مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 21
التنمية الريفية بعدسة النهج المرتكز حول الإنسان مقاربة معرفية في شرح التحيزات التنموية داخل الأرياف
في السنوات الأخيرة، أصبح مفهوم التنمية الريفية المتكاملة (IRD) Integrated Rural Development محوراً رئيسياً في مناقشات سياسات التنمية، خاصة في البلدان النامية، إذ تعتقد المنظمات الدولية أن هذا النهج يمكن أن يحقق تقدماً كبيراً في مكافحة الجوع والبطالة والتبعية الاقتصادية، وقد عدلت العديد من الدول خططها الاقتصادية لتولي اهتماماً أكبر للمناطق الريفية، فقد أصبح هذا النهج المتعدد القطاعات جزءاً أساسياً من التحليلات الاجتماعية والاقتصادية، ويمكن القول إن مصطلح التنمية الريفية المتكاملة يُستخدم لوصف إستراتيجية تنموية شاملة، تستهدف تحقيق التنمية في المناطق الريفية بواسطة إدماج عدة قطاعات وجوانب مختلفة، مثل الزراعة والبنية التحتية والخدمات الاجتماعية والتعليم والصحة وغيرها، والهدف من هذه الإستراتيجية هو تحسين مستوى الحياة في المناطق الريفية بتعزيز الاقتصاد المحلي، وتقديم فرص العمل، وتحسين البنية التحتية والخدمات الأساسية.
بعبارة أخرى، تتميز التنمية الريفية المتكاملة بالنظرة الشاملة والمتكاملة إلى التحديات التي تواجه المجتمعات الريفية، فهي تعتمد على تعاون متعدد القطاعات، والشراكات بين الحكومات المحلية والمنظمات الدولية والمجتمع المدني لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
مع ذلك، من الضروري أن نتنبه للتحيزات التي قد تظهر أثناء تنفيذ المشاريع التقليدية للتنمية الريفية، إذ كثيراً ما يُوجَّه الزوار والباحثون بشكل انتقائي نحو قرى يمكن أن تحقق تنميتها تحسينات في السياحة مثلاً، أو قرى تلقت دعماً واستثماراً دون غيرها، مما يخلق صورة غير واقعية أمام الباحثين التنمويين عن الحالة العامة للمناطق الريفية، هذا التركيز على الأمثلة النموذجية قد يؤدي إلى تجاهل المناطق التي لم تحظَ بنفس القدر من الدعم أو الاستثمار، مما يساهم في تعزيز الفوارق بدلاً من تقليصها.
ونشير لتحيزات أخرى، فلا يخفى على أحد أننا عندما نتحدث عن التنمية الريفية، غالباً ما يتبادر إلى أذهاننا المفاهيم والنماذج المستمدة من التجارب الغربية، ومع ذلك، فإن نجاح التنمية الحقيقية والمستدامة يتطلب أكثر من مجرد تطبيق هذه النماذج بشكل آلي، ذلك أن التحيزات نحو المركزية الغربية قد تؤدي إلى تجاهل الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات المحلية، فكل مجتمع ريفي يمتلك مجموعة فريدة من التحديات والفرص التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، فإن فرض النماذج الغربية على المجتمعات الريفية في الدول النامية قد يؤدي إلى نتائج غير مرضية، بل وربما مدمرة في بعض الأحيان، ذلك أنَّ أخذ السياق المحلي في عين الاعتبار يعني الاستماع إلى صوت المجتمعات الريفية نفسها، وفهم تحدياتها واحتياجاتها الفريدة، والعمل على إيجاد حلول تنبع من داخل هذه المجتمعات، فمن الممكن أن يعزز هذا النهج الشعور بالملكية والمسؤولية لدى السكان المحليين، مما يسهم في استدامة المشاريع التنموية على المدى الطويل.
في هذه المقالة، نتناول محوراً في مجال التنمية الريفية، ألا وهو التحيزات التي قد تظهر خلال عمليات التنمية خاصة في الأرياف، التي قد تؤثر سلباً على الجهود لجعل التنمية مستدامة وعادلة، ومن ثم يجدر القول إن التنمية الريفية قد تصبح أكثر فاعلية وإنصافاً بالتركيز على السياق المحلي.
في السرد: شرح أهم المحاور التي تناولتها الدراسات المتمركزة حول الإنسان وما بعد الكولونيالية في نقد التنمية الريفية.
تقدم الدراسات المرتكزة حول الإنسان وأيضاً ما بعد الاستعمارية (والتي تنتقد مفهوم التنمية الريفية Rural Development) عدة تحليلات نقدية مهمة:
أولاً: يجادل بعض الباحثين في أن هذه البرامج قد تعيد إنتاج هياكل متمركزة حول الغرب بواسطة فرض نماذج تنموية غربية على المجتمعات المحلية، مما يهمل السياقات المحلية والثقافات التقليدية.
ثانياً: تُنتقَد هذه البرامج لأنها غالباً ما تدار من قبل منظمات دولية، مما قد يؤدي إلى تهميش أصوات المجتمعات المحلية وعدم مشاركتها في صنع القرارات.
ثالثاً: هناك مخاوف من أن هذه البرامج قد تؤدي إلى اعتماد المجتمعات الريفية على الأسواق العالمية، مما يجعلها عرضة للتقلبات الاقتصادية العالمية، ويضعف من استقلاليتها الاقتصادية.
رابعاً: تُنتقَد هذه البرامج أيضاً لأنها قد تؤدي إلى تدهور بيئي، بسبب تشجيع ممارسات زراعية غير مستدامة، أو استغلال مفرط للموارد الطبيعية.
خامساً: تُنتقَد أحياناً لإهمالها التنوع الثقافي والاجتماعي في المناطق الريفية، فقد تفرض نماذج تنموية لا تتفق مع القيم والعادات المحلية.
وأخيراً: تعتمد بعض البرامج التنموية النهج الفوقي top-down approach، مما يقلل من فعالية التنمية ومن مشاركات المجتمع المحلي في اتخاذ القرارات، ذلك أن النهج الفوقي في سياق التنمية الريفية يشير إلى الأسلوب الذي تدار به المشروعات التنموية بطريقة مركزية من جهات غريبة عن السياق المحلي مثل المنظمات الدولية، دون مشاركة فعالة للمجتمعات المحلية في صنع القرارات، هذا النهج قد يقلل من فعالية التنمية لعدة أسباب، مثلاً عندما تُتَّخَذ القرارات وتُنفَذ المشاريع من الأعلى إلى الأسفل، فإنها غالباً ما تتجاهل السياقات المحلية الفريدة والثقافات المحلية كما ذكرنا منذ قليل، مما قد يؤدي إلى عدم تلبية الاحتياجات الحقيقية للسكان المحليين، وقد يؤدي النهج الفوقي كذلك إلى تهميش أصوات المجتمعات المحلية، وتحويلها إلى مستفيدين سلبيين، يتلقون القرارات والمشاريع بدلاً من أن يكونوا شركاء فاعلين في عملية التنمية، وبسبب عدم تضمين الأبعاد المحلية والثقافية قد تكون المشاريع التي تعتمد النهج الفوقي غير مستدامة على المدى الطويل، ومن الممكن أن تفتقد الدعم المجتمعي اللازم للاستمرارية بعد انتهاء الدعم الدولي أو الحكومي.
باختصار، قد يؤدي التركيز على النموذج الواحد الذي يُصمَّم من الأعلى إلى الأسفل إلى عدم تحقيق الأهداف المحددة بشكل فعال، نظراً لعدم تلبية التفاصيل والظروف المحلية التي يتعين أخذها بعين الاعتبار، لذا يُبرِز النقد الناتج عن النهج الفوقي والمتمركز حول الغرب ضرورةَ اعتماد نهج شامل ومحلي في التنمية الريفية، يشمل مشاركة السكان المحليين في صنع القرارات، ويأخذ بعين الاعتبار السياقات الثقافية والاجتماعية المحلية، مما يزيد من فرص تحقيق تنمية مستدامة ومستقلة تنطلق من داخل المجتمعات نفسها.
روبرت تشامبرز ودوره في بناء النهج المتمركز حول الإنسان في التنمية الريفية [1]
ساهم تشامبرز بشكل كبير في تحويل النظريات التنموية نحو نهج أكثر تمركزاً حول الإنسان، إذ بدأ روبرت تشامبرز مشواره في السبعينيات بنشر العديد من الكتب عن إدارة مشاريع التنمية الريفية، مستنداً إلى سنوات من الخبرة العملية كباحث وإداري في إفريقيا والهند، ويعتبر أحد الأسماء البارزة في مجال دراسات التنمية الدولية، فقد أحدث تحولاً جوهرياً في نهج التنمية بتسليطه الضوء على أهمية التركيز على الإنسان في عملية التنمية، وبدلاً من الاعتماد على النماذج التقليدية التي تُفرَض من أعلى إلى أسفل top-down approach دعا إلى تبني مناهج تشاركية، تتيح للمجتمعات المحلية المشاركة الفعالة في صنع القرارات المتعلقة بتنميتها.
تحول تشامبرز من كونه باحثاً في إدارة التنمية التقليدية إلى قائد عالمي في بحوث التنمية التشاركية والممارسات التشاركية، وأصبح شخصية مركزية في شبكات المعرفة العالمية، ليس فقط في الجامعات ولكن أيضاً بين الممارسين في المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني.
ومنذ الثمانينيات كان تشامبرز رائداً في تطوير البحوث التشاركية والممارسات التي تركز على إشراك الناس في عملية التنمية، فعمل على فضح التحيزات المرتبطة بالفقر والتنمية التقليدية، وأكد على ضرورة فهم السياقات المحلية والثقافات المتنوعة، وأسهم في تشكيل شبكة عالمية من الباحثين والممارسين، الذين يشاركون في تطوير وتطبيق أساليب جديدة تتيح للمجتمعات المحلية أن تكون في قلب عملية التنمية.
رؤية تشامبرز كانت تعتمد على بناء طرق ومناهج مفتوحة لمشاركة الناس العاديين، مستفيداً من معرفتهم وخبراتهم المحلية، هذه الأساليب التشاركية كانت ثورية في كسر الأفكار التقليدية، التي كانت ترى الفقراء كمتلقين سلبيين للمساعدات بدلاً من أن يكونوا شركاء نشطين في التنمية، كما ساهمت أساليبه البحثية التشاركية في كسر العقلية الثابتة بأن الفقراء لا يمكنهم المساهمة بالمعرفة والفهم بوضعهم الخاص.
نبذة عن أهم التحيزات في برامج التنمية الريفية وآليات التصدي لها:
بالإشارة إلى كتاب روبرت تشامبرز الشهير "التنمية الريفية: إعطاء الأولوية للأكثر تهميشاً"[2]، نستعرض لك -عزيزي القارئ- بنظرة خاطفة التحيزات الخاصة بالبرامج التنموية الريفية، ونعالج التحيزات ببعض النقاش والتوصيات التي نقترحها في هذه المقالة.
1-التحيز المكاني (Spatial biases):
التحيزات المكانية هي تلك التحيزات الناتجة عن تفضيل المناطق الريفية القريبة من المناطق الحضرية والمناطق القريبة من الطرق المعبدة، مما يؤدي إلى تهميش المناطق الريفية النائية والأشد فقراً.
فيشير تشامبرز إلى أن استطلاع الظروف الريفية يتم أثناء زيارات الباحثين والمخططين التنمويين، التي تعتمد بشكل كبير على وسائل النقل خصوصاً السيارات، هذه الزيارات تبدأ وتنتهي عادةً في المراكز الحضرية وتتبع شبكات الطرق الرئيسية، مما يؤدي إلى تحيز حضري، إذ يكون التركيز على المناطق القريبة من المدن والطرق المعبدة، وتُهمَل المناطق الريفية النائية.
باختصار، يتجلى التحيز المكاني بالتحيز نحو الطرق المعبدة، فبناء الطرق المعبدة يؤدي إلى تحسين الخدمات في المناطق القريبة منها، بينما تظل المناطق البعيدة محرومة من هذه الخدمات.
أخيراً يمكن القول: إن التركيز على المناطق المطورة على طول الطرق قد يعطي انطباعاً زائفاً عن الحالة التنموية، وعليه فإن النهج المتمركز حول الإنسان يدعو إلى التعامل مع جميع المناطق بشكل عادل، وضمان وصول التنمية إلى الجميع، بما في ذلك الفقراء الذين يعيشون في المناطق الأقل وصولاً، فيجب أن يكون الهدف هو تحقيق تنمية شاملة ومستدامة، تأخذ في الاعتبار احتياجات وأولويات جميع السكان بغض النظر عن موقعهم المكاني الجغرافي، ويجب أن تتم المشروعات التنموية بواسطة نهج تشاركي بأن يكون الإنسان هو المركز في التنمية.
وبخصوص التحيز المكاني، نقدم توصيات لمعالجة هذا التحيز كالتالي:
أولاً: تشجيع الزيارات الميدانية إلى المناطق النائية، إذ ينبغي تنفيذ زيارات ميدانية شاملة تشمل المناطق النائية لضمان شمولية البيانات والتخطيط التنموي.
ثانياً: توجيه الموارد وتمويل المشروعات نحو المناطق النائية، بأن تُخصَّص الموارد بشكل عادل لضمان أن تشمل التنمية جميع المناطق، مع التركيز بشكل خاص على المناطق الأكثر حرماناً.
ثالثاً: تنفيذ مشاريع تنموية في المناطق البعيدة، وتطوير بنية تحتية وخدمات في المناطق الريفية النائية، لتحسين جودة الحياة وتعزيز الفرص التنموية.
رابعاً: جمع وتوفير بيانات شاملة ودقيقة عن حالة التنمية في جميع المناطق، لضمان فهم صحيح وشامل للوضع التنموي.
خامساً: تعزيز مشاركة المجتمعات المحلية، والتي تتجلى بإشراك السكان المحليين في عملية صنع القرار لضمان تلبية الاحتياجات الحقيقية للمجتمعات الريفية وتعزيز التنمية المستدامة.
2-التحيز نحو المشاريع (Project bias):
تشامبرز يشير إلى مفهوم "التحيز نحو المشاريع" في السياق التنموي الريفي، هذا التحيز يعني أن الباحثين والمخططين التنمويين الذين يزورون المناطق الريفية يُوجَّهون نحو المناطق التي تشهد مسبقاً نشاطات تنموية ملموسة ومشاريع قيد التنفيذ، يتضمن ذلك الأماكن التي تُنفَق فيها الأموال ويتواجد فيها الموظفون العاملون، وهذا بدوره قد يؤدي إلى تجاهل أو عدم رؤية الجوانب الأخرى من الحياة الريفية التي لا تشهد نشاطات تنموية مرئية، وعلى الرغم من أن الباحثين ليسوا جزءاً من عملية التنمية بشكل مباشر فإن انطباعاتهم وتقاريرهم وأبحاثهم قد تؤثر بشكل كبير على كيفية تصور التنمية وتنفيذها، لذا من المهم أن يكون هناك وعي بتأثير هذه التحيزات، والعمل على ضمان أن السياسات التنموية تأخذ بعين الاعتبار الصورة الكاملة والاحتياجات الحقيقية للمجتمعات الريفية.
لنشرح أكثر بعض أهم النقاط التي تلخص أثر زيارات الباحثين والمخططين التنمويين للمناطق الريفية، التي تشهد نشاطات تنموية ملموسة على تشكيل التحيز:
-تشكيل الرؤية والانطباعات: عندما يزور الباحثون والمخططون التنمويون المناطق الريفية ويركزون على المشاريع التنموية المرئية يتشكَّل انطباع بأن هذه المشاريع هي النموذج المثالي للتنمية، وهذا قد يؤثر على كيفية تصور السياسات والإستراتيجيات التنموية المستقبلية.
-تأثير التغطية الإعلامية والتقارير على توجيه التمويل والموارد: التقارير التي يُعِدها الباحثون والزوار عن زياراتهم قد تركز على النجاحات المرئية للمشاريع التنموية، وهذه التقارير قد تؤثر على القرارات التمويلية والسياسات الحكومية، فيُسلَّط الضوء على بعض المناطق والمشاريع دون غيرها، وهذا بدروه قد يؤثر على كيفية تخصيص الموارد والتمويل، أي أن الجهات المانحة والممولين قد يميلون إلى دعم المشاريع التي تحظى بتغطية إيجابية وتقارير توضح نجاحها المرئي، مما يساهم في تعزيز التحيز نحو هذه المشاريع.
-إغفال الاحتياجات الحقيقية: التركيز على المشاريع المرئية قد يؤدي إلى إغفال احتياجات حقيقية وغير مرئية للمجتمعات الريفية، فالباحثون قد لا يرون أو يلتفتون إلى القضايا والتحديات التي لا تكون واضحة خلال زياراتهم القصيرة.
-الأبحاث الأكاديمية: قد يميل الباحثون إلى دراسة المشاريع التي تحقق نجاحات مرئية وسهلة القياس، مما قد يؤدي إلى نشر أبحاث تعزز هذا التحيز وتؤثر على السياسات والإستراتيجيات التنموية، وهذا قد يؤثر على الرأي العام والسياسات التنموية التي تفضل مثل هذه المشاريع الناجحة، وتُهمَل المناطق التي تحتاج إلى تنمية حقيقية.
وكما فعلنا بخصوص التحيز المكاني، نقدم توصيات خاصة للمساعدة على تجنب التحيز نحو المشاريع الناجحة:
أولاً: توعية صناع القرار والمخططين التنمويين بأهمية النظر إلى الصورة الكاملة للحياة الريفية، وعدم التركيز فقط على المشاريع التنموية الناجحة، فذلك قد يؤدي إلى فهم أفضل للاحتياجات الحقيقية للمجتمعات الريفية.
ثانياً: تحسين إستراتيجيات البحث، أي عند إجراء أبحاث حول التنمية الريفية، يجب أن يكون الباحثون على دراية بتحيزاتهم المحتملة نحو المشاريع المرئية، فيمكنهم تبني إستراتيجيات بحثية تضمن النظر في الجوانب الأقل مرئية والأكثر أهمية من الحياة الريفية.
ثالثاً: تشجيع تنويع الجهود التنموية بأن تشمل المبادرات غير التقليدية، التي قد لا تكون مرئية بوضوح ولكنها ذات تأثير كبير على حياة المجتمعات الريفية.
رابعاً: تقييم شامل للمشاريع، أي عند تقييم نجاح المشاريع التنموية يجب أن يأخذ التقييم في الاعتبار تأثير المشاريع على المجتمع ككل وليس فقط النتائج الملموسة والمرئية، وهذا يساعد على فهم التأثير الحقيقي والمستدام للتنمية.
خامساً: استخدام منهجيات البحث النوعي، مثل المقابلات المتعمقة والملاحظات الميدانية، للحصول على فهم أعمق لحياة الناس في المناطق الريفية، بما في ذلك الجوانب التي قد لا تكون مرئية بسهولة.
سادساً: توجيه جزء من التمويل التنموي نحو مشاريع صغيرة ومبادرات مجتمعية قد لا تكون مرئية بوضوح، ولكنها تلعب دوراً حيوياً في تحسين جودة الحياة في المناطق الريفية.
3-تحيز الشخصيات ((Person biases:
يناقش تشامبرز كيف أن الممولين والباحثين الريفيين يميلون إلى التواصل مع النخبة المحلية وليس مع الفقراء والمهمشين، فالنخبة تشمل المزارعين المتقدمين وقادة القرى والتجار والمعلمين وغيرهم من الأشخاص الأكثر تأثيراً وثراءً في القرى، هؤلاء الأشخاص النخبة هم المصادر الرئيسية للمعلومات بالنسبة للزوار والممولين والباحثين التنمويين، فهم من يستقبل الزوار ويتحدث معهم ويعبرون عن مصالح واحتياجات القرية، كما أنهم الأكثر استفادة من نصائح وخدمات الموظفين الزراعيين، في المقابل لا يتحدث الفقراء بجرأة وقد يترددون حتى بالجلوس مع الأشخاص ذوي المكانة الأعلى، فهم غالباً ضعفاء ومعزولون وغير منظمين، مما يجعلهم غير مرئيين وغير مسموعين في الاجتماعات العامة، وغالباً ما ينجذب المشرفون التنمويون والباحثون القادمون من الأماكن الحضرية إلى التفاعل مع الطبقات المتوسطة والمثقفة في القرى، مما يعكس وتفضيلهم للتواصل مع أولئك الذين يشبهونهم في التعليم والثقافة، ومن الممكن أن ينتج عن ذلك إهمال الفقراء الذين قد يكونون غير قادرين على التعبير بنفس الطريقة أو اللغة التي يفهمها الزوار الباحثون، وينتج عن هذا التحيز تجاهل الأصوات الضعيفة والمحايدة، فالفقراء والمهمشون غالباً لا مهارة لديهم بالتحدث وهم غير منظمين، مما يجعلهم أقل جاذبية للباحثين والزوار الذين يفضلون التواصل مع الأصوات الأكثر بروزاً وتأثيراً، هذا التجاهل يمكن أن ينعكس على التخطيط والتنفيذ للمشاريع التنموية، التي قد تفتقر إلى فهم عميق لحاجات وتحديات الفقراء والمهمشين الحقيقية.
وكما عودنا القارئ في الفقرات السابقة، فإننا هنا أيضاً نطرح بعض التوصيات التي يمكن أن تلعب دوراً في تخفيف وطأة التحيز للشخصيات:
أولاً: التواصل المباشر مع الفقراء والمهمشين: فعلى الباحثين والمسؤولين والزوار أن يبذلوا جهداً للتواصل المباشر مع الفقراء في المجتمعات الريفية بدلاً من الاعتماد على المعلومات المقدمة من النخبة، ويجب البحث عن طرق لجعل أصوات الفقراء مسموعة.
ثانياً: تشجيع المشاركة الفعالة: فمن الممكن تنظيم اجتماعات ومناقشات تتيح للفقراء والمهمشين في الأرياف فرصة التعبير عن آرائهم واحتياجاتهم بدون وجود الحواجز الاجتماعية، ويجب تشجيعهم على المشاركة الفعالة في عمليات صنع القرار.
ثالثاً: التقييم الشامل: فعلى المشرفين والباحثين أن يقوموا بتقييم شامل، يشمل جميع شرائح المجتمع الريفي وليس فقط النخبة، هذا يتطلب استخدام أدوات وأساليب تتيح فهماً أفضل لواقع المهمشين واحتياجاتهم.
رابعاً: تزويد المشرفين الميدانين على برنامج التنمية الريفية بالتدريبات، التي تمكنهم من التركيز على أهمية إشراك جميع أفراد المجتمع في عمليات التنمية، وخاصة الفقراء والمهمشين، وهذا يشمل تغيير النهج الذي يعتمد على التواصل مع النخبة فقط.
خامساً: دعم التنظيمات المحلية: فمن الممكن دعم تشكيل وتطوير التنظيمات المحلية التي تمثل الفقراء والمهمشين، فهذه التنظيمات قد تكون وسيلة فعالة لنقل احتياجات وآراء الفقراء إلى المشرفين على البرامج التنموية.
4-تحيز للمواسم ((Dry season biases:
يعطي تشامبرز أمثلة مستقاة من واقع الأرياف في المناطق المدارية، إذ يشير تشامبرز إلى كيفية تأثير الموسم الرطب في المناطق المدارية ذات المواسم الجافة والرطبة على الفقراء الريفيين، فخلال الموسم الرطب يعاني الفقراء من نقص الغذاء وارتفاع الأسعار وزيادة الأعمال الزراعية الشاقة وانتشار الأمراض، وهذا الموسم هو الوقت الذي يتعرض فيه الفقراء لأقصى درجات الضعف، ويزيد فيه الفقر بشكل لا يمكن عكسه، مما يؤدي إلى بيع الأصول أو رهنها. ويمكن القول: يتجلى التحيز للموسم الجاف بأن الزيارات الريفية من قبل الباحثين والمخططين الحضريين والخبراء الدوليين تتبع نمطاً موسمياً، فهم يفضلون زيارة الريف في الأوقات الجافة عندما تكون الظروف ملائمة والدراسات أسهل، مما يعني أنهم يتجنبون الفترات الموسمية الأكثر صعوبة للمزارعين المحليين.
وهنا أيضاً نقدم بعض التوصيات التي قد تساعد على تفادي التحيز للموسم:
أولاً: التخطيط للمواسم الصعبة فيجب أن يُخطَّط للزيارات والدراسات التنموية خلال الموسم الأصعب على الريفيين، أي عندما تكون التحديات في أوجها، لفهم التأثير الكامل للفقر على الناس.
ثانياً: التعاون مع المجتمعات المحلية للحصول على فهم دقيق للفترات والمواسم الأكثر صعوبة، ولتحديد الاحتياجات الحقيقية للمساعدة.
ثالثاً: تدريب الباحثين والمخططين على أهمية فهم الظروف الموسمية وتأثيرها على الفقراء، فيجب أن يكون لديهم الوعي بأن الظروف قد تكون مختلفة عما يشاهدونه في الزيارات التقليدية.
رابعاً: تبني نهج شامل، فيجب أن تكون السياسات التنموية شاملة، وتأخذ بعين الاعتبار الظروف الموسمية كافة وتأثيرها على الفقراء، هذا يتطلب جمع البيانات خلال الفترات الأكثر تحدياً لضمان دقة التقييمات.
خامساً: العمل على تقليل الفجوة الزمنية بين الفترات التي تُجمَع فيها البيانات والفترات التي تُنفَّذ فيها السياسات، لضمان أن السياسات تعكس الواقع الحالي للمجتمعات الريفية.
سادساً: يجب على الباحثين والمخططين التنويع في مصادر معلوماتهم، وعدم الاعتماد فقط على النخبة أو الزيارات الميدانية في الأوقات الجافة، ويمكن الاستفادة من التقنيات الحديثة لجمع البيانات على مدار العام.
سابعاً: تصميم برامج تنموية مستدامة تساعد الفقراء على تجاوز الفترات الصعبة، مثل توفير التمويل والمساعدات الغذائية خلال الموسم الأصعب.
5-التحيزات الدبلوماسية: الأدب والخجل (Diplomatic biases: politeness and timidity):
من خلال كتاب تشامبرز السابق الذكر، يمكننا تلخيص النقاط الأساسية التي يشير إليها كمكونات للتحيز الدبلوماسي:
-تجنب الفقراء: بسبب الأدب والخجل فإن الزوار من المدن غالباً ما يتجنبون مقابلة الفقراء والاستماع إليهم، فالأدب والخجل قد يمنعان طرح الأسئلة الصعبة أو زيارة الأحياء الفقيرة أو مناقشة القضايا مع النساء العاملات، والمحرومين خوفاً من الإحراج أو جرح المشاعر.
-اللامبالاة أو العار: قد يكون الفقر موضوعاً يتجاهله الناس على المستوى الاجتماعي أو يشعرون بالخجل منه.
-الاضطراب النفسي: مواجهة الفقر بصدق قد تكون مقلقةً بشكل عميق.
-التردد في طرح الأسئلة: الباحثون والمشرفون التنمويون والمتخصصون الدوليون قد يترددون في طرح الأسئلة المحرجة عن الفقراء أو عن الفشل في البرامج المخصصة لهم.
وكالعادة نفرد لهذا التحيز توصيات أخرى خاصة بمساعدة الباحثين والخبراء التنمويين على تجنب التحيز الدبلوماسي أثناء تنفيذهم أو تخطيطهم للبرامج التنموية داخل الريف:
أولاً: تشجيع التفاعل المباشر مع الفقراء، وذلك بتنظيم زيارات ميدانية تتيح للباحثين والمخططين التنمويين مقابلة الفقراء والاستماع إلى قصصهم وتجاربهم بشكل مباشر.
ثانياً: تثقيف الباحثين والمخططين التنمويين عن أهمية مواجهة الفقر بصدق بواسطة تقديم دورات تدريبية، وورش عمل لهم عن أهمية التعامل الصريح مع قضايا الفقر، وكيفية تجاوز الحواجز النفسية والاجتماعية.
ثالثاً: تعزيز الشفافية والمساءلة في البرامج التنموية: إذ يُشجَّع الباحثون والمخططون التنمويون على فحص البرامج التنموية بصدق، والكشف عن أي فشل أو تحديات تواجه هذه البرامج.
رابعاً: تغيير الثقافة البحثية إلى ثقافة تشجع على الصراحة والشجاعة في التعامل مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية الحساسة، وتوفير بيئة داعمة لطرح الأسئلة الصعبة ومناقشة القضايا المحرجة.
6_ التحيزات المهنية (Professional biases):
يتجلى التحيز المهني وفق آراء تشامبرز بالنقاط التالية:
-تركيز التدريب المهني على الفقراء: يرى تشامبرز أنه حتى عندما يركز التدريب المهني على الفقراء، يكون هذا التركيز غالباً على جوانب معينة مثل الصحة أو التغذية، دون النظر إلى الجوانب المتعددة الأخرى للفقر، وهذا يؤدي إلى فهم محدود لاحتياجات الفقراء والمهمشين، إذ يتم التركيز على ما يناسب التدريب والاهتمامات المهنية المحددة فقط، مما يؤدي إلى إهمال الجوانب الأخرى من حياة الفقراء، التي قد تكون أكثر أهمية لتحقيق التنمية الريفية الشاملة، وأيضاً يرى أن التدريب المهني قد يتوجه نحو الفئات الأكثر فقراً، لكن البرامج قد تُنفَّذ بطريقة تستهدف الأكثر قدرة على الاستفادة من الخدمات، مثل المتعلمين أو المزارعين الأحسن وضعاً، فغالباً هذه الفئات ليست هي الأكثر فقراً، مما يؤدي إلى ترك الفئات الأكثر تهميشاً دون استفادة حقيقية من هذه البرامج.
-المحاصيل النقدية: المحاصيل النقدية هي تلك التي تُزرَع بشكل أساسي للبيع في الأسواق المحلية أو الدولية لتحقيق ربح، وليس للاستهلاك الشخصي للمزارع أو لأسرته، ومن الأمثلة على المحاصيل النقدية البن والشاي والقطن والتبغ، فالتركيز على المحاصيل النقدية يجذب المزارعين الأكثر تقدماً والأحسن وضعاً، والذين لديهم القدرة على تبني تقنيات زراعية حديثة وتسويق منتجاتهم، مما يعزز من تحيز البرامج التنموية تجاه هذه الفئة دوناً عن الفئة المهمشة.
-الأسئلة المحدودة: يتجلى التحيز المهني بأن المهنيين عادة يطرحون أسئلة محددة ومركزة تتعلق بمجال تخصصهم فقط، مما يمنعهم من رؤية الصورة الكاملة، فكل مهني يبحث عما يناسب مجال تخصصه، مثل عالم المياه الذي يسأل عن مستوى المياه، وعالم التربة الذي يفحص خصوبة التربة.. وهكذا، هذا النهج المحدود يمنعهم من رؤية الترابط بين مختلف جوانب الحرمان الريفي، كما يتجلى التحيز المهني بأن دراسات الحالة بواسطة عدسة التخصص المهني الضيقة تمنع من كتابة دراسات حالة شاملة ترى الحياة من منظور الفقراء الريفيين أنفسهم، أما دراسات الحالة الشاملة المتحررة من التخصصات المهنية الضيقة تساعد على فهم أوسع، وتشير إلى التداخلات التي قد تفوت على المتخصصين.
وبناء على ما سبق نقترح توصيات من دورها أن تساعد الباحثين والمخططين التنمويين والدارسين المتخصصين على تجنب التحيزات المهنية:
أولاً: التدريب المتكامل، وذلك بتوفير برامج تدريبية تشمل مختلف جوانب حياة الفقراء، مثل الصحة والتعليم والزراعة والبنية التحتية، هذا بدوره يساعد على فهم شامل لاحتياجات الفقراء وتقديم حلول متكاملة.
ثانياً: تشجيع البحث العلمي المتعدد التخصصات، الذي يدمج بين مختلف التخصصات لفهم شامل للواقع الريفي، ذلك أن التعاون بين العلماء من مختلف التخصصات قد يقدم رؤية أكثر شمولية لحياة الفقراء واحتياجاتهم.
ثالثاً: الاستماع إلى الفقراء وتبني أساليب بحثية تشاركية تشجعهم على التعبير عن احتياجاتهم وأولوياتهم، لأن إشراك الفقراء في عملية البحث يضمن أن تكون الحلول المقدمة ملائمة لاحتياجاتهم الفعلية، وليست عبارة عن صدى لاهتمامات تخصصية أكاديمية ضيقة.
رابعاً: تطوير المحاصيل الغذائية ودعم زراعتها إلى جانب المحاصيل النقدية لتحسين الأمن الغذائي للأسر الفقيرة، فهذا يقلل من الاعتماد على الأسواق ويعزز من قدرة الأسر الفقيرة على تأمين غذائها بشكل مستدام.
وقبل الختام، نقدم للقارئ توصيات عامة لمعالجة مسألة التحيزات بشكل شامل، وذلك لمساعدة الباحثين والمخططين التنمويين على ضبط التحيزات داخل المشاريع التي يشرفون عليها:
أولاً- توثيق التحيزات:
يجب توثيق التحيزات الموجودة في الدراسات والأبحاث السابقة التي تتجاهل أو تخفي تحديات الفقر الريفي الحقيقية، مثل تأثير الفصول الرطبة والجافة أو تهميش آراء الطبقة الأكثر عرضة للتأثر، ويتضمن ذلك جمع الأدلة عن كيفية تأثير هذه التحيزات على فهمنا للواقع الريفي وتخطيط السياسات التنموية.
ثانياً- تحليل الأثر الاجتماعي والاقتصادي:
يتطلب فهم تأثير التحيزات على توجيه السياسات والاستثمارات في التنمية الريفية استخدام تحليل عميق للأثر الاجتماعي والاقتصادي، على سبيل المثال: قد تؤدي التحيزات إلى إهمال الفئات الأكثر فقراً وضعفاً في الريف، مما يعيق تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
ثالثاً- توعية الجمهور والصناعات الإعلامية:
ينبغي استخدام الأبحاث والدراسات المبنية على هذه التحيزات لتوعية الجمهور والصناعات الإعلامية بأهمية التصدي للمعرفة المشوهة أو المحدودة عن الفقر الريفي، ويمكن تعزيز هذه الجهود بمشاركة الأمثلة والقصص التي توضح التحديات الحقيقية التي يواجهها الفقراء الريفيون.
رابعاً- المشاركة المجتمعية:
يجب أن يكون التركيز على التحيزات أساساً لتحفيز الكوادر المشرفة على التنمية على تطوير سياسات تنموية، تأخذ في الاعتبار الظروف الموسمية والاجتماعية للفقراء الريفيين بشكل أكبر، مما يشجع على مشاركة مجتمعية فعالة.
خامساً- دعم البحث والتطوير:
ينبغي دعم البحث والتطوير الذي يركز على فهم أعمق للتحيزات الموجودة وكيفية تأثيرها على التنمية الريفية، وذلك من خلال تمويل الدراسات والمشاريع التي تساهم في إنتاج معرفة جديدة ومبتكرة، تساعد في تحسين السياسات والممارسات التنموية غير المتحيزة، والمرتكزة على الإنسان المهمش وغير المهمش على حد سواء.
أخيراً نقول: في عالم يشهد تبايناً متزايداً في مستويات التنمية بين المناطق الريفية والحضرية يظهر النهج المتمركز حول الإنسان كحل أساسي لتحقيق العدالة الإنسانية وضمان شمولية التنمية الريفية، هذا النهج يتجاوز القوالب التقليدية للتنمية التي غالباً ما تهمش الفئات الأضعف والأقل قدرة على التأثير، ليضع الإنسانية في قلب كل إستراتيجية وخطة تنموية، ويتسم النهج المتمركز حول الإنسان بتركيزه على إشراك إنسان المجتمعات المحلية بشكل فعال في كل مرحلة من مراحل التنمية، بدءاً من تحديد المشكلات وصولاً إلى تصميم الحلول وتنفيذها، وذلك بتعزيز العدالة والمساواة، ويضمن هذا النهج أن تعطى الأصوات الأكثر تهميشاً فرصتها في التأثير على القرارات التي تؤثر بشكل مباشر على حياتها، بدلاً من فرض حلول قد تكون غير ملائمة أو غير متكافئة، ويعترف هذا النهج بتنوع الاحتياجات والظروف الإنسانية، مما يسمح بتصميم حلول تلبي الاحتياجات الفعلية وتعمل على تقليل الفجوات الاجتماعية، فالعدالة الإنسانية تعني أن كل فرد، بغض النظر عن موقعه أو وضعه الاجتماعي، يجب أن يكون له الحق في الحصول على الفرص والخدمات التي تمكنه من تحسين حياته، وبناء على ما تقدم: بواسطة التركيز على الفئات الأكثر ضعفاً واحتياجاً، يعزز النهج المتمركز حول الإنسان من تحقيق العدالة الاجتماعية، إذ تساهم المشروعات التنموية في رفع مستوى المعيشة للأفراد الذين غالباً ما يهمشون في الخطط التقليدية، كما أن هذا النهج يوفر إطاراً لتقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي بطرق تأخذ بعين الاعتبار التجارب الحقيقية للفئات الضعيفة، وبهذا التقييم العادل يمكن تحديد التحديات التي تواجهها المجتمعات الريفية بشكل أدق، مما يساهم في توجيه الموارد بشكل أكثر فعالية، وبالإضافة إلى ذلك يعزز النهج المتمركز حول الإنسان من الشفافية والمساءلة، إذ تُشرَك المجتمعات المحلية في مراقبة وتقييم تأثير البرامج التنموية، مما يدعم العدالة في توزيع الموارد ويعزز من مشاركة المواطنين في عملية التنمية.
وفي الختام يمكن القول: إن النهج المتمركز حول الإنسان ليس مجرد أسلوب للتنمية، بل هو أسلوب يعكس القيم الإنسانية الأساسية من العدالة والمساواة، وبضمان أن تكون التنمية الريفية شاملة وعادلة، يسهم هذا النهج في بناء مجتمعات أكثر تماسكاً واستدامة، إذ يكون لكل فرد دور في تحقيق التنمية التي تلبي احتياجاته وتدعم رفاهه.
[1] رابط للمعهد العالمي للدراسات الاجتماعية، للاطلاع على المصدر الذي تمت الاستفادة منه في هذه الفقرة:
https://www.iss.nl/en/about-iss/organization/honorary-fellows/robert-chambers
[2] العنوان الأصلي للكتاب:
Rural Development_ Putting the last first وترجمة العنوان الحرفية هي (التنمية الريفية: إبراز الأخير إلى المقدمة)
أسم الكاتب باللغة الأجنبية: Robert Chambers.