الابتكار الاجتماعي
تصميم تجربة تعلم مرتكزة على القيم

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 9

تصميم تجربة تعلم مرتكزة على القيم

   غياث خليل هواري

يعتبر العمل في تصميم تجارب تعلم أحد أساليب التأثير الاجتماعية العميقة، فهي تتجاوز عملية بناء القدرات والتدريب المنهجي لتصل لفهم المتعلم، وكيفية إدماجه ليكون في أساس عملية التغيير السلوكي الحقيقي للمتعلم، التي ترصد وتفهم من خلال السلوك الجماعي للمتعلم، أي بقدرة المتعلم على عكس ما تعلمه في حياته وممارساته الاجتماعية أو المهنية.

ونهدف في هذا المقال إلى تسليط الضوء على مفهوم تصميم تجربة التعلم، وخاصة تلك التجربة التي ترتكز على القيم الأساسية للمتعلم، أو تلك التي يراد أن تغرس كقيم تساعد المتعلم في نموه.

بداية ما هي التجربة؟

يعرف مفهوم التجربة - بأحد أشكالها العملية - بأنها المعرفة والخبرات التي يشكلها الشخص فيما يتعلق مباشرة بالواقع .

ما هي تجربة التعلم؟

تجربة التعلم هي بكل بساطة أي تجربة تتعلم منها، ومن الممكن أن تحدث في المدرسة، أو في العمل، أو في المتحف، أو في المنزل، أو في الهواء الطلق، أو في أي مكان يمكنك تخيله. من الممكن أن تكون في العالم الواقعي أو في بيئة افتراضية أو في مزيج من كليهما.

ما هو تصميم تجربة التعلم؟

تصميم تجربة التعلم: هو عملية صنع التجارب التعلمية التي تمكن المتعلم/ المستفيد من تحقيق النتائج التعليمية المرغوبة عبر طريقة تتمحور حول الإنسان وموجهة نحو تحقيق أهداف محددة.

تصميم تجربة تعلم مرتكزة على القيم:

لن تكون تجربة التعلم ذات جدوى إذا لم تصل إلى المقاصد الأصيلة من هذه العملية في التغيير والتحول على مستوى القناعات (منظومة التفكير) وعلى مستوى التغيير والتطور في السلوكيات والممارسات.

ويعد اختيار الأهداف الصحيحة وتشكيلها جزءاً مهماً من تصميم تجربة التعلم، وتحديد الأهداف عادة ما ينبع من فهم ووعي كامل للقيم الأساسية التي نرغب أن تراعى في تصميم تجربة التعلم، وعند وضع أهداف التعلم في تصميم التجربة يكون هنا المكان المناسب في اعتبار منظومة القيم التي نرغب بغرسها في تجربة التعلم المراد تصميمها.

القيم في إطار تصميم تجربة التعلم:

تعرف القيم في الإطار العام بأنها مولدات السلوك الفردي والجماعي. ولا يمكن لهذه القيم أن تكون بمعزل عن المفاهيم الناظمة لها، ولا يمكن التعامل معها دون فهم المؤشرات السلوكية الدالة على هذه القيم، وبهذا يعتبر تحديد القيم المراد إكسابها أو تعزيزها أمراً مهماً ضمن عملية تصميم التعليم باعتبارها إحدى المحركات الأساسية التي تساعد في انخرط المتعلم، وبالتالي من الضرورة بمكان أن نقوم بداية بتحديد هذه القيم مع التعريف المحدد لها، وربط هذا التعريف بالمؤشرات السلوكية المراد إدماجها في عملية تصميم التعليم، حيث تعكس المؤشرات السلوكية الممارسات التي نريد الوصول إليها على مستوى الفرد والجماعة والمؤسسة والمجتمع.

عملية تصميم تجربة التعلم:

خطوات المبادئ الأساسية لتصميم تجربة تعلمية:

Asset 20@2x.png

1. السؤال/ التحدي:

تبدأ بسؤال يحتاج إلى إجابة عنه، أو بمشكلة تحتاج إلى حلها، أو غاية تريد الوصول إليها مع المتعلم:

  • كيف يمكننا تعليم المراهقين الذين يعانون من البدانة عيش أسلوب حياة صحي؟
  • كيف يمكننا مساعدة رواد الأعمال على استخدام وقتهم بفاعلية؟
  • كيف يمكننا مساعدة طلاب الثانوية على الالتزام بالأهداف التي يرغبون بتحقيقها؟

في هذه الخطوة يتم :

  • تحديد التحدي الذي تسعى تجربة التعلم تقديمها.
  • تحديد القيم الأساسية التي نرغب أن تكون مندمجة في تجربة التعلم كالانضباط والتوازن والفاعلية... إلى آخره.

2. البحث:

يجب أن تبحث عن شيئين لاستكمال تصميم تجربة تعلمية:

المتعلم: الذي حددنا التحدي الذي يواجهه ونفهم القيم المناسبة له.

  • يعد البحث عن الأشخاص الذين سيتعلمون من التجربة التي تصممها جزءاً حيوياً من عملية التصميم.
  • هناك طرق متعددة للتواصل مع المتعلم، والطريقة الأسهل والأكثر فاعلية هي ببساطة التواصل معهم عن طريق المحادثة أو الرصد أو المقابلة.

نتائج التعلم: الأثر السلوكي لتجربة التعلم مع المؤشرات السلوكية للقيم التي نرغب رؤيتها.

  • تحدد نتائج التعلم كيف ستؤثر تجربة التعلم على حياة المتعلمين بطريقة إيجابية.
  • تتحدث عما يكتسبه التعلم من هذه التجربة، وكيف يكون ذلك ذا صلة بالمتعلّم.
  • بمجرد معرفة نتيجة التعلم المطلوبة، يمكننا معرفة أهداف التعلم المختلفة.
  • نحدد القيم مع المؤشرات السلوكية التي تكون متضمنة في تجربة التعلم.

في هذه الخطوة يتم:

  • فهم المتعلم وخصائصه واحتياجاته بشكل عميق، وفق التحدي الذي نعمل عليه من خلال التواصل مع المتعلم.
  • تحديد النتائج التي نرغب بتحقيقها والقيم المساعدة للوصول لهذه النتائج.
  • تحديد المؤشرات السلوكية للقيم المرغوب غرسها في تجربة التعلم.

3. التصميم:

توليد الأفكار الجيدة هو وقود عملية التوصل لحلول مناسبة، وأسهل طريقة للتوصل إلى الأفكار هي من خلال استثارة الأفكار، ويمكن القيام بدعوة أشخاص للمشاركة في عملية تبادل الأفكار، لأن وجود أشخاص ذوي وجهات نظر مختلفة سيكون مفيداً.

في هذه الخطوة يتم:

  • البدء بتشكيل مفهوم واضح محدد عن فكرة تجربة التعلم المرادة. فمثلاً: تتطلب التجربة المستندة إلى الحلول الرقمية - على الأرجح - تصميماً وظيفياً، بينما تتطلب التجربة المستندة إلى أنشطة ميدانية كالألعاب تصميماً للعبة.

4. التنفيذ/ حول تصميم النموذج الأولي :

في هذه المرحلة ننتقل للبدء في التفكير عبر التطبيق (فكر بيديك) لتصميم تجربة التعلم:

في مرحلة التطوير نأخذ المفهوم الذي اعتمد في مرحلة التصميم ونحوله إلى نموذج أولي. والنموذج الأولي هو تجسيد للتجربة بالشكل العملي بأبسط وأسهل الطرق التي تعكس فكرة التصميم، وطريقة تفاعل المستفيدين مع التجربة، والنتائج الملموسة التي يمكن أن يحصل عليها المشارك في التجربة والنتيجة تتعلق في نوع التجربة التي نصممها.

في هذه الخطوة يتم:

  • إعداد النموذج الأولي لتجربة تعلم بشكل أولي، وقابل للاختبار مع المستفيد، وأن يكون:
    • بسيطاً، بصرياً، ويعكس تجربة التعلم، ومنخفض التكلفة.
    • يتوافق مع نوعية التجربة.

5. اختبر ما قمت بتصميمه:

هل يعمل النموذج الأولي الخاص بك بالفعل؟ ضع نموذجك الأولي تحت الاختبار لمعرفة إذا ما كان:

  • أي من أهداف التعلم حققها المتعلم، وإذا ما تم تحقيق نتيجة التعلم الفعلية.
  • تصميمك يروق للمتعلم أيضاً.

وهناك طرق مختلفة لاختبار نموذجك الأولي، وتحتاج إعداداً للاختبار حتى تعرف ما تختبره عندما يشارك المتعلمون في التجربة، ويمكن أن يساعد وجود قائمة أسئلة للمتعلم في تحقيق أقصى استفادة من جلسة الاختبار.

في هذه الخطوة يتم:

  • تحضير النموذج الأولي لتجربة التعلم لكي تعرض على المستفيدين.
  • تحديد قائمة من الأمور التي تختبر مع المشاركين لكي ننظم عملية التغذية الراجعة.
  • تدوين الملاحظات بطريقة تساعد في تطوير النموذج، فالنتائج التي تحصل عليها من الاختبار ستؤدي إلى إعادة النظر في بعض أو كل الخطوات السابقة. 
  • إجراء المزيد من البحث، أو تغير التصميم، أو ترقية نموذجك الأولي، في حال الحاجة لذلك، ومن الممكن أيضاً أن تطرح سؤالاً مختلفاً قد يؤدي إلى دورة تصميم جديدة تماماً. 
  • تكرار هذه الدورة حتى تشعر أنت (والمتعلم) بالرضا عن النتائج.

6. الإطلاق:

هنا نبدأ العمل في تنفيذ تجربة التعلم وتحويله لنشاط عملي يطبق على مجموعات واسعة، ممن تنطبق عليهم التحديات التي تم العمل عليها في تصميم تجربة التعلم، أو الأهداف التي وضعت والقيم المرغوب نشرها .

في هذه الخطوة يتم:

  • وضع خطة عمل تستهدف تطبيق تجربة التعلم على الشرائح المستهدفة.
  • الاستمرار في تلقي التغذية الراجعة للتطوير المستمر.
  • البحث عن مساحات جديد لزيادة وتوسيع نطاق تطبيق تجربة التعلم المقدمة.

صفات مصمم تجربة التعلم:

يتطلب تصميم تجارب التعلم مجموعة معينة من الصفات التي تمكن مصمم تجربة التعلم من الوصول إلى أفضل التجارب التعلمية الممكنة، ومن أهم تلك الصفات التي يتطلبها تصميم التجارب أن يكون مصمم تجربة التعلم:

  • يضع المتعلم في مركز عملية تصميم التجربة.
  • يستخدم الابتكار ويستخدم التنوع كقوة محركة.
  • يصنع تجارب أولية سريعة ومرتكزة على المستفيد.
  • يضمن المؤشرات السلوكية للقيم في تصميم العملية.
  • يتعاون مع فريق متعدد التخصصات من أجل تصميم تجربة التعلم.

وأخيراً علينا التأكيد أن عملية تصميم تجارب تعلم فعالة تعزز تطوير السلوك الإيجابي المرغوب عند المتعلم، وهي عملية يمكن القيام بها في العديد من الأطر التربوية، بدءاً من تصميم تجارب تعلم ضمن أفراد العائلة قد يقوم بها الوالدين، مروراً بالتجارب داخل المدرسة، أو المراكز التربوية المتخصصة والجامعات والمؤسسات العامة، وصولاً لتصميم تجارب تعلم على مستوى المجتمع ككل.   

هذا والله أعلم

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...