الابتكار الاجتماعي
تيك توك ليس مجرد تطبيقٍ بسيط للتسلية

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 10

تيك توك ليس مجرد تطبيقٍ بسيط للتسلية

كتب المدون (يوجين وي Eugene Wei) في عام 2020 موضحاً طبيعة تطبيق تيك توك ذات الرؤية بعيدة المدى نوعاً ما قائلاً: "عندما تنظر في تطبيق توك فإنه ينظر إليك أيضاً"، لا يمكن لأي أحد أن يعلم بالضبط ما تكشفه الخوارزميات وهي تراقب القائمة الموجودة لديك بوصفك مستخدماً مبتدئاً، فقد ترى منشورات عشوائية تتحدث عن نصائح حول كيفية تصميم فستان أنيق، أو شخص يطرد أحد الحيوانات، أو مقطعاً للمغني الأسطوري المؤثر رود ستيوارت، أو آخر للشاعرة مايا أنجيلو وهي تلقي قصيدتها "المرأة الهائلة".

لكن (شومبيتر Schumpeter) يعلم تماماً ما يراه في تطبيق تيك توك، فهو لا يرى فقط الإغراء الجسدي للعديد من المقاطع التي لا يسعه إلا ملاحظتها، بل أيضاً الأموال المتبادلة والتشويق الذي لا تخطئه العين للهدم الإبداعي.

وبالحديث عن الزمن نجد أنه بعد خمس سنوات فقط من إنشاء التيك توك تزعم هذه الشبكة الاجتماعية أنها تجاوزت مليار مستخدم شهرياً على الرغم من حظرها في الهند. وفي 12 يناير من عام 2022، صرحت شركة (App Annie) المتخصصة بجمع البيانات أنّ تطبيق تيك توك لحق بشركة فيسبوك في عام 2021 وتفوق على كل من الواتساب والانستغرام من حيث الوقت الذي يقضيه المستخدمون في استخدام هذه التطبيقات. وعلى الرغم من قرار القاضي في 11 يناير بالسماح للجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية بمقاضاة شركة ميتا -وهي الشركة الأم لثلاثي وسائل التواصل الاجتماعي المذكور- على أسس مكافحة الاحتكار، يبدو أنّ نجاح تطبيق تيك توك يسخر من الحجة القائلة بأنّ فيسبوك هو تطبيق راسخ يصعب اللحاق به أو التغلب عليه.

ويستمد تطبيق تيك توك روعته من الخوارزمية الخاصة به والبيانات التي يتم تدريبه عليها. وعلى عكس صفحة الفيسبوك القابلة للتصفح، فإنّ واجهة التيك توك البسيطة ذات الفيديو الواحد تعني أنّ التطبيق يعرف دائماً ما يشاهده المستخدم بالضبط. وبما أنّ المقاطع قصيرة، يمكن للمشاهدين مشاهدة الكثير منها، مما يولد الكثير من المعلومات. هذا، جنباً إلى جنب مع وجود عدد لا يذكر من الأصدقاء والعائلة الذين يعرقلون البث، يسمح للخوارزمية بإيصال المستخدمين مع صناع المحتوى الذين يسلونهم بالفعل. ولأن مقاطع الفيديو يتم تصويرها في الغالب باستخدام هاتف ذكي، يمكن لأي شخص صنعها، كما أنّ العوائق أمام الدخول منخفضة وسرعة الانتشار عالية.

ولكن السؤال الأبرز يبقى ما إذا كان بإمكان تطبيق تيك توك الفوز بعقود أعمال تجارية فضلاً عن خطف أنظار المشاهدين؟ لطالما اقترح منشئ هذا التطبيق أنه يستطيع فعل ذلك، ولقد انبثق هذا التطبيق من شركةByteDance) ) الصينية ذات الملكية الخاصة، التي يعتقد البعض أنها حققت أكثر من 40 مليار دولار من العائدات في عام 2021، وقد ازدهر تطبيق (Doyen) -وهو التطبيق المقابل لتطبيق تيك توك في الصين- في سوق وسائل التواصل الاجتماعي شديدة التنافسية في الصين، مما يجعل وادي السيليكون يبدو أقل إثارة بالمقارنة معها، وهذا بدوره يمنح تطبيق تيك توك خبرة تجارية عملية للاستفادة منها.

وتشير التقارير إلى أنّ عائداته منخفضة حتى الآن بالرغم من نموها السريع (وهو لا يكشف عن أي معلومات مالية)، وهذا غير مفاجئ، حيث أدت المحاولة الفاشلة للرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2020 لحظر هذا التطبيق، -لأسباب تتعلق بالأمن القومي- إلى إفزاع المعلنين، وتسببت الأحداث الدرامية التي تلت ذلك -التي تضمنت عمليات بيع فاشلة، واضطراب إداري، وعدم اليقين بشأن علاقته مع شركة (ByteDance ) - بمزيد من الفوضى، لكن هذه العقبات تبدو الآن وكأنه تجاوزها، فبعد غياب الاضطرابات الجيوسياسية لم يقتصر تطبيق تيك توك على تغيير تجربة المستخدم، بل غير أيضاً نموذج الأعمال للإعلام الاجتماعي في أمريكا.

وثمة عدة طرق تمكّن من القيام بذلك، أولاً: الإعلان: حيث كانت كل من جوجل وفيسبوك رائدتين في نهج الدفع لكل نقرة، لكن تطبيق تيك توك عمل على تطوير هذا النهج بطريقة أكبر، داعياً بذلك العلامات التجارية إلى العمل مع المبدعين لصنع محتوى يحتمل أن ينتشر بسرعة هائلة، مثل ما حدث عند قيام أحد الأشخاص بتصوير نفسه ينزلق عند حافة طريق عام على لوح تزلج، وهو يشرب عصير التوت البري من عبوة يحملها ويحرك شفتيه على وقع أغنية فرقة فليتوود ماك التي اشتهرت في السبعينيات، وأحياناً قد يكون وجود العلامة التجارية مرئياً فقط من خلال هاشتاغ.

ثانياً: استخدم هذا التطبيق التجارة الإلكترونية: مثل منصات الوسائط الاجتماعية الأمريكية الأخرى، فتطبيق تيك توك يتيح الآن للمشاهدين شراء السلع مباشرة، من خلال النقر على علامة تبويب التسوق في مقطع الفيديو، ولقد تعاونت شركة تيك توك مع منصة (شوبيفاي Shopify ) للتجارة الإلكترونية، لجلب المزيد من التجار إلى الموقع، وتعتبر التجارة الاجتماعية -بما في ذلك عبر البث المباشر- أكبر بكثير في الصين مقارنة بأمريكا، ويقول (جيريمي يانغ Jeremy Yang) من كلية هارفارد للأعمال: إن تطبيق تيك توك قد يستفيد من خبرة نسخته الصينية (Douyin) في هذا المجال لتعزيز أعماله في مجال التسوق عبر الإنترنت.

ثالثاً: لدينا اقتصاديات صناع المحتوى: ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، فوفقاً لمجلة فوربس الأمريكية، فقد ربح النجوم السبعة الأعلى أجراً في تطبيق تيك توك ما مجموعه 55.5 مليون دولار، من العمل داخل وخارج المنصة العام الماضي، أي ثلاثة أضعاف المبلغ الذي تقاضوه في عام 2020، كما قدم تطبيق تيك توك مؤخراً طرقاً للمستخدمين لتقديم الهدايا والنصائح لصناع المحتوى المفضلين، مما يعزز الحافز لإنتاج مواد جديدة، ويوفر دخلاً مادياً للتطبيق، وانطلقت مثل هذه الممارسات لأول مرة في الصين.

ولكن هذه الابتكارات بمجملها لا تساوي شيئاً إذا كانت تجربة تطبيق تيك توك ستنتهي مثل غيرها، لهذا السبب كان من الواضح أنها تضع الجزء الأخير من استراتيجيتها التجارية في مكانها الصحيح، وهو الموازنة بين مطالب أمريكا والصين. وقد تم تعيين (شو زي تشيو Shou Zi Chew) السنغافوري من أصل صيني كرئيس تنفيذي، وهو يقيم في سنغافورة التي تعمل كمنطقة محايدة، وبالتالي يتخلص من الضغوطات الأمريكية والصينية، بعد أن تلقى تعليمه في الغرب وشغل منصب المدير المالي لشركة ((ByteDance وشركة (Xiaomi) الصينية المتخصصة بصناعة الهواتف الذكية، ولا يزال السؤال مفتوحاً عما إذا كان بإمكانه -أو حتى ما إذا كان ينبغي- فصل تطبيق تيك توك أكثر عن شركة (ByteDance) للحد من تصور أن الصين يمكن أن تستخدم بيانات تيك توك استخداماً مسيئاً، قد يساعد القيام بذلك من الناحية الجيوسياسية، لكن عزل تطبيق تيك توك عن جيش من مهندسي البرمجيات الصينيين قد يهدد أيضاً تألقه في قراءة الأفكار.

ويواجه تطبيق تيك توك الكثير من التحديات الأخرى، ويتوجب عليه الاستثمار أكثر في الإشراف على المحتوى لضمان إزالة مقاطع الفيديو السامة قبل أن تنتشر بسرعة، كما أن الإدمان هو مصدر قلق واضح، ليس فقط كصورة تعبيرية، حيث أن هاشتاغ #tiktokaddict لديه أكثر من 500 مليون مشاهدة، ويواجه التطبيق تحقيقات حول خصوصية البيانات، خاصة للمستخدمين القصّر، وسترتفع المخاطر التنظيمية عندما يصبح التطبيق أكثر ظهوراً وأهمية.

وثمة شيء واحد لا داعي لتطبيق تيك توك أن يخشاه، وهو أن تسحقه الوحوش الكبيرة في وادي السيليكون (على الأقل بدون مساعدة من العم سام)، حيث سعى تطبيق الانستغرام إلى محاكاة تطبيق تيك توك، عن طريق إدخال ميزة (الريلز Reels)، كما أدخل يوتيوب -المملوك لشركة (Alphabet) الشركة الأم لجوجل- )يوتيوب شورتس(، ولكن ذلك كله لم يضر بشعبية التيك توك.

وهذا أمر جيد، حيث يعتبر تيك توك في طليعة الأفكار الرائدة في مشهد الإعلام الاجتماعي الصيني المولع بالفيديو، الذي استغرق سنوات ليتغلغل في أمريكا، وفي الوقت الذي يقوم فيه الحزب الشيوعي الصيني بقمع تعسفي لصناعة التكنولوجيا الاستهلاكية، فإنه مما يسر النفس بشكل خاص أن نشهد البراعة والمشاريع الحرة الصينية تستحوذ على انتباه العالم.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...