مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 11
الابتكار الثقافي & ثقافة الابتكار
قد يتوارد إلى الأذهان عندما نقرأ مفهومي "الابتكار الثقافي" و"ثقافة الابتكار" بأن المفهومين مترابطان، ولكنهما في الحقيقة مفهومان مختلفان تماماً. ففي الوقت الذي يشير فيه مفهوم "الابتكار الثقافي" إلى تصميم حلول أو ممارسات أو خدمات أو منتجات أو تطويرها في المجالات الثقافية والمؤسسات الثقافية، يشير مفهوم "ثقافة الابتكار" إلى العقلية والقيم والممارسات التي تمكن من تطبيق الابتكار في تصميم الخدمات والمنتجات داخل منظمة أو مجتمع مهما كان نوع تلك الخدمات أو المنتجات، ثقافية كانت، أم صحية، أم اجتماعية.
ومن ثم ليس المقصود بالابتكار الثقافي تقييم الابتكارات المعروفة فيما يتعلق ببعدها وتأثيرها الثقافي، وإنما الإقرار بوجود نوع جديد من الابتكار يضاف إلى الفئات الحالية التي يجري تحديدها وقياسها عادةً بمؤشرات محددة، كالابتكار الصحي، والابتكار البيئي، والابتكار الاجتماعي، والابتكار المؤسسي. وفي هذا العدد تحديداً نحن نتحدث عن الابتكار الثقافي على أنه مجموعة من التقنيات التي تساعد في فهم الاحتياجات ذات البعد الثقافي لدى المستفيد، وتحديدها بدقة، وتطبيق عمليات الإبداع المشترك لتوليد حلول وتصميم منتجات وخدمات تلبي تلك الاحتياجات الثقافية، ليجري تجريبها واختبارها مع المستفيدين قبل إطلاقها في صورتها النهائية. ومن الأمثلة لذلك تصميم التطبيقات التي تساعد الباحثين عن الكتب على تسهيل عملية إيجاد الكتب المطلوبة في المكتبات العامة.
من ناحية أخرى يتضمن مفهوم "ثقافة الابتكار" مجموعة القيم والممارسات التي تساعد المؤسسات بكل أشكالها على تصميم خدمات ومنتجات تلبي الاحتياجات الحقيقية للمستفيدين، مما يعزز من فرص المؤسسات في البقاء في صدارة المنافسة. وتتضمن تلك القيم والممارسات عادة تمكين العاملين في تصميم الخدمات والمنتجات من العمل على تحديد احتياجات المستفيدين، وتوليد الحلول، والتجريب، والمخاطرة، وتعزيز ثقافة التعاون والتعلم من أجل الوصول إلى أفكار وحلول جديدة.
يساعد الابتكار الثقافي في توليد الممارسات الثقافية في المؤسسات الثقافية كالمكتبات، والمتاحف، ومراكز الفنون والأدب والموسيقى بكل أنواعها، وربما يساعد في تطوير أشكال التعبير الثقافي. من جانب آخر تساعد "ثقافة الابتكار" على تطوير ممارسات العمل، وعقليات تصميم المنتجات والخدمات ومنهجياتها بصرف النظر عن أنواعها أو تصنيفاتها، كما تساهم في تطوير بعض الأعراف والعادات المهنية الجديدة المرتبطة بفهم الآخرين، والذكاء الجماعي، والعمل التجريبي.
ويتطلب تطبيق كل من "الابتكار الثقافي" في المؤسسات الثقافية، و"ثقافة الابتكار" في المؤسسات بكل أنواعها، وجود قيادة تؤمن بالابتكار، وتعمل على تعزيز ممارساته داخل مؤسساتها، من أجل أن يعزز قدرتها على المنافسة، ويضمن لها مكانة استثنائية في الأسواق.