الابتكار الاجتماعي
كوتشينغ العاملين مع الشباب

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 3

كوتشينغ العاملين مع الشباب

   غياث خليل هواري

ما هي عملية الكوتشينغ الشبابي:

تعتبر منهجية الكوتشينغ بوصفها أحد أهم المنهجيات التي تركز على تصميم الحلول في حياة الناس، كما تُعدُّ من ممارسات التمكين الشخصي، وإنَّ مرحلة الشباب هي المرحلة التي يُعتبر أحد أهم خصائصها هي حاجة الشاب أن يكون ممكّناً للبدء في حياته وقادراً على توليد الحلول للتحديات التي تواجهه في حياته.

من هذا المدخل الأساسي لمفهوم الكوتشينغ "التمكين الشخصي والقدرة على تصميم الحلول"، فإننا نرى أنه من المهم جداً للعاملين مع الشباب: امتلاك القدرة على تطبيق منهجيات الكوتشينغ كأحد الأساليب التي تثبت فعاليتها مع الشباب.. بداية نذّكر بمفهوم الكوتشينغ كإطار تعريفي باعتباره: علاقة مهنية إنسانية تساعد الشباب على استثارة الوعي الذاتي من خلال منهجية حوار فعالة تعتمد على الأسئلة؛ وتهدف لتوسيع خيارات الشباب، والوصول لقرار قابل للتنفيذ عملياً، وتساعد الشباب على المضي قُدماً في التعامل مع التحديات أو الوصول للغايات المرجوة.

وفق هذا الإطار التعريفي نجد خصوصية الكوتشينغ كممارسة تربوية، فبدايةً تنطلق من مساعدة الشاب لفهم ذاته والوعي بقدراته، ومن ثم توسيع خياراته، ومن ثم اختيار قرار عملي في حياته، ويكون ذلك من خلال جلسات تتخذ الحوار الفعال منهجاً لها، وتصميم استراتيجيات أسئلة عملية أداة لها، وذلك لكي يستخرج الشاب بنفسه ما يستطيع المضي به قُدماً، ونستطيع وصف هذه العملية باعتبارها عملية تربوية بنائية للشخصية تصل لتمكين الشاب من الفعل المناسب له.

مبادئ الكوتشينغ في العمل مع الشباب

ووفقاً لهذه الأهمية أشارك العاملين مع الشباب بعض الافتراضات التي تساعدهم باعتبارهم موجهين لنجاح عملية الكوتشينغ عند الشباب:

المهارات الأساسية للكوتشينغ في العمل مع الشباب:

ونذكر هنا بأهم أربع مهارات لابد للعاملين مع الشباب أن يمتلكوها، وتلك المهارات هي:

 

 أولاً: الألفة: بناء علاقة تسودها الألفة مع الشباب، فمن أجل حوارات فعالة لابد لنا من بناء علاقة مع المستفيد مبنية على الألفة والثقة، إذ ينبغي أن يكون الحوار ممتعاً ويحقق النتائج المطلوبة.

ثانياً: الإصغاء: إن الذين يصغون بشكل جيد يستطيعون فهم الشاب وفهم حالته بشكل أكبر، وبالتالي تكون استجابتهم للحالة وقدرتهم على الفهم أكثر فعالية ممن ليس لديهم مهارات الإصغاء.

ثالثاً: تصميم استراتيجيات الأسئلة والحوار (طرح أسئلة فعالة): يرتبط نجاح عملية الكوتشينغ بامتلاك الموجه لمهارة طرح الأسئلة الفعالة، في عملية الكوتشينغ نعتمد الأسئلة ذات الإطار الزمني والصياغة البسيطة لأنها تزيل الحواجز، وتكشف المعلومات، وتظهر الأفكار، وتتصف الأسئلة الجيدة بأنها:

وفيما يلي بعض فوائد تصميم استراتيجيات الأسئلة:

  • تشكل الأسئلة عنصراً هامّاً من عناصر الكوتشينغ للأشخاص العاملين في المجالاتِ التربويّة، وتُعتبر جزءاً أساسياً من بناء حياةٍ روحيّةٍ طيبة بالنسبة لجميعِ الأفراد، حيث أن أهمية هذه الأسئلة لا تكمن بتسهيل عملية التعلّم والتّأمل فحسب، وإنما بدورها أيضاً في عملية التحفيز بطرقٍ عديدة أخرى.
  • يوجد أسئلةٌ بلاغية، وأسئلة تؤدي وظيفةً اجتماعيّة، وأسئلة تكون حجةً لإسداء النصيحة، وقد تكون الأسئلة مضحكة، أو غير متوقعة، أو قد تبدو تافهةً في الظاهر، أو مثيرةً للاهتمام.
  • يمكن للسؤال المناسب في الوقت المناسب أن يفتح المجال للكثير من التغييرات والتطورات بالإضافةِ إلى المتعة واللعب، ويمكن لمثل هذه الأسئلة أن تنقلنا إلى وجهةِ نظرٍ مختلفة، حيث يمكن أن تدفعنا إلى التّأمل، والتّفحص، والتفكير، والاعتبار، والتّبصر، ويمكنها أن تثير فينا بعض التحديات وأن تجعلنا نغضب وأن تساعدنا على أن ننفتح على الإمكانيات الجديدة ونطور مجموعات جديدة بالكامل من المهارات.
  • باستخدام العديد من الطرق يمكننا أن نجعل الأسئلة ممتعةً أكثر من الإجابات.. وفي كثيرٍ من الأحيان لا تكون الإجابة هي الشيء المطلوب حقاً، وإنما تكون خطوة تالية أو وجهة نظرٍ جديدة، ولهذا السبب ربما تكون كلمة "استجابة" أفضلَ من كلمةِ "إجابة".

أما حوار الكوتشينج الشبابي فإنه:

  • يبحث في نقاط القوة وموارد الشاب بدلاً من المشاكل والعيوب.
  • يعامل الشباب على أنهم خبراء بأنفسهم.
  • يشجع الشباب على تحقيق أهدافهم وخططهم.
  • يشمل الأمور التي تسير على ما يرام في حياة الشاب.
  • يكون مُفعماً بالأمل في جوهره ومُركّزاً على النتائج التي يرغب بها الشاب.

رابعاً: التغذية الراجعة: تعتبر إحدى أهم مزايا علاقة الكوتشينغ هي القدرة على تقديم التغذية الراجعة، إذ ينبغي على الموجه الذي يقوم بعملية الكوتشينغ أن يكون لديه القدرة على تقييم سلوكيات الشباب ضمن إطار معطيات وقدرات الشباب ذاته. إنَّ تقديم تغذية راجعة بناءة يسرّع من عملية تعلم الشباب، ويلهمه، ويحفزه، ويزيد من انخراطه في عملية الكوتشينغ. ويُراعى في تقديم التغذية الراجعة البناءة ما يلي:

أهم مجالات الكوتشينغ عند الشباب:

لعله من المفيد مشاركة المناطق الأكثر أهمية عند الشباب في مسيرة بناء قدراتهم وتطوير مهاراتهم، وفيما يلي موجز عن المناطق الأكثر أهمية عند الشباب، ونوجزها في أربعة مكونات تتداخل معاً في القضايا التي يهتم بها الشباب:

قضايا الوعي الذاتي: وهي التي تتعلق بمعرفة الذات والإمكانيات ونقاط القوة والميول والقيم والاتجاهات.

قضايا الوعي بالآخرين: وهي التي تتعلق بالاتصال والتواصل وفهم الآخرين وبناء علاقات فعالة.

قضايا التعلم والمهارات والخبرات: وهي التي تتعلق باختيار التوجه المهني والتخصص الدراسي والتخطيط المستقبلي بكافة أبعاده.

قضايا النمو والتأثير والازدهار: وهي التي تتعلق بالتفكير بالنمو والازدهار الشخصي والاجتماعي والمالي والتفكير في الأثر والنمو والمساهمات التي يرغب بالانتماء لها.

 

 

في النهاية ...

علينا أن نتذكر الأصل الإنساني في النمو المستمر وأن مرحلة الشباب هي مرحلة أساسية في البناء، ويتركز دور العاملين مع الشباب في تمكين طاقاتهم من الانطلاق، ولعله من المفيد أن نشارككم الحكمة التي تقول:

لقد أعطانا الله القدرة على اكتشافِ الصَوتِ الكامنِ في داخلنا، وإنَّ بذور العظمة كامنة في نفوسنا منذ ولادتنا، لقد منحنا الله منذ ولادتنا (هدايا) عظيمة تتجلَّى في المواهب والإمكانيات والامتيازات والذكاءات والفرص، هذه الهدايا قد تبقى مُغلقةً إذا لم نتخذ قراراً ونبذل جهداً لفتحه، في الحقيقة نحن لا نعرف بالضبط القدرات التي يملكها شخصٌ ما، إن الرضيع الذي هو أضعف مخلوقٍ في الكون قد يتحوَّل بعد عدَّةِ سنوات إلى أقوى مخلوق، كلَّما استخدمنا وقوَّينا مواهبنا الحالية منحنا الله مزيداً من المواهب والقدرات.

هذا والله وأعلم 

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...