مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 15
كيف باتت شركة تايجر جلوبال تغير وادي السيليكون؟
قبل بضع سنوات؛ أعادت شركة سوفت بنك (SoftBank) صياغة قواعد رأس المال الاستثماري، وكان تكتل التكنولوجيا الياباني هذا يوزع الأموال يُمنةً ويسرة لمؤسسي الشركات الناشئة. وعقد كبار أصحاب رأس المال الاستثماري مؤتمراتٍ لمناقشة كيف يمكن أن تنجو صناعتهم من حملات شركة سوفت بنك؟ ومع انحلال بعض أكبر استثمارات شركة سوفت بنك الذي بلغت ذروته بانهيار الاكتتاب العام الأولي لشركة وي وورك ((WeWork -وهي شركة توفر مساحات العمل المشتركة- في سبتمبر 2019م، شعر الخبراء في وادي السيليكون بشماتة، وبدا الأمر لهم وكأنّ هذه الشركة كانت مجرد "مستثمرٍ عابرٍ" آخر، المصطلح الذي وصف به أحد أصحاب رأس المال الاستثماري اللامعين أولئك الذين يجولون أحياناً في وادي السيليكون بحثاً عن شركاتٍ ناشئةٍ مثيرة.
وفي تاريخ كتابة هذا المقال أصبحت هناك جهةٌ أخرى صارخة ومتهورة تطغى على شركة سوفت بنك، وبين يناير ومايو؛ استثمر الصندوق الذي أطلقته شركة تايجر جلوبال مانجمنت (Tiger Global Management) -وهو صندوق نيويورك للتحوط يستثمر أيضاً في شركات التكنولوجيا الخاصة- الأموال في 118 شركة ناشئة، أي عشرة أضعاف ما كان يدعمه في نفس الفترة من عام 2020م، وذلك وفقاً لمزود البيانات “Crunchbase”. وتضم محفظة هذه الشركة الآن أكثر من 400 شركة، بما في ذلك العديد من الاكتتابات العامة الأولية الأكثر جذباً للأنظار في العام الماضي مثل “Coinbase” بورصة العملات المشفرة و” Roblox” صانعة ألعاب الفيديو. وكما قالت للمستثمرين في فبراير، فهي تبحث "عن طرقٍ لتسريع وتيرة عجلة استثماراتنا". وتهدف أداتها الجديدة إلى جمع 10 مليارات دولار إضافية، ومع أنَّ هذا الرقم أقل من القيمة الهائلة لصندوق “Vision” الخاص بشركة سوفت بنك التي تبلغ 100 مليار دولار، إلا أنه لا يزال يمثل مبلغاً كبيراً جداً وفقاً لمعايير رأس المال الاستثماري -وقد يترك صندوق نيويورك أثراً أكثر ديمومة على وادي السيليكون من أثر منافسه الياباني الغني.
ومن السهل رؤية أوجه التشابه بين شركة تايجر وسوفت بنك، فكان كلاهما من الممولين لشركة علي بابا (Alibaba) للتجارة الإلكترونية قبل أن تظهر شركة التجارة الإلكترونية الصينية وتتحول إلى عملاقٍ عالمي، وتصف أنواع رأس المال الاستثماري عادةً كلا الشركتين على أنهما "هجوميتان" بل وحتى "مجنونتان"، وبمجرد أن قامت كل واحدةٍ منهما بتحديد هدفٍ لها انتهزت الفرصة للهجوم؛ حيث قامت بإصدار عقود الاستثمار في غضون أيام مع تخطي العناية الواجبة المطوّلة، غالباً بتقييماتٍ أعلى بكثير من تلك التي تقترحها رؤوس الأموال الاستثمارية التقليدية. وتماماً كما وقَّعت شركة سوفت بنك أحياناً على شيكاتٍ من عشرة أرقام عندما يطلب المؤسسون ثمانية أو تسعة، كان صندوق تايجر جلوبال أحياناً يحاول إقناع رواد الأعمال لأخذ النقود عندما لا يحتاجون إليها. ويقول أحد المؤسسين المدعومين من الشركة مؤخراً: "حتى بعد أن يستثمر الأفراد فعلاً فإنهم يرسلون لهم رسالة نصية تلو الأخرى يسألون عما إذا كان بإمكانهم زيادة الأموال".
ويكره صندوق تايجر جلوبال مثل هذه المقارنات وهو يختلف بالفعل عن المجموعة اليابانية من نواحٍ مهمة. حيث لم تدخل شركة سوفت بنك في الاستثمار التكنولوجي بشكلٍ جدي إلا منذ بضع سنوات بعد أن بدأت في بيع البرامج، وذلك قبل الانتقال إلى الخدمات والاتصالات عبر الإنترنت. وعلى النقيض من ذلك؛ فإن شركة تايجر جلوبال لديها باعٌ طويل في الاستثمار. ويرجع نَسبها إلى صندوق تايجر مانجمنت -الذي حقق نجاحاً هائلاً والذي أسسه جوليان روبرتسون- الذي يعتبر من عمالقة وول ستريت، ولقد دعم الفائزين في مجال التكنولوجيا لما يقرب من 20 عاماً، في كلٍ من الصين ولاحقاً في أمريكا (من بينها استثمارات في فيسبوك). وخلال تلك الفترة؛ حققت صناديقها معدل عائد داخلي متوسط قدره 26% سنوياً، أي ضعف معدل عائد صناديق رأس المال الاستثماري المماثلة. وفي حين أنَّ سون ماسايوشي، رئيس شركة سوفت بنك المتحمس، هو صاحب كل القرارات في شركته، نجد أنّ شركة تايجر جلوبال لا يديرها شخصٌ واحد. كما ينبذ شركاؤها اعتماد السيد سون لمؤسسين فرديين بناءً على شعوره الداخلي ويفضّلون اعتماد استراتيجية منضبطة تركز على جمع عدة شركات في الأسواق الواعدة.
وثمة اختلافٌ آخر؛ فبينما كان وصول السيد سون هو سبب مغادرة المقيمين في “Sand Hill Road” في بالو ألتو حيث تتجمع رؤوس الأموال الاستثمارية في وادي السيليكون وهم يرتجفون في شركة “Allbirds” الخاصة بهم، إلا أنهم كانوا يَبدون غير منزعجين من وجود شركة تايجر بشكلٍ لافتٍ للانتباه. وعلى الرغم من التنافس مع شركة تايجر جلوبال على الاستثمارات في المراحل المبكرة، فإن العديد من رؤوس الأموال الاستثمارية يعتبرونها قوةً من أجل الخير؛ أي مصدر رأس المال الذي يساعد الشركات المندرجة ضمن حافظتهم على النمو بشكل أسرع أو بدء مشاريع ربما كانوا لن يفكروا بها لولا ذلك. ومع ذلك؛ حتى إذا اتبعت شركة نيويورك مسار شركة سوفت بنك وتراجعت -وهو ما يمكن أن يحدث إذا ارتفعت أسعار الفائدة- ونما رأس المال بشكل أبطء وتلاشى الارتفاع التكنولوجي، فإن لدينا ثلاثة عوامل باقية تساهم في نجاحها.
العامل الأول: هو تسريع عقد الصفقات، فقبل جائحة كوفيد-19، كانت المفاوضات تتم في الغالب وجهاً لوجه، مما حدَّ من عدد اللقاءات، بينما يتطلب الاجتماع على منصة زووم ومنصات مؤتمرات الفيديو الأخرى بضع نقراتٍ فقط، مما يسمح لكلٍ من المؤسسين والمستثمرين بالتحدث إلى العديد من الشركاء المحتملين. وفي وادي السيليكون؛ المكان الذي لم يكن يوماً ما يتسم بالتباطؤ، أصبحت العبارة الشائعة فيه هذه الأيام هي أنّ "الأشياء لم يسبق لها وأن سارت بشكلٍ أسرع من الآن". وتُعد مواكبة شركة تايجر جلوبال ونظرائها في نيويورك مثل شركة “Coatue Management” و“Insight Partners” سبباً مهماً.
ثانياً: حاولت شركة تايجر جلوبال أن تكون أكثر انتظاماً في تقييم الشركات الناشئة، وعلى الرغم من أنّ الشركة لا تطلب أبداً مقاعد في مجلس الإدارة -معتبرةً أنها مضيعة للوقت- إلا أنها تعرف الكثير عن استثماراتها، وذلك بفضل مجموعةٍ متزايدة من المقاييس الأفضل على الإطلاق التي يمكن من خلالها الحكم على أداء الشركات. كما أنشأت شبكة الإنذار المبكر الخاصة بها لتحديد الأهداف الواعدة، وإذا انطلقت خدمة جديدة عبر الإنترنت في منطقةٍ ما مثلاً، فقد يكون الوقت قد حان لوضع الأموال في شركةٍ مماثلة في منطقةٍ أخرى. ويمكن للعديد من شركات رأس المال الاستثماري أن تتعلم شيئاً أو آخر من هذا النهج، وقال شخصٌ آخر من أصحاب رأس المال الاستثماري المخضرمين: "نحن مجموعة من المستثمرين المروعين، أكثر من نصفِنا لا يعيد حتى رأس المال"، وهذا الاعتراف يطرب مسامع شركائهم المحدودين المخدوعين.
أي يدٍ تجرؤ أن تقبض على النار؟
قد يكون التأثير النهائي لشركة تايجر جلوبال هو الأكثر عمقاً؛ فإنه يعكس تحولاً في ميزان القوى بين المستثمرين ورجال الأعمال، فعادةً ما كانت للمستثمرين اليد العليا، وقام مؤسسو الشركات الناشئة بقصد “Sand Hill Road” ليس فقط للحصول على المال ولكن للحصول على النصائح القيّمة التي يمكن أن يقدمها أفضل أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية. وأجبرت المنافسة التي فرضتها شركة تايجر جلوبال وغيرها من العابرين أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية في كاليفورنيا على تقديم شروطٍ أكثر تساهلاً ونقدية وغير ذلك. وهذا بدوره جعل رواد الأعمال أنفسهم يتمتعون بمزيدٍ من الثقة. "ليس من المسلي أن تكون مستثمراً هذه الأيام" هذا ما يلخصه رئيس شركة ناشئة يستعد للاكتتاب العام، والسؤال المطروح بالنسبة لأصحاب الأموال في وادي السيليكون (والذي لا يزال أغلبهم من الذكور) لا يتعلق بما يجب أن تموله الشركة الناشئة بقدر ما يتعلق بما إذا كانت الشركة الناشئة تسمح لك بالاستثمار.