مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 14
ممارسات السعودية في الابتكار السياحي
تتميز السياحة في العالم بوجه عام، وفي السعودية على وجه الخصوص، بكونها رافداً من روافد الاقتصاد، حيث تعد أداة تسويق حضارية، للتعرف على الثقافة السعودية، ووسيلة للاطلاع على العادات والتقاليد التي تخص التراث السعودي.
وفي ظل التطور التكنولوجي الهائل الذي نشهده اليوم، يقودنا الذكاء الاصطناعي إلى مسافات بعيدة من التحول الرقمي في معظم الخدمات، إن لم يكن في جميعها، فلا تكاد توجد تقنية تَسُوق نحو تغيير جذري ومتسارع في عالم المال والأعمال، من النواحي السياحية والثقافية والاجتماعية والتكنولوجية... إلخ، مثلما يفعل الذكاء الاصطناعي.
عرف عن المملكة العربية السعودية احتضانها للابتكار من خلال اهتمامها الواسع به، ويظهر هذا الاهتمام من خلال حرص المعنيين في المملكة على تفعيل دور المبتكرين، عن طريق تقديم الخدمات اللازمة، التي يحتاج إليها هؤلاء الأشخاص، من برامج ومبادرات وطنية، نذكر منها مبادرة "ديوان الابتكار" التي أعلن عن نسختها الأولى في عام 2021، سعت المبادرة إلى تعزيز ثقافة الإبداع والابتكار للشباب السعودي، بمنحهم فرصة لتقديم حلول فعالة للتحديات التي تواجه المجتمع في مجالات الصحة، والتنمية الاقتصادية، والبيئة والطاقة، والتعليم، والمشاركة المجتمعية، من خلال وعي الأفراد بالسلوك والقيم، على سبيل المثال: التشجيع على الدخول في مجالات التطوع لتقديم الخدمات، ما يعود على المجتمع ببناء مستقبل فاعل، بأفكار متجددة ومواكِبة للتغييرات العالمية.
تضمنت المبادرة مسابقة لتكريم المبتكرين الفائزين بالمراتب الخمس الأولى على النحو التالي: الجائزة الأولى: 150000 ريال سعودي، الجائزة الثانية: 125000 ريال سعودي، الجائزة الثالثة: 100000 ريال سعودي، الجائزة الرابعة 75000 ريال سعودي، الجائزة الخامسة 50000 ريال سعودي[1].
أبدت المملكة عنايتها الفائقة بالحفاظ على الإرثين الثقافي والتراثي، وذلك من خلال اهتمامها بتطوير السياحة الثقافية وتعزيزها، بهدف تصديرها لتاريخها الحافل بالثقافات المتنوعة، وإبرازها لمكانتها الثقافية القديمة لجميع الزائرين، وللتعرف على العادات المتبعة فيها، وتنوير بصيرة الزوار على الحداثة التي أدخلتها المملكة في القطاع السياحي.
كما احتلت المملكة العربية السعودية مراتب متقدمة في التطور التكنولوجي، ليس على صعيد الوطن العربي فحسب، وإنما على الصعيدين الآسيوي والعالمي أيضاً، وتسعى المملكة بالتعاون مع شركاء الابتكار إلى منافسة الدول المتصدرة عالمياً، من خلال المشروعات التكنولوجية التي تخدم القطاعات بوجه عام، وتلك التي أدخلتها في قطاع السياحة على وجه الخصوص، حتى يتسنى للجميع الاطلاع على قدرة المملكة في الدخول بقوة في سوق المنافسة العالمي، والذهاب بها إلى أبعد ما يمكن تصوره من التطور والازدهار.
ولعل أبرز ما شهدته الساحة الشرق الأوسطية في الأعوام الثلاثة الفائتة، ولفتت الأنظار إليه بنحو كبير "مواسم السعودية" فما هذه المبادرة؟ وعلى ماذا تشتمل؟ ولماذا جذبت الأنظار؟ وما الآلية التي اتبعتها المملكة لنجاح المبادرة؟ وبماذا عادت عليها من النواحي الاقتصادية والثقافية والاجتماعية؟
مبادرة مواسم السعودية:
في فبراير عام 2019 أطلقت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني مبادرة «مواسم السعودية» في نسختها التجريبية، اشتمل المشروع على مجموعة من الفعاليات الثقافية والرياضية والترفيهية، إضافة إلى الخدمات المتنوعة، التي تخص التنقل والإقامة، لبناء تجربة متكاملة للزوار والسياح الأجانب.
كما أعلنت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني توفير منصة إلكترونية للمشروعات المشاركة في المبادرة، وذلك لتسهيل الأمور على الزوار في التعرف على الفعاليات المقامة، وحجز التذاكر[2].
ولتفصيل الحديث عن نهوض المملكة التكنولوجي في قطاع السياحة، اخترنا "موسم الرياض" مثالاً لبيان أبرز الفعاليات المقامة فيه، ولذكر الأصداء العالمية حول دور المملكة في التطور المذهل الذي وصلت إليه.
موسم الرياض
أول مهرجان ترفيهي سياحي على مستوى العالم يقام في دولة عربية، في مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية.
يحفل المهرجان بحزمة من الأنشطة والفعاليات المشوّقة في مختلف المجالات الثقافية والترفيهية والفنية، وأشاد كثير ممن حضر حفل افتتاح النسخة الثالثة بالتنظيم المدهش والمتطور، والذي يعكس رؤية السعودية 2030، وتحدثت وكالةCNN بالعربية عن حفل افتتاح موسم الرياض بنسخته الثالثة عام 2022 على لسان رئيس الهيئة العامة للترفيه (تركي آل الشيخ)، الذي أشار إلى دخول هذا الحفل موسوعة غينيس للأرقام القياسية، كونه أكثر حفل أطلقت فيه الألعاب النارية من طائرات من دون طيار.
وكانت من الفعاليات الرياضية والترفيهية الهامة، والتي جذبت الأنظار فعالية "سكيت بارك"، التي استقطبت محبي التزلج على الجليد، والتي بنيت بأفضل المعايير العالمية، حيث تميزت بتصميم احترافي للحلبة، يحاكي أفضل التصاميم العالمية، وبوجود مدربين احترافيين، لمساعدة المبتدئين أو الراغبين في تجربة التزلج، الذين لا يملكون خبرة فيها[3].
شهد موسم الرياض 2022 العديد من الأرقام القياسية التي حققتها المملكة، كما أشار رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه (تركي آل الشيخ) عبر منصة X بتحقيق المملكة لرقم قياسي جديد في موسوعة غينيس بضم المهرجان لأطول "سكايلوب Skyloop" في العالم، وضمه أيضاً لأكبر بحيرة صناعية في العالم "بحيرة لاجون" التي تتميز بوفرة النشاطات الترفيهية فيها.
حاولت المملكة من خلال موسم الرياض اللعب على ما يرغّب الناس في جميع أنحاء العالم لزيارتها، والتعرف على ثقافتها الحضارية، فنوعت في الأنشطة الترفيهية المبتكرة فيها، ونجحت في تحقيق مساعيها، وبرز ذلك من خلال وصول عدد الزوار إلى 20 مليون زائر في ختام موسم الرياض 2023[4].
كما كانت مجالات الاهتمام منصبة نحو عدة مواقع أثرية تشتهر بها المملكة، وكان من أبرز تلك المواقع:
سوق عكاظ
يعد سوق عكاظ من أقدم أسواق الجزيرة العربية، فقديماً كان مجمعاً للتجار لعرض بضائعهم، وللأدباء لنشر مهاراتهم الشعرية، وما زالت المملكة تحافظ على هذا الإرث الحضاري، الذي يرتبط بالثقافة السعودية، بل وأدخلت فيه التكنولوجيا الابتكارية، ليجمع بين عراقة الماضي وأصالته وحداثة المستقبل.
يقع سوق عكاظ في مدينة الطائف، التي تشتهر بتضاريسها المتنوعة، وجوها المعتدل، وبكثرة الأشجار فيها، ما يجعلها من أهم الوجهات السياحية في المملكة.
يتصف السوق بغناه بالإرث العربي، وبتمسكه بالهوية السعودية، والذي يحاول القائمون عليه إبرازها من خلال دمجها في الفعاليات المقامة فيه، والتي تتضمن:
أمسيات ومسابقات شعرية، وبطولات للخيل، وجوائز متنوعة، منها: جائزة الفنون الشعبية، وجائزة الحرف والصناعات اليدوية، ما يظهر حرص المملكة على ربط الثقافة بالترفيه.
إضافة إلى جوائز أخرى، كجائزة فن الخطابة، وفن الابتكار، وريادة الأعمال[5].
في عام 2018 وبتوجيه من الأمير (سلطان بن سلمان بن عبد العزيز) رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني عرض في مهرجان سوق عكاظ ولأول مرة متحف "روائع آثار المملكة عبر العصور" بتقنية الواقع المعزز، بهدف تطويع التقنيات الحديثة في قطاع السياحة في المملكة[6].
رشح هذا التنوع الحضاري بين الثقافة والتكنولوجيا المملكة لتنصيبها لزمام الريادة السياحية في الشرق الأوسط.
واستكمالاً للترويج السياحي تابعت المملكة نشاطاتها، فأطلقت الهيئة السعودية للسياحة في ديسمبر من عام 2020 موسم "شتاء السعودية" الذي ضم أكثر من 17 وجهة سياحية في المملكة، معظمها كانت فوق قمم الجبال المغطاة بالثلوج، نذكر منها:
جبل أم سِنمان
تعود تسميته نسبة لمظهره الذي يأخذ شكل الناقة الباركة ذات السنامين -كما هو موضح في الصورة- يقع في مدينة جبة، التي تبعد عن مدينة حائل نحو 100كلم، والتي تزخر بالجبال على الجهتين الغربية والجنوبية منها[7].
تتسم معالم الموقع بكونها تعود بالإنسان للألف السابع قبل الميلاد، حيث يعد الموقع مركز جذب سياحي لمحبي الاستكشاف[8]، ويتميز الموقع بكونه مكاناً يلامس شغف هواة الصيد، لاحتوائه على رمز وطني وتقليد من التقاليد التاريخية للمملكة، وهو رياضة الصيد بالصقور، والتي تعد من الرياضات التراثية في المنطقة[9].
يقع جبل القمر في مدينة غران بالقرب من مدينة عسفان، أدرجته الهيئة السعودية للسياحة ضمن الفعاليات السياحية في موسم "شتاء السعودية".
يعود سبب تسميته بجبل القمر، لكونه يشبه سطح القمر، حيث تتنوع تضاريسه بين التشكيلات الصخرية والكثبان الرملية، يتصف المكان بالهدوء، ما يجعل منه وجهة مفضلة للسياح للتخييم فيه.
تبرز معالمه من خلال حفاظه على بيئته الطبيعية الأثرية، وتكثر فيه الأنشطة المتعلقة بثقافة المنطقة من ركوب الجمال، وتسلق الجبال... إلخ[10].
منتزه الأحساء الوطني
أنشئ عام 1962م، تبلغ مساحته نحو 4500 هكتار، وفي تقرير نشرته قناة العربية ذكرت فيه أن المنتزه يعد امتداداً لمبادرة "السعودية الخضراء"، كان في بداياته مشروعاً لحجز الرمال، وبفضل الجهود الحثيثة من المعنيين ما لبثت أن تحولت الرمال إلى غطاء نباتي، مكون من أشجار متنوعة، أبرزها "الأثل والسدر" امتدت على مساحات واسعة من المنتزه، حيث وصل عدد الأشجار فيه إلى مليون وستمائة ألف شجرة[11].
يضم المنتزه متحفاً للنخيل والكثير من الأسواق الشعبية كسوق التمور، وسوق الجمال، بالإضافة إلى البحيرات اصطناعية [12]، ومضماراً لسباق الدراجات الهوائية[13].
يشهد المنتزه إقبالاً كبيراً من الزوار، وتزداد كثافتهم في فصل الشتاء، نظراً لارتفاع درجات الحرارة فيه في فصل الصيف.
مدينة الملك عبد الله الاقتصادية
أنشئت المدينة في عام 2005، تشتهر المدينة بشواطئها الساحرة، وتتميز بموقعها المطل على ساحل البحر الأحمر[14].
أشارت وسائل إعلامية إلى أن فعاليات مدينة الملك عبد الله الاقتصادية تندرج ضمن برنامج صيف السعودية، الذي يهدف إلى تقديم التسهيلات للمناطق السياحية، لجذب المزيد من السياح من مختلف الجنسيات[15].
يتسم مناخ المدينة بالتنوع في درجات الحرارة، وتتنوع الأنشطة السياحية فيها، من مغامرات مائية كالغوص والتجديف، كما تشتمل على أنشطة رياضية، كالغولف والكارتينج، وهو نوع من أنواع سباق السيارات عالية السرعة، وتكثر فيها المنتجعات التي توفر إقامة فاخرة للزوار وبخدمات مميزة[16].
موسم الحج
تسهم السياحة الدينية بجزء كبير في دخل المملكة العربية السعودية، وتسعى المملكة إلى زيادة أعداد الأشخاص سواءً كانوا معتمرين أو حاجين إلى 30 مليون شخص بحلول عام 2030.
تتجه بوصلة الحجاج في شهر ذي الحجة من كل عام نحو المشاعر المقدسة في المملكة العربية السعودية، وفي كل عام تتطور الخدمات تبعاً للتطور التكنولوجي على مستوى العالم، فما جديد برنامج موسم الحج لعام 2024 الذي ستقدمه المملكة لخدمة ضيوف الرحمن؟
أطلقت المملكة تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك (سلمان بن عبد العزيز آل سعود) مؤتمر ومعرض الحج والعمرة 2024، للاطلاع على آخر المستجدات من مبادرات وخدمات لوجستية وتقنية تتصل بخدمات الحج والعمرة، والتي كان هدفها الارتقاء بجميع الخدمات المقدمة للحجاج والمعتمرين، من تسهيل للإجراءات، لتوفير الوقت والجهد للحكومة وللزوار[17].
- بوابة نسك: أول منصة إلكترونية تتيح للأشخاص خيار التخطيط والحجز للزيارة بسهولة، بدءاً من التقدم بطلب الحصول على تأشيرة إلكترونية إلى حجز الفنادق والرحلات الجوية[18].
- بطاقة نسك الذكية: بطاقة تعريفية لتمييز الحاج النظامي، تحتوي على معلومات عن الحاج وحركة تنقله، كانت نتيجة اتفاقية بين مؤسسة نسك التابعة لوزارة الحج والعمرة مع الهيئة العامة للأوقاف[19].
- تطبيق تنقل: تطبيق تديره الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وظيفته تسهيل حجز العربات الكهربائية والعادية عبر الهواتف الذكية لأداء الطواف والسعي بالنسبة للأشخاص الذين لا تساعدهم حالتهم الصحية على ذلك[20].
ختاماً، مزجت السعودية بين العمق التاريخي والتنوع الثقافي من جهة، والابتكار السياحي والتطور التكنولوجي من جهة أخرى، فقدمت للعالم أبهى صورة لماضيها الثقافي من خلال المستقبل، لافتة الأنظار العالمية نحوها من خلال الخدمات المقدمة فيها، فاستحقت أن تكون في مقدمة سوق التطور والحداثة العالمي.