مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 17
الإسكان غير الربحي في المملكة العربية السعودية: التزام نحو الاستدامة
تعطي المملكة العربية السعودية أولوية عالية للإسكان غير الربحي، وذلك كجزء من جهودها لتوفير السكن المناسب وبأسعار معقولة لمختلف شرائح المجتمع، وخاصة الأسر ذات الدخل المحدود، وينسجم هذا التوجه مع أهداف التنمية المستدامة، التي حددتها الأمم المتحدة، إذ إن الهدف الحادي عشر والذي يتمثل بعنوان "مدن ومجتمعات مستدامة" هو جزء من رؤية المملكة 2030، وتهدف هذه الرؤية إلى زيادة ملكية المنازل، وتحسين جودة الحياة، مع التأكيد على ضرورة تطوير المدن بطريقة مستدامة، وضمان توفير الخدمات الأساسية.
وفي إطار مكافحة الفقر، يركز الهدف الأول "القضاء على الفقر حق أساسي" على القضاء على جميع أشكال الفقر، ويعد السكن أحد العناصر الأساسية لتحقيق هذا الهدف، ومن هنا تعمل رؤية 2030 على تحسين الظروف المعيشية للأسر ذات الدخل المنخفض، من خلال تنفيذ مشروعات الإسكان غير الربحية.
كما يتجلى الاهتمام بالبيئة في الهدف التاسع "الصناعة والابتكار والبنية التحتية"، إذ يشجع على الابتكار في مجال البناء، من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة، من ذلك تقنيات البناء المستدام والابتكارات في التصميم.
بالإضافة إلى ذلك يُبرز الهدف الثاني عشر "الاستهلاك والإنتاج المسؤولان" أهمية الممارسات المستدامة، من خلال تحسين كفاءة الموارد وتقليل الفاقد، مما يدعم استخدام مواد بناء مستدامة، وتقنيات مبتكرة في المشروعات السكنية.
ويعزز الهدف السابع عشر "الشراكات لتحقيق الأهداف" أهمية التعاون بين القطاعين العام والخاص وغير الربحي، إذ تدعم رؤية 2030 هذه الشراكات، لتحقيق أهداف الإسكان المستدام، ويظهر لنا الجدول التالي السلسلة الإسكانية في المملكة العربية السعودية:
يوضح الجدول السلسلة الإسكانية (Housing Continuum) التي تتضمن أنماط الخدمات الإسكانية، وفقاً لحجم الدعم ونوع القطاع المركزي في تقديم الخدمة الإسكانية، وتبدأ السلسة الإسكانية في وضعها الطبيعي من القطاع الخاص، حيث لا يوجد دعم، وإنما السعي نحو الأرباح عبر تسويق منتجين: تمليك أو إيجار وفق أسعار السوق الخاضعة للعرض والطلب، وفي هذا القطاع تضعف الفرصة أو تنعدم لشريحة ذوي الدخل المحدود، مما يتطلب الذهاب إلى خيار يتناسب مع قدراتهم المادية، وهنا نشأت فكرة الإسكان الميسر (Affordable Housing) الذي يعد في الأساس منتجاً من منتجات القطاع الخاص، لزيادة مبيعاته عبر حلول تصميمية تقل فيها المساحات والتكاليف، لتقترب من أسعار تستقطب شريحة ذوي الدخل المحدود، وعادة ما يدعم هذا التوجه وزارة البلديات والإسكان، لأنه يحل جزءاً من مشكلة الإسكان في شريحة ذوي الدخل المحدود، وهي في الغالب شريحة تقع أسفل الطبقة الوسطى وأعلى الطبقة الدنيا.
ووفقاً لما هو متعارف عليه في أدبيات الإسكان (BC Housing, 2016: 14 FSC Architects & Engineers, 2009 ) يقصد بالإسكان الميسر "السكن الذي تكلفة تملكه أو استئجاره لا تتجاوز 30% من دخل الأسرة، ويشمل ذلك السكن الموفر من قبل القطاعات الثلاثة: الخاص والحكومي وغير الربحي، كما يشمل السكن المؤقت والدائم، ويشمل أيضاً السكن الملك والإيجار".
إن جهود المملكة العربية السعودية في مجال الإسكان غير الربحي والتنمية البيئية تعبر عن التزامها بتحقيق رؤية 2030، من خلال المساهمة في تحقيق توازن بين احتياجات الجيل الحالي والأجيال القادمة، لخلق مستقبل أخضر وأكثر استدامة في العقارات السعودية، ومن هذا المنطلق وضعت المملكة العربية السعودية مجموعة من المعايير والمبادئ للمباني المستدامة، ومنها:
- الاعتماد على الطاقة المتجددة: ويمثلها اعتماد المباني المستدامة على الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الحرارية الأرضية، بالإضافة إلى الطاقة الحيوية والطاقة المائية، إذ إن هذه المصادر غير قابلة للاستنزاف.
- التكيف مع المناخ: وذلك ببناء مبانٍ متكيفة مع المناخ وعناصره المختلفة، فتصبح المباني جزءاً لا يتجزأ من البيئة كالحجر والأشجار، مما يجعلها معرضة للمؤثرات الطبيعية، كالشمس والرياح والأمطار وغيرها، تماماً مثل أي جزء من البيئة.
- تقليل استخدام الموارد: يسعى مصممو المباني المستدامة في المملكة العربية السعودية إلى تقليل استخدام الموارد في المباني، حيث يجعلون المباني مورداً للمباني الأخرى بعد انتهاء عمرها الافتراضي.
- احترام الموقع: والذي يتمثل في تشييد المباني بشكل لا يؤدي إلى تغييرات كبيرة وجوهرية في المعالم الجغرافية، وفي حال إزالة هذه المباني أو نقلها يمكن للموقع العودة إلى شكله السابق بسهولة وسلاسة.
- احترام المستخدمين والمتعاملين: العمارة الخضراء تضع الحفاظ على الموارد والطاقة كأولوية، ويظهر ذلك في احترام المصممين للبيئة وإعطائها حقوقها الكاملة، بالإضافة إلى إيلاء اهتمام كبير للمتعاملين معها، فالحفاظ على الناس وصحتهم هدف مهم دائماً.
ومن جانب آخر تسعى وزارة البلديات والإسكان إلى إيجاد عدد من الحلول والمبادرات، التي تساهم في تحقيق أهدافها في زيادة نسب تملك المواطنين للوحدات السكنية، وتنظيم القطاع العقاري، وعليه فقد أطلقت الوزارة منصة البناء المستدام، والذي يهدف إلى توفير عدد من الخدمات، التي تساهم في استدامة الوحدات السكنية كالتالي:
- فحص جودة البناء: يحصل المبنى على شهادة رسمية بجودة التنفيذ بعد تطبيق آلية جودة أعمال تنفيذ البناء، عبر فاحصين معتمدين، وبعد تجاوزه مراحل الفحص كافة.
- فحص المباني الجاهزة: وهي آلية لفحص جودة المباني القائمة، عن طريق فاحصين معتمدين، يصدر بموجبها تقرير مفصل لحالة الوحدة السكنية.
- تقييم استدامة المباني: هي آلية لتقييم مطابقة المبنى لمعايير الاستدامة البيئية، ووفقاً للتقييم يحصل المبنى على تصنيف يُحدد درجة التزام المبنى بمعايير الاستدامة.
- خدمة فحص جودة التزام المقاولين بالتصنيف: تتيح للمقاولين الحصول على تقرير يوضح مدى التزام المقاولين بمعايير الجودة والسلامة للحفاظ على المشهد الحضري.
ختاماً... تعد مبادرات المملكة العربية السعودية خطوة نحو بناء مجتمع مستدام، يتميز بالتكامل الاجتماعي والبيئي، الذي يساهم في تحسين رفاهية المواطنين، وضمان نوعية الحياة للأجيال القادمة.

