الابتكار الاجتماعي
الاستثمار الأخلاقي آخذٌ في الازدهار. ولكن ما هو الاستثمار الأخلاقي؟

مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 15

الاستثمار الأخلاقي آخذٌ في الازدهار. ولكن ما هو الاستثمار الأخلاقي؟

لجأت وول ستريت (Wall Street) إلى بيع المنتجات المرتبطة بالأخلاق؛ لأنها ربما سئمت من دورها كضحية يستخدمها علماء الأخلاق ليُلقوا عليها مسؤولية أخطاء الآخرين، ولكن المؤكد هو أنها قامت بذلك بحثاً عن منتجاتٍ ذات جاذبيةٍ واسعة النطاق، وعموماً هذا ليس بالأمر السهل؛ فكيف تقوم صناعة تركز على العوائد المالية بقياس الخير؟

بدأ هذا النهج منذ سنوات من خلال الصناديق التي أطلقت على نفسها اسم "الصناديق المسؤولة اجتماعياً"، وفي الآونة الأخيرة؛ تطورت المصطلحات وادعى الكثيرون السعي لتحقيق الاستثمار الذي يراعي الاعتبارات "البيئية والاجتماعية والمتعلقة بالحوكمة" (ESG).

وتضع شركة “Morningstar” المتخصصة في تعقب البيانات جميعَ الصناديق التي تستخدم مصطلحات مثل الاستثمار المستدام والحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات وغيرها في نشرة الإصدار الخاصة بها في فئة تضم الآن 204 أعضاء وأصولاً جماعية تبلغ قيمتها 77 مليار دولاراً. ويعود أقدم صندوق في مجموعة “Morningstar” إلى عام 1971م، ولكن تم إطلاق ما يقرب من نصف صناديقها في السنوات الثلاث الماضية، وبمزيدٍ من الهدوء؛ تقوم مكاتب إدارة الثروات في العديد من شركات الاستثمار الأمريكية باستمرار بطرح استثماراتٍ تروج لهذه الأنواع من الخصائص وتعتمد “Morningstar” أكثر من 2000 صندوق في جميع أنحاء العالم. وبدأت صناديق الأوقاف والمعاشات التقاعدية -وهي مجمعات الأموال العالمية الكبرى- تشير إلى أنها ترغب أيضاً في الاستثمار وفقاً لهذه المبادئ.

ولقد صاحب التدفق الهائل للمال سؤالان متكرران، الأول هو ما إذا كان يرافق النهجَ أسعارٌ خاصة: أي هل هناك خصمٌ على الأخلاق؟ والثاني هو السؤال عن الأمور التي ينبغي قياسها. وكلاهما تصعب الإجابة عليه.

فإحدى المحاولات للإجابة على السؤال الأول نظرت إلى العكس؛ هل كانت العوائد أعلى للأسهم غير المؤهَّلة للإدراج ضمن هذه الجهود؟ وبمعنى آخر؛ هل هناك علاوة أو قيمة استثنائية للأسهم غير الأخلاقية؟ تم تجميع القوائم التي تعتبر أسهماً في شركات غير أخلاقية، والتي تتضمن عادةً التبغ والكحول والمقامرة وأحياناً الأسلحة النارية وما شابه (قد تتم إضافة منتجي الوقود الأحفوري وشركات الدفاع في المستقبل). وخلصت ورقة بحثية نُشرت في عام 2009م بعنوان “The Price of Sin” من تأليف خبيري الاقتصاد الأكاديميين هاريسون هونغ ومارسين كاسبيركزيك، إلى أن هناك بالفعل عوائد استثنائية في الشركات التي تبيع التبغ والكحول والمقامرة.

ومع ذلك؛ فإن الورقة الثانية التي نُشرت هذا العام (تحت عنوان “Sin Stocks Revisited”، بقلم ديفيد بليتز من شركة روبيكو لإدارة الأصول وفرانك فابوزي من كلية “EDHEC” لإدارة الأعمال) تعارض هذه النتائج وتجادل بأنَّ عوامل الخطر المضافة مثل معدلات إعادة الاستثمار المنخفضة تعني أنه لا يوجد دليل على أنّ أسهم الخطيئة تمنح علاوة بالنسبة لمخاطر التعرض لتشويه السمعة، ويقول روبرت وايتلو، الأستاذ في كلية “Stern” لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك: إنّ التحليلات المتضاربة تعكس النتائج الأوسع للجهود الأكثر تعقيداً التي تهدف إلى تتبع النتائج من الشركات "الأخلاقية" المؤهلة للحصول على هذه الصناديق. إذن، فالنتائج مختلطة.

سيكون من المفيد لو كانت هناك إجابةٌ سهلة على السؤال الثاني: ما الذي يحدد حقاً الشركة التي تراعي الاعتبارات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG)؟ من بين الفئات الثلاث التي تمثلها الأحرف الأولية لهذا الاختصار نجد أن أوضحها هو الأول، حيث تعني "E" وهي الاعتبارات البيئية نبذ الشركات التي تنتج قدراً كبيراً من المؤثرات الخارجية -التكاليف لا يتم تسجيلها في عملية التصنيع- مثل الكربون أو النفايات أو أشكال التلوث الأخرى. وتشمل الحوكمة "G" تقييماً لكيفية هيكلة الشركة لمجلس إدارتها والإفصاح والتعويض وما إلى ذلك.

وليس هناك مجالٌ واضح ومباشر من المجالين، ولكن تعقيد كلاً منهما يتضاءل بالمقارنة مع التعقيد الذي ينطوي على استكشاف ما يكمن وراء "S" التي هي الاعتبارات الاجتماعية التي غالباً ما تنطوي على حقوق العمل، مثل ساعات العمل والأجور والإصابات القاتلة والقدرة على رفع التظلمات، وقضايا مثل توزيع الموظفين حسب النوع الاجتماعي، وثمة مئات من الخدمات الخارجية المختلفة تحلل كيفية تعامل الشركات مع القضايا "الاجتماعية". ونظرت دراسة أجرتها كلية “Stern” التابعة لجامعة نيويورك ("واضعةً حرف S في ESG") في 12 من أكثر الأساليب شيوعاً، واستخرجت منها أكثر من 1700 مقياس مختلف. وواجهت الشركات التي تسعى للرد على هؤلاء المقيّمين مهمةً شاقة وهي: الإجابة على 763 سؤالاً للشركات العاملة في مجال الأغذية والمشروبات؛ و698 سؤالاً لشركات الصناعات الاستخراجية.

والنتيجة هي أنَّ المهمة فاقت قدرة حتى الشركات الراغبة في إكمال الاستطلاعات، وغالباً ما تكون الإجابة التي يقدمونها غير مكتملة أصلاً، لأنها تتجاهل سلاسل التوريد الخاصة بهم، ويشير استطلاع جامعة نيويورك إلى أنّ العديد من الأساليب الحالية تتجاهل سلسلة التوريد الكاملة وبالتالي غالباً ما تتجاهل النهاية السيئة للتصنيع، أو أنها تحكم على الشركات بناءً على نواياها المعلنة، مثل الوعد بمطالبة الموردين بمعاملة العمال معاملة جيدة، دون مراقبة النتائج أو الإبلاغ عنها فعلياً.

وحقيقةُ أنّ هذه الفئة تسعى جاهدةً للوفاء بوعودها المثالية، لكنها على أقل تقدير؛ تركز الاهتمام على المشاكل، وبالتالي تمارس الضغط من أجل وضع نهجٍ أفضل. كما أنها تعمل على صقل تعريفات المصطلحات الخاصة بالاستثمار التي قد تكون لها قيمة في مكانٍ آخر، وتساعد على استبدال الأفكار المبتذلة التي تبعث على الارتياح المؤقت بمقاييس أكثر مراعاةٍ للبيئة. وتُعِدُّ جامعة نيويورك مؤشراتها الخاصة لقياس العوامل "الاجتماعية" وهي ترغب أن تكون بسيطة. وحقيقة أنَّ هذه الجامعة وغيرها يستكشفون مناهج جديدة يجب أن تكون بحد ذاتها مكافأةً ومنفعةً اجتماعية.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...