مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 6
ما تقيسه هو ما تحصل عليه
"المقاييس = السلوك. انتهينا".
على مر القرون، كان العالَم من حولنا يقيس كل شيء وأي شيء بداية من الأشياء الملموسة إلى الأشياء المجردة مثل الحب والسعادة والجمال، ولقد عشنا جميعاً وما زلنا نعيش بهذه المقاييس بدءاً من معدل الذكاء العقلي ومعدل الذكاء العاطفي إلى معدل كل شيء! وفي هذا المسعى للقياس وتحقيق الكمال، بدأ العالم يتعامل مع العديد من الأشياء على أنها نوعٌ من المتوسط، بما في ذلك الناس!
بدأت منحنيات الجرس تتسطح! والآن حان الوقت لكي يأخذ الأداء نفساً منعشاً من خلال الخروج من منحنيات الجرس المزدحمة، ولم يعد الوضع الطبيعي الجديد مبنياً على المتوسط، أو على الأقل: أعتقد أنه لا ينبغي أن يكون كذلك، وأنا حريص أيضاً على رؤية كيف سيؤثر هذا التحول في قياس الأداء على السلوكيات الجديدة للأعمال وأدائها؟
معدل الوفيات: في حوالي الثمانينيات، جربت أنظمة المستشفيات الغربية مقياساً جديداً يسمى معدل الوفيات، وهو مقياس يهدف إلى قياس الشفافية في أنظمة المستشفى حول الجودة الشاملة للرعاية، وكانت الفكرة هي قياس النتيجة النهائية للشفاء أي الوقاية من حدوث الوفيات. كما يمكن لأي شخصٍ أن يتخيل، سرعان ما اصطدم سلوك المنافسة بأنظمة المستشفيات، ففي محاولة من أنظمة المستشفيات أن تكون الأفضل لم تكن تقبل المرضى الأكثر مرضاً (الحالات المستعصية). إذن، من السهل اختراق المقياس!
التحول: يعتمد المقياس اليوم على النتائج خاصة مع ظهور الصحة السكانية ومبادرات الرعاية الصحية لأوباما، وهذا يغير القطاع الآن.
الإيرادات لكل ميل يقطعه المسافر: أحد المقاييس الرئيسية في قطاع الطيران هو الإيرادات على كل مقعد. هذا، كما أفهم، كان في الغالب بسبب تصميم نموذج النقل المحوري لقطاع الطيران. والآن هذا المقياس يجبر المنافسة على ابتكار رحلات مثل A380 التي هي أكبر طائرة ركاب في العالم والتي يمكن أن تضيف المزيد من المقاعد وبالتالي مواءمة نفسها مع هذا المقياس، ومع ذلك، بقيت راحة العميل ووقت السفر كما هو!
التحول: الآن تأتي طائرة "بوينغ دريم لاينر"، التي تم تصميمها مع العميل عند البحث عن الحلول. فالرحلة لمسافات طويلة رائعة يمكنها التغلب على هذا المقياس بالطيران من نقطة إلى نقطة بدون توقف (بدون محطات توقف)، فلم يوفر هذا فقط تجربة سفر رائعة لراحة العميل، بل لقد تغلب أيضاً على المقياس التنافسي للإيرادات لكل ميل يقطعه المسافر! وهذا هو التفكير التصميمي في أفضل حالاته.
متوسط الفصل: هذا هو المفضل لدي. أجرت أستاذة بجامعة هارفارد اختباراً في الفصل ووجدت شيئاً مثيراً للاهتمام حدث للطلاب الذين كانت درجاتهم عالية في موادهم المفضلة والقوية عندما نشرت متوسط الفصل، فأولئك الذين كانوا يحصلون على درجاتٍ عالية في المواد التي يجيدونها، عند مقارنتهم بمتوسط الفصل، بدأوا في بذل الجهود لتحصيل النتائج في مجالات ضعفهم. وفي الواقع، جعلهم هذا المقياس ينافسون متوسط الفصل بدلاً من البناء على نقاط قوتهم والتميز بنقاط قوتهم، ويُبرز هذا المقياس المنافسة الشبيهة بالقطيع لفقدان تلك الميزة والحوم حول ما يسمى بالمتوسط، فالتشابه، بدلاً من كون المرء مختلفاً، هو ثمن المنافسة!
التحول: في مساحة العمل الاحترافية، أرى تقييمات مكتشف نقاط القوة وبعض التدخلات حولها. وما زلت لم أرَ شيئاً يحدث في هذه المساحة على مستوى المدرسة أو الكلية.
متوسط المرضى: أحد الأمثلة التي أحدث فيها هذا الإجراءُ تأثيراً سلبياً كان في قطاع الرعاية الصحية التي كانت تعامل كل مريض تاريخياً على أنه نوع من المتوسط، إذ يتم التعامل مع مريض السرطان على أنه نوع من المتوسط ويتم تطبيق بروتوكول علاجي قياسي، مع العلم أن كل حالة يمكن أن تكون فريدة من نوعها، فبدلاً من تخصيص العلاج، يسهل على النظام الطبي تشخيص الحالة ووصف العلاج بناءً على ما نجح لمعظم الناس، وهو ما يسمى بالمتوسط!
التحول: بفضل علم البيانات اليوم، بدلاً من التساؤل عما إذا كان الدواء فعالاً أم لا، يتم الآن إعادة صياغة السؤال -لأي مرضى يعتبر هذا الدواء أكثر فعالية؟ فقد يكون الدواء الذي يكون فعالاً بنسبة 1% فقط لدى بعض المرضى ذا قيمة عالية إذا عرفنا من هم المرضى تحديداً الذين يشكلون الـ 1%.
ومن الواضح أن المقاييس تؤثر على السلوكيات، ولكن ما لم يتم وضع ضوابط وتوازنات كافية فإنها تميل إلى التأثير سلباً، فما لم يتم تصميم المقاييس وتحديدها ومواءمتها وتتبعها لنتائج السلوكيات، فلن تتغير الأشياء كثيراً.
ومن خلال تجربتي الاستشارية، رأيت أن أكبر ركيزة لتحسين الأداء التنظيمي تكون فقط من خلال الأفراد، حيث يمكن للمرء أن يجلب أفضل الأدوات أو التحول الرقمي أو العمليات، ولكن إذا كان الرابط الرئيسي الوحيد الذي يسمى الأشخاص مفقوداً في المعادلة، فعندئذٍ يمكن لأي شخص تخمين كيف ستكون النتائج. والثقافة تأكل الاستراتيجية على الفطور، فما لم يتم تضمين الأشخاص الذين يشكلون الثقافة في استراتيجية التحول الخاصة بك، فيمكن لأي حل أن يفشل.
ويمكن أن تكون المقاييس هي الحد الأعلى /الحد الأدنى /عدد الساعات المسجلة /عدد عملاء المبيعات المحتملين /عدد الأشخاص المعينين /عدد ساعات التعلم /عدد العيوب /حالات الاختبار /إلخ. وما لم تعرف المؤسسات كيفية ربطها بالنتائج (وتصميمها ومناقشتها ونشرها) والسلوكيات، وأنظمة إعادة التأكيد على السلوكيات الإيجابية، فإن الوضع لن يتحول وسيتمكن الناس من إيجاد طرق لاختراق المقياس.
ومن الواضح أنه لا يمكن قياس كل شيء ولا يجب قياسه أيضاً، فعندما سألت مفتشة مدرسة في والدورف فتاة صغيرة تحمل دمية في فصلها إذا كان بإمكانها التفكير في حساب وزن الدمية، أجابت على الفور بأن الدمى لا يجب قياس وزنها وإنما يجب معانقتها![1]
[1] هذه الآراء المعبر عنها هي من قراءاتي وخبراتي الشخصية، ومن بعض الكتب التي أثرت في تفكيري والتي رجعتُ إليها عند كتابة هذا المقال: Different – Youngme Moon, Disrupting Digital Business – by Ray Wang, How Data science is transforming healthcare – Tim O’Reilly, Julie Steele, and Mike Loukides