مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 15
مؤشر الابتكار الاجتماعي الرقمي الأوروبي
مقدمة
في عالم طغت عليه التكنولوجيا والابتكار الرقمي بأشكالهما كافة، مع تزايد التحديات الاجتماعية، واشتداد تعقيدها، بدأ الابتكار الرقمي، الذي ارتبط لوقت طويل بتحقيق الربح والنمو، بتوسيع آفاقه تدريجياً متجاوزاً حدود الربح، لاحتضان الحاجة الملحة إلى قيادة التحول الاجتماعي، وصنع الأثر الاجتماعي، حيث ظهرت موجة جديدة من المبتكرين الذين يتساءلون: "كيف يمكننا استخدام التكنولوجيا ليس فقط من أجل الربح، وإنما من أجل أن نجعل هذا العالم أفضل؟" ومن هنا كان التحول عميقاً، فلم يعد تحقيق الأرباح كافياً، لا سيما وأنهم كانوا مدفوعين بهدف أعمق، وهو استخدام التكنولوجيا لمعالجة التحديات الاجتماعية والبيئية الأكثر إلحاحاً في عصرنا.
وبدأت عملية تسخير الثورة الرقمية، لإنشاء حلول مبتكرة ومؤثرة بالعمل في مجالات تمتد من التعليم، إلى الرعاية الصحية، إلى العمل على تحديات المناخ، والتلوث البيئي، وغيرها. ومع مرور الوقت أثبت هذا الجيل من المبتكرين في التكنولوجيا أن التكنولوجيا يمكن أن تكون قوة من أجل الخير، وتحسين المجتمعات، وملء الفجوات، وتمكين الأفراد في جميع أنحاء العالم.
تدريجياً تطور الابتكار التكنولوجي، الذي بدأ بحثاً عن حلول أكثر كفاءة إلى حركة تلتقي فيها التكنولوجيا بقيم الخير، وتحسين حياة الناس، ومع ازدياد سهولة الوصول إلى الأدوات الرقمية، أصبحت تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، والتي احتفل بها في البداية لإمكاناتها الثورية في مجال الأعمال، حافزاً لمعالجة التحديات الاجتماعية. كان هذا التحول شهادة على قوة الإبداع البشري، وعلى أن ارتباط التكنولوجيا بالهدف الاجتماعي توصل إلى احتمالات بلا حدود، يمكن من خلالها أن يصل المبتكرون إلى أبعد من ذلك، فيكسرون الحواجز، ويخلقون حلولاً ترفع مستوى المجتمعات، وتدفع عجلة الاستدامة. ولم يعد الابتكار الرقمي يقتصر فقط على ما هو جديد، بل بات يتعلق بما هو ذو معنى، مما عكس التزاماً أوسع بتشكيل مستقبل تخدم فيه التكنولوجيا الصالح العام.
ومع كثرة الاستثمارات في الابتكار التكنولوجي في مجال الأعمال، وفي مجال القضايا الاجتماعية، أصبح العالم معقلاً لـلابتكارات الرقمية، ذات الطابع الاجتماعي بأشكالها وأهدافها كافة، ولكن السؤال الهام بعد كل ما تحقق من إنجازات: ما الذي يمكن أن يجعل المدينة بيئة جيدة، لنمو الابتكار الرقمي ذي الطابع الاجتماعي وازدهاره؟ فالجواب يساعد صانعي السياسات، وقادة المؤسسات الاجتماعية والرقمية، والمستثمرين على معرفة ما يجيده سكان كل مدينة، وأين يمكن التحسين؟ وما الذي يمكن القيام به لتحقيقه؟ كما يحتاج صناع الحلول الرقمية إلى معرفة ما يمكنهم تقديمه.
من خلال هذه المراجعة سوف نستعرض ما قامت به منظمة نيستا البريطانية من جهود، من أجل دعم ممارسات الابتكار الرقمي في مجال العمل الاجتماعي والخيري، وأهم ما أثمرت عنه تلك الجهود.
أطوار تشكل الفكرة
منظمة نيستا: منظمة بريطانية تعنى بالابتكار في المملكة المتحدة، رسالتها دعم الابتكار من أجل تحقيق المصلحة العامة، أسستها الحكومة المركزية في عام 1998، ثم تحولت إلى مؤسسة خيريّة مستقلة في عام 2012. وقد بدأ العمل على المؤشر بنحو أساسي من خلال منظمة نيستا، ومجموعة من المنظمات الأخرى، وقد حرصت منظمة نيستا لسنوات على تمكين الابتكار الاجتماعي بأشكاله كافة، ودعمه بالبنية التحتية، التي يحتاج إليها، لإطلاق العنان لحلوله في العديد من المجالات، وقد شهد العقدان الأخيران نمواً سريعاً في عدد الأشخاص الذين يستخدمون التقنيات الرقمية، لمواجهة التحديات الاجتماعية في مجالات تتراوح من الرعاية الصحية والتعليم إلى الديمقراطية والبيئة، وهو ما عرف لاحقاً بالابتكار الاجتماعي الرقمي.
الابتكار الاجتماعي الرقمي (Digital Social Innovation) أو الابتكار الرقمي من أجل الخير (Digital Innovation For Good) هو استخدام التقنيات الرقمية، لمواجهة التحديات الاجتماعية، كان الهدف من وراء ذلك النوع من الابتكار:
- تسخير التقنيات الرقمية، لتحسين الحياة وإعادة توجيه التكنولوجيا نحو المزيد من الغايات الاجتماعية.
- تمكين المواطنين من التحكم بحياتهم، واستخدام معارفهم ومهاراتهم الجماعية لتحقيق أثر إيجابي.
- التعزيز والتشجيع لنماذج تجارية مفتوحة وتعاونية بديلة للنماذج السائدة المنغلقة والتنافسية.
- استخدام التكنولوجيا لخلق مجتمع أكثر استدامة بيئياً.
وهناك العديد من الأمثلة حول مجموعة واسعة من المجالات: الرعاية الصحية (مثل Open Voice Factory)، والتعليم (مثل Apps for Good)، والبيئة (مثل Precious البلاستيك)، والهجرة (مثل MeshPoint)، والعلوم (مثل Zooniverse)، والتمويل (مثل QuidsIn) على سبيل المثال لا الحصر.
وعلى الرغم من المبادرات الملهمة العديدة، التي تجري في جميع أنحاء أوروبا والعالم، إلا أن القليل منها نسبياً قد نما، لتحقيق أثر اجتماعي إيجابي على نطاق واسع، وذلك لمجموعة من الأسباب التي حاولت منظمة نيستا، وغيرها من المنظمات استكشافها من خلال العديد من الدراسات والبحوث.
في عام 2012 ونظراً لأهمية الابتكار الاجتماعي الرقمي، كلفت المفوضية الأوروبية منظمة نيستا، وعدداً من المنظمات الأخرى شملت "Waag" في أمستردام، "Barcelona Activa"، و"IAAC" في برشلونة، ومختبر "Betterplace" في برلين، و "WeMake" في ميلانو، ومؤسسة "ePaństwo" في وارسو، من أجل استكشاف مجتمع الابتكار الاجتماعي الرقمي الناشئ، ورسم خريطة تحدد ملامحه وتحدياته، من خلال إطلاق مشروع الابتكار الاجتماعي الرقمي من أجل أوروبا (DSI4EU – Digital Social Innovation For Europe)، والذي كان يهدف إلى دعم صانعي السياسات والممولين والممارسين، لتنمية نطاق الابتكار الاجتماعي الرقمي وتوسيعه في أوروبا، وتسخير قوة الأشخاص والتكنولوجيا، لمعالجة بعض أكبر التحديات الاجتماعية والبيئية في أوروبا.
ويتمثل جزء رئيسي من مشروع الابتكار الاجتماعي الرقمي من أجل أوروبا في الوصول إلى فهم أفضل للمشهد الكلي، لدعم إنشاء مبادرات الابتكار الاجتماعي الرقمي ونموها واستدامتها، واستكشاف التحديات التي تواجه نمو الابتكار الاجتماعي الرقمي. بناءً على ذلك يهدف المشروع إلى استخدام هذا التحليل من أجل التأثير في صانعي السياسات (وغيرهم من أصحاب المصلحة) ومساعدتهم على بناء أنظمة بيئية، تساعد على نمو الابتكار الاجتماعي الرقمي استباقياً.
واصل المشروع عمله حتى عامي 2016 و2017، من ذلك: تطوير مركز عبر الإنترنت للابتكار الاجتماعي الرقمي في أوروبا (digitalsocial.eu)، وتنظيم سلسلة من الأحداث وورش العمل، وإنشاء تصور تفاعلي للبيانات الخاصة بـالابتكار الاجتماعي الرقمي في جميع أنحاء أوروبا، واستكشاف ما يعيق تقدمه ونموه، نشرت نتائج هذا البحث في تقرير لنيستا بعنوان (What next for digital social innovation?) "ماذا بعد بالنسبة للابتكار الاجتماعي الرقمي؟"، والذي أطلق في مؤتمر استمر ليوم كامل في مايو/أيار 2017.
ولسوء الحظ، من بين مئات مبادرات الابتكار الاجتماعي الرقمي في جميع أنحاء أوروبا والعالم، لم ينمُ سوى عدد قليل نسبياً من المبادرات، التي استطاعت إحداث أثر اجتماعي إيجابي على نطاق واسع، ولم يقترب أي منها من النمو الاستثنائي للمنصات الرقمية التجارية. وكان هناك عدة أسباب وراء إخفاقها في دخول الاتجاه السائد، والتي استكشفناها العام الماضي، والتي وردت في تقرير نيستا: "ماذا بعد بالنسبة للابتكار الاجتماعي الرقمي؟".
مع وجود الكثير من العمل الذي كان يتعين عليهم القيام به، حصل فريق نيستا وشركاؤها على تمويل من المفوضية الأوروبية، الداعم القديم للابتكار الاجتماعي الرقمي من خلال برنامج (CAPS) بقيمة 65 مليون يورو، لمواصلة العمل في مشروع (الابتكار الاجتماعي الرقمي من أجل أوروبا).
بدأت المرحلة الثالثة والأخيرة من مشروع (الابتكار الاجتماعي الرقمي من أجل أوروبا) في يناير 2018، وانتهت في يونيو 2019، خلال هذه المدة قامت نيستا وشركاؤها الستة من جميع أنحاء أوروبا بما يلي:
- تطوير مؤشر الابتكار الاجتماعي الرقمي الأوروبي، وهو مؤشر تجريبي يقيس قدرة النظم البيئية المحلية/ الوطنية على دعم نمو معلومات التسلسل الرقمي.
- مواصلة التعزيز والتحسين والتنظيم لمنصة (digitalsocial.eu).
- تنسيق ست مجموعات لموضوعات الابتكار الاجتماعي الرقمي، تقدم كل منها برنامجاً للدعم بالاتصال عبر الإنترنت ودون اتصال عبر الإنترنت لذوي العلاقة، ونشرت ستة أدلة موضوعية ترسم خريطة مشهد الابتكار الاجتماعي الرقمي في مجالات اجتماعية مختلفة.
- إنشاء 10 سيناريوهات مستقبلية، ومجلة تستكشف كيف يمكننا استخدام التكنولوجيا الرقمية لمواجهة التحديات الاجتماعية في عام 2030؟
- إشراك صانعي السياسات على مختلف المستويات وفي جميع أنحاء أوروبا، لمساعدة صناع القرار على فهم كيف يمكن أن تساعدهم DSI على تحقيق أولوياتهم، وما يمكنهم فعله لدعم نمو الابتكار الاجتماعي الرقمي.
- إطلاق مجموعة واسعة من الفعاليات، لرفع مستوى الوعي حول المشروع والمجال، والتعرف على أشخاص جدد وبناء معارف جديدة.
عن المؤشر
بدأت نيستا العمل على مؤشر الابتكار الاجتماعي الرقمي، من خلال التعاون مع ستة شركاء من جميع أنحاء أوروبا بتمويل من المفوضية الأوروبية، إذ رسمت خارطة للأشخاص والمشروعات والمؤسسات، التي تستخدم التكنولوجيا لمواجهة التحديات الاجتماعية، وحددت المجالات وصنفتها، وبحثت في العقبات التي تحول دون النمو، وأنشأت مركزاً مجتمعياً عبر الإنترنت على (digitalsocial.eu)، وقدمت الدعم والفعاليات لمئات من ذوي العلاقة. وقد منحها ذلك، إلى جانب مجموعة من الممارسات والأبحاث في جميع أنحاء أوروبا وخارجها، فهماً قوياً لما يبدو عليه المشهد والعوامل الأساسية، التي تمكن الابتكار الاجتماعي الرقمي، والعقبات التي تحول دون نموه.
فعلى الرغم من وجود بعض مراكز الابتكار الاجتماعي الرقمي في أوروبا، إلا أنه لم تكن هناك محاولة منهجية لفهم كيف تدعم تلك المراكز النظم البيئية المحلية والإقليمية والوطنية المختلفة في تطوير حلول الابتكار الاجتماعي الرقمي ونموه ونجاحه؟ لذلك كان أحد الأنشطة الرئيسية في مشروع مؤشر الابتكار الاجتماعي الرقمي الأوروبي الجديد هو استكشاف هذا الأمر بعمق من خلال تطوير مؤشر تجريبي.
كان الهدف هو وضع المؤشر ضمن الإطار الأوسع لأنشطة الابتكار الرقمي، من ذلك:
- تعزيز المشاركة المباشرة مع المدن والمفوضية الأوروبية والحكومات الوطنية.
- الدعم العملي وتعلم ممارسي الابتكار الاجتماعي الرقمي من أقرانهم، أو من ذوي العلاقة الآخرين.
- بناء شبكة أقوى من المبتكرين الاجتماعيين الرقميين في أوروبا.
كانت فكرة المؤشر بأن توفر بيانات مفتوحة المصدر للقياس والمقارنة لقدرة المدن على دعم ذوي العلاقة في مجال الابتكار الاجتماعي الرقمي، وسيكون الدعم موفراً بخمس طرائق:
1. تحديد عوامل النجاح لإنشاء الابتكار الاجتماعي الرقمي ونموه واستدامته، ونشر الأفكار المقترحة من خلال المؤشر، سيتمكن القائمون على المشروع من فهم أفضل لعوامل النجاح لتطوير النظم البيئية للابتكار الاجتماعي الرقمي، ورفع مستوى الوعي حول كيفية نشر هذه الظروف وتعزيزها بين الممولين وصانعي السياسات وأصحاب المصلحة الآخرين.
2. مساعدة صناع السياسات على صنع القرار، وفهم كيفية تقديم دعم أفضل لمبادرة دعم صناعة القرار بالاعتماد على الأمثلة الناجحة من أماكن أخرى، ويوفر مؤشر الابتكار الاجتماعي الرقمي درجة إجمالية، مما يسمح بتصنيف النظم البيئية في أوروبا بناء على قدرتها على دعم الابتكار الرقمي على مستوى المدينة.
3. قياس أداء النظم البيئية على أبعاد مختلفة من المؤشر تقيس معاً جانباً معيناً من قدرة النظام البيئي على دعم الابتكار الرقمي الاجتماعي، وباستخدام هذه الموضوعات يمكن لواضعي السياسات استخدام المؤشر كأداة تشخيصية، لفهم أين تعد مدينتهم متراجعة؟ ومن ثم ما المجالات التي ينبغي للسياسات المستقبلية أن تستهدفها لتحسينها؟
4. تحفيز تطوير السياسات الداعمة وتنفيذها: تعمل الدرجات المخصصة للأنظمة البيئية حافزاً تنافسياً لواضعي السياسات، لتنفيذ سياسات داعمة تهدف إلى دعم أفضل لمعلومات التسلسل الرقمي داخل المدن أو المناطق.
5. تحديد الأماكن التي تتمتع بظروف أفضل مما قد يؤثر في المكان، الذي يقرر فيه الممارسون إنشاء مبادراتهم أو تطويرها.
6. تعزيز الوعي بأهمية الابتكار الاجتماعي الرقمي بين الأشخاص والمجتمعات والمنظمات غير المشاركة حالياً في هذا المجال، وذلك من خلال توفير معيار يمكن الوصول إليه لكيفية تصنيف المدن، من جهة قدرتها على دعم الابتكار الاجتماعي الرقمي.
ويغطي المؤشر 65 مدينة أوروبية اختيرت بعناية من خلال المشاورات مع الشركاء، وباعتماد مشاورات داخلية، وذلك بناءً على حجم السكان، ونشاط الابتكار الاجتماعي الرقمي المعروف، والنتيجة على المؤشرات الأخرى المتعلقة بالابتكار، وتوافر البيانات، ولضمان التمثيل الجيد في جميع أنحاء أوروبا، وخاصة في المناطق الممثلة تمثيلاً ناقصاً تقليدياً، مثل أوروبا الشرقية والوسطى، ثم أزيلت خمس مدن لاحقاً بسبب نقص البيانات الجيدة، وهي: فاليتا (مالطا)، إيسن (ألمانيا)، مدينة لوكسمبورغ (لوكسمبورغ)، نابولي (إيطاليا) وبرنو (جمهورية التشيك)، وسردت المدن الستون المتبقية المدرجة في المؤشر.
ويقيس مؤشر الابتكار الاجتماعي الرقمي الأوروبي (EDSII) مدى دعم النظم البيئية الحضرية المختلفة عبر الاتحاد الأوروبي، لإنشاء مبادرات الابتكار الاجتماعي الرقمي الأوروبي، ونموها واستدامتها. وقد اختيرت المؤشرات من خلال مراجعة أدبيات تتعلق بالابتكار الاجتماعي الرقمي، ومن خلال التشاور مع الخبراء وذوي العلاقة في مجال الابتكار الاجتماعي الرقمي من خلال 11 مقابلة، عبر فعالية المائدة المستديرة.
ضُيِّق نطاق المجموعة الأولية المكونة من 69 مؤشراً محتملاً في ورشة عمل داخلية في نيستا إلى 32 مؤشراً، ليجري تضمينها في المؤشر، ثم استبعدت المؤشرات المدرجة في القائمة الطويلة إلى القائمة المختصرة، إما بسبب الازدواجية (كانت فئة فرعية لمؤشر آخر أو كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمؤشر آخر)، أو لعدم أهميتها (لم يكن هناك ارتباط قوي بتسلسل المعلومات). جمع الفريق بعد ذلك المؤشرات الـ 32 في ستة موضوعات، جنباً إلى جنب مع المؤشرات الأخرى ذات الصلة، والتي تعد ضرورية لازدهار أنظمة الابتكار الاجتماعي الرقمي الأوروبي، وهي: المجتمع المدني، والتعاون، والتنوع والشمول، والتمويل، والبنية التحتية، والمهارات. ويتيح هذا التقييم مقارنة أداء 60 مدينة أوروبية حالياً، بالنسبة لأنظمتها البيئية الحضرية كلياً، ولكل موضوع من الموضوعات الستة، وجمع الأفكار الملهمة حول ما يمكن أن تفعله حكومات المدن لدعم الابتكار الاجتماعي الرقمي بنحو أفضل، ويوضح الشكل التالي العوامل الستة التي شملها المؤشر:
منهجية المؤشر
طوِّر المؤشر وفقاً لدليل (JRC /OECD) الخاص ببناء مؤشرات مركبة، والذي سبق لمنظمة نيستا أن استخدمته عند تطوير مؤشر المدينة الرقمية الأوروبية. ويتكون هذا المؤشر من أربع مراحل رئيسية:
الإطار النظري: بني الإطار النظري لـ EDSII بناء على 11 مقابلة شبه منظمة، وحدث المائدة المستديرة، مع خبراء من جميع أنحاء أوروبا، بالإضافة إلى مراجعة الأدبيات الأكاديمية الحالية، وتقارير السياسات والفهارس الأخرى ذات الصلة. استخلص هذا البحث ليعطينا تعريفاً وفهماً واضحاً للظاهرة التي نقيسها، "القدرة على دعم مؤشرات التسلسل الرقمي"، واستخدامها لتحديد 32 مؤشراً، لإدراجها في المشروع، ولهيكلة هذه المؤشرات في ستة أبعاد أو "موضوعات". ومن خلال بحثنا كان من الواضح أن بعض المؤشرات والموضوعات كانت أكثر أهمية في قياس القدرة على دعم معلومات التسلسل الرقمي من غيرها، ولعكس هذه المؤشرات والموضوعات، أعطيت أوزاناً مختلفة لاستخدامها في مرحلة التجميع اللاحقة، واختيرت الأوزان بناء على استبيان شمل 114 خبيراً في DSI، إلى جانب ورش العمل الداخلية.
اختيار المصادر وجمع البيانات: استخدمت مجموعة واسعة من مصادر البيانات في الفهرس، من ذلك البيانات المتاحة للجمهور (على سبيل المثال من الاتحاد الأوروبي والمنظمات العامة الأخرى) والبيانات التجارية، بالإضافة إلى البيانات الأولية، التي جمعت من خلال استخراج الويب، واستعلامات واجهة برمجة التطبيقات، واستطلاع شمل 143 باحثاً وممارساً، وصانعي السياسات وغيرهم من الأشخاص المهتمين بـ DSI، وصنفت البيانات وفقاً لذلك (على سبيل المثال حسب عدد سكان المدينة، أو عدد السكان في سن العمل، أو القوة الشرائية) من أجل إجراء مقارنات ذات معنى بين المدن ذات الأحجام المختلفة.
اختبار البيانات ومعالجتها: اختبرت البيانات وتحقق من جودتها ومن ثم عولجت من خلال:
- التحليل متعدد المتغيرات: استخدم تحليل المكونات الرئيسية لاستكشاف البنية الأساسية للبيانات، وخاصة كيفية تطور المتغيرات المختلفة وكيفية ارتباطها، استخدمنا أيضاً التحليل العنقودي لإعطائنا فكرة عن المدن التي سجلت نتائج متشابهة عبر الموضوعات، بالإضافة إلى ذلك حللنا الارتباط بين الموضوعات، وبين الموضوعات والدرجة الإجمالية للمؤشر من خلال حساب معاملات الارتباط بيرسون.
- الترجيح والتجميع: جمعت المؤشرات باستخدام وسط حسابي مرجح لإنشاء درجات الموضوع، بعد ذلك جمعت درجات الموضوع باستخدام متوسط هندسي مرجح لإنتاج درجة المؤشر الإجمالية. إن استخدام التجميع الهندسي يعني أن قابلية التعويض تكون أقل بالنسبة لدرجات الموضوعات ذات القيمة المنخفضة، ومن ثم فإن المدينة التي لديها درجة منخفضة لموضوع واحد ستحتاج إلى درجة أعلى بكثير من النقاط الأخرى لتحسين درجاتها. ونعتقد أن هذا يعكس الواقع، فقد أشارت أبحاثنا إلى أن جميع الموضوعات المدرجة في المؤشر ضرورية لدعم الابتكار الاجتماعي الرقمي، اختيرت المؤشرات والموضوعات باستخدام الترجيحات المختارة في مرحلة الإطار النظري السابقة.
- تحليل المتانة والحساسية: فحص تحليل المتانة والحساسية من خلال تأثير العديد من القرارات المنهجية، اتخذت خلال عملية تطوير المؤشر على تصنيف المدن (مثل اختيار المؤشر وترجيحه، ومعالجة القيم المتطرفة، وإسناد البيانات المفقودة وطريقة التجميع).
- التحقق من صحة المؤشر: كوسيلة للتحقق من صحة المؤشر قارنا نتائج المدن مع عدد من مؤسسات الابتكار الاجتماعي الرقمي الموجودة في كل مدينة، والتي أدخلت معلوماتها على منصة برنامج الابتكار الاجتماعي الرقمي من أجل أوروبا، وجدنا علاقة إيجابية ضعيفة إلى متوسطة.
الإظهار الصوري للبيانات: طوِّر التصور باستخدام برنامج لعرض البيانات بصرياً باستخدام برنامج (Tableau)، وضمِّن في موقع الويب (digitalsocial.eu). يسمح تصور البيانات للمشاهدين بمقارنة نتائج المدن وتصنيفاتها للمؤشر العام، وكذلك للموضوعات الفردية. كما يقدم أيضاً أمثلة للاستراتيجيات والسياسات والمبادرات من جميع أنحاء أوروبا، والتي قد تساعد على دعم الابتكار الاجتماعي الرقمي.
نتائج المؤشر
قادت عملية جمع البيانات وتحليلها إلى التصنيف النهائي للمدن، والذي يمكن استكشافه في تصور البيانات التفاعلي الخاص بالمؤشر. من المهم أن نتذكر أن مؤشر الابتكار الاجتماعي الرقمي يركز على خصائص النظم البيئية على المستوى الكلي، ومن ثم لا يراعي، على سبيل المثال، سياسات أو مبادرات أو استراتيجيات محددة، طورتها حكومات المدن أو الحكومات الوطنية، لدعم معلومات التسلسل الرقمي. وفيما يلي أهم النقاط التي استخلصت من تصنيف مؤشر الابتكار الاجتماعي الرقمي:
- تقطع لندن شوطاً طويلاً في الصدارة، وذلك بفضل أدائها القوي في جميع الموضوعات، من ذلك وجودها ضمن ترتيب العشرة الأوائل في خمسة من الموضوعات الستة. تحقق لندن أداءً جيداً بخاصة في مجال المهارات، حيث يوجد عدد كبير من المؤسسات البحثية، التي تعمل في موضوعات ذات صلة بالابتكار الاجتماعي الرقمي، وتتمتع بإمكانية الوصول إلى الموظفين ذوي المهارات الخاصة بعلوم البيانات، وتطوير البرمجيات، وتصميم الخدمات، مع ثقافة قوية للتعاون بين المجتمع المدني وقطاع التكنولوجيا والقطاع العام، بالإضافة إلى مجتمع كبير ونشط من الأشخاص العاملين في هذا المجال، والبنية التحتية، وكذلك توفير بيانات مفتوحة جيدة على المستوى الوطني ومستوى المدن، ودعم كبير للشركات التي تركز على المجتمع، مثل المسرعات والحاضنات ومساحات العمل المشتركة، والوصول إلى مرافق التصنيع والتصنيع الرقمي.
- احتلت أمستردام وكوبنهاغن وستوكهولم وباريس المراكز الأولى الأخرى، حيث احتلت جميعها المراكز العشرة الأولى في ثلاثة موضوعات على الأقل. وكما هو الحال في لندن، فإن هذه المدن معروفة بأنها موطن لريادة الأعمال الرقمية والابتكار. وجاءت مدريد وبروكسل وأوترخت وبرشلونة وإدنبره في المراكز العشرة الأولى.
- تهيمن أوروبا الشمالية والغربية بأغلبية ساحقة على النصف الأعلى من التصنيف (28 من أصل 30 مركزاً). إسبانيا هي الدولة الوحيدة في جنوب أوروبا التي لا توجد بها أي مدينة في النصف الأعلى، أما أوروبا الشرقية فلا يوجد بها أي مدينة (ليوبليانا تحتل المركز الحادي والثلاثين).
- هناك علاقة ضعيفة نسبياً بين الأنظمة البيئية الداعمة للابتكار الاجتماعي الرقمي ونشاط الابتكار الاجتماعي الرقمي المعروف. لقد كان هذا مفاجأة بالنسبة لنا، إذ كنا نتوقع وجود علاقة قوية: فمن المنطقي أن النظام البيئي الداعم للابتكار الاجتماعي الرقمي سيؤدي إلى الكثير من نشاط الابتكار الاجتماعي الرقمي، والعكس صحيح. نستكشف الأسباب المحتملة لذلك في مدونة مناقشة منفصلة.
يوفر المؤشر المنهجية والبيانات بشكل مفتوح، حتى يتمكن أي شخص من البناء على مؤشر الابتكار الاجتماعي الرقمي الأوروبي وتخصيصه، على سبيل المثال: إذا أراد إعطاء وزن خاص لموضوعات معينة، أو تحديد أولويات المؤشرات ضمن موضوع ما (على سبيل المثال: تمويل المنح على الاستثمار المؤثر، أو المساواة بين الجنسين على المساواة الاجتماعية والاقتصادية).
كما يمكن أن يساعد مؤشر الابتكار الاجتماعي الرقمي الأوروبي صناع السياسات على فهم ما يساعد الابتكار الاجتماعي الرقمي على الازدهار في المدن، حيث يحتاجون إلى تركيز الطاقة والموارد، وما يمكنهم فعله لتحسين النظام البيئي.
بنك أفكار الابتكار الاجتماعي الرقمي
يعرض بنك أفكار الابتكار الاجتماعي الرقمي أكثر من 100 مثال دولي حول كيفية تهيئة الحكومات ظروفاً أفضل لازدهار الابتكار الاجتماعي الرقمي، ويمكن أن يكون الدعم الاستراتيجي من الحكومة هو مفتاح النجاح لمبادرات الابتكار الاجتماعي الرقمي، من خلال سن السياسات والتأثير فيها، وتمويل الابتكار الاجتماعي الرقمي، وشراء الابتكار الاجتماعي الرقمي، وتنفيذ خطط الدعم، ورفع مهارات المواطنين على سبيل المثال لا الحصر.
يهدف بنك أفكار الابتكار الاجتماعي الرقمي، الذي يستهدف في المقام الأول صانعي السياسات، إلى مشاركة بعض الأمثلة الأكثر إثارة للدعم الحكومي للابتكار الاجتماعي الرقمي من جميع أنحاء العالم، ودعم حكومات المدن لتكييف هذه الأفكار وتكرارها في سياقاتها الخاصة، ويهدف إلى نشر المعرفة بالأنشطة الملهمة، التي تجري في جميع أنحاء أوروبا وخارجها، وتشجيع المزيد من التعاون والتعلم والمشاركة.
وهو مصاحب لمؤشر الابتكار الاجتماعي الرقمي الأوروبي، وهو أول استكشاف منهجي وتصنيف لكيفية دعم النظم البيئية لمدن الاتحاد الأوروبي، لتطوير الابتكار الاجتماعي الرقمي ونموه، جمعت أفكار السياسات المدرجة في بنك الأفكار تحت الموضوعات نفسها لمؤشر الابتكار الاجتماعي الرقمي الأوروبي.