الابتكار الاجتماعي
نظرة على الاستثمار الاجتماعي

مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 15

نظرة على الاستثمار الاجتماعي

   غياث خليل هواري

الاستثمار المرتكز على الإنسان:

على مدى العقد الماضي، ظهرت العديد من التحديات التي تحتاج نماذج عمل جديدة تحل هذه التحديات، وتكمن مركزية كل هذه النماذج اعتبر الإنسان محورا أساسيا في تصميم هذه الحلول، باعتباره الأساس الذي يظهر أثر هذه الحلول على كل أبعاد حياته، ولقد كان هذا المحور هو محور مؤتمراتنا الأول والثاني تحت عنوان الاستثمار المرتكز على الإنسان، وتجلى ذلك من خلال ممارساته التي بدأت تنضج خلال الأعوام العشر السابقة، وهو المفهوم الذي قد يفيد بيئات ومجتمعات العالم العربي بشكل فعال.

أصبح الاستثمار الاجتماعي موضوعًا تتم مناقشته بشكل متزايد في مجالات الأعمال والسياسة العامة. يتم تحفيز المستثمرين لاعتماد الاستثمار الاجتماعي من خلال إبراز الفوائد الاجتماعية والبيئية لتلك الاستثمارات بشكل يعزز السعي وراء هدفين في وقت واحد - عوائد الاستثمار والعوائد الاجتماعية أو البيئية - أكثر فعالية من السعي وراءهما بشكل منفصل.

 مفهوم الاستثمار الاجتماعي:

تعددت تعاريف مفهوم الاستثمار الاجتماعي، وجميعها اتفقت على أنّه استثمار يحمل في طيّاته تحقيق منفعة اجتماعية.

فقد عرّفته الشبكة العالمية للاستثمار الاجتماعي GIIN بأنّه:

الاستثمار يهدف إلى إحداث أثر اجتماعي وبيئي إيجابي، وقابل للقياس إلى جانب عائد مالي، ويمكن إجراء الاستثمار الاجتماعي في كلٍّ من الأسواق الناشئة والمتقدمة، واستهداف مجموعة من العوائد اعتماداً على الأهداف الاستراتيجية للمستثمرين.

وتحدّثت عنه مجلة TRADE FINANCE GLOBAL عام 2020، بأنّه: نوع من الاستثمارات التي تتضمّن استثمارات مالية تساهم بشكل خاص في الكيانات التي تشارك وتخلق بصمات إيجابية في المجتمع؛ من الناحية الاجتماعية والبيئية والاستدامة.

 تطور مفهوم الاستثمار الاجتماعي:

إنّ دمج القيم في قرارات الاستثمار ليس جديداً، فهنالك أمثلة عديدة في التاريخ؛ بدءاً من الاستثمار المرتكز على الدَّين، ووصولاً لإجراء عمليات تجارية واستثمارات تنطلق من مدى تحقيق المنفعة الاجتماعية والبيئية، إلّا أنّ مفهوم الاستثمار الاجتماعي لم يتبلور حتى خمسينيات القرن الماضي، حيث سيطرت على الاستثمار مدرستان متباينتان من حيث الهدف من الاستثمار؛ فالأولى تسعى لتحقيق الربح دون الاهتمام بالعواقب البيئية والاجتماعية، والثانية تسعى للمنفعة الاجتماعية والبيئية دون العوائد المادّية، فكان الاستثمار الاجتماعي جسراً يصل بين المدرستين.

 وفيما يلي؛ نستعرض التطور التاريخي لمفهوم الاستثمار الاجتماعي (Brian Trelstad, 2016):

محطات بارزة في تطور الاستثمار الاجتماعي:

ومع بداية القرن الحادي والعشرين؛ أصبح الاستثمار الاجتماعي موضوعًا تتم مناقشته بشكل متزايد في مجالات الأعمال والسياسة العامة. ويتم تحفيز المستثمرين لاعتماد الاستثمار الاجتماعي؛ من خلال إبراز الفوائد الاجتماعية والبيئية لتلك الاستثمارات؛ بشكل يعزز السعي وراء هدفين في وقت واحد -عوائد الاستثمار والعوائد الاجتماعية أو البيئية- فهذا أكثر فعالية من السعي وراء أحدهما فقط.

 وفيما يلي؛ بعضٌ المحطات البارزة في تطور الاستثمار الاجتماعي (Godeke & Biraud 2019):

2006

- أطلقت مؤسسة Rockefeller مبادرة "الاستثمار الاجتماعي" وصاغت مفهوم الاستثمار الاجتماعي.

- بدأت الأمم المتحدة باعتماد مبادئ الاستثمار المسؤول.

2009

تأسست الشبكة العالمية للاستثمار الاجتماعي GIIN.

2015

اعتمدت الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة SDGs وبدأت العمل بها.

2016

بدأ مشروع إدارة الأثر IMP كمنتدى لبناء إجماع عالمي حول كيفية قياس وتقييم الأثر.

2018

التزام صندوق استثمار معاشات الحكومة اليابانية (GPIF) باعتماد أهداف التنمية المستدامة ESGs.

2020

ظهور توجهات جديدة في الاستثمار الاجتماعي واكَبت جائحة كوفيد–١٩ وأثبتت كفاءتها وفعاليتها (GIIN, 2020). 

الدول الرائدة في الاستثمار الاجتماعي:

بحسب تقرير الشبكة العالمية لاستثمار الأثر لعام 2020؛ فإنّ 50٪ من نشاط الاستثمار الاجتماعي العالمي يتركّز في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا؛ حيث تقع المقرات الرئيسة لمؤسسات تستثمر اجتماعياً، تليها أوروبا بنسبة 29٪، بينما تظهر أرقام قليلة عن المستثمرين الاجتماعيين في كل من آسيا وأفريقيا متضمنةً العالم العربي كما يُظهر الشكل البياني أدناه:

الاستثمار الاجتماعي مزيج بين القطاعين الربحي وغير الربحي (OECD,2019:5):

عناصر الاستثمار الاجتماعي (GIIN, 2019):

 تتحدد ممارسة الاستثمار الاجتماعي بشكل أكبر من خلال العناصر الآتية:

1. النية: أن يكون إحداث الأثر هو النية الأساسية للمستثمر الاجتماعي، لا أن يكون الأثر مجرد فائدة جانبية ناتجة عن الاستثمار.

2. توقع عائد مالي: يُتوقَّع أن تولّد الاستثمارات الاجتماعية عائدًا ماليًا؛ يتـراوح مـا بيـن عوائد بسـعر السـوق أو عوائد معتدلـة وَفْقاً للمخاطر.

3. الاستثمار في أصول مختلفة: يُمكِن الاستثمار اجتماعياً باستخدام فئات أصول مختلفة؛ كرأس المال الاستثماري، والأسهم الخاصة، وغيرها من الأصول.

4. قياس الأثر: الســمة المميــزة للاســتثمار الاجتماعــي هــي التــزام المســتثمر بقيــاس الأثــر وإصدار التقاريــر عــن الأداء الاجتماعــي والبيئي الناتــج عــن الاســتثمار، مما يعزز الشفافية والمساءلة.

أبعاد الاستثمار الاجتماعي:

 تساعد معرفة أبعاد الاستثمار الاجتماعي على معرفة مستوى محفظة المستثمر الاجتماعي لكل بُعد؛ بشكل يمكنّه من التخطيط بشكل متوازن وتقليل المخاطرة.

 وقد حدد المنتدى الاقتصادي العالمي[1]، الأبعاد الثلاثة الرئيسة للاستثمار الاجتماعي:

بُعد الأثر: يقيس حجم التغيير الناتج عن الاستثمار بالنسبة للمعنيين وفيما إذا كان هذا التغيير إيجابياً أم سلبياً.

بُعد العائد: يقيس حجم العوائد المادية التي عاد بها الأثر وهل كانت ضمن معدلات السوق أم تجاوزته صعودا أو هبوطا.

بُعد المخاطرة: يقيس حجم المخاطرة التي رافقت الاستثمار ومدى تأثر الاستثمار بها.

وبمجرد تحديد الهدف من الاستثمار الاجتماعي؛ يتم على أساسه تقدير مستويات كلٍّ من العائد والأثر المنشود، بالإضافة إلى تقدير حجم المخاطرة.

 في الخلاصة يشكل هذا النموذج فرصة عملية للمستثمرين في العالم العربي والإسلامي في إطلاق العديد من النماذج الابتكارية التي تتناسب مع قيمنا وثقافتنا وتطلعات الإنسان لدينا، بعيدا عن الحلول التي تكرس منظورات أضرت بنا في السنوات السابقة، وكرست نماذج الفوائد المركبة، والاستهلاك غير العادل، والديون غير المغطاة بأصول حقيقية، وغيرها من التجارب، وانطلاقا من ذلك، نكرر دعوتنا لكل المختصين، وبيوت الخبرة، والجامعات، والمستثمرين، لتطوير هذه الممارسات ونماذج الأعمال التي تعزز الفعالية الاجتماعية والقيم الحقيقية للاستثمار ..

هذا والله أعلم.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...