الابتكار الاجتماعي
لماذا يجب أن يكون للمرأة دور أكبر في الابتكار؟

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 7

لماذا يجب أن يكون للمرأة دور أكبر في الابتكار؟

   Greg Satell

مقال مترجم من Digital Tonto Version



بين الحين والآخر؛ أتلقى تعليقاً من أحد الحضور بعد إلقاء كلمة رئيسية، أو من شخص قرأ كتابي "رسم خريطة الابتكار
Mapping Innovation"، حول سبب إدراجي لعدد قليل من النساء. مُحرَجاً، أحاول أن أوضَح أنه: كما هو الحال في العديد من المجالات التي يهيمنُ عليها الذكور، فإنّ تمثيل المرأة ناقص بشكل محزن في مجالَي العلوم والتكنولوجيا.

ولا علاقة لهذا بالقدرة الفطرية، ففي الواقع، لا تحتاج للبحث كثيراً للعثور على نساء وصلن لقمة الابتكار، مثل جينيفر دودنا، التي ابتكرت تقنية كريسبر أو جوسلين بيل بورنيل، التي حصلت مؤخراً على جائزة الاختراق لاكتشافها النجوم النابضة. وفي الماضي، أحدثت نساءٌ مثل جريس هوبر وماري كوري تأثيرات كبيرة.

وتُظهر كثرة الأدلة أنّ المرأة تستطيع تحسين جهود الابتكار إلى حدّ كبير، لكن غالباً ما يتمّ تنحيتها جانباً. وفي الواقع، عبر التاريخ، أخذ الرجال الفضل في الاكتشافات التي حقّقتها النساء، لذا سيكون من العدل والإنصاف إعطاء المرأة دوراً أكبر في الابتكار، لكنّ الأهمَّ من ذلك أن القيام بهذا سيؤدي إلى تحسين الأداء.

قوة التنوّع

على مدى العقود القليلة الماضية؛ كانت هناك العديد من الجهود لزيادة التنوع في المنظمات، ومن المؤسف أنه غالباً ما يُنظر إلى هذه الأمور على أنها مسألة تصحيح سياسي أكثر من كونها مبادرات إدارية جادة، وعلى أيّ حال، ما يخطر على البال هو: لماذا لا تختار أفضل رجل للوظيفة وانتهى الأمر؟

والحقيقة هي أن هناك أدلة علمية وفيرة على أن التنوع يحسن الأداء، وعلى سبيل المثال: وجد الباحثون في جامعة ميشيغان أنّ المجموعات المتنوعة يمكن أن تحل المشكلات بشكل أفضل من فريق متجانس أكثر ولديه قدرات موضوعية أكبر، فأظهرت دراسة أخرى قامت بمحاكاة الأسواق أن التنوّع العِرقي قلَّل من حصول تضخُّم في قيمة الأصول.

في حين أنّ الدراسات المذكورة أعلاه تحاكي التنوع في بيئة خاضعة للرقابة فقط، إلا أنّ هناك دليل من العالم الحقيقي على أنّ التنوع يحقق نتائج أفضل، إذ وَجَدَ تقرير لشركة ماكينزي غطى 366 شركة عامة في مجموعة متنوعة من البلدان والصناعات أنّ الشركات الأكثر تنوعاً في العِرق والجنس كان أداؤها أفضل بكثير من غيرها.

تكمن المشكلة في أنه عندما تقوم بتضييق الخلفيات والتجارب والتوقعات للأشخاص في فريقك، فإنك تحدّ من عدد فضاءات الحلول التي يمكن استكشافها، وفي أحسن الأحوال، ستُولّد أفكاراً أقل، وفي أسوأ الأحوال، فإنك تخاطر بإنشاء غرفة تتكرر فيها وجهات النظر نفسها كالصدى، ويتم فيها تطبيع التحيّزات المتأصلة، ويسود فيها التفكير الجمعي.

كيف تقوم النساء تحديداً بتحسين الأداء؟

في حين أنّ زيادة التنوع بشكل عام يزيد من الأداء، إلا أنه توجد أدلة على أن تأثير المرأة عليه على وجه التحديد كبير. وفي الواقع، في دراسة واسعة النطاق، سعى فيها الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وكارنيجي ميلون إلى تحديد درجة ذكاء عامة للفِرق، لم يتوصلوا إلى أن الفِرق التي تضمنت نساء كانت نتائجها أفضل فحسب، بل توصلوا أيضاً إلى أنه كلما زادت نسبة النساء، كان أداء الفرق أفضل.

في البداية تبدو النتيجة غريبةً، ولكن عندما تتعمق أكثر في البحث، يبدو لك الأمر أكثر منطقية، وقد خَلَصت الدراسة أيضاً إلى أن أعضاء الفِرق عالية الأداء أبلوا بلاءً جيداً في اختبار الحساسية الاجتماعية، وكانوا يتناوبون عند التحدث. وعلى نحو متوقع، أداء النساء في هذه المعايير أفضل من أداء الرجال.

تطلب اختبارات الحساسية الاجتماعية من المستجيبين استنتاج مشاعر شخص ما من خلال النظر إلى صورة، وتميل النساء إلى الحصول على درجات أعلى من الرجال في هذا الاختبار. وأما بالنسبة للتناوب أثناء المحادثة، فهناك سبب يجعل اللغة الإنجليزية تحوي كلمة مثل "mansplaining"، والتي تعني شرح شيء لامرأة بأسلوب متعالٍ، ولا توجد فيها كلمة "womensplaining"، فعادة ما تكون النساء مستمعات أفضل.

وتتوافق نتائج الدراسة مع شيء لاحظتُه في بحثي عن الابتكار، وهي أنّ أفضل المبتكِرين لا يشبهون الصورة النمطية عن كونهم عدوانيين ومتقلبي المزاج، لكنهم يميلون إلى أن يكونوا عباقرة هادئين، وهم ليسوا غالباً من الأشخاص الذين يثيرون إعجابك من اللحظة الأولى، ولكنهم أولئك الذين يستمعون للآخرين ويشاركون أفكارهم بسخاء.

تغيير الديناميكية الاجتماعية

إنّ أحد الأسباب التي يتم إغفال المرأة بسببها في الغالب، إلى جانب التمييز الجنسي على الطراز القديم؛ هو أن هناك مفاهيم خاطئة هائلة حول ما يجعل الشخص مبتكراً جيداً. ففي كثير من الأحيان، نتخيل أنّ أفضل المبتكرين سيكونون مثل ستيف جوبز - جريئاً وعدوانياً ومتسلطاً - في حين أن عكس ذلك تماماً هو الصحيح.

لا تدعِ الأمر يلتبس عليك، فالمبدعون العظماء هم متعاونون رائعون، ولهذا السبب توصّل البحث إلى أنّ الفِرق الناجحة تسجل درجات عالية في الحساسية الاجتماعية، ويتناوبون في التحدث والاستماع إلى بعضهم البعض بدلاً من التنافس للهيمنة على المحادثة، فلا تُحل المشكلة المعقدة بفكرة وحيدة تُطرح على الطاولة، ولكن يتم دمج الأفكار للوصول إلى الحل الأمثل.

لذلك في حين أنه من الصحيح أنّ هذه المهارات شائعة أكثر عند النساء، فإن الرجال أيضاً لديهم القدرة على تطويرها. وفي الواقع، ربّما تكون أفضل طريقة ليتعلم بها الرجال تلك المهارات هي أن يوطدوا معرفتهم بالنساء الموجودات في مكان العمل، إذ أن التعرض لأسلوب عمل أكثر تعاوناً لن ينجم عنه إلا الفائدة.

وبالإضافة للجوانب الأخلاقية والعادلة لإدخال المزيد من النساء في المجالات ذات الصلة بالابتكار ومنحهن وصولاً أفضل إلى وظائف جيدة عالية الأجر، هناك أيضاً عنصر عمليّ، فوجود النساء يزيد من إنتاجية الفِرق.

بناء الجيل القادم

وَجَدَ الباحثون الاجتماعيون دليلاً على أنّ السبب الرئيسي الذي يجعل النساء أقل عرضة للانخراط في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يرتبط بالتحيزات الثقافية أكثر من ارتباطه بأي قدرة فطرية، وعلى سبيل المثال: يتم تشجيع الفتيان بشكل أكبر على بناء الأشياء أثناء اللعب؛ وبالتالي تتطور لديهم مهارات الإدراك المكاني في وقت مبكر، في حين يمكن للفتيات بناء نفس المهارات بنفس التدريب.

ويلعب التحيز الثقافي أيضاً دوراً في مقدار التشجيع الذي يحصل عليه الطلاب الصغار، إذ أنّ مواد العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يمكن أن تكون أكثر صعوبة من غيرها، ووجدتْ الدراسات أنّ الفتيان غالباً ما يتلقّون دعماً أكثر من الفتيات؛ بسبب إيمان المعلمين بامتلاكهم موهبة فطرية. وربما هذا هو السبب في أنه حتى الفتيات اللواتي يتمتّعن بكفاءة عالية في الرياضيات والعلوم تكون احتمالية اختيارهن لتخصص في تلك المجالات أقل مقارنة بالفتيان، حتى وإن كانوا ذوي قدرة أقل منهن.

بيد أنه يمكن للتحيزات الثقافية أن تتطور بمرور الوقت، إذ يوجد عدد من البرامج المصمَّمة لتغيير المواقف السائدة تجاه المرأة والابتكار. وعلى سبيل المثال: يوفر برنامج "الفتيات اللواتي يُجدن البرمجة Girls Who Code" التدريبَ والتشجيع للشابات، وقد تم تصميم "مبادرة علِّمها initiative TeachHer" التابعة لليونسكو لتوفير فرص تعليمية أفضل.

وربما الأهم من ذلك كله، أن مثل هذه المبادرات يمكن أن تخلق دعماً للأقران ونماذج يحتذى بها، فعندما ترى الشابات نساءً مثل جينيفر دودنا وجوسلين بيل بورنيل والفيزيائية البارزة ليزا راندال يحققون أشياء عظيمة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات؛ فمن المرجح أن يخترن مساراً مماثلاً، فمع قيام المزيد من النساء بالابتكار، سيتحسن الحال بالنسبة لنا جميعاً.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...