها 42% من العينة المدروسة.

وتشير هذه النتائج إلى أهمية الاستثمار في ثلاثة أدوات مهمة تمكن من الابتكار بنجاح، والتي تنطلق من العوامل التي ذكرت آنفا وهي:

  1. الاستثمار في بحوث السوق، وبحوث السوق هنا لا تقتصر على البحوث الكمية التقليدية والتي تقيس سلوك وإدارك السوق مع الخدمات والمنتجات الموجودة، سواء كانت مطروحة في السوق أو في طور التجربة، ولكن الأمر يتعدى إلى بحوث مراقبة السلوك البشري دون إصدار الأحكام والتفسيرات العلمية، وم ثم استنباط الحلول التي ترتكز حول الإنسان.
  2. وجود آلية غير تقليدية لاكتشاف المبدعين واستقطابهم، وتأمين بيئة إبداع وتحفيز تضمن المحافظة عليهم.
  3. الاستثمار في التكنولوجيا، سواء الأنظمة الإدارية أو أنظمة الاستثمار في البيانات.

فعلى صعيد الاستثمار في الابتكار في المؤسسات التجارية، بالنظر للدائرة الأوسع وهي المجتمع فإن تأمين بيئة خصبة ممكّنة للابتكار في المجتمع يجب أن ينطلق من وجود أربع عوامل يعتقد بأهميتها عينة من المديرين التنفيذيين لعدد من المؤسسات حول العالم، وهي [2]:

  1. قيمة الابتكار: النسبة الغالبة من العينة (66%) تعتقد أن الابتكار سيحدث عندما يدرك المجتمع أن الابتكار سيغير حياتهم نحو الأفضل.
  2. المدارس والجامعات: يعتقد 65% من المديرين أن الابتكار سيحدث عندما تنجح المدارس والجامعات المحلية في بناء نموذج قوي لقادة المستقبل.
  3. حماية براءة الاختراع: يعتقد 62% من العينة أن الابتكار سيحصل فيما لو تم حماية حقوق الملكلية وبراءات الاختراع.
  4. المستثمرون: يعتقد 58% من العينة أن الابتكار يحتاج إلى مستثمرين يموّلون مشاريع الابتكار.

فمن الواضح أن الابتكار المجتمعي يعتمد بالدرجة الأولى على غرس القيم وترسيخ ثقافة الابتكار، وتعتبر المدارس والجامعات إحدى أبرز أدوات صناعة الوعي حول ثقافة الابتكار، وتأتي أنظمة حماية براء الاختراع والمواهب إحدى أهم أدوات ترسيخ الابتكار وحمايته في المجتمع. وأما قضية التمويل المباشر لمشاريع الابتكار فتأتي ردة فعل متوقعة لانتشار ثقافة الابتكار في المجتمع لذا أعطى هذا العامل الأولوية الرابعة في ممكنات الابتكار المجتمعي.

العائد على الاستثمار في الابتكار:

استثمرت الحكومة البريطانية قرابة 2,25 مليار دولار في الابتكار منذ العام 2007 والتي عادت على الاقتصاد البريطاني بـ 11,25 مليار دولار حتى العام 2013، فساهم هذا الاستثمار في دعم 5000 شركة في بريطانيا في الابتكار، وأدى هذا الاستثمار الهائل إلى ظهور 35000 فرصة عمل جديدة [4].

ولذلك يعتبر الابتكار من المشاريع القومية التي تعود بالمنافع على كل من بيئة الأعمال والمجتمع عموماً. ومع ذلك تتسابق المؤسسات في تطوير قدراتها في الابتكار، خصوصاً مع الإدراك المتزايد لدور الابتكار في تسريع نمو الشركات، فوفقاً لمسح أجرته شركة Deloitte بعنوان The Deloitte Millennial Survey في العام 2014 حول عينة من المديرين التنفيذيين في العالم تبين أن 78% منهم يعتبرون أن الابتكار أساسي لنمو أعمالهم. ويعتقد 71% منهم أن الابتكار أساسي للنهوض بالمجتمع. وحتى على صعيد توظيف واختيار العاملين الجدد، فيعتقد 66% منهم أن الابتكار معيار جوهري في اختيار الموظفين المحتملين. والمفارقة في النهاية أن 62% من هؤلاء المديرين يعتبرون أنفسهم مبتكرين، وتشير ذات الدراسة إلى أن المؤسسات التي لديها استراتيجية ابتكار واضحة ومكتوبة نسبة نموها خلال خمس سنوات ستبلغ 84% بالمقارنة مع نسبة نمو الشركات التي ليست لديها سياسة ابتكار واضحة وهي 28% فقط خلال السنوات الخمس المقبلة لها، بمعنى أن المؤسسات التي تبتكر نموها أسرع ثلاث مرات مقارنة مع المؤسسات التي لا تبتكر عادة [5].

كما توضح دراسة لشركة Bain بعنوان Taling the Measure of your Innovation Performance أن المؤسسات التي تصنف في أفضل 25% مؤسسة في العالم في الابتكار يبلغ مقياس ولاء الموظفين فيها (NPS) Net Promoter Score 23 درجة، في حين يبلغ هذا المقياس عند المؤسسات ذات الابتكار المنخفض قيمة سالبة (-56)، بمعنى أن المؤسسات التي تبتكر يرتفع ولاء موظفيها ثلاث مرات على الأقل (3.4 مرة) مقارنة مع التي لا تبتكر عادة [6].

بالنظر إلى العائد على الاستثمار في الابتكار على صعيد المجتمع والاقتصاد الوطني فتبين من خلال استطلاع المديرين التنفيذيين أن الابتكار يعود على المجتمع بأربع منافع جوهرية وهي [2]:

  1. التنافسية: حيث يعتقد 95% من المديرين المدروسين أن الابتكار يؤدي إلى اقتصاد أكثر تنافسية.
  2. الاقتصاد الأخضر: يعتقد 91% من المديرين أن الابتكار يساعد على خلق بيئة اقتصاد أخضر يوازن بين الأهداف التجارية والبيئة والصحة.
  3. فرص العمل: يرى 88% من المديرين أن الابتكار هو أفضل طريقة لخلق فرص عمل جديدة.
  4. تحسين ظروف المعيشة: ترى عينة المديرين أن الابتكار سيساعد في تحسين ظروف المعيشة في السنوات العشر المقبلة في الجوانب الآتية:

A. في الاتصالات، كما يعتقد 90% منهم.

B. في الصحة، كما يعتقد 87% منهم.

C. في البيئة، كما يعتقد 84% منهم.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...