الابتكار الاجتماعي
سبعة مبادئ لتخطيط مسؤول للسياحة الثقافية وإدارتها

مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 19

سبعة مبادئ لتخطيط مسؤول للسياحة الثقافية وإدارتها

إن المشاركة في الحياة الثقافية مع القدرة على الوصول إلى التراث الثقافي هو حق من حقوق الإنسان، وبالرغم من ذلك فقد شكلت بعض جوانب التطوير السياحي استخدامات غير مستدامة لموارد الكوكب، من ذلك التراث الثقافي والطبيعي. وهذا ما استدعى إيجاد ميثاق يدافع عن تنمية سياحة ثقافية مسؤولة ومتنوعة وإدارتها، تساهم في الحفاظ على التراث الثقافي، وتمكين المجتمع، وخلق بيئة صحية على كامل كوكب الأرض.

إن الميثاق الدولي للسياحة الثقافية لعام 2022 اعتمدته الجمعية العامة السنوية للمجلس الدولي للمعالم والمواقع [1](ICOMOS)، بعد مراجعة نسخة الميثاق التي اعتمدت عام 1999، حيث طرأ الكثير من الاضطرابات في السياحة العالمية، منها سياحة التراث الثقافي، الأمر الذي استوجب تطوير الميثاق ليعالج المخاوف المتزايدة بشأن تدهور التراث الثقافي، إلى جانب قضايا الحقوق الاجتماعية، والأخلاقية، والثقافية، والبيئية والاقتصادية المرتبطة بالسياحة.

1.   تعريف الميثاق

يشير الميثاق إلى السياحة الثقافية بكونها جميع الأنشطة السياحية في الأماكن والوجهات التراثية، من ذلك التنوع والترابط بين سياقات التراث الثقافي المادي وغير المادي والطبيعي وأبعاد التراث الزمانية ما بين الماضي والحاضر.

وينص الميثاق الدولي للسياحة الثقافية لعام 2022 على:

"تعزيز حماية التراث الثقافي والمرونة المجتمعية من خلال إدارة السياحة المسؤولة والمستدامة، من خلال الإقرار بأن التراث الطبيعي والثقافي على أوسع نطاق مناسب لجميع الناس، وأن حقوق الاتصال والاستمتاع به مرتبطة بمسؤولية احترام القيم العالمية والخاصة وفهمها وتقديرها والحفاظ عليها"

ومن ثم السعي لأن تكون السياحة الثقافية المخططة والمدارة بمسؤولية وتشاركية بين الثقافات المتنوعة وذوي العلاقة، هي وسيلة قوية مؤثرة للحفاظ على التراث الثقافي والتنمية المستدامة، بما يساهم في خلق الوعي بالتراث الثقافي، وتبني احترام تنوع الثقافات الأخرى.

2.    أهداف الميثاق

يهدف الميثاق إلى:

●      مواءمة عمل ذوي العلاقة في التراث الثقافي والسياحة في السعي لإدارة وجهة السياحة المتجددة، التي تدرك قيم التراث وأهميته في الحفاظ على الهوية.

●      التوزيع العادل والأخلاقي لمنافع السياحة بالنسبة للمجتمعات المضيفة مما يساهم في تحسين أوضاع هذه المجتمعات اقتصادياً واجتماعياً.

●      تعزيز نظم الإدارة والحوكمة الأخلاقية للتراث الثقافي والسياحة.

3.    دوافع الميثاق

الدافع الأول: وضع حماية التراث الثقافي وحقوق المجتمع في صميم سياسات ومشروعات سياحة التراث الثقافي، من خلال توفير المبادئ التي من شأنها توجيه تخطيط السياحة المسؤولة وإدارتها لحماية التراث الثقافي، والتكيف والمرونة المجتمعية.

الدافع الثاني: تعزيز تعاون ذوي العلاقة ونظم الإدارة والحوكمة التشاركية على مراقبة التراث الثقافي، وإدارة السياحة، وتطبيق نهج محوره الإنسان وحقوقه مؤكداً على إمكانية الوصول والتعليم والاستمتاع.

الدافع الثالث: توجيه إدارة التراث الثقافي والسياحة لدعم أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وسياسة المناخ.

 

4.    المعنيون بالميثاق

إن تطبيق هذا الميثاق هو مسؤولية تشاركية بين ذوي العلاقة المعنيين بالميثاق وهم:

●      الحكومات.

●      منظمو الرحلات السياحية.

●      مديرو الوجهات السياحية.

●      سلطات إدارة المواقع.

●      مخططو استخدام الأراضي ومهنيو التراث والسياحة.

●      المجتمع المدني.

●      الزوار والسياح.

5.    مبادئ الميثاق

إن حماية التراث الثقافي والتخطيط المسؤول للسياحة الثقافية وإدارتها يجب أن يكونا عن علم من خلال الرصد المنهجي والمراقبة لتأثيرات السياحة في الأماكن والوجهات والمجتمعات التراثية، والاتجاه نحو سياحة أكثر استدامة.

وتوفر المبادئ الواردة أدناه إطاراً للتوجيه حول التخطيط المسؤول للسياحة الثقافية وإدارتها، وهي سبعة مبادئ:

 

Screenshot 2024-05-07 152631.png

يتولد عن هذه المبادئ مجموعة من الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها خلال عملية التخطيط المسؤول للسياحة الثقافية وإدارتها، نستعرضها تالياً.

6.    استراتيجيات لتخطيط مسؤول للسياحة الثقافية وإدارتها

الاستراتيجية الأولى: إدارة الزوار ودمجها ضمن خطط إدارة التراث، مع مراعاة العلاقات المتعددة الأوجه داخل المجتمعات وتراثها وبينها.

تشمل الإجراءات الآتية:

●      التخطيط والإدارة الجيدة للوجهة لحماية الأصول المادية والقيم المعنوية للتراث الثقافي. يجب تنسيق التخطيط السياحي وإدارة التراث الثقافي عبر جميع مستويات نظم الإدارة والحوكمة من أجل تحديد وتحليل وتجنب الآثار السلبية للسياحة في النسيج التراثي وأصالته ونزاهته أو تكامله، من خلال تحليل الأثر البيئي والتراثي في تخطيط السياحة وتنميتها.

●      الحفاظ على الأماكن التراثية وأصالتها وأبعادها الجمالية والاجتماعية والثقافية، من ذلك تخطيطها، ومناظرها الطبيعية والثقافية، والمجتمعات المضيفة، وخصائص التنوع البيولوجي، والسياق البصري واسع النطاق، بغض النظر عن الحدود القانونية للممتلكات التراثية الثقافية، وهذا يتطلب تكامل إدارة الوجهات مع الأطر الاجتماعية والتنموية وتساعدها، مع مراعاة الظروف البيئية المحلية وأولويات حماية التراث الثقافي.

●      وضع آلية لاستثمار الإيرادات الناتجة عن السياحة الثقافية في الحفاظ على التراث الثقافي وتقديم منافع للمجتمعات المحلية، وضمان تحقيق معايير الشفافية والمساءلة.

تحديد وسائل لتوعية الزوار بمساهمتهم في تمويل التراث الثقافي وصيانته.

الاستراتيجية الثانية: مراقبة تأثيرات السياحة الثقافية وتقييمها في النسيج الاجتماعي والثقافي للمكان، وقياس أثر تلك التأثيرات اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً في المجتمع المضيف.

تشمل المراقبة والتقييم لمدى جاهزية المجتمع المضيف للسياحة الثقافية، وقياس مؤشرات القدرة الاستيعابية من حيث:

●      القدرة الاستيعابية المادية: قدرة مكان ما على استضافة الزوار حسب حالته وجاهزيته، ومستوى الخدمات المقدمة للزوار وملاءمتها.

●      القدرة الاستيعابية البيئية: قدرة النظام البيئي والمجتمعات المضيفة على استيعاب الزوار، مع الحفاظ على المصادر المستدامة والوظائف والقيم التراثية.

●      القدرة الاستيعابية الاجتماعية والثقافية: تمكن المجتمعات من المهارات والقدرات اللازمة لاستضافة الزوار مع توفير الخبرات الجيدة المساعدة لهم.

●      القدرة الاستيعابية الاقتصادية: مستوى الدعم والتمويل لمشروعات السياحة الثقافية، التي تعزز التنوع الاقتصادي على المستوى المحلي والإقليمي و/أو الوطني.

وتعد المؤشرات المتعلقة بالزائر ضرورية لتحليل جميع مؤشرات القدرة الاستيعابية مع ضمان سلامة الموقع الثقافي، وخبرة الزائرين وأمنهم، وقدرة المكان على توفير ميزات أخرى.

الاستراتيجية الثالثة: إدارة التراث الثقافي بمسؤولية من المجتمعات المضيفة من خلال إتاحة الفرص لها لتفسير تراثها وأساليب عرضه، وطرائق نشره والترويج له.

تشمل الإجراءات الآتية:

●      استخدام التكنولوجيا، من ذلك الواقع الافتراضي لتفسير أصالة المكان وعراقة التراث.

●      التأكد من احتواء برنامج السياحة الثقافية تجارب يعيشها الزوار تشكل مزيجاً من الاكتشاف، والاستمتاع، والتعلم، بحيث تعرض التراث، وتروج للتنوع والترابط بين القيم الثقافية المادية والمعنوية من أجل تعزيز تقدير أهميتها وفهمها.

استخدام الشبكات ووسائل التواصل الاجتماعي للترويج للوجهات والأماكن التراثية، وذلك باستخدام لغات متعددة إن أمكن.

الاستراتيجية الرابعة: مشاركة المجتمعات المضيفة في عملية التنمية السياحية والإدارة المسؤولة للتراث الثقافي.

تشمل الإجراءات الآتية:

●      الحصول على إذن المجتمعات المضيفة وموافقتها المسبقة على استقبال زوار للاطلاع على معالمها التراثية، ونمط حياتها ضمن هذه البيئة التراثية.

●      إعداد المجتمعات المضيفة وتأهيلها لإدارة الفرص التي يوفرها تراثها على المستوى الاجتماعي من حيث التعامل مع الزوار من خلفيات مختلفة، وعلى المستوى الاقتصادي من خلال الفرص الاستثمارية، وفرص التوظيف لأبناء هذه المجتمعات.

●      مشاركة نظم الإدارة والحوكمة ذات الأساس التشاركي، والمنافع مع المجتمعات المضيفة.

●      الاستفادة من المجتمعات المضيفة في تحديد المخاطر المحتملة خلال تنمية السياحة الثقافية: تعرض المعالم التراثية للتلف أو التخريب، أو التأثر بعوامل خارجية أدت إلى خلل في النسيج التراثي والاجتماعي للمجتمعات المضيفة...

التأكد من إدماج جميع فئات المجتمعات المضيفة من الجنسين والفئات المهمشة، ليكون لها دورها الفعال في تنمية السياحة الثقافية.

الاستراتيجية الخامسة: بناء جسور التعاون بين ذوي العلاقة المعنيين بالحفاظ على التراث الثقافي وتنمية السياحة الثقافية.

●      توفير قنوات تقييم يستخدمها الزوار لوصف تجربتهم السياحية في المناطق التراثية، تساعد على كشف نقاط القوة والضعف من وجهة نظر الزوار، والتأكد من عدم التعامل مع الزوار على أنهم مراقبون، أو مجرد مستهلكين لهذه الخدمة.

●      التأكد من دمج السياحة الثقافية بالاقتصاد والسوق المحلي للمجتمعات المضيفة بما يعود عليها بالمنفعة الاقتصادية.

●      التأكيد على التعاون بين المجتمعات المضيفة ومنظمي الرحلات السياحية، لتصميم تجارب سياحة ثقافية تحاكي الحياة اليومية والنشاط الاجتماعي لهذه المجتمعات والموافقة معها.

●      التأكد من تزامن المنتجات والخدمات الثقافية والسياحية وتوافقها، من ذلك الأحداث والمهرجانات مع هوية الأماكن ومجتمعاتها.

تطبيق نظم الإدارة والحوكمة التشاركية من خلال الملكية المشتركة، والإشراف على التراث الثقافي والطبيعي بآفاق جديدة وجهود تعاونية، يمكن أن تؤدي إلى مسارات جديدة وأكثر مرونة من أجل التنمية المستدامة

الاستراتيجية السادسة: تعزيز قدرة المجتمعات المضيفة على الصمود والمرونة والتكيف والتحول للتعامل مع التحديات والاضطرابات المستقبلية المتعلقة بتغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، و/أو الكوارث التي تؤثر في التراث الثقافي.

تتطلب تنمية القدرات على المستوى المحلي التمثل بالتخصصات الآتية:

●      التخطيط الاستراتيجي.

●      الإدارة المرنة والمتكيفة للسياحة الثقافية.

●      تقييم أثر السياحة الثقافية في التراث الثقافي.

●      قياس الأثر الاجتماعي والبيئي لأنشطة السياحة الثقافية في المجتمعات المضيفة.

تقييم المخاطر وإدارتها.

الاستراتيجية السابعة: تعزيز قدرة المجتمعات على توليد المنافع المستدامة من السياحة الثقافية والاحتفاظ بها والمحافظة عليها.

●      استقطاب التقنيات المبتكرة التي يمكن استخدامها في الحفاظ على الأماكن التراثية المفتوحة للزوار.

●      الالتزام بتدابير تدعم الحفاظ على التراث والتنوع البيولوجي والنظم البيئية الطبيعية في تخطيط استراتيجيات إدارة السياحة الثقافية وتنفيذها وتقييمها، من هذه التدابير إعادة الاستخدام والتعديل التحديثي للتراث المبني والشعبي في التكيف مع المناخ والاحتفاظ بتجربة زيارة أكثر أصالة.

●      إدارة السياحة والزوار من خلال:

o      الحد الفعال من انبعاث الكربون، والاحتباس الحراري.

o      إدارة النفايات، وإعادة الاستخدام، والتدوير.

o      الحفاظ على الطاقة والمياه.

o      اعتماد وسائل النقل النظيف.

جاهزية البنية التحتية التي تتوافق مع الأهداف الوطنية والدولية في مجال السياحة الثقافية.

 


[1] المجلس الدولي للمعالم والمواقع (إيكوموس)، المعروف باللغة الإنجليزية بـ "International Council on Monuments and Sites (ICOMOS)"، هو منظمة دولية غير حكومية أسست في عام 1965، وتهدف إلى الحفاظ على التراث الثقافي والمعماري في جميع أنحاء العالم. يتمثل دور المنظمة في تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على المواقع التاريخية والثقافية وتعزيز التفاهم الدولي حول هذه القضايا. تعمل إيكوموس على تقديم المشورة الفنية والعلمية للحكومات والمنظمات غير الربحية والأفراد المعنيين بحماية التراث الثقافي وإدارته في جميع أنحاء العالم.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...