مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 17
مستقبل ريادة الأعمال الاجتماعية في ظل التحديات المتزايدة
في ثمانينيات القرن المنصرم كانت "ليما" عاصمة البيرو مكباً كبيراً للنفايات. كانت جبال القمامة تنتشر في كل مكان خاصة في الأحياء الفقيرة، وكان نظام تصريف القمامة لا يغطي أكثر من ثلث المخلفات اليومية في العاصمة، والتي تبلغ يومياً 3500 طن من القمامة.
بعد أن انتقلت خريجة الهندسة "ألبينا ريوز" من ريف البيرو إلى العاصمة ليما، بدأت تفكر في حل معضلة القمامة التي كانت تعيشها المدينة. ومن خلال العمل على استكشاف مشكلة القمامة وجدت ألبينا أن السكان في الأحياء الفقيرة كانوا يجمعون بعض المخلفات لتكون طعاماً للمواشي، فيما كان بعضهم الآخر يبحث عن المواد الورقية والبلاستيكية، والعبوات المعدنية والزجاجية لبيعها بأسعار زهيدة للمصانع، أو للجهات التي تعمل على إعادة التدوير.
أسست ألبينا شركة ريادية اجتماعية لإدارة القمامة والمخلفات، تتلخص في مد جسور التعاون كوسيط بين المؤسسات المتخصصة في إدارة المخلفات وإعادة تدويرها وجامعي القمامة. وحولت الشركة جامعي القمامة إلى مجموعات عمل تعمل على توظيف الفقراء في مهنة جمع القمامة، كما تقدم خدمات إقراض المال لفتح مشروعات صغيرة لهذه الطبقة تمكنها من تدوير المخلفات وتحويلها إلى مواد نافعة قابلة للتسويق لمصانع المواد الخام.
أثمرت جهود ألبينا، واستطاعت الشركة تحويل الفقراء العاملين في هذا المجال إلى هيئات منظمة تتلقى عوائد مادية من الأحياء التي تخدمها بمقابل تطوير الهيئات عملها من مجرد الجمع إلى التدوير البدائي، وبيع المخلفات، وتوظيف فرق عمل للعمل معهم، مما جعل الفكرة التي طورتها ألبينا في غاية الكفاءة والفاعلية لمعالجة مشكلة الفقر والبطالة والتخلص من القمامة معاً.
تمتلك ألبينا الآن أكثر من عشرين مشروعاً لتدوير القمامة في مختلف مدن البيرو، ويعمل ضمنها عدد كبير من الناس، وتخدم ما يزيد على ثلاثة ملايين مواطن، كما أبدت عدة دول من دول أمريكا الجنوبية رغبتها بتقليد تجربتها في القضاء على إشكالية تكدس القمامة في مدنها.
"كونيا كويسب" التي تصنع الحقائب من المواد المدورة التي تنتجها شركة ألبينا تقول: "لقد غيرت ألبينا حياتي، حيث حولتني من جامعة قمامة تجمع المخلفات لتقدمها لأصحاب مزارع الخنازير إلى رائدة أعمال، أكسب عيشي، وأعيل أسرتي من خلال العمل على القمامة المدورة، وأنتج من خلالها منتجات استهلاكية، حتى أصبح بإمكاني إرسال أبنائي إلى الجامعة".
رائد الأعمال الاجتماعية
من خلال استعراض قصة ألبينا، والتحديات التي واجهتها، يمكننا أن نخلص إلى أن رائد الأعمال الاجتماعية يرى العالم بطريقة مختلفة. فالتحديات ليست سوى فرصة من أجل العمل على تصميم حلول تجعل الحياة أفضل للمستفيدين وللمجتمع كلياً.
وتنعكس طريقة رؤية رائد الأعمال الاجتماعية على أفعاله وسلوكياته، فهو يتابع قضايا مجتمعه باهتمام، ومن ثم يحدد أهم التحديات التي تواجه أفراد المجتمع، ويقترب من أفراد المجتمع ليفهم احتياجاتهم الحقيقية، ويصمم لها الحلول المناسبة، ثم يعمل على تصميم نماذج عمل مستدامة لتلك الحلول، ويبحث عن قنوات التمويل المناسبة من أجل أن يضفي الحياة على مشروعه، وينقله إلى العالم الحقيقي.
لا يكتفي رواد الأعمال الاجتماعية من خلال مشروعاتهم الاجتماعية بتطوير مجتمعاتهم بابتكار الخدمات والمنتجات الجديدة التي تلبي احتياجات أفراد المجتمع، وإنما من خلال توفير فرص العمل لأفراد المجتمع.
مكونات مشروع ريادة الأعمال الاجتماعية
يتكون كل مشروع اجتماعي من ثلاث مكونات رئيسية، وهي:
- فكرة المشروع: وهي الفكرة التي تنشأ من احتياجات أفراد المجتمع. ولكن ليست كل فكرة قابلة لأن تكون مشروع ريادة اجتماعية. من أجل أن نضمن أن تكون فكرة المشروع ناجحة، لا بد أن نطورها بطريقة صحيحة. وذلك من خلال فهم تلك الاحتياجات، ويتطلب ذلك تطبيق الحلول الابتكارية، وتأسيس مختبرات الابتكار الاجتماعية.
- رائد الأعمال الاجتماعية: وهو الشخص الذي يؤمن بفكرة، ويعمل على تحويلها إلى مشروع. ولكن ليس كل من لديه فكرة مشروع اجتماعي هو رائد أعمال اجتماعية. من أجل تحقيق النجاح في مشروعه يحتاج رائد الأعمال إلى مجموعة من المهارات الإدارية، والمالية، والفنية، فضلاً عن منظومة التفكير التي تضمن له النجاح في تحقيق أهدافه، والقدرة على تخطي المعوقات، ويتطلب اكتساب المهارات والعقليات كلاً من الخبرة، والممارسة، والتدريب.
- البيئة الداعمة: وهي التي تساعد على إطلاق المشروع. وليس كل رائد أعمال اجتماعي لديه فكرة مشروع ريادي اجتماعي قادر على تنفيذ مشروعه. فنجاح المشروع والمحافظة عليه في المسار الصحيح يتطلب توفير الدعم الفني، والتقني، والمالي، وذلك من خلال تأسيس الحاضنات التي تقدم الدعم المالي، والإداري، والتقني للمشروعات، فضلاً عن توفير قنوات الدعم المالي والتمويل، وإصدار القوانين، والتسهيلات التي تيسر تأسيس المشروعات، ونجاحها، واستدامتها.
مجالات دعم ريادة الأعمال الاجتماعية
يتطور مجال ريادة الأعمال الاجتماعية باستمرار، وتتغير أيضاً طرائق دعم عملها، وقد عززت نتائج دراسة أشوكا الاستقصائية "2021 Ashoka Global Fellows Survey" بعض الاتجاهات السابقة التي جرى تحديدها لدعم رواد الأعمال الاجتماعية، كما ساعدت على تصميم عناصر جديدة ودمجها في برنامج الزمالة. فيما يلي سلسلة من التحولات في ممارسات رواد الأعمال الاجتماعية وعقلياتهم انعكست في دراسة أشوكا مما يمهد الطريق لمستقبل دعم ريادة الأعمال الاجتماعية:
- تحول في الإستراتيجية والتركيز: تتبنى إستراتيجيات رواد الأعمال الاجتماعية ديناميكيات النظم المعقدة وتوجهها، فضلاً عن التفكير الشمولي ورسم الخرائط، بما في ذلك وجهات النظر المتنوعة لإطلاق العنان للطاقات الخاملة لتصبح لبنات بناء لتطوير الإستراتيجية. وتشير نتائج الدراسة في هذا المجال إلى ما يلي:
- 93٪ من المشاركين في الاستطلاع حققوا تغييراً في السياسات العامة.
- 82٪ من الزملاء دعمتهم أشوكا لتطوير عملهم على مستوى الأنظمة.
- 94٪ من الزملاء عدلوا إستراتيجياتهم بناءً على تلك البصائر.
- زيادة الوعي بأهمية النظام البيئي والثقافة: يبني رواد الأعمال الاجتماعية الحلول مع الجهات الفاعلة في مجال خبراتهم. كما يخلق رواد الأعمال الاجتماعية بأسلوب جماعي هدفاً مشتركاً يشكل الأساس للتغيير. ويتضمن ذلك صياغة أنماط التفكير المكتسبة، فيصبح رواد الأعمال الاجتماعية صانعي ثقافة ومنتجي فرص ومطورين لنظم التفكير. وتشير نتائج الدراسة في هذا المجال إلى ما يلي:
- 88٪ من الزملاء الذين شملهم الاستطلاع يهدفون إلى التأثير على العقليات المجتمعية والمعايير الثقافية بأفكارهم.
- تحول تنظيمي من منظمات مغلقة إلى فرق مفتوحة تطلق القوة الجماعية: ينتظم رواد الأعمال الاجتماعية في شبكات ومجتمعات لدفع النظم البيئية باتجاه التغيير. وتدور ريادة الأعمال الاجتماعية حول بناء تحالفات إستراتيجية مع أصحاب علاقة متعددين وحركات اجتماعية. وتشير نتائج الدراسة في هذا المجال إلى ما يلي:
- 77٪ من زملاء أشوكا يعملون جنباً إلى جنب مع أكثر من أربعة شركاء لتحقيق التأثير.
- تحول في القيادة: ويشمل التحول من أسلوب القيادة والسيطرة إلى القيادة التي تطلق العنان لإمكانات التغيير لدى جميع الأفراد، ويخلق رواد الأعمال الاجتماعية الظروف للآخرين ليكونوا صناعاً على جميع المستويات. وتشير نتائج الدراسة في هذا المجال إلى ما يلي:
- 92٪ من الزملاء هيؤوا الظروف للأشخاص في مجموعاتهم المستهدفة لتنمية مهارات صنع التغيير.
- 89٪ يضعون الشباب في موقع القيادة.
- 88٪ من الزملاء قالوا: إن أشوكا ساعدت على رؤية أنفسهم بصورة مختلفة كقادة.
- 88٪ قرروا تغيير طريقة قيادتهم بسبب الدعم الذي تلقوه من أشوكا.
- 92٪ من الزملاء هيؤوا الظروف للأشخاص في مجموعاتهم المستهدفة لتنمية مهارات صنع التغيير.
- تحول شخصي من التضحية إلى الرفاهية والنمو الداخلي: تساهم رعاية رائد الأعمال الاجتماعية نفسَه والحرص على رفاهيتها في تعزيز المرونة على المدى الطويل. وتشير نتائج الدراسة في هذا المجال إلى ما يلي:
- 53٪ من الزملاء في عينة المسح حصلوا بالفعل على دعم "الرفاهية" من مجتمع أشوكا خلال العام الماضي، على الرغم من كون هذا نوعاً جديداً نسبياً من الدعم.
تشير نتائج الدراسة الاستقصائية وهذه التحولات الخمسة التي حددت أعلاه إلى أن برامج الدعم لرواد الأعمال الاجتماعية يجب أن تتضمن تنسيقات تعليمية حول ما يلي:
- كيفية تطوير إستراتيجية فعالة وتنفيذها.
- بناء القدرات القيادية لرواد الأعمال الاجتماعية.
- العمل بأسلوب تعاوني وجماعي داخل نظام بيئي فعال.
- تعزيز الرفاهية الشخصية لرائد الأعمال الاجتماعية بوصفها قوة أساسية للعمل الاجتماعي الفعال.
وقد أصبحت هذه الميزات من الأولويات الرئيسية لبرنامج زمالة أشوكا في جميع أنحاء العالم. وفيما يلي أهم النتائج التي قد تترتب على عدم حدوث ذلك:
- اقتصار الحلول على المتضررين المباشرين:
- السبب: عدم القدرة على جعل جميع الحلول المطبقة قابلة لتوسيع النطاق.
- النتيجة: محدودية عدد المستفيدين من حلول تستحق الانتشار على نطاق أوسع.
- الحل: الأخذ بالحسبان كيفية جعلها متاحة للاستخدام بأسلوب مختلف في أثناء تصميمها، أو تكييف بدائل مشابهة لها لتوسيع شبكة المستفيدين.
- صعوبة جذب المواهب للعمل في المشروعات الريادية الاجتماعية:
- السبب: نقص آليات تطوير المواهب وبناء القدرات، كما أن الأجور غالباً قليلة.
- النتيجة: ضعف كفاءة فرق عمل المشروعات الريادية.
- الحل: بناء مهارات فرق عمل المشروعات، واستقطاب مواهب تحمل الرسالة الاجتماعية نفسها.
- الانجراف لفخ الربحية، والتحول عن الرسالة الأصلية:
- السبب: النجاح على نطاق ضيق، والرغبة في التوسع.
- النتيجة: يتحول تركيزهم إلى الحرص على الأرباح وزيادتها، من أجل إرضاء المستثمرين مما يؤدي إلى الابتعاد عن رسالتهم الاجتماعية الأصلية.
- الحل: التمسك بحس المسؤولية الاجتماعية، وبرسالة المشروع، ومراجعتها بانتظام، وتقييم الإستراتيجيات المتبعة في تحسين حياة المتضررين.
- صعوبة إيجاد التمويل لنسبة كبيرة من مشروعات الريادة الاجتماعية:
- السبب: العائد المادي من الاستثمار غالباً ما يكون قليلاً.
- النتيجة: الإقلاع عن الفكرة، أو اللجوء لأكثر من داعم.
- الحل: وجود حاضنات الأعمال الاجتماعية ومنح دعم المؤسسات المانحة أو الحكومات، أو البحث عن داعمين يحملون الرسالة نفسها.
- صعوبة تقييم الرواد الاجتماعيين لأثرهم:
- السبب: الكثير من برامج قياس الأثر لا تعطي مخرجات حقيقية للمشروعات الريادية.
- النتيجة: صعوبة تقييم العمل الريادي، عدم التأكد من أنه يحقق الهدف المرجو منه.
- الحل: إيجاد مقاييس أثر متخصصة ومتناسبة مع نوعيات المشروعات التي تضطلع بها أعمال الريادة الاجتماعية.
خمس عشرة خطوة من أجل مشروع ريادي اجتماعي يحدث أثراً
سواء توفرت لك البيئة الداعمة المناسبة أم لم تتوفر، ومهما كانت التحديات التي تواجهها، فيما يلي خمس عشرة خطوة تساعدك في تصميم مشروع ريادي اجتماعي يحدث أثراً:
- قبل البدء بالعمل:
- حدد رسالتك وحدد التحدي الذي ستعمل عليه.
- اقترب من الناس وافهم احتياجاتهم الحقيقية.
- صمم الحل واختبره مع الناس وراقب ردود أفعالهم.
- حلل ردود الأفعال وطور من خلالها أفكارك.
- كرر الاختبار والتطوير حتى تشعر بأن فكرة الحل صارت جاهزة.
- بعد تصميم الفكرة
- ابنِ الشراكات والتحالفات مع من يشاركونك رسالتك الاجتماعية.
- صمم نموذج عمل يساعدك على تحقيق الاستدامة.
- ابحث عن مصادر تمويل تشاركك رسالتك الاجتماعية نفسها.
- راجع نموذج عملك مراراً وتكراراً حتى تتحقق منه قدر المستطاع.
- عدل نموذج عملك الاجتماعي عندما يستدعي الأمر ذلك.
- بعد انطلاق المشروع:
- تأقلم على العمل مع الغموض وتعامل مع التحديات بشجاعة.
- حافظ على رسالتك ولا تنجرف وراء المال.
- استخدم الأدوات المناسبة لقياس تقدمك.
- احرص على مراجعة المسار وتصحيحه باستمرار.
- خطط جيداً من أجل توسيع نطاق مشروعك.