مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 8

20 فائدة من زيارة 20 شركة في وادي السيليكون

في الساعة الواحدة والنصف ظهراً من يوم الأحد، وصلت الطائرة إلى مطار سان فرانسيسكو قادمة من لندن. وصلتُ سان فرانسيسكو ومعي شنطة ظهر، وشنطة كبيرة، وعشرون سؤالاً حول الابتكار.

أخذت شنطةً بيدي وأخرى على ظهري وأسئلتي في صدري وخرجت. وجدت أحبة في الخارج ينتظرونني، انطلقنا لتناول القهوة في المدينة، مررنا بـ "بلو بوتل كافيه"، شبيه قهوة "خطوة جمل" في السعودية، لست أدري أيهما أخذ الفكرة من الآخر، أم أنها محض صدفة وتوارد أفكار.

بالمناسبة، ليس عيباً أن تأخذ أفكاراً موجودة وتطور أو تحسّن عليها، اقرأ الكتاب الجميل "اسرق مثل الفنان" -إن صحت الترجمة-.

ثم مشينا بجانب الخليج إلى أن وصلنا إلى بيير 39، تناولنا الغداء بإطلالة على سجن ألكتراز الشهير وسط الخليج، وهناك قصة ابتكارية لطيفة تتعلق بترميم هذا السجن.

توجهنا بعدها إلى الفندق في مدينة لطيفة تدعى سانيفيل في وادي السيليكون.

اليوم التالي كان انطلاقة خمسة أيام مميزة، بل أكثر من مميزة. في هذه الأيام الخمسة، التقينا 20 شركة. شركات مثل جوجل وفيسبوك وبوك وديل وأمازون ويب سيرفيسس وآيديو وبلج آند بلاي وتيسلا وزرنا جامعة بيركلي وزرنا شركات استثمارية والتقينا برواد أعمال ومستثمرين وبعض الأذكياء "المجانين".

في هذه الزيارات واللقاءات تعلمت الكثير، ووجدت بعض الإجابات لأسئلتي العشرين. إليكم 20 درساً وفائدة من هذه الرحلة:

تعلمت أن التنوع والاختلاف الثقافي والمعرفي مهم للغاية، وهو سبب رئيسي في زيادة الابتكار. هل تصدقون أن قرابة %80 من الذين قابلناهم في هذه الشركات العملاقة لم يكونوا بالأصل أمريكيين، بل لا يتكلمون اللهجة الأمريكية، وأبرزهم قائد فريق تيسلا، أظنه فرنسي، وذلك المدير الروسي اللطيف في جوجل، والذي لربما سألناه أكثر من 40 سؤالاً في ساعة واحدة، و "عمر" الشاب الحبيب في أمازون، وذلك الهندي المميز للغاية من شركة فيسبوك، والمستثمر الروسي العجيب، الذي جلسنا معه 40 دقيقة، هي أثمن عندي من 40 ألف دولار، وغيرهم كثير.
تعلمت في رحلتي أن الحظ والدعاء -وفي ثقافتنا نقول: التوفيق- هما سبب أساسي لنجاح الاستثمارات -خصوصاً في المراحل المبكرة-. أكبر المستثمرين وأحذقهم فشلوا في استثمارات ظنوها ناجحة، ونجحوا في أخرى لم يتصوروا أبداً نجاحها بعُشر النجاح الذي وصلت إليه. وإذا سألتهم عن سر نجاح الاستثمارات، قالوا الحظ، وزاد آخر "والدعاء".
تعلمت أن أهم ما يساعد على نمو الشركات وازدهارها هو بناء علاقة وخط اتصال دائم ومباشر مع العملاء، لفهمهم أكثر وفهم احتياجاتهم ومشكلاتهم.
تعلمتُ كما تعلمتْ جوجل من مغامرة جوجل بلس، أن لا تحاول المنافسة في فن قد سبقك فيه المنافس بمسافة طويلة، ادّخر جهدك لما تجيد وتحسن، والعالم مليء بالفرص.
تعلمت أن الزعزعة أو "الديسرابشين" ليس سببه المباشر التقنية، بل عملاء حانقون. بعض الشركات تخشى على عميلها من المنافسين، وفي الوقت نفسه تدفع ذلك العميل نفسه لتركها، بشكل مباشر أو غير مباشر. لذلك تعتبر تجربة العميل، وخدمة العملاء على درجة عالية من الأهمية.
في جوجل، المبرمج يمكن أن يأخذ مثل راتب نائب الرئيس، هذه بشرى للمبرمجين.
أحد أكبر مدراء نظام آندرويد في جوجل ليس معه شهادة جامعية. هذه غريبة، لكن ليست غريبة على وادي العجائب. إذ لم تعد إدارة جوجل تشترط الشهادة الجامعية في التوظيف. أمضت جوجل سنوات طويلة في التركيز على استقطاب طلاب أفضل 5 جامعات في الولايات المتحدة، قبل أن تثبت أبحاثهم أنه لا علاقة مباشرة بين المؤهل العلمي والإنجاز والإبداع في العمل.
تعلمت أن الفضول أو حب الاستطلاع من أهم علامات الإبداع في الشخص، لا توظف من لا توجد لديه هواية، ولو هواية الطبخ.
تعلمت أنه في كل الشركات الكبيرة، هناك تحديات في تعاون الأقسام مع قسم الابتكار -إن كان ثمة قسم مختص بالابتكار-، وهذا يحتاج إلى تثقيف وتدريب وحوافز للابتكار، بالإضافة إلى إيجاد أهداف مشتركة بين قسم الابتكار وأقسام الأعمال الأخرى في الشركة.
قررت شركة بروكتر آند جامبل العريقة أن لا تستثمر أكثر من 50,000 دولار لتجريب أي فكرة والتعلم منها، بدلاً من مليون دولار من قبل. وهذا زاد من قدرتهم الإبداعية. التجريب والتعلم بسرعة وبكلفة أقل يقلل المخاطر ويزيد من ثقة الشركات لتجربة المزيد والمزيد.
شركة بلج أند بلاي وهي مسرعة أعمال شهيرة لديها نموذج عمل مميز للغاية، دخلهم من الشركاء الذين يرغبون بحماية أنفسهم من اختراق الشركات الناشئة من خلال إعطائهم القدرة للاطلاع على أفكارهم ومشاريعهم في مرحلة مبكرة، ومن ثم يُمكنهم الاستثمار فيها. المسرعة لا تأخذ دولاراً واحداً من الشركات الناشئة أو أية حصة من الشركات المستثمرة، وفي الوقت نفسه، إن كان لديك فكرة تتعلق بالأمور المالية مثلاً، فهذه المسرعة تعتبر من المسرعات القليلة التي تستطيع أن تأتيك بـ 40 بنك في نفس القاعة لتعرض عليهم فكرتك.
شركة بوكس لديهم بيئة مميزة للغاية، لديهم بيئة عمل مفتوحة، المكاتب المغلقة قليلة جداً، حتى الرئيس التنفيذي يجلس في مكان مفتوح. هناك نائبة رئيس متخصصة في التركيز على بناء البيئة. لديهم نظام دوام مرن، واستطلاع رأي يتعلق بالبيئة كل 6 أشهر، ولديهم أنواع الترفيه، والأكل يقدم مجاناً كل يوم من خلال 5 طهاة حاصلين على نجمة ميشلين. وفي "بوكس" لديهم منصب فخري لطيف إسمه "الرئيس التنفيذي للمرح – سي إف أو"، وظيفته زيادة الاندماج الوظيفي والانتماء لدى الموظفين.
“لماذا قامت النهضة الصناعة الأولى في إنجلترا وليس في أي بلد آخر؟" الجواب: بسبب "الإدارة". هذه كانت نتيجة بحث طويل جداً لبروفيسور في جامعة بيركلي. نقطة أخرى مرتبطة، قبل أن تدرّب الموظفين على تقنية حديثة معينة، يجب أن تُثقّف المدراء حول هذه التقنية حتى يكونوا قادرين على استثمار هذه التقنية والقدرات الجديدة. الإدارة أهم من التقنية والمال.
في أمازون، إذا أردت أن تبدأ فكرة جديدة أو مشروعاً جديداً فيجب أن تكتب الخبر الصحفي لهذا المشروع، مع الأسئلة والإجابات وكل التفاصيل، وتنشره في الشركة.
تخطت أمازون مسألة الشحن السريع، "الشحن في نفس اليوم"، يسعون الآن إلى "الشحن خلال لحظة" أو حتى بدون وقت. يخططون للبدء بشحن البضائع قبل أن تطلبها.
تكلفة بناء شركة ناشئة اليوم قد لا تتجاوز الـ 1,000 دولار بسبب الكثير من الخدمات السحابية شبه المجانية. بينما كانت تكلف مئات الآلاف لنفس الشركة الناشئة قبل سنوات. هذا يعني منافسة أكبر وخطر أعظم على الشركات الكبيرة.
العالم اليوم يتجه نحو التأجير أكثر من البيع، وهذا هو المستقبل ليس فقط في أنظمة المعلومات، بل حتى في كثير من الصناعات. شركة بورش الآن لديهم خدمة الاشتراك الشهري لقيادة السيارة بدلاً من شرائها.
هناك مقولة تقول: "تذكّر بأن الناس لا يريدون شراء مثقاب بمقاس ربع إنش، هم يريدون ثقباً في الحائط بمحيط ربع إنش"، هذه المقولة تجعلك تنظر للخدمة التي تقدمها بشكل مختلف، وتجعلك تعرف أن هنالك منافسين لك، قد يكونوا من خارج محيطك، ليس شرطاً أن يكونوا صانعي مثاقيب.
تعلمت أنك قد لا تجد إجابة لكل سؤال، فإن لم تستطع الحصول على إجابة، فاكتب أنت الإجابة. خض التجربة وأبحر واستكشف، ثم أخبرهم بالإجابة. أكتب الكتاب الذي تحب أن تقرأ، واصنع القصة التي تتمنى أن تسمع.
اكتشفت في هذه الرحلة أننا في شركة "عِلم"، وبالأخص في مجال الابتكار، أفضل بكثير مما كنت أتصور. قد لا يكون من اللائق أن يُثني الشخص على المكان الذي يعمل فيه، لكنني اكتشفت أن لدى شركة "علم" نظرة فريدة في بناء الموظف المبدع، ليس مبدعاً فقط في عمله، بل في بيته ومجتمعه. واكتشفت أن شركة علم لديها نظام فريد لبناء الولاء ومكافآت الابتكار، أسميناه "8848"، لم نرَ مثله في كبريات الشركات. واكتشفت أن توجهنا للبحث عن التحديات واكتشاف الاحتياجات وإيجاد الحلول الإبداعية لها وفق منهجية وخطة متكاملة يعتبر أمراً مميزاً. واكتشفت أن سعينا لابتكار منهجية لقياس مدى نضوج البيئة الإبداعية في الشركات هو أمر فريد، وكذلك الأمر بالنسبة لبناء مؤشرات قياس أثر الابتكار في المنظمات، وغير ذلك كثير، فالحمد لله رب العالمين.

أغلب هذه الفوائد أخذتها من أفواه قائليها، وهم في الغالب مدراء كبار في شركات كبيرة في وادي السيليكون.بينما كنت أكتب الفوائد لهذا المقال وأنقحها، اكتشفت أن عندي قرابة الأربعين فائدة بدلاً من العشرين. فها قد وضعت بين أيديكم العشرين الأولى وهناك عشرين أخرى إن أمدّ الله في العمر.

أتمنى أن تكونوا قد استمتعتم بالمقال واستفدتم منه ولو باليسير. لا تبخلوا بالنشر حتى تعم الفائدة. ودمتم مبدعين.