مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 18
العمل الخيري ودعمه للاستثمار الاجتماعي
إن حماسة الأثرياء المتزايدة تجاه العمل الخيري جنباً إلى جنب مع تصميمهم على توظيف أموالهم لتحقيق أثرٍ أفضل، وصل ببعضهم إلى حد التحدث عن "عصر ذهبي جديد للعمل الخيري"، ولكن لا يزال هناك الكثير مما يتعين فعله قبل أن يتمكن أصحاب المليارات المستفيدون الحاليون من القول: "إنهم يسيرون على خطى عمالقة العطاء"، مثل كارنيجي وروكفلر، وراونتري.
وهنا يظهر أمامنا التساؤل الآتي: كيف يمكن تقييم جدوى العمل الخيري في السعي لمعالجة مشكلات المجتمع، وجعل الأموال تذهب إلى أبعد من قيمتها المادية؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تعني تحقق ثلاثة شروط:
الشرط الأول: نحتاج لتحسين جدوى العمل الخيري قياس الأثر الاجتماعي والبيئي الذي أحدثه، فعندما بنت شركة كارنيجي المكتبات، أو بنت شركتا راونتريز وكادبوري مساكن اجتماعية، كان من السهل رؤية الفوائد بأم أعيننا، ولكن كيف نعرف ما إذا كانت شبكة أوميديار تحقق هدفها المتمثل في مساعدة "المزيد والمزيد من الناس على اكتشاف قدراتهم الخاصة بتقديم الأشياء الجيدة"؟ يعترف ديفيز المؤسس المشارك لمؤسسة "رأس المال الخيري الجديد"، بأن القياس صعب، لكنه يصر على أنه ليس مستحيلاً، ويقول: "من وجهة نظر اقتصادية، فإن بعض هذه الأشياء صعبة القياس، ولكن ليس أكثر من صعوبة قياس الناتج المحلي الإجمالي في قطاع الخدمات، وهو ما نقوم به على الرغم من أنه صعب للغاية".
والشرط الثاني هو التحلي بمزيد من الشفافية، ولا يزال هناك الكثير والكثير من أصحاب الأعمال الخيرية يحاولون فعل الشيء ذاته، وغالباً ما يجهلون أنهم يكررون الأعمال الخيرية لبعضهم، إلا أن المزيد من الشفافية من شأنه أن يساعد على تجنب إهدار الموارد الشحيحة وتعزيز التوحيد في أجزاء من القطاع، ويجب أيضاً الاعتراف بالإخفاق بصراحة أكثر، حتى يتمكن أصحاب الأعمال الخيرية من التعلم من أخطاء بعضهم.
ولا يزال رأس المال الخيري صغيراً جداً مقارنةً بموارد الحكومات والشركات، لذا يجب استخدامه بعناية فائقة لضمان أنه سيُحدث فرقاً حقيقياً، ومع ذلك فإن العديد من الأنشطة التي تمولها الأعمال الخيرية لا تضيف قيمة كبيرة، وكذلك من الممكن تمويلها من مستثمرين أكثر كرهاً للمخاطر مثل الدولة.
وفي ضوء ما سبق فإن بعض أصحاب الأعمال الخيرية الجدد يبذلون الآن قصارى جهودهم لاستخدام أموالهم بطرق مبتكرة، التي إذا نجحت يمكن بعد ذلك توسيع نطاقها بسرعة من الحكومة أو الشركات التجارية، في الواقع يدرك عدد متزايد منهم أن أفضل طريقة لجذب رأس المال اللازم لتحقيق التوسع بسرعة هو إيجاد طرق لحل المشكلات يُتوقع أن تكون مربحة.
أما الشرط الثالث المطلوب لتحسين العمل الخيري هو زيادة المساءلة، إذ إن الديمقراطية ونظام البلوتوقراطية (حكم الأثرياء) لا ينسجمان عادةً معاً انسجاماً مريحاً، وحتى عندما تُنفق أموال المانحين في الأنظمة غير الديمقراطية، فمن المرجح أن يبدي العالم الديمقراطي اهتماماً متزايداً بذلك، وسيتعين على أصحاب الأعمال الخيرية الجدد أن يعتادوا على تدقيق الجمهور واستخفافهم وحتى عداوتهم الفعلية، إلى جانب قدر كبير من الشماتة متى أخفقت مخططاتهم.
وهذا لا ينبغي أن يكون مفاجئاً لأصحاب الأعمال الخيرية، لأنهم في النهاية يستفيدون بصورة متزايدة من التسويق الجماهيري والحملات العامة لدعم قضاياهم، كما فعل بونو بمبادرته "جعل الفقر تاريخاً" ومبادرة "ون" في مؤتمر قمة مجموعة الدول الثماني، الذي عُقد في العام الماضي بتمويل أساسي من السيد جيتس والسيد سوروس، أما الجانب الآخر من ذلك فهو خطر حدوث رد فعل شعبي كبير بالقدر نفسه إذا لم يفعلوا ذلك مع جماهيرهم، لكن يجب عليهم المثابرة على ذلك، لأسباب ليس أقلها إنهم أكثر احتمالاً بكثير لإحداث الأثر إذا تمكنوا من جذب الجمهور إلى جانبهم، وحتى لو لم تؤت بعض مشروعاتهم ثمارها، فسيكون هناك الكثير من المشروعات الناجحة الأخرى.
ومن إحدى الطرائق التي يُحدث بها أصحاب الأعمال الخيرية الجدد فرقاً، هو تحسينُ أداء جزء كبير من المجتمع، مثل الجمعيات الخيرية، والمنظمات غير الربحية، والمنظمات غير الحكومية والقطاع الاجتماعي، اعتادت فيه الهواية وعدم الكفاءة أن يكونا القاعدة، وإنهم يقدمون أفضل التقنيات من عالم الأعمال ويضمنون إعطاء قوى السوق دوراً أكبر بكثير، ويرقى هذا إلى ثورة صناعية فيما أسماه روكفلر "عمل الإحسان"، ولقد بدأت هذه الثورة من قريب، ولكن يجب أن يأمل الأغنياء والفقراء على حد سواء أن تتكلل بالنجاح.