الابتكار الاجتماعي
التَّفكير التَّصميمي في الأعمال

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 5

التَّفكير التَّصميمي في الأعمال

   غياث خليل هواري

من الجيد البدء في هذا المقال انطلاقاً من تحديد إطار التفكير التصميمي من وجهة نطر الأعمال باعتباره منظومة تفكير لتصميم الخدمات والمنتجات والأنظمة من وجهة نظر العميل أو المستفيد النهائي، بما في ذلك الاحتياجات التي قد لا يعلم العملاء بوجودها بعد.

ويعتمد التفكير التصميمي على خصائص معينة في مقاربته لتصميم الحلول فهو:

- تجريبي.

- يستلهم التحديات من المستفيد. 

- يرتكز على فهم السياقات المجتمعية، وإعادة تأطير هذه السياقات.

- تعاوني من حيث إشراك جميع المعنين في تطوير الحل.

- يعتمد على النماذج الأولية واختبارها وتكرار تجارب الاختبار.

التفكير التصميمي نهج تكاملي:

تتضمن عمليّة تطبيق التّفكير التّصميمي في حل مشكلاتِ الأعمال استخدام النّماذج والأدوات والعمليات والتّقنيات العقليّة المُستمدة من التّصميم، والهندسة، والاقتصاد، والعلوم الإنسانيّة، والعلوم الاجتماعيّة للمساعدة في تحديد وتعيين ومعالجة التّحديات التي تواجهها الأعمال التّجارية (أي: التّخطيط الاستراتيجي، وتصميم المنتجات، والابتكار، والمسؤولية الاجتماعيّة للمؤسسات). ويشكل هذا التّكامل عند تنفيذه بشكلٍ صحيح دينامية مُثمرة للغاية بين مناهج إدارة الأعمال التقليديّة ومناهج التّصميم، فتكمّل هذه المناهج وتعزز بعضها البعض بطريقةٍ تكافليّة مما يجعل توليد الخيارات وتصميم الحلول عملية إبداعية تكفل الخروج بنتائج تختلف عن المنهجيات التقليدية.

إنّ إدخال التّفكير التّصميمي إلى عملية إدارة الأعمال التجارية له تأثيرٌ إيجابي على الثقافة التّنظيمية؛ فهو يكشف ويستحدث سلوكيات جديدة، ويدفع النّاس للتواصل والتّعلم بطرقٍ جديدة، ويمكّنهم في الوقت نفسه (من خلال اعتماد الأدوات والتقنيات والثّقافة) من التّفكير بطرقٍ مختلفة. البروفسور إدريس موتي – معهد التصميم هارفرد

التمركز على الإنسان/ العملاء:

باستخدام التفكير التصميمي يمكن التوصل إلى بصيرة حقيقية باحتياجات العميل لتصميم حلول أفضل، مما يمكّن المنظمات من الانتقال إلى عروض خدمات متكاملة، يتم تصميمها من الداخل إلى الخارج مع إبقاء تجربة العميل في الصميم، بالإضافة إلى قياس النجاح من حيث نتائج الأعمال.

وتبين أبحاث أكسنتشر (شركة الأبحاث الإدارية العالمية) في تقرير لها عام ٢٠١٦ تحت عنوان (أساليب قديمة، قواعد قديمة) والمنشور على موقعها، أن المنظمة التي تستخدم منهجية التفكير التصميمي قد رفعت الأرباح قبل الفوائد والضريبة والاستهلاك بنسبة تزيد على 200%، وخفضت التكاليف بما يقارب 35%، واختصرت الوقت لتسويق المنتجات الجديدة بنسبة 15%، وخاصة عندما يتم تصميم سلسلة القيمة بطريقة رشيقة تساعد المؤسسة على التكييف والتطور المستمر. ويدعو التقرير إلى سلوك أساليب جديدة تعطي نتائج جديدة، وعلى رأس هذه المنهجيات منهجية التفكير التصميمي، التي تعزز التركيز على تحسين تجربة العميل. حيث ذكر التقرير أن 45% من المنظمات عززت قيمة إنفاقها على تحسين تجربة العميل التي أصبحت الآن محورية للأولويات الاستراتيجية بالنسبة لـ 86% منها. وذكر التقرير عن توجهات العملاء بأن:

71% من المنظمات تواجه المزيد من أصحاب العلاقة ذوي الاحتياجات المتميزة.

78% تواجه تطلعات أعلى نحو حلول متخصصة.

76% تتحدث عن حلول أكثر وعياً وموجهة ذاتياً من قبل أصحاب العلاقة.

69% تقول أن المصادر الخارجية تصبح ذات تأثير متزايد.

 وعليه جاءت التوصية في التقرير بتطبيق التفكير التصميمي لاكتشاف ووصف احتياجات العميل والاستماع إلى صوته والاستفادة من تحليلات التبصر العميق في ما يمكن أن يجعل العملاء سعداء، أو ما يطلق عليه: اكتشاف "لحظة الآيباد التي تعنيك".

من خصائص التفكير التصميمي في الأعمال:

ونورد فيما يلي بعض الخصائص التي تَوافق عليها الكثير من الممارسين حول خصائص التفكير التصميمي في الأعمال، وأثره على العمل المؤسسي، حيث تساعد هذه الخصائص في تشكيل عقلية تدعم ممارسات التفكير التصميمي في العمل المؤسسي، فهو نهج:

1. عملي: التّفكير التّصميمي ذو توجّهٍ عمليٍّ بطبيعته، كما أنه يقدم نهج التّعلم بالممارسة متعددة التخصصات لحل المشكلات، ويتيح لنا استيعاب القدرات والاهتمامات المتنوعة من خلال خبرات التّعلم العمليّة و"التطبيقية" المُكتسبة فيما بين العديد من الأفراد. ويتمثل جزءٌ كبير من عملية التّفكير التّصميمي بالقيام بالتّصميم، ويتضمن بطبيعته التفكير عبر اليدين، وتجريب الأشياء، بدلاً من أن تكون خبيراً استراتيجياً يجلس خلف مكتبه.

2. متكيف: يُعتبر التّفكير التّصميمي متأقلماً مع التغيير، ومشجعاً لاتباع طرقٍ جديدة في النّظر إلى المشكلات (وغالباً من خلال مناظير جديدة، والخروج من الأدوار التقليديّة، والهروب من الاعتقادات الحالية) من أجل استكشاف أطر جديدة من الفكر والمناهج للتّوصل في النهاية لحلولٍ للمشكلات.

3. مرتكز على الإنسان: التّفكير التّصميمي يتمحور حول الإنسان ويركز دائماً على فهم احتياجات العميل أو المستخدم النهائي، بما في ذلك الاحتياجات الأساسيّة وغير المُلباة والتي لم يتم الإفصاح عنها. وللقيام بذلك، يستخدم التّفكير التّصميمي تقنيات البحث والمراقبة المختلفة بالإضافة إلى أدوات التّصميم للتّفكير بشكلٍ منهجي والتّعرف على الاحتياجات العمليّة ومهامها وخطواتها أو معالمها.

4. استشرافي: يدمج التّفكير التّصميمي عناصر الاستشراف على المستقبل والخيال الاستباقي في عملية التّخطيط الاستراتيجي. كما أنه يفتح آفاق المستقبل ويدعونا لاستكشاف أوجه عدم اليقين. ويشجعنا التّفكير التّصميمي على أن نكون مرتاحين للعمل مع العديد من الأمور المجهولة، ويتوقع منا أن نتعامل مع المعلومات غير الكافية والكثير من الأشياء المجهولة أثناء عملية اكتشاف وتكوين نتائجَ ملموسة.

5. بنائي: التّفكير التّصميمي هو عملية بنائيّة ديناميكية ذات طبيعة تفاعليّة، وهو يتطلب أن نقوم باستمرار بتعريفه وإعادة تعريفه وتمثيله وتقييمه وتصوّره. فإنه تجربة تعليميّة مستمرة ناشئة عن الحاجة إلى الحصول على المعرفة والرؤى وتطبيقها بشكلٍ صحيح لتحقيق الأهداف التي قد تتغير عند اكتساب معرفةٍ أكثر تعمقاً عن المشكلة. وهنا يصبح النّموذج الأولي وإنشاء نموذج ملموس "قابل للمشاركة" قطعةً مستمدة من حقيبة أدوات التّفكير التّصميمي.

6. متعاطف: التّفكير التّصميمي يشجع روح التّعاطف والإحساس بالغير ويضع المستخدمين في صميمِ كل شيء. فإنه يشجع على استخدام الأدوات لمساعدتنا على التّواصل مع النّاس من أجل التوصّل لفهمٍ أفضل لسلوكياتهم وتوقعاتهم؛ أيّ: القيم والدوافع والاحتياجات التي تحيط بهم وتحركهم. ويمكننا استخدام هذه البصائر للحصول على معارف جديدة من خلال التّعلم والتّجريب الإبداعيان. 

وفي نهاية المطاف، نرى أن منهج التّفكير التّصميمي يضفي المرونة والابتكار على عمليات المـؤسسات ويحقق التوازن بين وجود النواة الصلبة والاستجابة لاحتياجات العملاء والمستفيدين ضمن منظومة عمل إداري يحقق المنفعة لكل الأطراف، كما أنه يحسن التّواصل بين جميع أصحاب المصلحة الداخليين والخارجيين، ويعزز قدرة المنظّمة على معالجة الإمكانات الواقعية والكامنة والعمل عليها، مما يسمح باستخراج القيمة الاجتماعية والاقتصادية على نحوٍ مستمر لعمل المؤسسة هذا والله أعلم.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...