الابتكار الاجتماعي
ما السبب وراء حاجة المرأة إلى المكتب؟

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 7

ما السبب وراء حاجة المرأة إلى المكتب؟

من المسلم به عالمياً أن المرأة تتحمل عبئاً أثقل من الرجل عندما يتعلق الأمر برعاية الأطفال والأعمال المنزلية. وقد أصبح الأمر أكثر صحة أثناء تجربة العمل في المنزل التي حدثت بسبب الجائحة، ومن المرجح في المستقبل أن يصمد الهجين المحتمل للعمل الجزئي عن بعد. من المغري لبعض النساء ألا تطأ قدمهن أرض المكتب مرة أخرى، إذا سمحت شركاتهن بذلك، حتى يتمكّن من تخصيص الوقت الضائع في التنقل أو الدردشة في المكتب لمسائل عائلية أكثر إلحاحاً. حيث وجد بحث أجراه Nicholas Bloom وزملاؤه من جامعة ستانفورد أن 32٪ من النساء الأمريكيات الحاصلات على تعليم جامعي ولديهن أطفال يرغبن في العمل عن بُعد بدوام كامل، مقارنة بـ 23٪ من الرجال.

مثل هذه القرارات مفهومة تماماً لأسباب ليس أقلها أنه إلى جانب المزيد من المسؤوليات في المنزل، لا يمكن أن يكون نصيب النساء في العمل نزهة مثلاً. إذ أنه غالباً ما ينتهي الأمر بالمديرات بلعب الأدوار التقليدية للذكور والإناث، حيث يقدن المجموعة بينما يرعين كذلك أولئك الذين تركنهن وراءهن. إن اضطرارهن للعب الكثير من الأدوار في نفس الوقت قد يكون مرهق لهن.

هذا القرار مفهوم لكنه مؤسف رغم ذلك. إن بعض أسبابه دنيوية. إذ تجد كاتبة العمود Bartleby، أن المكتب يقدم استراحة ترحيبية من واجبات التدبير المنزلي وتربية الأطفال التي لا تنتهي. وهناك أسباب أخرى مادية. اقترحت إحدى الدراسات السابقة للجائحة حول التوازن بين العمل والحياة أن النساء أكثر عرضة من الرجال لتجربة "وصمة العمل المرن".

في أعقاب كوفيد -19، أصبحت ترتيبات العمل المرن أقل وصماً (حتى هذا الوقت). وقد حذر تقرير حديث للحكومة البريطانية من أن الإقبال قد يكون غير متساو بين الجنسين. لأنه إذا كانت المزيد من النساء تعملن من المنزل، وتتحملن نصيباً أكبر من المسؤوليات الأسرية، فقد تكون النتيجة حدوث فجوة في الأجور بين الجنسين تكون هي الأكبر وتشكل سقف يصعب تجاوزه أكثر من أي حد مضى.

هناك سبب آخر يصعب إدراكه وهو أن النساء اللواتي لم يعدن إلى العمل يفوتهن الكثير. صحيح أنه عدم وجود الرسميات ليست ميزة تتوفر في كل أماكن العمل مثل The Economist (بوجود روح الدعابة والمناقشات حول قوة العضلات والتسهيل الكمي، وعلاوة مخاطر الأسهم). إلا أنه حتى في ظروف الشركات المملة أثناء المشي في الممر، أو غسل اليدين في الحمام أو صنع فنجان آخر من القهوة في المطبخ، فأنت على بعد ثوانٍ فقط من محادثة أو مزحة. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي – باعتراف الجميع الذي لا يمكن التعويل عليه وبطرق يصعب قياسها - إلى تحفيز العفوية وتوليد أفكار جديدة.

بالمقارنة مع ذلك، فإن التعاون الافتراضي يشبه الحليب المبخر مع إزالة 60٪ من الماء منه: أكثر أماناً، ويتعلق معظمه بالوظيفة، ولكنه نسخة معقمة من التفاعل الظاهري ذو المذاق غير المُرضي. إن للقرب الجسدي مخاطر أعلى (الموت أو الإصابة على يد العدو، أو التعرض للهجوم وجهاً لوجه، أو أنه أكثر إيلاماً من تغريدة لئيمة، أو الإصابة بعدوى كوفيد -19). كما أن له مكاسب أكثر، من ضمنها المكاسب العاطفية التي لا تقل أهمية عن تلك العملية.

على الرغم من أن الزمن قد تغير، فإن العديد من العاملات، بما في ذلك بارتلبي، يجدن أنفسهن يتعاطفن مع إيرينا، إحدى "الأخوات الثلاث" في مسرحية أنطون تشيخوف الصادرة عام 1900. متحصنة مع شقيقتيها في الريف وهي تتوق للذهاب لموسكو - ليس فقط لكونها حيوية ومليئة بالخبرة الحياتية، ولكن للفرصة التي توفرها للعمل. تعكس رغبتها الشديدة في العمل محاولة للهروب من ملل الحياة المنزلية والاستثمار بحياة ذات معنى من خلال فرض أطر وحس بالمساءلة. لقد أدرك العديد من المديرين التنفيذيين المعاصرين، ذكورا وإناثا، قناعة تشيخوف بأن الحماية من العمل هي نقمة وليست نعمة. الشيء نفسه ينطبق على الحماية من المكتب، على الرغم من تعقيداته التي لا تعد ولا تحصى.

هناك عدة جوانب سلبية لكونك عامل مرن فعال إكلينيكياً، تشمل التخلي عن المزاح اليومي بين الزملاء الذين يصبح الكثير منهم أصدقاء. إن النساء المصممات على عدم إضاعة دقيقة واحدة عندما يكون بإمكانهن القيام بمهام متعددة سوف يتخلين عما هو أكثر من مجرد التقدم المهني، على الرغم من أهميته إلا أنهن يتخلين كذلك عن الشعور بشيء من الارتباط بالآخرين. إن الكفاءة والمسافة المفرطتان تعنيان فرصة أقل للتوتر بين الأشخاص، ولكن أيضاً فرح غير مبرر أقل، وهو ما يصعب تكراره على Zoom.

إن هذه اللحظات القصيرة من الفرح هي جزء مهم من الحياة العملية. فهي ليست موجودة في كل مكان ويجب أن نعتز بها على وجه التحديد لأنها لا تدوم. وتوصي بارتلبي بتبديد الدقائق الثمينة، هنا وهناك، على روح الزمالة والفرح الذي لا طائل من ورائه. يكلفنا ذلك تحملاً للجوانب المضجرة من الحياة المكتبية ولكن قد تكون عوائده العاطفية والعملية هائلة.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...