الابتكار الاجتماعي
المرأة (المعدَّلة)

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 7

المرأة (المعدَّلة)

   د. رانيا الصوالحي

نرى في كل يوم فكرة مختلفة حول البرامج التي تقدِّم باسم تمكين المرأة أو تطوير قدراتها، كما أن الدراسات التي تتحدث عن ضرورة حماية المرأة ودعمها كثيرة وتزداد باستمرار خاصة مع ازدياد التحديات كما رأينا في ظل جائحة كوفيد وما ترتب عليه من انقطاع عدد من الفتيات عن التعليم المدرسي والعنف المنزلي وغير ذلك من القضايا التي تزداد حِدَّتها. ويبقى السؤال كيف يمكن إعادة تصميم هذه البرامج بحيث تساعد المرأة والفتاة لتكون أكثر وعياً وأكثر فاعليةً للتعامل مع التحديات التي تمر بها والظروف المتغيرة؟ أشارك في هذه السطور بعضاً من الإضاءات لإعادة النظر في بعض المفاهيم المتعلِّقة بذلك ومشاركة عدد من النماذج العملية.

من خلال إلقاء نظرة سريعة على الواقع مِن حولنا نجد قدرة المرأة العجيبة على التعامل مع التغيرات وتلك القوة التي حباها الله إياها من حسٍّ أُموميٍ غريزي. فالأمومة كما قال د. عمرو شريف في كتابه "هناك مخ ذكر ومخ أنثى ومخ أم" تمنح قوة خاصة، ولا شك أن الأمثلة كثيرة، وتظهر في حياتنا اليومية في صور نراها، أو نسمع عنها، كما نرى حالياً من نماذج لفتيات صغيرات في مخيمات اللاجئين يرعين إخوتهن وربما عائلاتهن لظروفٍ خاصة.

وفي كتاب سينشر قريباً حاولنا (أنا ومؤلفي الكتاب الآخرين[1]) تسليط الضوء على الأمومة واعتبارها جزءاً من القيادة التربوية، فالأم تساهم في تنشئة أفراد ضمن تلك المؤسسة التربوية الأولى التي يعتبرها الدكتور ماجد عرسان الكيلاني رحمه الله إحدى أهم مؤسسات تنشئة وتطوير الإنسان. والأمثلة كثيرة عن دور الأمهات في تربية علماء وشخصيات قيادية مشهورة قد يتذكر القارئ بعضها خلال قراءة هذه السطور، وهذا لا يُغفل دور الآباء والأسرة عموماً، فالكيلاني يوجِّه للمرأة رسالة خاصة في أحد كتبه (رسالة مفتوحة إلى الفتاة المسلمة في عصر العولمة) يبيّن فيها أن هناك أربعة نماذج للمرأة ومنها المرأة القوية الفاضلة التي تحيط بعلوم غايات الحياة ووسائلها، وتُحكِمُ المزجَ بين المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي لتبرز ثقافة الاحتشام، وتعشق المَثل الأعلى الذي يطرحه القرآن والسنة، وذكرَ أمثلة من الصحابيات ومن تبعهم وكيف شاركن في حركات التجديد والإصلاح.

 وهناك نماذج للمرأة القوية غير الفاضلة التي تعلَم وسائل الحياة، ولكنها تغيب عن غاياتها وتنسى الآخرة، وتغفل عن المبدأ الأخلاقي، وتحصر الفضائل بالمُتَع الحسية والعلوم بالعلوم الدنيوية، ويضرب أمثلة عربية وغربية حول أثر ذلك على الأسرة، وساعات عمل المرأة، وضرورة تعليم المرأة دورها الذي كرَّمها الله به. وهناك نموذج ثالث للمرأة الفاضلة الضعيفة وهي التي لا تتعدى حدود البيت ومعرفتها سطحية بالعلم أو غايات الحياة، تتأثر بتيارات الحياة مِن حولها، وتقلِّد مَن حولَها دون علم أو معرفة أو نقد. وأخيراً، نموذج المرأة الضعيفة غير الفاضلة.

وهنا من المهم توعية المرأة بنظريات تتعلق بكيفية التعامل مع تنازع الأدوار، وكونها أماً، أو طالبة، أو امرأة عاملة، أو غير ذلك من الأدوار، فحين يصرُّ البعض أنه يمكن للمرأة النجاح في أحد هذه الأدوار، دون الآخر، نرى كثيراً من القصص المميزة لمن جمعن بين عدة أدوار، ولن أقول ناجحة فتعريف النجاح يختلف من شخص لآخر إلا أن مجرد السعي والاستمرارية بما اختارته المرأة أمر يستحق التقدير.

ويكاد لا يخفى على أحد أن كثيراً من المؤسسات التعليمية تهتم باختيار النساء للعمل مع الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، وتتعدد النظريات حول ذلك. فدور المرأة في المجال التعليمي منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وما ذكره مالك في موسوعته حول النساء المحدثات وأنه لم يعرف عنهن الكذب في رواية الحديث وغير ذلك من المميزات.

وقد أسعدني المشاركة في تأسيس مجموعة WomenEdMENA  التابعة لحركة WomenEd العالمية المسجَّلة في المملكة المتحدة كمنظمة غير ربحية، والتي تهتم بدعم السيدات في مجال القيادة التربوية وتم عقد عدة لقاءات لنتعرف على قصص مميزة لسيدات حاولن أن يكن 10% أكثر شجاعة (هذا كان شعار الحركة).

 فكرة 10% أكثر شجاعة كانت من أجل أن نحتفل بإنجازاتنا مهما ظنناها بسيطة، أو كما تقول ابنتي الصغيرة كوني (10 مرات 10% أكثر شجاعة هذا يعني أنك حققت 100%). ومهما كان التفسير لهذا اللقاء استمتعنا بمعرفة ما وراء كواليس تلك الإنجازات وكيف كانت كل امرأة قابلناها قد جعلت من الليمون عصيراً حلواً وكيف استثمرت تلك الظروف التي مرّت بها لتنهض من جديد وتحاول.

من الجدير بالذكر أن تلك التجارب لا تملك وصفة سحرية، فلو حاولت السيدة التي شاركتنا قصتها تجربة ذات الحل في موقف آخر قد لا يكون مناسباً. وهذه دعوة لنبتعد عن الحلول السحرية والخلطات العجيبة التي تنتشر من خلال منصات التواصل الاجتماعي حتى نسينا بسببها جمال السعي، وجمال المحاولة، وجمال رؤية النتائج.

ولا شك أن تدريب فتيات وسيدات ضمن برنامجَي "الثروة الناعمة" و"تالنتر"، اللذان طورهما فريق سبر من خلال دراسة بحثية خاصة، وتصميم برنامج تدريبي خاصٍّ للسيدات يراعي خصوصيتهن، ويراعي خصوصية هويتنا العربية والإسلامية، كان تجربة مميزة منعشة من خلال الاطلاع على ما قدمته السيدات وما فتح لهنَّ من آفاق.

لقد كان ميزة البرنامجين أنهما يمنحان المشاركات فرصة لإعادة تقييم الموارد الشخصية التي تمتلكها كل فتاة، والبناء على تلك الموارد في تطوير مسارات شخصية، ومهنية، واجتماعية، وتعلُّم منهجيات التفكير الابتكاري بالإضافة للعمل الجماعي بين سيدات من ثقافات مختلفة، فضلاً عن ميزات أخرى كثيرة.

إلا أن هذه البرامج والدراسات يجب أن يرافقها كذلك توعية للرجل بمراعاة خصائص المرأة واحتياجاتها كأب، وكأخ، وكزوج، أو كمسؤول موظف كي يعاد تصميم قوانين بيئة العمل بحيث تناسب أدوارها، وما يمكن تحقيقه[2].

 كما أن المرأة يجب ألا تشكِّل ضغطاً على امرأة أخرى بتذمرٍ دائم أو كثرةِ شكوى أو ادّعاءِ المثاليةِ في تقديم صورةٍ عما يجب أن تكون عليه المرأة (المعدَّلة)، والمعدَّلة في اللهجة العامية في بلاد الشام تطلق على المرأة المتميزة في تنظيف بيتها، وقيامها بطهي الطعام، ورعاية زوجها، وأولادها.. إلخ. ونظرة أخرى لهذه الكلمة (بعيدا عن التعديلات الوراثية) قد تدع مجالاً للمرأة لتعدل وتطور ممارساتها وقدراتها من خلال التعلم المستمر وربط ما تتعلمه بهويتها وغاياتها وما يساعدها للنجاح في الدارين.

 

 


[1] Arar, K., Sawalhi, R., Blaik, R., Hollweck, T., & Brion, C., Women in Educational Leadership and community building: Voices across the Globe. Springer Nature. (under review(

[2] يمكن الاطلاع على The Price of Motherhood: Why the Most Important Job in the World is Still the Least Valued 

by Ann Crittende.

 

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...