الابتكار الاجتماعي
كيف تحافظ على توازنك العقلي في ظل وجود مواقع التواصل الاجتماعي

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 10

كيف تحافظ على توازنك العقلي في ظل وجود مواقع التواصل الاجتماعي

ثمة أكثر من 300 مليون شخص يعانون من الاكتئاب حول العالم و260 مليون شخص آخر يعانون من التوتر، ويشار إلى التكنولوجيا والصخب المستمر للحياة المعاصرة أنهما السببان الرئيسيان لانتشار الاضطرابات العقلية المتزايدة.

وبعد وقوعه ضحيةً للاكتئاب في الرابعة والعشرين من عمره، استخدم الكاتب البريطاني (مات هيغ) هذه التجربة للكتابة عن الصحة العقلية، وسردت روايته "أسباب للبقاء حياً" التي نشرت في عام 2015 وتكلم فيها عن قصة محاولته التأقلم مع الاضطراب العقلي، بينما يركز كتابه الأخير بعنوان "ملاحظات حول كوكب متوتر" على كيفية التغلب على القلق، ولا سيما الفزع من التدفق المستمر لمواقع التواصل الاجتماعي.

ويتناول السيد هيغ التعديات الحديثة على الصحة العقلية بحكايات شخصية ومجموعة من الطرق للبقاء بصحة عقلية جيدة. وقد طرحت عليه مبادرة "المستقبل المفتوح" في مجلة الإيكونيميست البريطانية أسئلة حول كيفية استجابة العالم لأزمة الصحة العقلية الجديدة، ثم يقدم لنا مقتطفات من كتابه.

الإيكونيميست: أكثر من 260 مليون شخص عانوا من اضطرابات القلق في عام 2016، فهل يتناقص معدل الإصابة بالقلق أم أن العالم ببساطة أصبح أكثر وعياً بالصحة العقلية؟

مات هيغ: يعتقد الناس أنه لا يجب أن نثق إلى حد ما ببيانات القلق وإحصاءاته، بسبب المحادثة التي نجريها الآن حول الصحة العقلية، كما يشعر الناس براحة أكبر عند الحديث عنها، لذلك قد يكون السبب هو أن الناس أصبحوا أكثر وعياً بها، وإنني سأشعر براحة أكبر عند الحديث عنها الآن مقارنة بما كان عليه الحال قبل 20 عاماً، ولكن إذا قمت بالفعل بتحليل الإحصائيات، فإن أكبر الارتفاعات في العقد الماضي كانت في المناطق التي لا تزال موصوفة بشدة الاضطرابات في الأكل مثلاً والاضطرابات في الشخصية وإيذاء النفس، وتضاعف الالتحاق بدوائر الصحة الوطنية NHS)) لاضطرابات الأكل في العقد الماضي، وهناك أيضاً مشاكل محددة تتعلق بالمجتمع المعاصر، حيث تؤثر جوانب مختلفة من الحياة الحديثة على الصحة العقلية، مثل إدمان وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام التكنولوجيا وحتى التجول في مراكز التسوق.

الإيكونيميست: ما هو دور التكنولوجيا في خلق مجتمع أكثر قلقاً؟

السيد هيغ: لا يمكن لأحد إنكار أننا في فترة تغيير عميق، لا سيما في السنوات العشر الأخيرة، حيث أصبح الناس يعيشون في زمن مختلف، ويلتقون مع الناس بطرق جديدة، ويتواصلون مع أصدقائهم بطريقة مختلفة، وينامون بنحو مختلف، ويخرجون أقل مما مضى،  كل هذه الأشياء الأساسية تتغير قليلاً بسبب التكنولوجيا، والتغيير نفسه هو أمر مثير للقلق ويسبب عدم الاستقرار، إننا نعرف ذلك على المستوى الشخصي، ولطالما كانت التكنولوجيا وراء التحول الذي يحدث في التطور البشري.

ففي النهاية نحتاج إلى بعض الشعور بالمسؤولية من شركات الإعلام الاجتماعي والشركات الأخرى، وإنني لم أكن راغباً أن أخبر أي شخص بعدم تناول الوجبات السريعة أو الآيس كريم، لكننا جميعاً ندرك أنه إذا جلسنا في السرير لمدة ست ساعات وتناولنا الآيس كريم دون توقف في يوم العطلة، فمن المحتمل أن يكون لذلك بعض العواقب الصحية.

ليست التكنولوجيا نفسها هي المشكلة، وإنما افتقارنا إلى الوعي حول مدى تغييرها لحياتنا وضررها على عقولنا، فبعد انتشارها لم يعد بإمكاننا إعادة المارد إلى القارورة ثانية، حتى لو أردنا ذلك، ولكن المرحلة التالية باتت أكثر وعياً بكيفية تأثير التكنولوجيا علينا.

الإيكونيميست: يدرك الكثير من الناس أن وسائل التواصل الاجتماعي لها دور في تفاقم حدة الاكتئاب والقلق، فما الذي يبقي الناس مقيدين؟

السيد هيغ: تشير البيانات الجديدة إلى أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً هم الجيل الأكثر شعوراً بالوحدة، رغم أنهم الأكثر اتصالاً على الإطلاق، ولا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي تسهم في الشعور بالوحدة، فهي تخلق رغبة شديدة في التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط، ومع وسائل التواصل الاجتماعي، لا يوجد أبداً أي شعور بالرضا أو الإشباع، فأنت تريد دائماً المزيد وهي لن تمنحك أبداً ما تريده.

ولا شك أنني أقع في هذا الفخ أيضاً، وكل شركة من شركات التواصل الاجتماعي لديها مواضيعها السمية الخاصة بها، حيث يتسم موقع تويتر بالتصيد والاستقطاب السياسي، بينما تدور مشاكل الانستغرام حول الثقة بالنفس وشكل الجسد ومقارنة نفسك بالآخرين، أما تطبيق سناب شات فهو مضر للمراهقين الذين قد يشعرون بعدم الأمان حيال صداقاتهم إضافة إلى أنه ينطوي على مشاكل تتعلق بالتنمر عبر الإنترنت.

الإيكونيميست: بعيداً عن التكنولوجيا، ما هي الطرق الأخرى التي يؤثر بها المجتمع المعاصر على الصحة العقلية؟

السيد هيغ: يبدو أننا أقل سعادة بما نملك، فمع أننا أنهينا العديد من المشاكل، إلا أننا نخلق مشاكل جديدة بوتيرة أسرع، فمثلاً لدى معظمنا في العالم المتقدم مياه جارية وسقف فوق رؤوسنا، ومن المفارقة أننا أكثر من تعرض للتوتر على الإطلاق ونشعر بالقلق أكثر من أي وقت مضى.

وهناك الكثير من المشاكل مع ثقافة المستهلك ومستويات سعادتنا، فصناعة الإعلان تحاول أن تجعلنا نشعر بنقص أو قلق ما بشأن منتجات معينة باستخدام سياسة "FUD" -التي تعني الخوف والشك وعدم اليقين- فمثلاً تستفيد كريمات محاربة التجاعيد من خوف النساء من أن تظهر عليهن علامات التقدم في العمر، وبذلك يتم استغلال مخاوفنا في كل الظروف.

إننا نغير باستمرار أهداف عملنا، حيث إننا نتجه أكثر فأكثر نحو ثقافة العمل، ونحن إما أن نشعر بالتوتر لأن لدينا رغبة يائسة بالعمل، أو لأنه يتوجب علينا بذل جهد أكبر للحصول على الترقية، لذا نرى أن عطل نهاية الأسبوع لدينا آخذة في التقلص، والتوازن بين العمل والحياة غدى مشوشاً، إننا نستنفذ المساحة الذهنية التي يمكننا فيها أن نكون مستقلين عن دورنا في الاقتصاد.

الإيكونيميست: كيف يمكن حل أزمة الصحة العقلية؟ هل للحكومة دور أم أن الأمر متروك للمجتمع والفرد؟

السيد هيغ: في هذه اللحظة نحن نسير في الاتجاه الخاطئ وأحياناً بخطى سريعة، وأعتقد أنه إذا كان هناك حل فهو معالجة المشكلة من جذورها، بدءاً من الشباب والعمل، ويتوجب على التعليم البحث في أسباب كون نصف حالات وأمراض الصحة العقلية التي تستمر مدى الحياة تنشأ لدى الأشخاص الذين يبلغون من العمر 14 عاماً أو أقل، إنني أسمع كل يوم من العديد من آباء المراهقين الصغار الذين يواجهون جميع أنواع الأزمات، سواء كان ذلك بسبب التنمر على مواقع التواصل الاجتماعي، أو نوبات الهلع، أو تعرض أطفالهم للتوتر بسبب الاختبارات التي لا نهاية لها.

يجب أن تؤخذ الصحة العقلية على محمل الجد في مجال التوظيف، وقد تبدو الحملات الخاصة في أماكن العمل لتقديم مسعف أولي في مجال الصحة العقلية وكأنها وسيلة للتحايل أو شكلية، لكنها إشارة مهمة تجعل الناس يشعرون أن الصحة العقلية شيء يمكنهم التحدث عنه بقانونية إلى أصحاب العمل.

وتعتبر أزمة الصحة العقلية بدرجة ما أزمة منطقية، لأن الطريقة التي نعمل بها تتغير مع تدفق الحوسبة والذكاء الاصطناعي الذي يمكنه أن يقوم بما يمكن أن يقوم به البشر، ولقد أصبحنا أمام سؤال فلسفي ونحتاج إلى رؤية كل شيء من منظور الصحة العقلية بدلاً من منظور الاقتصاد فقط، أو إحصائيات التوظيف، أو درجات الثانوية العامة.

* * *

مقتطفات من كتاب "ملاحظات حول كوكب متوتر" (Canongate, 2018) من تأليف مات هيغ

ثمة مشكلة تضعها في جيبك

أثناء تأليف هذا الكتاب، في أوائل عام 2018، طلبت مني صحيفة “The Observer” المساهمة في مقال طرح فيه الكثير من المؤلفين أسئلة على الروائية والكاتبة (زادي سميث Zadie Smith)، فاغتنمت تلك الفرصة خاصة لأنني رأيت (زادي سميث) في اثنين من الحفلات الأدبية عندما بدأت أكتب، وكنت أشعر وكأنني مكبل وغير قادر على الكلام بسبب القلق، ولم أجرؤ على الذهاب والتحدث معها.

لقد قرأت عن شكوكها في مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف أنها تعطي قيمة كبيرة "لحقها في أن تكون مخطئة"، ولذا سألتها، هل تشعرين بالقلق حيال ما تفعله مواقع التواصل الاجتماعي بالمجتمع؟

ولم تحاول إخفاء مشاعرها وبدأت بكل صراحة بنقد الهواتف الذكية.

"لا أستطيع تحمل الهواتف ولا أريدها في حياتي بأي شكل من الأشكال، فهي تشعرني بالقلق والاكتئاب والتشويش والموت من الداخل، لكنني أؤيد تأييداً تاماً أي شخص يجدها من الممتلكات النافعة له".

على الرغم من وصفها نفسها بأنها "ممانعة للتقدم التكنولوجي"، تعتقد سميث أن الوقت مناسب للنظر في كيفية استخدامنا لهذه التكنولوجيا، حيث سألت: ما الذي يفعله هذا الجهاز الصغير في جيبك لعلاقاتك المقربة مع الآخرين ولسلوكك كمواطن داخل المجتمع؟ ربما لا شيء! ربما يكون كل شيء رائعاً، لكن ربما لا ...، هل نحن بحاجة إلى وضعها بجانب وسائدنا في الليل؟ هل يحتاج أطفالنا البالغون من العمر سبع سنوات إلى هواتف؟ هل نرغب في توريثهم هوسنا وانصياعنا؟ يتوجب علينا التفكير في كل هذه الأمور، فلا يمكننا أن ندع شركات التكنولوجيا ببساطة تتخذ القرار نيابة عنا".

إنني أستخدم هاتفي أكثر بكثير مما تستخدمه سميث، لكنني مع ذلك -أو ربما بسبب ذلك- أشاركها الكثير من مخاوفها، وهناك دلائل تشير إلى أنه حتى الذين يعملون في شركات التكنولوجيا يشعرون بالقلق، هذا يعني أنه يجب أن نكون أكثر قلقاً لما ستوصلنا إليه تلك الشركات التي لا يمكن تصور قوتها، على سبيل المثال، من المعروف -على الأقل منذ أن نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً عنها في عام 2011- أن عديداً من موظفي شركتي أبل وياهو يختارون إرسال أطفالهم إلى المدارس التي تتجنب التكنولوجيا، مثل مدرسة “Waldorf” في شبه الجزيرة في لوس ألتوس.

هناك أيضاً عديد من القائمين على صناعة التكنولوجيا يحذرون من الأشياء التي ساهموا في إنشائها، فقد قال (جاستن روزنشتاين Justin Rosenstein) -مخترع زر "أعجبني" على الفيسبوك-: إن التكنولوجيا تجعله مدمناً على هاتفه وأنه يفعّل خاصية تحكم الوالدين لمنع نفسه من تنزيل التطبيقات وتقييد استخدامه لمواقع التواصل الاجتماعي. وبالمناسبة، من الجدير بالذكر أن خاصية "الإعجاب" على فيسبوك هي أيضاً مما يساعد محللي البيانات على فهم هويتنا، حيث تكشف إعجاباتنا عبر الإنترنت كل شيء بدءاً من توجهنا إلى سياستنا، ويمكن إحصاؤها للتأثير علينا بطريقة أفضل، كما رأينا في فضيحة (كامبريدج التحليلية Cambridge Analytica ( في عام 2018، حيث أشارت التقارير إلى أن 50 مليون عضو على فيسبوك قد اخترقت بياناتهم  من الشركة البريطانية التي تساعد الشركات والجماعات السياسية على "تغيير سلوك الجمهور".

وكما فعل لاحقاً دكتور فرانكشتاين في الآونة الأخيرة، قال (روزنشتاين Rosenstein) لصحيفة الغارديان في عام 2017، "من الشائع جداً أن يطور البشر الأشياء بأطيب النوايا وأن يكون لها عواقب سلبية غير مقصودة... الجميع مشتت طوال الوقت".

وأعرب اثنان من مؤسسي تويتر عن ندم مماثل، قال (إيف ويليامز Ev Williams) الذي استقال من منصب الرئيس التنفيذي في عام 2010 لصحيفة نيويورك تايمز في عام 2017 إنه غير سعيد بالطريقة التي ساعد بها تويتر دونالد ترامب في أن يصبح رئيساً، قائلاً: "دور تويتر في ذلك سيء للغاية."

ويشعر (بيز ستون Biz Stone)، أحد مؤسسي تويتر، بالندم على أمر آخر، وصرح في مقابلة مع مجلة “Inc” أنه يعتقد أن التحول الكبير الخاطئ الذي أحدثه توتير هو عندما سمح لغير الأصدقاء بعمل تاغ للأشخاص في منشوراتهم، حيث أن ذلك خلق بيئة خصبة للتنمر. ووفقاً لموقع “Buzzfeed”، وصف موظف آخر موقع تويتر بأنه "موقع جذب للمتسكعين والحمقى".

وفي أوائل عام 2018، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة آبل (تيم كوك Tim Cook) لمجموعة من الطلاب في إسيكس إنجلترا، أنه لا يعتقد بوجوب استخدام الأطفال (مثل ابن أخيه) للشبكات الاجتماعية، أو الإفراط في استخدام التكنولوجيا على الإطلاق، مما يعبر عن مخاوفه بوصفه "شخصاً مقاوماً للتكنولوجيا".

في الواقع، ذهبت مجموعة من موظفي التكنولوجيا السابقين إلى أبعد من ذلك، وأنشأت مركزاً للتكنولوجيا الإنسانية، بهدف إعادة مواءمة التكنولوجيا مع المصالح الإنسانية الفضلى، وعكس مسار أزمة الاهتمام الرقمي.

وأخيراً وبعد طول انتظار، أصبح اليوم لدينا لقاءات كثيرة يجتمع فيها خبراء التكنولوجيا معاً لمناقشة المخاوف، على سبيل المثال، في مؤتمر عام 2018 في واشنطن بعنوان "“Truth About Tech، كان من بين المتحدثين مشرف الأخلاقيات السابق في جوجل الذي أصبح الآن المخبر عن المخالفات التكنولوجية (تريستان هاريس Tristan Harris) والمستثمر السابق في فيسبوك (روجر ماكنامي Roger McNamee)، إلى جانب السياسيين وأعضاء جماعات الضغط مثل “Common Sense Media”، الذين يحاولون مكافحة إدمان التكنولوجيا لدى الشباب، وأعربوا عن مجموعة متنوعة من المخاوف، مثل كيفية قيام بريد (جوجل Gmail) بخطف عقول الشباب، أو كيف يستغل تطبيق السناب شات الصداقات في سن المراهقة لتحفيز سلوك الإدمان التكنولوجي عبر خاصيات مثل (سناب ستريك Snapchat streaks)، التي يمكن من خلالها للمستخدمين معرفة عدد التفاعلات التي أجروها مع الأصدقاء يومياً. ووفقاً لصحيفة الغارديان، شبّه (هاريس Harris) عالم التكنولوجيا بالغرب الأمريكي المتوحش، من حيث أن أخلاقياتهم هي بناء كازينو أينما تريد، وشبهه ماكنامي بصناعات التبغ والأغذية في السابق، حيث كان يروج للسجائر على أنها صحية، أو عندما كان مصنعو الوجبات الجاهزة ينكرون أن منتجاتهم مليئة بالملح، الفرق هو أنه مع إدمان السجائر، لا يكون لدى السجائر أي معلومات عنا، فهم لم يجمعوا بياناتنا، ولم يتمكنوا من التعرف علينا أكثر من عائلاتنا، بينما يمكن للإنترنت بالطبع معرفة كل شيء عنا، ويمكنه أن يعرف من هم أصدقاؤنا، وما نوع ذوقنا في الموسيقى، وما هي مخاوفنا الصحية، وما طبيعة حياتنا العاطفية، وسياستناـ وبالتالي يمكن لشركات الإنترنت الاستمرار في استخدام هذه المعلومات لجعل منتجاتها أكثر إدماناً، وفي الوقت الحالي، حذر القائمون على صناعة التكنولوجيا من أنه ليس هنالك الكثير من اللوائح لمنعهم.

وثمة قدر متزايد من الأبحاث يعزز مخاوفهم، مثل الدراسات التي توضح كيف تساهم التكنولوجيا في حالة الاهتمام الجزئي المستمر، وكيف يمكن أن تكون مسببة للإدمان، وخلصت دراسة أجريت عام 2017 من كلية (ماكومبس McCombs) لإدارة الأعمال بجامعة تكساس إلى أن مجرد وجود هاتف ذكي لديك يمكن أن يقلل من "قدرتك المعرفية".

وحتى عند إعداد هذا التقرير، لم يكن هناك اعتراف رسمي بأن إدمان الهواتف الذكية، أو إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، هي اضطرابات نفسية، مع أن تصنيف منظمة الصحة العالمية الآن لإدمان ألعاب الفيديو بأنه اضطراب عقلي يشير إلى أن هناك فهم متزايد لمدى خطورة تأثير التكنولوجيا على صحتنا العقلية، لكن هذا الفهم لا يزال أمامه طريق طويل ليقطعه، ومن الواضح أنه يتخلف عن السرعة المذهلة للتغير التكنولوجي.

وبعد تزايد الضغط، أفادت صحيفة  “CNN”في عام 2018 أن شركة “Unilever” القوية هددت بسحب إعلاناتها من فيسبوك وجوجل ما لم تكافحا المشاكل السمية -بما في ذلك المخاوف التي تتعلق بالخصوصية والمحتوى غير المرغوب فيه والافتقار إلى سبل حماية الأطفال - التي تعمل على تقليص الثقة الاجتماعية وإلحاق الضرر بالمستخدمين وتقويض الديمقراطيات، وثمة وعي متزايد بأن القوة العظيمة لشركات الإنترنت يجب أن تأتي بحس كبير بالمسؤولية، ومع ذلك لا يزال مقدار المسؤولية التي سيتحملونها دون وجود ضغوط اجتماعية ومالية حقيقية من النمط الذي بدأنا للتو في رؤيته هو أمر مثير للجدل. كذلك هو الحال مع الوجبات السريعة أو السجائر أو صناعة الأسلحة، فقد تكون الشركات التي تحقق أرباحاً من شيء ما هي الأكثر تردداً في رؤية المشكلات المحتملة، لذلك عندما يكون الأشخاص الذين يدقون ناقوس الخطر هم من داخل هذه الشركات، وهم أكثر علماً منا بخطر هذه الأمور، يجب أن نصغي إليهم بجدية.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...