الابتكار الاجتماعي
كيف يمكن أن نستثمر في الذكاء الاصطناعي؟

مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 17

كيف يمكن أن نستثمر في الذكاء الاصطناعي؟

عاش المستثمرون الذين راهنوا على التكنولوجيا ثمانية عشر شهراً عصيباً مضت بشق الأنفس، ولا تزال شركة سوفت بنك (SoftBank) الاستثمارية اليابانية -التي كانت من بين الشركات الرائدة في الطفرة التي شهدتها صناعة رأس المال الاستثماري في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين والتي تطمح لتحقيق نموٍ متسارع- تعاني من التبعات السلبية للتحول إلى عالمٍ يشهد ارتفاع أسعار الفائدة وتقلص قيم الشركات. ولكن هناك مجالٌ واحد يرغب صاحبها سون ماسايوشي (Son Masayoshi) في التميّز فيه وهو الاستثمار في الذكاء الاصطناعي.

تركت منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي (مثل ChatGPT) جميع المستثمرين يناقشون ماذا يمكن أن يتحقق من هذه الصناعة الناشئة والشركات التي قد تتغير بسببها. ويرى السيد سون تشابهاً في هذه الفترة وفترة البداية المبكرة للإنترنت، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يوفر خط إمداد جديد للاكتتابات العامة الأولية وكذلك الأساس لجيلٍ جديد من شركات التكنولوجيا العملاقة.

ويواجه المستثمرون سؤالين؛ الأول عما إذا كانت التقنيات الرائدة ستساعد قادة السوق في جني ثروات ضخمة، وهذا بحد ذاته سؤال صعب؛ والثاني يتعلق بتحديد ما إذا كانت القيمة ستتراكم لصالح الشركات الناشئة المدعومة برأس المال الاستثماري أو عمالقة التكنولوجيا الحاليين، وهو أيضاً سؤال معقد وهذا على الأقل سؤال. فلا أحد يعرف ما إذا كان من الأفضل أن يكون لديك أحدث شات بوت أو الكثير من العملاء -فالسبق في تقنية جديدة متطورة يختلف عن كونك قادراً على جني الأموال منها. وفي الواقع، فإنه غالباً ما يتم تحصيل الكثير من قيمة الابتكار الثوري غالباً من قبل العمالقة الحالية.

ألفابت (شركة جوجل الأم) وأمازون وميتا هم ثلاث من أكبر سبع شركات مسجلة في أمريكا، تبلغ قيمتها الإجمالية 3.4 تريليون دولار. وتأسست هذه الشركات بين عامي 1994 و2004، حيث ظهرت في وقتٍ كانت فيه تكنولوجيا الإنترنت جديدة وكان الناس يقضون وقتاً متزايداً على الإنترنت. شركة علي بابا -العملاقة الصينية في مجال التجارة الإلكترونية. ومكّن رصد الاتجاهات التكنولوجية وتطوير أفضل المنصات من توليد كمية هائلة من القيمة للمستثمرين الأوائل وحتى غير الأوائل، أما الشركات التقليدية تواجه صعوبات في اللحاق بركب هذه الثورة التكنولوجية.

هل ستكون القصة مماثلة هذه المرة؟ يمكن أن توفر بصائر كلايتون كريستنسن (Clayton Christensen)، وهو خبير إداري ورائد نظرية الابتكار أثناء ظهور عمالقة الإنترنت، دليلاً قيماً ومفيداً. حيث لاحظ كريستنسن أن الشركات الصغيرة غالباً ما تحقق نجاحاً في الأسواق ذات القيمة المنخفضة والأسواق الجديدة بالكامل، وهي ما تتجنبه الشركات الكبرى الحالية التي تركز بدورها على استخدام التكنولوجيا الجديدة لعملائها وفي خطوط أعمالها الحالية. فهذه الشركات الصغيرة ليست غير مؤهلة أو جاهلة بالتقدم التكنولوجي، وإنما تتبع المسار الذي يبدو صحيحاً من وجهة نظر تعظيم وزيادة الأرباح، إلا أن تجاهلهم للفرص الصغيرة والتغيرات التكنولوجية قد يؤدي إلى التهديد الكبير والتأثير السلبي على مستقبلهم فيما بعد.

ومع ذلك، تَركّز معظم الحماس مؤخراً حول منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي على مدى إمكانيتها كتكنولوجيا جديدة يمكن تطبيقها، وليس كشركات قد تفتح أسواقاً جديدة بالكامل. أما في حالة الابتكارات التكنولوجية الحديثة الأخرى، فقد تفوقت الشركات الكبرى الرائدة في النهاية. ولفت إيلاد جيل (Elad Gil)، الرأسمالي المغامر، إلى أن قيمة التقدمات السابقة في التعلم الآلي، وهو التصنيف الأوسع الذي يشمل الذكاء الاصطناعي الإنتاجي، قد تجمعت بشكلٍ تقريبي تماماً للشركات الكبرى الرائدة.  ولقد استفادت الشركات الناشئة في مرحلة مبكرة من الإنترنت، مثل ما فعلته شركات (مايكروسوفت وشركات الشرائح مثل نفيديا وميكرون). أما في مراحل التعلم الآلي السابقة، لم تظهر شركات مسجلة في البورصة يمكن اعتبارها بمثابة أمازون أو جوجل في مجالها المختص.

تبيّن بصائر كريستنسن أن الابتكار الثوري لا يشترط أن ينتهي دائماً بأن يكون ثورياً من حيث الجوانب التجارية. ومع ذلك، تقوم الشركات التكنولوجية الحالية بإنفاق مبالغ هائلة على الذكاء الاصطناعي، مشيرةً إلى ضرورة أن تكون في وضعٍ مناسب في حال تبين أن التكنولوجيا تحدث ثورة في عالم الأعمال. قد يكون من الممكن أن يؤدي الاستثمار في صندوق مؤشر عام يتتبع شركات التكنولوجيا المسجلة الحالية ما يسفر عن تفوق الاستثمار المعادل في الشركات الناشئة الخاصة المركزة بشكلٍ حصري على الذكاء الاصطناعي.

بالنسبة للنظريات حول الأسباب التي تجعل الابتكار أحياناً مزعزعاً وأحياناً لا فغالباً ما يُناقشها طلاب إدارة الأعمال بدلاً من متخصصي الأسهم. ولكن الفرق بين الاحتمالين حاسم في تقييم ما إذا كانت الشركات التكنولوجية المدرجة في الأجيال القادمة، برأسمال سوقي يصل إلى مئات المليارات من الدولارات، ستكون موجودة بين شركات الذكاء الاصطناعي الخاصة. وفي ظل الوضع الراهن، يبدو أن قيمة التكنولوجيا ستكون بمثابة ميزة جديدة تضاف إلى قدرة الشركات التكنولوجية العملاقة الموجودة بالفعل.

ظهر هذا المقال في قسم المال والاقتصاد في النسخة المطبوعة تحت عنوان “Machine earning”.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...