الابتكار الاجتماعي
قوة الابتكار الثقافي

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 11

قوة الابتكار الثقافي

   د. محمد محمود عبد العال حسن

يتكون مفهوم "الابتكار الثقافي" من مقطعين شديدي الغموض والتنازع في التعريف. لكن يمكن محاولة تعريفه بأنه المحاولات المُخططة والقصدية لإدخال عمليات أو تقنيات أو أفكار أو طرائق عمل جديدة من أجل إنشاء منتجات ملموسة وغير ملموسة أو تقديمها أو إعادة تقديمها بأشكال إبداعية متنوعة.

وإذا كان للثقافة بُعدان وفق رؤية بعضهم، بُعد مرئي مادي كالمباني والآلات والملابس وبعض الفنون، وآخر غير مرئي أو لا ملموس مثل السلوكيات واللغات وبعض الفنون المختلفة والأخلاقيات والقيم. وإذا كان مفهوم الابتكار يرتبط بالقدرة على تنزيل التصورات الذهنية المُجردة أو تحويل الأفكار من سماء التحليق المجردة إلى أرض الواقع الملموسة أو إخراج المنتجات الفيزيقية المرئية بأشكال وطرائق غير عادية، فإن محاولة الابتكار في الثقافة ستعني التصاميم الفريدة في المجالين المادي وغير المادي. أي كيف يمكن لنا صناعة الأشياء الجديدة المرتبطة بعوالم الثقافة الملموسة؟ هل نستطيع إنشاء مؤسسات أو تصميم متاحف أو مساجد أو أزياء أو مساكن بطرائق مختلفة وجديدة ومُبهرة؟ هل نتمكن من تلبية احتياجات أفراد المجتمع الثقافية وحل مشكلاته عملياً؟ هل يمكن لنا أن نبرز منتجات جديدة ذات قيمة مضافة نابعة من ثقافتنا المحلية؟ 

على الجانب الآخر نجد ثقافة الابتكار أي كيفية جعل الابتكار مُتضمناً داخل ثقافتنا، كيفية دفع غير الملموسات الثقافية الحالية لتكون داعمة للابتكار ومُحفزة له ومُولدة لإمكاناته. ويشمل ذلك تحفيز الإبداع وتطوير الإستراتيجيات الجديدة وتطبيق أفضل الممارسات وتوظيف التكنولوجيا وتوقع الاتجاهات القادمة. ويوضح الشكل التالي بعض جوانب هذه التبادلية.

jadwalsit11-05.png

وكأن ثمة استزراعًا لـ"ثقافة الابتكار" عندما تكون العادات والتقاليد والقيم مُحفزة للابتكارات ومُشجعة على خلق الأفكار وطرح الجديد، وكأن "ابتكارات الثقافة" هي جني لتلك الزراعة أو ثمرة لها. إنها تحد لطرائق إنبات "ثقافة الابتكار" ولجني ثمار "ابتكارات الثقافة".

ولا جرم أن ثمة علاقة ارتباط بين الابتكار والثقافة ذات أوجه متعددة. ذلك أن دور الابتكار في الثقافة عامل من عوامل نجاحها ونشرها وتعميقها واستدامتها. كما أن دور الثقافة في الابتكار مُحرك أساسي للابتكار، وإبراز للهوية والذاتية والأخلاق الخاصة بكل أمة، فلا نتصور الابتكار دون انعكاس لعادات وتقاليد وقيم وأفكار تُشجع عليه وتستوعب مُنجزاته المستمرة وتهضمه وتنجح في تبيئته وتوطينه، وإلا بات الأمر جُموداً لا حراك فيه وثقافة في غرفة الإنعاش أو تقليداً ممجوجاً. 

ويهدف الابتكار الثقافي إلى رسم صيغ مبدعة جديدة أو خلقها أو صنعها، تعبر عن جملة من الأفكار أو القيم أو التجارب الثقافية أو العادات أو التقاليد أو الفنون أو الموائد المختلفة أو المهرجانات أو الأناشيد الشعبية أو الشعر بصفتها جزءاً من التعبير الثقافي المغروس في المجتمع. 

ومثال ذلك ما نشاهده في عدد من الملابس والمطاعم والأفلام والمسلسلات وأفلام الكرتون والتطبيقات والألعاب الإلكترونية وما تستبطنه من أنساق قيمية وعادات وتصورات عن الحياة (الثبات – أو الفعل – أو التحول والصيرورة المستمرة) أو عن الذات (خبيث - نقي - مُحايد) أو رؤى عن الآخر (علاقة عمودية – علاقة أفقية – نزعة فردانية) أو بشأن الطبيعة (تسخير وتذليل أو استسلام للطبيعة أو انسجام معها أو سيطرة وصراع معها) أو منظور للزمن (الماضي – الحاضر - المستقبل). 

ويبزغ الابتكار الثقافي نظراً لعدد من الأسباب مجتمعة أو منفردة كالاحتكاكات الثقافية مع الآخر وظهور عوامل تكنولوجية وبيئية مُحفزة ومشجعة وتغيرات اجتماعية واستعدادات ومؤهلات فردية وجماعية ومؤسسات مشجعة وخطط وإستراتيجيات داعمة. 

ويبقى القول: إن الاتكاء على بعض الأدوات الحديثة للابتكار الثقافي كمنصات الابتكار المفتوح والتعهيد الجماعيCrowdsourcing  والذكاء (الجماعي و/ أو الفردي و/ أو الاصطناعي) والتفكير التصميمي وغيرها من الأدوات، وعبر التجربة والممارسة والخطأ والتكرارات يمكن المساهمة في تعزيز الابتكار الثقافي.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...