مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 11
أنسنة تقييم التعليم: نحو نظرة أكثر إنسانية للتعليم
نشهد اليوم تحدياً كبيراً في ظل الجائحة الحالية (كوفيد-19) والتي كشفت عيوب الأنظمة التعليمية في المدارس. بدءاً من تصميم المباني ، وصولاً للمناهج الدراسية وطرق تقديمها، وانتهاءً بطرق التقييم.
بدايةً يجب التمييز أن هناك فرقا بين النظام التعليمي والنظام المدرسي، فمن الدول من تسمح بالتعليم المنزلي وتسمح بالتعلم في مؤسسات آخرى غير المدارس. والإشكال أن كل أدوات التقييم المعتمدة في الدول للانتقال بين مرحلة لأخرى وخاصة للقبول الجامعي تعتمد على الاختبارات سواء المحوسبة او الورق والقلم ناسين أن مصطلح (Education) يتضمن جانبين مهمين وهما التربية والتعليم كعملية لبناء وتأهيل ونمو الإنسان جسدياً ونفسياً وصحيا وفكرياً واجتماعياً وعجن ذلك بالإنسانية ليطلق قدرات الإنسان.
فهل تساعدنا (كوفيد-19) على التوقف والتأمل في هذه الممارسات وكيفية تقييم أثرها وإلى أين نتجه بهذا الإنسان، هل كانت فعلاً تركز على الأدوات كالمدارس والمعارف والكتب، وتتغافل عن الإنسان وبناء شخصيته وتربيته، أوصي فيما يلي بثلاث توجهات إدارية وفكرية تركّز حول جعل الإنسان في محور العملية التعليمية. كانت تعتبر صادمة نوعاً ما أو يتجنّب قادة التعليم الخوض بها نظراً لصعوبة التغيير وارتفاع كلفته، أمّا وإن التغيير أصبح أمراً واقعاً، فلا بدّ من العمل على هذه التوجهات الثلاث:
النظام التعليمي لم يعد يقتصر فقط على المدرسة: مراعاة أن النظام التعليمي أكبر واشمل من الأنظمة المدرسية مما يتيح لنا غرس قيم التعلم المستمر في عدة مجالات وتوفير فرص متنوعة مرنة سواء كانت تعليما عن بعد أو عن قرب!
فالنظام التعليمي يعاني من جمود كبير نتيجة لربطه بالمدرسة فقط. لذلك ينبغي أن تستثمر هذه الفترة لاختيار أفضل الممارسات الحالية وإعادة تصميم النظام التعليمي بعيدا عن الاقتصار على ربطه في المدرسة وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات التربوية والأفراد ليصبح أكثر إنسانية ومرونة سواء استخدمنا الأدوات الرقمية أو طبق في قرية نائية لا تصلها الكهرباء!
الابتكار في تصميم المدارس: من المهم إعادة بناء وتصميم المدارس والهيكل الوظيفي ليستوعب التحديات التي تواجه كل مجتمع سواء كان غنيا او فقيرا خاصة وأن هناك الكثير من التغيرات التي نشهدها في ظل هذه الجائحة على الاقتصاد والتي تؤثر على انتظام الطلبة وأولوياتهم ومتطلبات سوق العمل، ناهيك عن مشاكل النظام التعليمي الحالي التي تئن من كثرة التحديات والتي تعقد المؤتمرات لردم الفجوة بدلا من الإصلاح الجذري والحلول المبتكرة الجريئة. وبدأ كثيرون باتباع منهجية التفكير التصميمي الذي يعتمد علي تصميم حلول مبتكرة بسيطة وعملية وقابلة للتطبيق بالتشارك بين كل الفئات المعنية وتحويل صوت المعلمين والطلبة لبصائر لإعادة تصميم المباني مثلا.
البُعد الإنساني للمعلم: نحتاج إعادة النظر في كل أنظمة تأهيل المعلمين والقادة التي كانت تفترض وضع مثالي نظري اثبت الآن بالتجربة أنه لا يساعد كثيرا في التعامل مع الأزمات، وحتى أثبت أنه ليس فعالا حتى في الأوقات الاعتيادية بل يقيد الفكر والممارسة. فهناك فرق بين التربوي الذي ينهي مقررات تتعلق بالتربية والتعليم ومن انتهج التربية والتعليم منهج حياة ليصبح مربيا. نعم نحن بحاجة لتأهيل التربويين على أحدث الممارسات دون أن ينسوا أبسطها والاحتياجات الرئيسةوالقاعدة التي بدأت تنتشر (الأقل لكن بفاعلية أكبر Less but more ) وهو التركيز على أمور قليلة لكنها أكثر فعالية وأثرا في بناء الإنسان وتمكينه.
أنسنة أدوات التقييم: وهنا نطرح تساؤلاً يحيّر التربوين ويتداولونه بكثرة، هل طرق التقييم المعيارية (الموحّدة لكل الطلاب) هي عادلة في تقييمها؟ لذا من الهام إعادة النظر في جانبين مهمّين في التقييم:
- تفريد التقييم: وهو تماماً كما ننادي بتفريد التعليم (مراعاة الفروق الفردية) فلابد أن نكون فريدين بتقييم أداء تعلم الفرد لنقيس حقيقة اثر التعليم سواء المنهج الخفي أو المنهج المعلم والمنهج المتعلم بعيدا عن الاعتماد الكلي على الورقة والقلم والاختبارات المعيارية. فكما أن الطلاب يختلفون في القدرات والأنماط، فلا بدّ أيضاً من وجود طرق تقييم مختلفة تراعي اختلاف الطلاب.
- مجالات إنسانية في التقييم: أيضاً ينبغي إعادة التفكير في المجالات التي سنقيم فيها أثر العملية التعليمية والتربوية، فهل سيبقى التركيز على مستوى القراءة والحساب أم أن الأزمة الحالية دقت جرسا ينبه التربويين لضرورة تقييم مجالات جديدة تركّز على الإنسان وقدراته وأولويات تعلمه بما يهم هذا الإنسان والمجتمعات ودوره في العالم، وليس التركيز على معلومات يستطيع اليوم أن يجدها على Google وغيره من منصات البحث.