الابتكار الاجتماعي
التمويل الاجتماعي كأداة لتحفيز التنمية الاقتصادية في المناطق الريفية

مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 21

التمويل الاجتماعي كأداة لتحفيز التنمية الاقتصادية في المناطق الريفية

   د. إبراهيم داوالحاج

    المقدمة

تواجه المناطق الريفية تحديات متعددة، تعرقل نموها وتطورها في العديد من الدول، سواء كانت نامية أو متقدمة، وتأتي هذه التحديات من نقص واضح في الموارد المالية، وضعف في البنية التحتية، وندرة في الخدمات الأساسية، إضافة إلى المشكلات الاجتماعية، مثل الفقر، وانخفاض مستويات التعليم والرعاية الصحية، وارتفاع معدلات البطالة[1]، ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، يعيش نحو 80% من سكان العالم الذين يعانون من الفقر المدقع في المناطق الريفية[2]، ما يجعل التنمية الريفية ضرورة ملحة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة،  وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن السكان في المناطق الريفية غالباً ما يعانون من محدودية الاستثمارات الاقتصادية، التي يمكن أن تسهم في خلق فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة، مما يعمق الفجوة الاقتصادية بين المناطق الريفية والحضرية.[3]

وفي ظل هذه التحديات، أصبح من الضروري البحث عن حلول مبتكرة تدعم استقرار المجتمعات الريفية وتنمية اقتصاداتها بطريقة مستدامة، ويأتي التمويل الاجتماعي كونه إحدى الأدوات البارزة، التي ظهرت أخيراً للتصدي لهذه التحديات، فالتمويل الاجتماعي لا يهدف فقط إلى تحقيق العوائد المالية، بل يسعى أيضاً إلى إحداث تأثير اجتماعي إيجابي، من خلال تخصيص الموارد لدعم مشروعات تنموية محلية، تسهم في تحسين حياة سكان الريف، وتقليص الفجوات التنموية بين الريف والحضر[4]، ويشمل التمويل الاجتماعي تمويل المشروعات ذات الطابع الاجتماعي، مثل إنشاء المدارس، والمراكز الصحية، وتطوير البنية التحتية، التي تُعد ضرورية لتحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي.

ويتميز التمويل الاجتماعي بمرونته العالية، إذ يجمع بين مصادر تمويل متنوعة، مثل التمويل العام، والقطاع الخاص، والمنظمات غير الربحية، وحتى المؤسسات الدولية، وقد أظهرت الدراسات أن التمويل الاجتماعي يمكن أن يعزز من الاقتصاد المحلي بنحو فعال، إذ يدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تعد العمود الفقري للاقتصادات الريفية، كما أن هذه الاستثمارات الصغيرة في المشروعات الريفية يمكن أن تزيد من فرص العمل بنسبة تصل إلى 50% في بعض المناطق النامية، مما يسهم في استقرار المجتمعات الريفية، وتحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي مستدام[5].

ويهدف هذا المقال إلى استكشاف دور التمويل الاجتماعي، كونه أداة تحفيزية تدعم التنمية الاقتصادية في المناطق الريفية، وسيركز على دراسة كيفية تأثير التمويل الاجتماعي في تحسين مستويات المعيشة، وتعزيز الفرص الاقتصادية للمجتمعات المحلية، وكذلك استراتيجيات الاستدامة وآلياتها، التي يمكن تبنيها لضمان استمرار فاعلية التمويل الاجتماعي، مع تسليط الضوء على تجارب ناجحة من دول أخرى، واستعراض الأدبيات العلمية المتخصصة في هذا المجال.

ومن أجل تحقيق فهم أعمق حول الموضوع، يسعى المقال للإجابة عن بعض الأسئلة البحثية المحورية، منها: ما تأثير التمويل الاجتماعي في تحسين مستوى المعيشة في المجتمعات الريفية؟ وما الآليات المثلى لضمان استدامة هذا النوع من التمويل؟

من خلال استعراض هذه المحاور، يسعى هذا المقال إلى توضيح أهمية التمويل الاجتماعي، كونه أداة لتسريع النمو في المناطق الريفية، ودوره في معالجة بعض من أكثر التحديات إلحاحاً في المجتمعات الريفية على مستوى العالم.

    مقاربات التمويل الاجتماعي ومشروعات التنمية الريفية

التمويل الاجتماعي هو نوع من الاستثمار يهدف إلى تحقيق عوائد مالية مع تحقيق أثر اجتماعي إيجابي ومستدام، ويوجَّه التمويل الاجتماعي نحو مشروعات ومبادرات تسعى لحل مشكلات مجتمعية أو بيئية، حيث تدمج الأهداف الاقتصادية بالأهداف الاجتماعية، مما يحقق توازناً بين العائد المالي والمنافع المجتمعية[6].

ويُعرف التمويل الاجتماعي أيضاً بأنه: آلية استثمارية تُستخدم لتوفير الدعم المالي للمشروعات ذات الأثر الإيجابي، مثل الحد من الفقر، وتعزيز التعليم، وتحسين جودة الحياة، وذلك من خلال قنوات تمويل متنوعة تشمل الحكومات، والقطاع الخاص، والمنظمات غير الربحية، هذا النوع من التمويل لا يسعى فقط لتحقيق الربح، بل أيضاً لتعزيز التنمية الشاملة والمستدامة في المجتمعات الأقل حظاً، وخاصة في المناطق الريفية والمجتمعات التي تعاني من نقص الموارد[7].

ويبرز التمويل الاجتماعي بوصفه أداة مالية مبتكرة، تستطيع توجيه رؤوس الأموال نحو مشروعات تدعم التنمية الريفية المستدامة، من خلال استثمار الأموال في مجالات ذات أولوية للمجتمع، مثل التعليم، والصحة، والبنية التحتية، وتوضح النظريات والأبحاث أن التمويل الاجتماعي قادر على خلق فرص جديدة، لتحسين سبل العيش وتعزيز الاستقرار الاقتصادي للمجتمعات الريفية والقروية، عبر نماذج تمويلية تحفز النمو المحلي، وتضمن تحقيق منافع ملموسة للأفراد والمجتمعات على حد سواء.

 1.2 الاستثمار الاجتماعي

تركز مشروعات الاستثمار الاجتماعي على أهمية توجيه الأموال نحو مشروعات تهدف إلى تحقيق أثر اجتماعي إيجابي يعزز من الرفاه الاقتصادي على نطاق واسع، ويقوم هذا المفهوم على أن الاستثمار ليس مجرد وسيلة لتحقيق الربح، بل يمثل أداة للتنمية المجتمعية وتحسين مستوى الحياة في المجتمعات الأقل حظاً، فيمكن للتمويل الاجتماعي، عند توجيهه نحو دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أن يسهم في توفير بيئة اقتصادية مستقرة تدعم الاستدامة الاقتصادية، من خلال خلق فرص عمل محلية جديدة وتحفيز ريادة الأعمال، ويؤكد خبراء الاقتصاد أن توفير الدعم المالي لرواد الأعمال الصغار في المجالات الإنتاجية يسهم مباشرة في بناء منظومة اقتصادية متكاملة، تعزز من قدرات المجتمعات الريفية على الصمود ومواجهة الأزمات، وذلك عبر زيادة الاستقلالية المالية وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية[8].

2.2 رأس المال الاجتماعي

من منظور التمويل الاجتماعي يُعد رأس المال الاجتماعي عنصراً أساسياً لتحقيق نجاح المشروعات التنموية، خاصة في المجتمعات الريفية، حيث يلعب التضامن والتعاون الاجتماعي دوراً رئيسياً في توجيه الاستثمارات نحو تحقيق تأثير اجتماعي طويل الأمد، فالتمويل الاجتماعي لا يقتصر على تقديم الدعم المالي للمشروعات، بل يشمل أيضاً بناء شبكات من الثقة والعلاقات القوية بين الأفراد والمستفيدين من هذه المشروعات، وهو ما يعزز من فاعلية التمويل ويزيد من احتمالات استدامته.

عندما يوجَّه التمويل الاجتماعي لدعم مبادرات محلية، مثل المشروعات الزراعية التعاونية، أو الأسواق المجتمعية، أو برامج التدريب المهني، فإن هذا النوع من التمويل يستفيد من الروابط الاجتماعية القوية لدفع أفراد المجتمع إلى المشاركة بنشاط في المشروعات، فبناء الثقة بين الجهة الممولة والمستفيدين يعزز من الالتزام المشترك بنجاح المشروع، ويشجع الأفراد على تحمل المسؤولية الجماعية، فعلى سبيل المثال: إذا موِّل مشروع زراعي تعاوني، فإن رأس المال الاجتماعي يسهم في تضافر الجهود بين المزارعين، مما يؤدي إلى مشاركة الموارد والمعرفة، ومن ثم تحسين الإنتاجية وزيادة العوائد للمجتمع كله[9].

علاوة على ذلك فإن رأس المال الاجتماعي يسهم في توفير بيئة آمنة للتمويل الاجتماعي، فيمكن تخفيض مخاطر الإخفاق المرتبطة بالمشروعات، فالثقة المتبادلة تعني أن الأفراد أكثر استعداداً للالتزام بواجباتهم تجاه المشروع، وتجنب السلوكيات التي قد تؤدي إلى إخفاقه، ووفقاً لدراسات أجريت في جامعة ستانفورد سنة 2021، فإن المشروعات التي تستفيد من رأس المال الاجتماعي تميل إلى تحقيق مستويات أعلى من الكفاءة والربحية، إذ يلاحظ أن العلاقات القوية بين الأفراد تسهم في تحسين سلاسة العمل الجماعي وحل النزاعات بشكل أكثر فاعلية[10]. 

 3.2 نظرية السوق المزدوجة

تطرح نظرية السوق المزدوجة مفهوم التمويل الاجتماعي كنموذج يمزج بين العوائد المالية والأهداف الاجتماعية، حيث توجَّه الاستثمارات نحو مشروعات تحقق توازناً بين تحقيق الأرباح وتقديم منافع للمجتمع. وفقاً لهذه النظرية يسعى التمويل الاجتماعي إلى إيجاد حلول للتحديات الاجتماعية مع تحقيق عوائد مالية مستدامة، مما يجعله مناسباً بخاصة للمشروعات في المناطق الريفية، التي تحتاج إلى دعم اقتصادي واجتماعي على حد سواء.

ويعد نموذج السوق المزدوج فعالاً في تمويل المشروعات الريفية ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، حيث يمكن أن يشمل دعم قطاعات متعددة، مثل: الزراعة المستدامة، وتطوير البنية التحتية، وإنشاء المشروعات البيئية التي تعزز من جودة الحياة للسكان المحليين، وعلى سبيل المثال: تمويل مشروعات الزراعة العضوية أو الطاقة المتجددة في المناطق الريفية يمكن أن يحقق عوائد مالية، ويسهم في تعزيز الاستدامة البيئية وتوفير فرص عمل محلية، مما يعزز من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، كما أن المشروعات التي تعتمد على هذا النموذج المزدوج تحقق نجاحاً بنسبة 40% أعلى من المشروعات التقليدية التي تركز فقط على الربحية، ويعزى هذا النجاح إلى أن المشروعات المزدوجة الأهداف تحظى بدعم أكبر من المجتمع والمستثمرين على حد سواء، حيث يُنظر إليها على أنها استثمارات ذات قيمة اجتماعية واقتصادية، مما يزيد من احتمالات نموها واستدامتها.[11]

إضافة إلى ذلك، يساعد هذا النموذج في تقليل المخاطر المالية المرتبطة بالمشروعات الريفية، حيث تتسم المشروعات المزدوجة بالمرونة والقدرة على التكيف مع متطلبات المجتمع واحتياجاته المتغيرة، مما يجعلها أقل عرضة للإخفاق، ويدعم هذا النموذج أيضا التنسيق بين القطاعين الخاص والعام لتقديم حلول مستدامة، فيمكن للحكومات تقديم تسهيلات للمشروعات التي تخدم الأهداف الاجتماعية، في حين يستفيد المستثمرون من العوائد المالية، ويعززون من سمعتهم كونهم شركاء في التنمية المجتمعية[12].

4.2 نموذج التمويل التعاوني

نموذج التمويل التعاوني يمثل إطاراً مبتكراً في مجال التمويل الاجتماعي، حيث تجمع الموارد المالية من المجتمع المحلي، سواء من أفراد أو منظمات غير ربحية، لدعم مشروعات محددة تحقق فائدة عامة، ويعتمد هذا النموذج على المشاركة الجماعية، إذ يعمل الأفراد على تمويل المشروعات التي تهدف إلى تحسين حياتهم اليومية وتوفير احتياجاتهم الأساسية، ويمكن للتمويل التعاوني دعم تطوير مشروعات زراعية صغيرة، وتحسين مرافق الصحة والتعليم، أو إنشاء البنى التحتية الأساسية في المناطق الريفية.[13]

أحد الجوانب الهامة لهذا النموذج هو تعزيز التمكين المحلي، إذ يشعر أفراد المجتمع بملكية هذه المشروعات التي تموّل من خلال مساهماتهم، مما يزيد من التزامهم بنجاحها واستدامتها، ويعد التمويل التعاوني كذلك وسيلة فعّالة لبناء رأس المال الاجتماعي، حيث تتعمق العلاقات بين أفراد المجتمع ويتعزز التعاون بينهم، وتشير الإحصائيات إلى أن التمويل التعاوني قد أسهم بنحو ملموس في التنمية المستدامة، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص التمويل التقليدي، فوفقاً لتقرير المفوضية الأوروبية لسنة 2021، ساعدت المشروعات التعاونية في أوروبا على توفير فرص عمل جديدة بنسبة تصل إلى 25% في المناطق الريفية، وتمكن هذه المشروعات من الاستمرار والازدهار، بسبب اعتمادها على رأس المال المحلي والتفاعل المباشر مع المجتمع، مما يضمن تلبيتها للاحتياجات الحقيقية للمستفيدين[14].

ومن منظور استدامة التمويل يعد التمويل التعاوني من النماذج القادرة على تحقيق استمرارية المشروعات من خلال إدارة محلية محكمة ودعم مستمر من المجتمع، إذ يعاد استثمار العوائد الاقتصادية في مشروعات جديدة أو لتوسيع المشروعات القائمة، وهذا النموذج لا يعزز الاستقرار الاقتصادي فحسب، بل يسهم أيضاً في نشر ثقافة التعاون والمسؤولية الاجتماعية، مما يعزز من قدرة المجتمع على مواجهة التحديات الاقتصادية ويحول الأفراد إلى عناصر فعّالة في مسيرة التنمية.

    تأثير التمويل الاجتماعي في دعم برامج التنمية الريفية

يعد التمويل الاجتماعي أداة هامة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في المناطق الريفية، التي تعد أساس الاقتصاد المحلي، وتلعب دوراً كبيراً في توفير فرص العمل وتعزيز الدخل المجتمعي، ومن خلال توجيه التمويل نحو هذه المشروعات، يحفَّز الاقتصاد المحلي بطرق متعددة، إذ يسهم هذا التمويل في تخفيف العبء المالي على رواد الأعمال المحليين، ويتيح لهم الفرصة للتوسع والاستثمار في موارد جديدة، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتوسيع السوق المحلي، فالتمويل الاجتماعي لمشروعات زراعية أو صناعات حرفية في المناطق الريفية يساعد على بناء اقتصاد مستدام، مما يخلق فرص عمل جديدة للشباب والنساء، ويقلل من معدلات البطالة.

بالإضافة إلى ذلك يعزز التمويل الاجتماعي النشاط الاقتصادي المحلي عن طريق دفع عجلة الإنتاج وتوفير منتجات وخدمات تلبي احتياجات المجتمع، مما يعزز من الاستقلالية الاقتصادية، ويقلل الاعتماد على الواردات، هذه الديناميكية الاقتصادية تساعد على إنشاء بيئة اقتصادية مزدهرة، تدعم الاستقرار المالي وتتيح للمجتمعات الريفية فرصاً أفضل للنمو الاقتصادي المستدام.

من الجوانب المهمة الأخرى للتمويل الاجتماعي هو دوره في تطوير البنية التحتية، إذ توجَّه الموارد المالية إلى تحسين الطرق وشبكات المياه والكهرباء، مما يسهم مباشرة في تحسين حياة السكان في المناطق الريفية، هذه البنية التحتية تعد أساسية لنمو الاقتصادات المحلية، إذ تساعد على تقليل تكاليف النقل، وتحسين سهولة الوصول إلى الأسواق، ودعم النشاط الاقتصادي بوجه عام، علاوة على ذلك يسهم التمويل في توفير الموارد اللازمة لتأمين إمدادات المياه والكهرباء، مما يسهم في رفع مستوى المعيشة، ويحد من التحديات التي تواجه المجتمعات الريفية.

ويلعب التمويل الاجتماعي أيضا دوراً حيوياً في تحسين جودة التعليم والرعاية الصحية عبر تمويل المراكز التعليمية والصحية، فعلى سبيل المثال: يمكن توجيه التمويل لإنشاء مدارس ومراكز صحية قريبة أو تجديدها، مما يزيد من فرص التعليم، ويحسن من جودة الخدمات الصحية المقدمة، هذا التمويل يسهم في بناء جيل متعلم يتمتع بصحة جيدة، مما ينعكس إيجاباً على المجتمع كله، حيث يعزز من قدرات الأفراد في تحقيق التنمية الشاملة.

وللتمويل الاجتماعي أثر اجتماعي كبير يتجاوز الفوائد الاقتصادية المباشرة، إذ يسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والشعور بالانتماء لدى أفراد المجتمع، فيشعر الأفراد بأنهم جزء من منظومة تنموية تهدف إلى تحسين حياتهم وتوفير احتياجاتهم، مما يعزز من التزامهم تجاه مشروعات التنمية ويسهم في نجاحها، ويشجع التمويل الاجتماعي كذلك أفراد المجتمع على المشاركة بنحو فعّال في تحقيق أهدافهم التنموية، ويعزز من روح التعاون بين مختلف فئات المجتمع.

كما يسهم التمويل الاجتماعي في تعزيز التماسك الاجتماعي، من خلال دعم المشروعات التي تركز على الاحتياجات المحلية، مثل تنظيم مبادرات زراعية جماعية أو إقامة أنشطة ثقافية وتعليمية، هذه المشروعات تجمع الأفراد وتدعم روح التضامن والعمل الجماعي، مما يعزز من النسيج الاجتماعي للمجتمع، بالإضافة إلى ذلك، يسهم التمويل الاجتماعي في تقليل الفجوة بين الطبقات الاجتماعية ويعزز من العدالة المجتمعية، فيستفيد الجميع من الفرص والمشروعات الممولة، مما يساهم في بناء مجتمع متوازن ومستقر.

    الآليات المثلى لضمان استدامة التمويل الاجتماعي في المجتمعات الريفية

تعد استدامة التمويل الاجتماعي في المناطق الريفية من التحديات الأساسية لضمان تحقيق الأهداف التنموية على المدى الطويل، ففي ظل الاعتماد المتزايد على التمويل الاجتماعي لدعم المشروعات الريفية، التي تسهم في تحسين مستوى المعيشة وتعزيز الاستقلالية الاقتصادية، يصبح من الضروري التركيز على آليات فعالة، تضمن استمرارية هذا الدعم وتحقيق الأثر المطلوب، وتتضمن أهم هذه الآليات ما يلي:

1.4 تنويع مصادر التمويل

تعد عملية تنويع مصادر التمويل إحدى الركائز الأساسية، لضمان استدامة المشروعات الاجتماعية في المناطق الريفية، ومن خلال دمج موارد متعددة من القطاعات الحكومية، والخاصة، والمنظمات غير الربحية، يمكن للمشروعات أن تعتمد على قاعدة مالية متينة تقلل من احتمالية توقفها، على سبيل المثال: يمكن للحكومات أن تقدم تمويلاً أولياً للمشروعات، في حين يقدم القطاع الخاص استثمارات طويلة الأجل مدعومة بحوافز ضريبية أو مالية، لتعزيز مساهماتهم في التمويل الاجتماعي، وهذه الحوافز لا تشجع فقط على توسيع نطاق التمويل، بل أيضاً على تحسين جودة المشروعات وضمان استمراريتها من خلال جذب المستثمرين، الذين يبحثون عن عوائد مستدامة وتأثير اجتماعي.

2.4 التمكين المحلي وبناء القدرات

تلعب عملية التمكين المحلي وبناء القدرات دوراً محورياً في ضمان استدامة التمويل الاجتماعي، إذ تتيح لأفراد المجتمع الريفي إدارة المشروعات بكفاءة بعد انتهاء التمويل الأساسي، ويشمل ذلك تدريب كوادر الحكومات والمؤسسات المحلية على المهارات الإدارية والمالية اللازمة، مثل إعداد الميزانيات، وتقييم الأداء، والتسويق الاجتماعي، لأنه من خلال بناء قدرات محلية قوية، تصبح المشروعات قادرة على تحقيق الاستقلالية التشغيلية وتقليل الاعتماد على الدعم الخارجي، كما يعزز نقل المعرفة والمهارات الريادية لدى المستفيدين من التمويل الاجتماعي قدرتهم على تطوير أفكار جديدة وإدارة المشروعات المستقبلية بفاعلية، مما يساهم في خلق ثقافة استدامة ذاتية ودعم طويل الأمد للمجتمع.

3.4 المتابعة والتقييم الدوري

تعد عمليات المتابعة والتقييم الدوري من الأدوات الأساسية لضمان أن المشروعات الممولة تحقق الأهداف المطلوبة، إذ يمكن من خلالها تحديد نقاط القوة والضعف وإجراء التحسينات الضرورية، وتطوير نظام فعّال لمتابعة المشروعات، يسمح بمراقبة التقدم وتقديم تقارير دورية للممولين، مما يزيد من الشفافية ويعزز الثقة في استمرارية المشروع، كما أن أدوات قياس الأثر تلعب دوراً هاماً في تقييم الفائدة التي تحققها المشروعات على المستفيدين وعلى المجتمع كله، مثل استخدام تطبيقات قياس الأثر الاجتماعي ومنهجياته، ومؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) التي تقيس الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية، وبفضل التقييم المستمر يمكن إجراء تعديلات مستدامة لتحسين الأداء وزيادة الفاعلية، مما يعزز من قدرة المشروعات على التكيف مع التغيرات والاحتياجات المتجددة في المجتمعات الريفية.

    الخاتمة

يُعد التمويل الاجتماعي محركاً محورياً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في المجتمعات الريفية، إذ يوفر إطاراً لتمويل المشروعات التي تسهم في تحسين مستوى المعيشة وتعزيز النمو الاقتصادي، ونتيجة لدعمه للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتطوير البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية، كالتعليم والرعاية الصحية، يتيح التمويل الاجتماعي لهذه المجتمعات فرصاً للنهوض والاستقلال الاقتصادي، مما يساعد على تقليص الفجوات بين المناطق الريفية والحضرية.

وقد أوضحت نتائج هذه الدراسة أن فاعلية التمويل الاجتماعي ترتبط بقدرته على تحقيق الأثر المطلوب عبر التوازن بين العائد المالي والاجتماعي، وهو ما يجعله قادراً على دعم استراتيجيات التنمية الريفية بنحو فعّال، إلى جانب ذلك فإن الاستدامة طويلة الأمد للتمويل الاجتماعي تعتمد على اتباع سياسات تدعم تنويع مصادر التمويل، وبناء القدرات المحلية، وإجراء تقييمات دورية للمشروعات لضمان تحقق الأهداف المرجوة.

ويظهر هذا المقال أهمية تفعيل أدوات التمويل الاجتماعي وتبنيها من الجهات ذات العلاقة، بوصفها أداة لدعم التنمية الريفية بنحو شامل، حيث لا يسهم فقط في تحسين الظروف الاقتصادية، بل يرسخ كذلك البنية الاجتماعية، ويساعد على بناء رأس مال اجتماعي قوي، وبذلك يوفر التمويل الاجتماعي نموذجاً قابلاً للتكرار قد يلهم الجهات المانحة والمؤسسات الدولية لاعتماده في مختلف المجتمعات الريفية حول العالم، مما يتيح فرصاً واسعة للبحث المستقبلي في هذا المجال، ويعزز من إمكانية توسيع أثره عبر نماذج وآليات مبتكرة.



[1] Yar, F. G. M., & Yasouri, M. (2024). Rural Development Challenges in Addition to Effective Solutions to Overcome Obstacles. Zhongguo Kuangye Daxue Xuebao, 29(3), 79-90.

[2] UNDP, S. (2021). UNEP-WCMC (2021). Creating a Nature-Positive Future: The contribution of protected areas and other effective area-based conservation measures.

[3] Lyons, A. (2022). Rurality as an Intersecting Axis of Inequality in the Work of the UN Treaty Bodies. Wash. & Lee L. Rev., 79, 1125.

[4] Kuchler, T., & Stroebel, J. (2021). Social finance. Annual Review of Financial Economics, 13(1), 37-55.

[5] Waldan, R., Asma, N., & Suhrawardi, S. (2022). Resilience of Micro, Small and Medium Enterprises (MSMEs) Through Islamic Social Finance (ISF) after the Covid 19 Pandemic. Journal of Multidisciplinary Islamic Studies eISSN 2785-9223, 2(1), 20-28.

[6] Nicholls, A., Paton, R., & Emerson, J. (Eds.). (2015). Social finance. Oxford University Press.

[7] Biancone, P. P., & Radwan, M. (2018). Social finance and unconventional financing alternatives: an overview. European Journal of Islamic Finance, (10).

[8] Dyba, M., & Gernego, I. (2018). Private social investments as a solution for rural development. Management Theory and Studies for Rural Business and Infrastructure Development, 40(3), 320-328.

[9] Chetty, R., Jackson, M. O., Kuchler, T., Stroebel, J., Hendren, N., Fluegge, R. B., ... & Wernerfelt, N. (2022). Social capital I: measurement and associations with economic mobility. Nature, 608(7921), 108-121.

[10] Gilbert, K. L., Ransome, Y., Dean, L. T., DeCaille, J., & Kawachi, I. (2022). Social capital, Black social mobility, and health disparities. Annual review of public health, 43(1), 173-191.

[11] Piore, M. J. (2018). The dual labor market: theory and implications. In Social stratification (pp. 629-640). Routledge.

[12] Li, L., & Zhu, B. (2022). Trading and volatility in dual market: Theory and evidence from real estate. Journal of Real Estate Research, 44(2), 151-183.

[13] McKillop, D., French, D., Quinn, B., Sobiech, A. L., & Wilson, J. O. (2020). Cooperative financial institutions: A review of the literature. International Review of Financial Analysis, 71, 101520.

[14] European Commission , Pavlovaite, I., & de Miguel, P. S. (2022). January 2022 With the financial support of the European Commission.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...