الابتكار الاجتماعي
ثورة القيادة المجتمعية الأخلاقية

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 6

ثورة القيادة المجتمعية الأخلاقية

   غياث خليل هواري

كنت قد بدأت في العدد الأول من مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي الحديث عن أساسيات القيادة المجتمعية المرتكزة على الإنسان، والمنطلقة من المبادئ الأخلاقية، والقيم الحاكمة، وأهمية الدور القيادي في التطوير المجتمعي.

وكفكرة موجزة عن القيادة المجتمعية، تركز منهجية بناء القيادات المجتمعية على إطار فعال يساعد في إعداد قادة مجتمعيين يساعدون في بناء مجتمعي معافى، وقد تحدثنا عن مفهوم المجتمع المعافى عبر تحديديه بأنه: المكان الذي يستطيع فيه جميع الأشخاص أن يلبوا احتياجاتهم الاقتصادية - الاجتماعية - المادية - الثقافية - والاحتياجات الروحية، ويعمل الجميع مع بعضهم البعض من أجل النفع العام، ويشارك الجميع في رسم مستقبلهم.

ويُعرّف القائد المجتمعي بما يفعله، ليس بما يملكه من سمات أو منصب رسمي. ولا تحتاج عادةً المجتمعات إلى قادة خارجيين، بل يقومون بتوظيف مهاراتهم، وباستخدام أدوات محددة يصبح بالإمكان جمع الأشخاص مع بعضهم البعض وقيادتهم إلى الأمام. وتركز هذه المنهجية في إعداد القادة المجتمعيين في المجالات التالية:

  

 

ويمكن توضيح القدرات الثلاث بالشكل الموجز التالي:

وقد توافقت العديد من مؤسسات بناء القيادات المجتمعية والخبرات في دعم وتطوير القائد المجتمعي، الذي يحدث الأثر الفعال في مجتمعه؛ من خلال الموارد المتاحة، وانطلاقاً من مبادئ أخلاقية مؤثرة، وممارسات توثر في بناء مجتمع معافى ومستدام وفعال.

وأعرض فيما يلي تجربة السيدة جاكلين نوفوغراتس من خلال كتابها: بيان من أجل ثورة أخلاقية؛ ممارسات لبناء عالم أفضل/ "Manifesto for a Moral Revolution: Practices to Build a Better World" بعضاً من القدرات الأساسية التي ظهرت معها من خلال تجربة عملها التي تزيد عن عشرين عاماً من خلال مؤسسة "أكيومن" التي أطلقت العديد من المبادرات المجتمعية التي ترتكز على بناء مجتمعات معافاة، من خلال نهج قيادي أخلاقي، يحرك الموارد، ويستثمر في الثروة الاجتماعية.

وجاكلين نوفوغراتس هي رائدة أعمال ومؤلفة أمريكية، ولدت عام 1961م، وهي المؤسس والرئيس التنفيذي لـAcumen ، وهو صندوق عالمي غير ربحي لرأس المال الاستثماري يهدف إلى تمكين ازدهار الإنسان؛ من خلال استخدام مناهج ريادة الأعمال، والاستثمار في الأشخاص والشركات والأفكار التي ترى رأس المال كوسائل، لا غايات، لمعالجة قضايا الفقر العالمي.

وفي هذا المقال قمنا باقتطاف اثني عشرة محطة من كتابها الصادر في أواسط عام 2020، حيث قمنا بإيجازها، وتعريبها بتصرف، ودون إخلال بالمعنى.

المحطة 1

التغيير عمل الجميع:

ماذا لو كانت قاعدتنا الذهبية ليست فقط "تعامل مع الآخرين كما تريد منهم أن يتعاملوا معك" ولكن أيضًا "أعط للعالم أكثر مما تأخذ منه"؟  إن هذا من شأنه أن يغير كل شيء. فإذا اتبع عدد كافٍ منّا هذا الطريق، فسيتم استبدال عالم عدم المساواة والاستغلال والظلم رويداً رويداً بعالم الشمول والإنصاف والكرامة".

المحطة 2

إعادة تعريف النجاح:

من الأفكار الرئيسية في الثورة الأخلاقية إعادة تعريف النجاح، وما نعنيه بذلك هو الانتقال من نجاح مرتكز على الربح السريع إلى نظام نجاح يرتكز على الإنسان ويرتكز على خدمة الأرض التي نعيش عليها. ويستغرق الكثير منا وقتًا طويلاً لمعرفة ما هو النجاح؟ وما هو نوع النجاح الذي يمكننا فيه الحصول على معنى وهدف في حياتنا؟

المحطة 3

الخيال الأخلاقي:

يعني الخيال الأخلاقي أن تنظر إلى مشكلات الآخرين كما لو كانت تخصك، وأن تبدأ في التعرف على كيفية معالجة هذه المشكلات، ومن ثم التصرف وفقًا لذلك، فإنه يدعونا إلى فهم وتجاوز حقائق الظروف الحالية، وتصور مستقبل أفضل لأنفسنا وللآخرين. ويبدأ الخيال الأخلاقي بالتعاطف، ولكنه لا يكتفي بمجرد الشعور بألم الآخرين، فقد يؤدي التعاطف دون اتخاذ أي إجراء إلى تعزيز الوضع الراهن، ولكن بدلاً من ذلك، يتم بناء الخيال الأخلاقي من أسفل إلى أعلى، ويتأسس من خلال الانغماس في حياة الآخرين.

المحطة 4

اكتشاف الهوية:

علينا أن نتعلم: كيف نفهم هويتنا ونعبر عنها؟ وعلينا أن نوسّع وعْينا بهويات الآخرين، والتعامل معها، ويعد ذلك مهارة أساسية في القرن الحادي والعشرين، وقد نستغرق وقتًا طويلاً لاكتسابها، فلنعمل على إتقانها من خلال اكتشاف العديد من القصص في حياتنا وحياة الناس من حولنا.

المحطة 5

ممارسة الشجاعة:

الشجاعة ليست غياب الخوف، ولكن الشجاعة هي القدرة على النظر إلى الخوف في وجهه، والاستمرار في المضي قدمًا. كل منّا لديه شيء يخافه، سواء اعترف به أم لا، وهناك العديد من أشكال الشجاعة. وبالمحافظة على شجاعتنا فقط سنمنع مخاوفنا من أن تتشكل وتبقينا صغارًا.

المحطة 6

التمسك بالقيم عند التعارض:

إن الحفاظ على التوازن الصحيح بين الفرد والمجتمع، والحرية والانتماء، والتنافس والتعاون، يتطلب قيادة أخلاقية على وجه التحديد، لأنه لا يمكن اكتشاف هذا التوازن إلا من خلال الدعوة لحسم الصراع بين الأطراف، والبناء من أجل تحسين الكل، فقم بتعزيز قدرتك على التمسك بقيمك الخاصة مع وجود القيم المعارضة؛ فهي ممارسة ستكون ضرورية أثناء عملك مع الآخرين لإحداث التغيير.

المحطة 7

تجنب فخ المطابقة:

يتطلب العمل المجتمعي حشد الشجاعة الأخلاقية اللازمة؛ لفعل ما هو صحيح وليس ما هو سهل، ومعرفة متى يكون الامتثال قوة من أجل الخير. وعندما يُكتم صوت ضميرنا بدلاً من ذلك (من خلال تحويل اللوم إلى أنظمة أكبر منا) فإننا نميل إلى إقناع أنفسنا بأنه ليس لدينا خيار سوى "المضي قدماً لتحقيق الانسجام"، ولكن إذا كنا نجرؤ على العمل وفقًا لأحلام التغيير، فيجب أن نجد الشجاعة للتميز بينما تبني أيضًا العلاقات اللازمة لتصميم أنظمة أفضل. 

المحطة 8

استخدم الأسواق من أجل الخير:

تعد معرفة كيفية استخدام الأسواق وبنائها من أقوى الأدوات التي نمتلكها لحل مشكلاتنا، فإذا كنت ترغب في تغيير ولو جزءٍ صغير من العالم، فتعلم كيفية استخدام أفضل ما يمكن أن تفعله الأسواق، وقاوم إغراء تحقيق الأرباح على المدى القصير، لكن لا ترفض معطيات السوق كلياً، ودعه يعلمك ما يقدّره الناس جنبًا إلى جنب مع ما يمكنهم تحمله.

المحطة 9

تحديد الشركاء:

من الذي ستشترك معه؟ وكيف ستساعدك هذه الشراكة في تحقيق التغيير الذي تسعى إليه؟ ما الذي يدفعهم ولا يشكل دافعاً بالنسبة له؟ ما الذي يريدونه ولا تريده؟ وما الذي يحتاجون إليه ولا تعتقد أنه مهم؟ ما الافتراضات التي لديك عنهم والتي قد لا تكون صحيحة؟ ما هي النقاط العمياء الخاصة بك؟ كيف يمكنك معرفة المزيد من خلال الحوار المفتوح، ومن خلال اكتشاف وقبول كل من احتياجاتك ورغباتك المختلفة والمتشابهة، بحيث يمكنك وضع الأساس لإنشاء شراكة قوية؟

المحطة 10

أخبر القصص التي تعنيهم:

"وظيفة القائد الأخلاقي - وهي مهمة كل منا - تعلُّم سرد القصص المهمة، والقصص التي توحد وتلهم، وتعزز إمكاناتنا الفردية والجماعية، وترسم صورة للمستقبل يمكننا فيه أن نبني ونعيش معًا. فالقصص المهمة ليست قصصًا تحط من قدر أحد، أو تسخر من أحد، أو تقلل من شأن أحد، أو تلوم أحد، أو تخجل من أحد، بل يجب أن نسلك الطريق الأصعب المتمثل في سرد القصص التي تحمل حقائقنا -القبيحة والجميلة على حد سواء- مع الاستمرار في التركيز على الممكن".

المحطة 11

احتضان الكفاح الجميل:

"لقد وجدت قوْتًا في جزء من الرحلة تحدث عنه القليلون عندما بدأت: إنه الجمال."

هناك جمال في النضال، وهناك جمال من حولنا، ومنارات للقيام بما هو ممكن، فالجمال يلهم ويحفز. الجمال هو تعبير عن كرامة الإنسان، فإنه يكمن في العمل، والتعمق في أنفسنا، ويعيش الجمال في روايات أولئك الذين يسعون جاهدين للتغلب على العقبات العميقة للمضي قدماً، كما أنه يزدهر في روابط الاتصال البشري واللحظات الهادئة للتفكير التأملي، فاجعل الجمال محكًا قويًا، ليس فقط لتعزيز تصميمك، ولكن أيضًا لتجديد شباب من تخدمهم.

المحطة 12

البيان الـأخلاقي الشخصي:

يبدأ البيان بالوقوف مع الفقراء، والاستماع إلى أصوات غير مسموعة، والتعرف على الإمكانات التي ينظر لها الآخرون بيأس. ويرى البيانُ الاستثمارَ وسيلة، وليس غاية، وجرأة على الذهاب إلى حيث فشلتِ الأسواق، وتعرضت المساعدات للقصور، وإنه يجعل رأس المال يعمل لصالحنا، وليس من خلال السيطرة علينا.

ويزدهر البيان عبر الخيال الأخلاقي؛ من خلال التواضع لرؤية العالم كما هو، والجرأة لتخيل العالم كما يمكن أن يكون، فإنه امتلاك الطموح للتعلم، والحكمة للاعتراف بالفشل، والشجاعة للبدء من جديد. ويعبر البيان عن الصبر، والرشاقة، والمرونة، والعزم، كما ويعزز القيادة التي ترفض التراخي، وتكسر البيروقراطية، وتتحدى الفساد، وتفعل ما هو صواب وليس ما هو سهل.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...