الابتكار الاجتماعي
التربويون كمصممين

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 5

التربويون كمصممين

   د. رانيا الصوالحي

يتزايد الاهتمام عالمياً بمنهجية التفكير التصميمي في عدة قطاعات، ومنها قطاع التربية والتعليم(Henriksen & Richardson, 2017; Schumacher & Mayer, 2018; Sterrett et al., 2020). حيث أن منهجية التفكير التصميمي ترتكز على الإنسان الذي هو جوهر العملية التربوية والتعليمية، كما أن منهجية التفكير التصميمي ترتكز على عملية تصميم حلول مبتكرة تساعد على التطوير والتحسين الجذري وليس فقط التعايش مع التحديات أو الالتفاف حولها.

وهذا يتوافق مع غايات التربية والتعليم لتطوير قدرات ومؤهلات الإنسان بما يحقق له حياة كريمة، تربطه بخالقه سبحانه وما سخره الله له، والاستعداد للحياة الحقيقية في الآخرة، كما يبينها نموذج العلاقات الذي طوره الكيلاني رحمه الله في كتبه (1985، 1988). فعند الحديث عن التربية والتعليم ينبغي ألا نتوقف عند مفهوم المدرسة فحسب، بل يجب التركيز على النظرة الشمولية، كعملية تعزيز النمو المعرفي والجسدي والاجتماعي والعاطفي والأخلاقي ...والتي يجب أن تنطوي على نظام القيم. كما أن التربية والتعليم يمكن توفر فرصاً تعليمية بشكل غير رسمي أو رسمي، مثل المدارس النظامية أو المراكز الشبابية أو الأنشطة المجتمعية.

ولا شك أن العالم شهد تغيرات عدة خلال فترة الجائحة، كان من ضمنها قطاع التربية والتعليم، مما بين ضرورة استخدام نهج مختلف، وخيارات أكثر ذكاء وتعتمد على المبادرة والاستفادة من تجارب الآخرين، وليس استعارتها كما هي ولا تعميمها، حيث أن الظروف تختلف، ويجب أن ترتكز على الإنسان واحتياجاته وأمله أو ألمه لو دمجنا أهمية علم المستقبليات والتفكير الاستباقي. فالتحديات التي تواجه التربويين يومياً أكثر من أن تعد وتحصى فهي تتضمن تفاصيل تتعلق بالمباني، والموظفين والطلبة وأولياء الأمور، والمناهج والأدوات والوسائل وأنظمة إدارة المعلومات، وتحديات مجتمعية مع أصحاب المصلحة وغير ذلك.

فهذه التحديات تبين أن التربويين مصممون، حيث يساهمون في حل مشكلات وتحديات بطرق ما، لكننا نحتاج أن ندعمها من خلال تطبيقات التفكير التصميمي لتعزز الآتي:

  • الثقة الإبداعية: زيادة ثقة التربويين على المشاركة بشكل خلّاق في حل المشكلات، والتفكير المستقبلي بشكل ممنهج.
  • الابتكار: الابتعاد عن استيراد الحلول، والتفكير في حلول مبتكرة مناسبة للبيئة مع المستفيدين.
  • تقبل الغموض: يساعد في اتخاذ نهج استراتيجي لحل المشكلات، والتعامل معها كعملية منهجية يومية.
  • صناعة الحل: الاستفادة من التخصصات والخبرات المختلفة وإعادة التركيز على التعلم المستمر.
  • التعاطف والتركيز على الإنسان جوهر العملية التربوية التعليمية وليس الاختبارات أو التصنيفات العالمية.

ومن هنا قمت بالمشاركة بعدة تطبيقات للتفكير التصميمي في قطاع التربية والتعليم، حيث تضمنت على سبيل المثال:

  • تحديد الاحتياجات وإجراء البحوث والبرامج التدريبية- الثروة الناعمة نموذجاً (سبر).
  • القيادة التربوية – مختبر القيادة التربوية نموذجاً (Eduenterprise).
  • تدريس التفكير التصميمي- برنامج التميز الأكاديمي (جامعة قطر).
  • توظيف التفكير التصميمي في الأنشطة والبرامج المدرسية – منحة بحثية (QNRF).

حيث أنني قد شاركت مع فريق سبر ضمن "مشروع الثروة الناعمة" الذي اعتمد منهجية التفكير التصميمي سواء في تصميم الدراسة البحثية، وتصميم البرنامج التدريبي والمحاور الخاصة، وتطبيقات وتقييم البرنامج... علماً أن الدراسة فازت بجائزة ICSEI/JPCC  للابتكار للعام 2020.

كما قمت بإطلاق مبادرة مختبر القيادة التربوية مع الأستاذ غياث هواري الشريك في تأسيس شركة Eduenterprise غير الربحية والمسجلة في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث تعتبر المختبرات إحدى صور الابتكار الاجتماعي، إذ تعمل منهجية المختبر من خلال تصميم حلول مع المستخدمين وأصحاب العلاقة، وذلك من خلال تحديد التحدي بدقة، ومن ثم إشراك المعنيين في عملية توليد الأفكار عبر تقنية العصف الذهني، مروراً بتنقيح الأفكار وتجريبها عبر النموذج الأولي، ليتم أخيراً تقييم الحل قبل إطلاقه بشكل فعلي، حيث عقدنا 3 مختبرات عامة (اثنين في قطر 2017-2019، وواحد في إسطنبول 2020) ويمكن للمؤسسات الاستفادة من المبادرة لنعقد مختبرات خاصة تساهم في تصميم حلول خاصة بالمؤسسة أو محور معين.

كما أقوم بتدريس وحدة التفكير التصميمي ضمن برنامج التميز الأكاديميHonors Program  في جامعة قطر، وهو برنامج يتبع المجلس الوطني لبرامج التميز الأكاديمي NCHC، حيث يضم البرنامج طلبة من جميع التخصصات لتعزيز مهارات التواصل والتفكير النقدي وحل المشكلات والكفايات البحثية، ويتميز برنامج التميز الأكاديمي ببيئة محفزة مشجعة تتبع طرق تدريس وتقييم وفق تعليم التميز الأكاديمي، فيدرس الطلبة أساسيات التفكير التصميمي خلال 15 ساعة ويعملون ضمن مجموعات على مشاريع لتوفير حلول مبتكرة تواجه الطلبة في حياتهم الجامعية. وعبّر الطلبة عن أهمية تدريبهم على أسس منهجيةِ التفكير التصميمي؛ لأنها تساعدهم على المستوى الشخصي والمهني والأكاديمي، بل إن نظرتهم للمشكلة تبتعد عن التذمر والشكوى إلى ضرورة مراقبة سلوكيات من يواجه المشكلة للتعاطف وتصميم حلولٍ عملية.

ويجري العمل حالياً على عدة مشاريع بحثية، سواء على مستوى تطبيقات التفكير التصميمي في المدارس أو التعليم العالي، وهي دعوة للمهتمين وصناع القرار لإعادة النظر في القرارات التي يتم اتخاذها في قطاع التربية والتعليم، لترتكز على احتياجات الإنسان وتطويره بما يليق مع ما كرمه الله به وحباه من قدرات ومميزات، وتسخير المخلوقات له.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...