الابتكار الاجتماعي
كيف ينتقل "الاستثمار الاجتماعي" عبر خطواتٌ صغيرة من السُّوق المُتخصص إلى السُّوق العام..

مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 15

كيف ينتقل "الاستثمار الاجتماعي" عبر خطواتٌ صغيرة من السُّوق المُتخصص إلى السُّوق العام..

في أواخر عام 2016 اجتمع المستثمرون في أمستردام ضمن أكبر مؤتمرٍ سنوي يتعلق "بالاستثمار الاجتماعي"، كان الجو العام يتسمُ بالتّفاؤل. فقد حقق مفهوم الاستثمار في الأصول التي من شأنها أن تقدم فوائد اجتماعيّة أو بيئيّة قابلة للقياس ومكاسب مالية على حدٍ سواء تقدماً كبيراً في أفكاره البسيطة في أوائل القرن الحادي والعشرين. حيث ضم المتحدثون في المؤتمر ممثّلين عن اثنين من أكبر صناديق التّقاعد في العالم وهما جمعية "[1]''TIAA الأمريكيّة وصندوق ''PGGM''[2] التابع لهولندا وكذلك ممثّلين عن فرع متخصص بإدارة الأصول لشركة AXA"" وهي شركة تأمين فرنسيّة عملاقة. وبدأ المنتج المتخصص يقترب تدريجيّاً من المنتَج العام.

 وفي العامين السابقين، أطلقت شركة "BlackRock" -وهي من أكبر الجهات المديرة للأصول في العالم- قسماً جديداً للصناديق يسمى "الصناديق الاجتماعية"، حيث استحوذ بنك "Goldman Sachs" الاستثماري على شركة ""Imprint Capital للاستثمارات الاجتماعيّة وأطلقت شركتان أمريكيتان للأسهم الخاصة وهما Bain Capital"" و"TPG" الصناديق الاجتماعية. وكان المحرك الرئيسي لكل هذا النشاط هو الطلب من جانب المستثمرين.

وتشير ديبورا وينشيل رئيسة صندوق BlackRock Impact"" إلى انتقال الثروة إلى النساء والشباب الذين تتجاوز أهدافهم الاستثماريّة -على حد قولها- مجرد الحصول على المكاسب الماليّة. أمّا فيما بين المؤسسات فقد تخطت مصادر الطلب المؤسسات الخيريّة لتصل إلى صناديق المعاشات التّقاعديّة وشركات التّأمين.

كما تلقى هذا القطاع زخماً جديداً بفضل الاهتمام المتزايد من جانب صانعي السياسات وتطور المعايير السائدة في القطاع. لاقى الاستثمار الاجتماعي تشجيعاً كبيراً من قبل المنظّمات الدوليّة، كالأمم المتحدة وفرقة عمل عالميّة تأسست تحت رعاية مجموعة الدول الثمانية. وساعدت بعض الهيئات مثل مجلس المستثمرين والمقترضين الذي يضع مبادئ السندات الخضراء والمبادئ التّوجيهية للسندات المخصصة للمشاريع البيئيّة في وضع معاييرٍ مشتركة.

ولا تزال الخلافات التعريفيّة تؤرق مجتمع الأثر الاجتماعي. ويَعتبر المتشددون أنَّ الاستثمار لا يستحق أن يكون "استثماراً اجتماعياً" إلا إذا كان يقدّم مكاسب ماليّة قريبة من مستوى السوق وقياساً صارماً للأثر غير المالي مثل انبعاثات الكربون التي يوفرها مشروع الطاقة المتجددة أو عدد الفقراء الذين يقترضون من إحدى مؤسسات الائتمان الأصغر. بينما يرى البعض الآخر أنّ الاستثمار الاجتماعي ينطوي على الاستثمار الخيري حيث تتم التّضحية بالمكاسب الماليّة مقابل تحقيق فوائد اجتماعيّة أكبر؛ أو على الأنواع الأقل صرامة من الاستثمارات التي تنطوي على فعل الخير.

وإنَّ مثل هذه الخلافات تجعل من الصعب قياس المدى الحقيقي للاستثمار الاجتماعي. على سبيل المثال، يقدم أيضاً كل من صندوق "BlackRock Impact" وبنك "Goldman" فئتين استثماريتين أكثر مرونة تعتبران أنَّ الاستثمار الاجتماعي يندرج تحت فئة "الرقابة السلبيّة" (أي عدم الاستثمار في القطاعات "السيئة" مثل التبغ أو النفط) والاستثمارات "المتكاملة" التي تراعي الاعتبارات البيئيّة والاجتماعيّة والمتعلقة بالإدارة (ESG) (مثال، عن طريق اختيار الشركات التي تتمتع بظروف عملٍ جيدة). مع ذلك، لا تقدم أي من هاتين الشركتين بياناً كاملاً مفصلاً بهذه الفئات حسب الأصول الخاضعة للإدارة.

ومما يعيق تقدم القطاع أيضاً قلة عدد فئات الأصول التي يمكن الاختيار بينها ومحدوديّة نطاق فرص الاستثمار. ووفقاً لمسحٍ أجرته الشبكة العالميّة للاستثمار الاجتماعي (GIIN) التي نظمت المؤتمر في أمستردام، كان المستثمرون يديرون 36 مليار دولار من الاستثمارات الاجتماعيّة في عام 2015، ولكن متوسط ​​حجم الاستثمار ظل 12 مليون دولار فقط. يقول أوربان أنجيرن، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة “Zurich” للتأمين، أنَّ الشركة السويسريّة واجهت مشكلة في الوفاء بتعهدها بأن تلتزم بنسبة 10% من مخصصات الأسهم الخاصة بالاستثمارات الاجتماعيّة.

وربما لا يزال المتشائمون يرفضون الاستثمار الاجتماعي باعتباره مجرد استعراضٍ لتزيين الواجهة. ومن بين الأصول الخاضعة للإدارة والتي تزيد قيمتها عن 250 مليار دولار في شركة “Zurich”، تم تصنيف 7 مليارات دولار فقط كاستثماراتٍ اجتماعية. وفي فروع إدارة الأصول في بنك "Goldman"، ولا تشكل الاستثمارات المتكاملة والتأثيرات البيئيّة والاجتماعيّة وتلك المتعلقة بالإدارة مجتمعة سوى 6.7 مليار دولار من إجمالي 1.35 تريليون دولار من الأصول الخاضعة للإدارة.

وهذا يؤدي إلى تجاهل التّوسع والتّقدم الذي حققه كبار المستثمرين المؤسسيين للاستثمار الاجتماعي. فعلى الرغم من أن 7 مليارات دولار هي شريحة صغيرة من محفظة بنك ""Goldman، إلّا أنها تُعتبر ضخمة مقارنةً باستثمارات حتى المتخصصين المتمرسين في مجال الاستثمار الاجتماعي مثل شركة ''LeapFrog'' التي يبلغ مجموع التزاماتها حوالي مليار دولار. كما أنّ دخول الشركات المالية العملاقة والقوية يرسل رسالةً مهمة عن الاستثمار الاجتماعي وهي رؤيتهم له بكونه مربحٌ لهم ولعملائهم. فلا يكفي أن تجعل المستثمرين يشعرون بالرضا عن أنفسهم؛ فهم يريدون كسب المال أيضاً.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...