مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 6
تحليل المحفز
لم يكن لدى تيم براون رئيس شركة آيديو الاستشارية التي ساعدت في تحديد شكل الماوس الأولى الخاصة بشركة أبل- حلولاً لمشاكل عالمية مروعة مثل تغير المناخ والأوبئة والفقر المستمر، إلا أنه يعتقد أنه يعرف كيفية العثور عليها وهي من خلال "التفكير التصميمي". ويقصد السيد بروان بالتفكير التصميمي ذلك النهج الفكري المنفتح وغير المشروط الذي يستخدمه المصممون في عملهم، وليس ذلك المعنى التقني الضيق للابتكار الذي يتم تدريسه تقليدياً في العديد من كليات الأعمال والهندسة، ويراهن السيد بروان في كتابه الجديد، "التغيير عبر التصميم"، أن الشركات التي تفكر على طريقة المصممين ستكسب أسواقاً وأرباحاً ضخمة جديدة، وقد يبدو هذا المفهوم غامضاً وغير مقنع إلى حدٍ ما، حيث أنه يشمل كل شيء بدايةً من التسويق الذكي إلى القفزات التكنولوجية الجذرية، ومع ذلك، فإن التفكير التصميمي كسب العديد من المتحولين في كلٍ من مجالات الصناعة والأعمال الخيرية.
الكرسي الذي أنقذ العالم:
يناقش السيد براون بأن النهج الشامل لمعالجة المشاكل يحقق إنجازاتٍ أكثر مما تحققه رغبة حاملي شهادات ماجستير إدارة الأعمال التقليدية في إجراء تحسينات إضافية على المنتجات أو العمليات الحالية، ويقول: "إن التركيز الثابت -الذي لا هوادة فيه على القدرة على التنبؤ ومراقبة الجودة كما هو موضح في معايير سيجما للجودة [1]Six Sigma، وهي شكل من أشكال التحليل الإحصائي الشائع لدى الشركات المصنعة- يمكن أن يؤدي إلى (شلل في التحليل) عن طريق تثبيط التغييرات الكاسحة والجذرية التي قد تسبب اضطرابات على المدى القصير ولكنها تؤدي إلى فوائد كبيرة على المدى الطويل".
وفي المقابل، يؤكد جون كاو، الأكاديمي السابق، أنه غالباً ما يكون التصميم بمثابة "حصان طروادة" للأفكار الأهم، لأنه يجمع بين الأساليب الصارمة مع الأساليب الأكثر تعاطفاً وبديهية، بدايةً من الدراسات الأنثروبولوجية المطولة للمستهلكين إلى إنتاج نماذج أولية تجريبية. وبتمويلٍ من شركة ديلويت الاستشارية، أنشأ كاو "معهد الابتكار واسع النطاق"، وهو مؤسسة مكرسة "لوضع أجندة الابتكار الجديدة اللازمة لمعالجة المشاكل العالمية المستعصية".
ويقول روجر مارتن (رئيس كلية روتمان للإدارة في جامعة تورنتو والرائد في هذا المجال): "إنّ "التفكير التصميمي" الحقيقي ينطوي على فهمٍ عميق لعادات الناس وتفضيلاتهم". وكدليل، يشير إلى الكرسي المتحرك باهظ الثمن، والذي صممه هيرمان ميلر بناءً على الملاحظة المطولة، وليس فقط على الإجابات المقدمة في المجموعات الاستشارية. وقلدت الشركة بعض عناصر كراسي الحديقة التي بدا أن المستهلكين يجدونها مريحة بشكلٍ خاص، وكانت النتيجة نجاحاً كبيراً. وطبقت شركة آيديو نهجاً مشابهاً في حملة ابتكرتها لبنك أمريكا، حيث لاحظ باحثوها أن المستهلكين يشعرون بالقوة من خلال ادخار حتى مبالغ طفيفة من المال، مثل ادخار مجموعة من القروش في جرة. لذلك توصلوا إلى مخطط يسمى "احتفظ بالباقي"، حيث يقوم البنك تلقائياً بتقريب سعر كل عملية شراء إلى القيمة الكاملة التالية بالدولار ثم يتم تحويل الفرق إلى مدخراتك، وعلى سبيل المثال: إذا تناولت العشاء وأنفقت 10.24 دولاراً على الطعام فسيتم خصم 11 دولاراً من حسابك الجاري وسيذهب 10.24 دولاراً إلى المطعم وسيتم إرسال 0.76 دولاراً إلى حساب التوفير الخاص بك، وقد حقَّقَت هذه الطريقة نجاحاً هائلًا للعملاء.
وبدأ أصحاب الأعمال الخيرية في إدخال أساليب مماثلة للتعامل مع المشكلات الاجتماعية الكبيرة، حيث عملت مؤسسة غيتس مع شركة آيديو لتصميم "مجموعة أدوات التصميم المرتكز حول الإنسان" لمساعدة المؤسسات الخيرية على تطوير برامج جديدة بالتعاون مع السكان المحليين. واستخدمت مؤسسة "VisionSpring" الخيرية الأمريكية لبيع نظارات القراءة الرخيصة للفقراء مجموعة الأدوات لجعل اختبارات الرؤية أقل تخويفاً للأطفال، وبالتالي الوصول إلى المزيد من المحتاجين.
ويناقش المفكرون التصميميون بأنّ التركيز على الناس لا يعني بالضرورة إغفال الصورة الكبيرة، حيث يشير جورج كيمبل، رئيس معهد التصميم بجامعة ستانفورد، إلى مشروع إمبريس الصحي الذي أنشأه مجموعة من طلابه السابقين. وكانت المشكلة التي شرعوا في حلها هي النقص المروع في خدمات الرعاية الطبية المناسبة للأطفال الخدج في البلدان الفقيرة. وأحد أسباب ذلك هو أن الحاضنات المتطورة يمكن أن تكلف 20 ألف دولار أو أكثر. وحتى لو تلقى بلدٌ ما الآلات من الجهات المانحة، فإن الافتقار إلى التدريب المناسب والمال اللازم للصيانة يقوض فعاليتها.
وتم إجراء العديد من المحاولات لتقليل تكلفة مثل هذه الحاضنات، لكن فريق ستانفورد اتخذ نهجاً مختلفاً من خلال التحدث إلى السكان المحليين في المناطق الريفية، وفي هذه العملية، اتضح لهم أن معظم الأطفال في العالم النامي لا يولدون في المستشفيات، وبالتالي من غير المرجح أن يستفيدوا من الحاضنات حتى لو كانت تعمل بشكلٍ صحيح. ثم صمم الفريق بديلاً رخيصاً وفعالاً وهو كيس نوم صغير مصنوع من مادة تحتفظ بالحرارة لساعات.
حتى الصحف، التي تمر بضائقة شديدة في كثير من دول العالم الغني، تتبنى التفكير التصميمي، ويصف مايكل مانيس من صحيفة جانبت، الذي ينشر صحيفة الولايات المتحدة اليوم من بين صحفٍ أخرى، كيف يستخدم الموظفون العاملون في مكتب آيديو في كاليفورنيا "الأدوات الأنثروبولوجية والإثنوغرافية للاقتراب كثيراً من المستهلك". والنتيجة هي خدمة إخبارية على شبكة الإنترنت تخدم المجتمعات المحلية (تم إطلاقها مؤخراً في شكلٍ تجريبي) والتي يأمل أن تساعد الشركة في جني الأموال عبر الإنترنت. وإذا كان التفكير التصميمي يمكن أن يساعد حتى صناعة الصحف المتدهورة فإن معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري يجب أن تكون أمراً هيناً.