ما هو دور التفكير التصميمي في التغيرات الجذرية التي سيشهدها قطاع إدارة الموارد البشرية؟

مواكبةً للتغيرات الكبيرة ضمن منظومة العمل وتلبيةً لمتطلبات المواطنين، سيستوجب على إدارة الموارد البشرية إعادة ابتكار نفسها، ويطرح التفكير التصميمي فكرة دمج احتياجات المستخدمين في ابتكار الممارسات الجديدة. ولعلّ ما يميز طبيعة عملنا هو ما يقع فيه من تغير دائم، فلم يعد للبشر الرغبات والسلوكيات نفسها كما كانت عليه من قبل، ففي السنوات المقبلة سيتعرض قطاع إدارة الموارد البشرية إلى صدمة مباشرة والمستعدون للتغيير هم فقط من سينجحون في مجاراة هذا التيار.

ففي أقل من جيل واحد، كان تفرغك الكامل وإجابتك على البريد الإلكتروني على مدار اليوم وطوال الأسبوع أمراً حتمياً. وفي عصرنا هذا، اقتصرت الحدود بين الحياة الشخصية والمهنية على التعريف النظري للكلمة، فيأخذ بعض المديرون قسطاً من الراحة مع العائلة في بداية المساء ليعاودوا الإجابة على بريدهم الإلكتروني أو ينضموا إلى مؤتمر مرئي مع زملائهم وشركائهم في مناطق زمنية مختلفة.

 ففي يومنا هذا، يبعث التطور الملحوظ في مجال الذكاء الصناعي التفاؤلَ، ويدبّ فينا القلق في نفس الوقت، فإذا ما كان عصر حلول الآلات محل البشر بالأمر البعيد، فمن المنطقي أن يخضعنا هذا التقدم الحاصل في مجال الذكاءات الصناعية إلى إعادة النظر في عملنا وطريقتنا بالقيام به، فلا مفرّ من هذه التغيرات المحورية ولا جدوى من محاولة مواجهتها. فعلى الإنسان أن يتطور ويتكيف مع بيئته ولطالما كان هذا هو الحال على مرّ التاريخ.

 وكما نلاحظ هناك تدفق متزايد للنساء في مجال العمل وخاصة اللواتي يردن الخوض في المجالات الضخمة مع النخبة، وإثبات مكانتهن بينهم، وسعيهن للحصول على التقدير الذي يستحقنّه، وكسبهن للترقيات والأجور العادلة وفق معايير محايدة ومنصفة، فضلًا عن تأديتهن عدة مهام في آن واحد: موظفة، امرأة، وزوجة وأم. ولكن نظراً لنقص العمالة الماهرة سيصبح الاتكال على هذه المجموعة من النساء أمراً ضرورياً، إلا أن بيئة العمل في الشركات غير مناسبة، لذا يتناقص عدد الكوادر النسائية مع تصاعد التسلسل الرئاسي في المناصب.

وهنالك أيضاً تدفق الأجيال الجديدة التي يختلف حالها بشكل أو بآخر، بحكم صغر سنهم وطريقة تفكيرهم وتصرفاتهم المختلفة، التي تتعارض مع الأجيال السابقة حين كانوا في مثل عمرهم، إذ تطالب هذه المواهب الجديدة بتوازن أفضل بين الحياة العملية والشخصية فهم يهتمون فيما يتعلق باحترام قيمهم واستعدادهم للاستقالة إذا ما تعارضوا في الرأي مع رؤسائهم أو مع ممارسات صاحب العمل.

تحديات وحلول لقطاع الموارد البشرية:

يجب على قطاع الموارد البشرية اتخاذ تغييرات كبيرة في السنوات القادمة، ويعدّ هذا بحد ذاته بمنزلة تهديد من جهة (كون الإنسان بطبيعته رافض ومقاوم للتغيير) وفرصة لتأدية دور فعّال في المنظمات وإحداث أثر اجتماعي كبير من جهة أخرى، فسيتعين على إدارة الموارد البشرية سنّ وتحديد قواعد جديدة، ضمن الأطر الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية سريعة التغير، ولكن كيف؟ عن طريق الاعتماد على مفهوم قياس الأداء المستخدم في قطاعات أخرى، كالتي تم تطبيقها منذ عشر سنوات في جميع الشركات الناشئة في منطقة السيليكون فالي (وادي السيليكون) في استخدام التفكير التصميمي لتحسين منتجاتهم وخدماتهم، حيث تم ذلك عن طريق إشباع الحاجات العاطفية للمستخدمين وضمان إرضائهم في كل ما سيتم ابتكاره فيما بعد، وكان ذلك مبنياً على ملاحظاتهم الخاصة في الأداء من خلال تقييماتهم المستمرة. فالفكرة بسيطة وفعالة: عندما يشعر العميل بالرضا عن المنتج أو عن الخدمات عندها سيعاود استهلاكها بشكل تلقائي.

ونذكر أيضاً بفاعلية هذه الطريقة في إيجاد الحلول للتحديات الداخلية ضمن الشركة فمثلاً: كيف يمكن تحفيز الموظفين وإرضائهم؟ إذا ما طالبوا بمرونة أكثر في العمل؟ وما الطريقة الأمثل لدمج الموظفين الجدد؟ وكيف يمكن الحفاظ على كبار الموظفين في الشركة؟ أو كيف يمكن مساعدة النساء على البقاء في العمل؟ الحل هو في معرفة احتياجاتهم وإيجاد الحلول الابتكارية لها، ويقوم التفكير التصميمي بتقديم الوسائل اللازمة لفريق إدارة الموارد البشرية لتعزيز الرضا الوظيفي والراحة لدى الموظفين، وبالتالي تحفيزهم وضمان انخراطهم واستمرارهم في العمل.

هل سبق وأن تم تطبيق التفكير التصميمي في شركتك من قبل؟ أو لربما لم يسبق لفريق الإدارة الاطلاعٌ عليها؟ وهل سبق لكم وأن حددتم تحدياتكم بوضوح؟ في هذه الحالة لم يتبقَّ سوى الاختيار بين الحلول المبتكرة: كالتوظيف الفعال، وتعزيز روح التعاون بين أفراد الفريق، وإيجاد جيل جديد من القيادة والمرونة في العمل.