الابتكار الاجتماعي
الهاكثونات الثقافية

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 11

الهاكثونات الثقافية

   أسامة بدندي

هل أحدثت الهاكثونات (مهرجانات الأفكار) حراكاً في الثقافة في المملكة العربية السعودية؟ وهل يمكن أن نُعوِّل على مخرجات هذه الهاكثونات لتكون النواة لمنتجات ثقافية ترفع الوعي الثقافي في المجتمع نحو أهمية التفكير وأدواته ومنهجياته؟ وكيف يمكن أن نستثمر في هذا الحراك الذي تقوده بكل بسالة وزارة الثقافة متمثلة ببعض الهيئات كهيئة الأدب والنشر والترجمة وهيئة فنون العمارة والتصميم؟

 

في أثناء نقاش عن الابتكار الثقافي مع الصديق رائد العيد حدثته عن تجربتين عشتهما في الهاكثونات الثقافية بالسعودية، الأولى مع "هاكثون الترجمة" الذي كان لي شرف قيادته مع هيئة الأدب والنشر والترجمة، والثانية مع "تحدي ديزايناثون" من هيئة فنون العمارة والتصميم، والذي سعدت برؤية مخرجاته في الحفل الختامي، لأصبح مطالباً بكشف أثر هاتين التجربتين ونواتجهما من وجهة نظر لا تعكس إلا رأي صاحبها ونظرة متقاربة لمن حرَّض على الكتابة عن هذه التجربة.

 

في السنوات القليلة الماضية وبالأخص بعد كوفيد 19، انتشرت بازدياد متسارع جولات من الهاكاثونات من مختلف الجهات، بل تكاد لا تجد وزارة لم تفعل ذلك، الأمر الذي أثار الإعجاب لما خلقته هذه الاحتفالات من تنافسية شديدة بين الشباب من خلال طرح الأفكار لمشروعات ريادية لم يُسمع عنها من قبل. تجربتان رائعتان مثاليتان أبرزتا الوعي الكبير بأهمية الابتكار والتفكير بالنسبة لوزارة الثقافة وأثر نشر ثقافة التفكير الإبداعي. صارت هذه المسابقات مقصداً للشباب الذي بدأ يشعر بالثقة في أهمية تفكيره وأفكاره في إيجاد الحلول للمشكلات التي يواجهها المجتمع، وفي ابتكار منتجات جديدة لقضايا تمس المجتمع بكل شرائحه وفئاته. كما نجحت هذه المهرجانات في نشر ثقافة الابتكار التي لطالما كانت حكراً على أصحاب الخبرة والاختصاص، في عصر منهجية الابتكار المفتوح الذي يقوم على مفهوم أن الحلول للمشكلات قد تكون مختلفة المصادر وليست من المهندس المعماري طويل الخبرة فحسب، ولا من إستراتيجي ذي باع طويل في العمل الإستراتيجي.

 

لا تختلف الحالة التي نشهدها اليوم عن الحراك الثقافي الذي ساد في عصر النهضة التي نشأت في القرن الثالث عشر في إيطاليا وتحديداً في فلورنسا، وامتدت لتشمل مناطق القارة العجوز كافة. فقد خلق المناخ الاجتماعي الإبداعي آنذاك جواً ثقافياً نادراً نتج عنه حالات ثقافية غير مسبوقة. من ناحية أخرى تجسد في تلك القرون مفهوم الابتكار الجماعي الذي يقوم على العبقرية الجماعية، وأساسه تعاون العقول وتقادحها لتكوين الأفكار، نتاج اجتماع عدد كبير من العلماء من مختلف التخصصات ليشكلوا بيئة تفاعلية، كانت نقطة نجاحها مزج الأفكار من تخصصات مختلفة. وللمصادفة الغريبة أن عصر النهضة الذي انطلق من المدينة الإيطالية فلورنسا بعد الطاعون، الذي ضرب أنحاء أوروبا وزعزع الكثير من المفاهيم، وخلق حاجة ماسة لفكر مختلف ولحلول متنوعة.

 

يبقى التساؤل هل ستنتج هذه الهاكثونات حالة شبيهة؟ هل نحن بصدد عصر نهضة عربي تصبح فيها الرياض فلورنسا الشرق؟

 

من خلال مشاهداتي الشخصية والتجربة المتواضعة مع وزارة الثقافة أرى أن مخرجات هذه الاحتفالات طغى عليها الجانب التقليدي من الابتكار، وهو خلق قيمة ملموسة فعلية وخاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا، وأخص بالذكر جانب التطبيقات التي غزت العالم كحل سريع لأي تحدٍ أو مشكلة مهما كان حجمها. من جانب آخر خلت هذه الحلول من معالجة القضايا الثقافية، بل كانت غالبيتها تحوم حول حمى الحلول التكنولوجية، ويمكن إرجاع سبب هذا الانحصار إلى حداثة التجربة وقلة الخبرة في مجال هذه الاحتفالات. 

إن الفائدة التي تتجلى من هذه المهرجانات لا تنعكس في المخرجات من هذه المهرجانات فحسب، ولا يُعد المعيار الأساسي هو عدد الأفكار المطبقة، والتفرُّد بهذا المؤشر ظلم كبير لأصحاب هذه الأفكار ومنظمي هذه المهرجانات وعلى الحالة الثقافية التي يمكن أن تخلقها هذه الاحتفالات، فالأمر أعمق بكثير من مجرد حصر الأثر في عدد الأفكار المنفذة. صحيح أن ذروة الابتكار وسنامه خلق القيمة العائدة على المجتمع، ولكن يجب ألا ننسى وألا نتناسى أيضاً القيمة غير المباشرة التي يمكن أن تخلقها هذه الهاكثونات من خلق جو التفكير وتعزيز قيمة التفكير والأفكار في المجتمع. 

يبقى القول: إن التجربتين كانتا قصتي نجاح في استخدام طرائق خارجة عن المألوف في ابتكار حلول لنشر الثقافة في مجتمعنا، ومن ناحية أخرى أسهمت التجربتان في نشر ثقافة طرح الأفكار والخروج من قوقعة التفكير التقليدي والمنهج التقليدي، والانتقال من الحلول القادمة من أعلى الهرم إلى منهجية تؤمن بأن الأفكار ملقاة على جوانب الطريق من وجدها فهو أحق بها.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...