مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 11
دور المتاحف في حياتنا - نظرة متجددة
ترتبط النظرة نحو المتاحف عادة حول المقتنيات الثمينة من عدة عصور وعدم اللمس أو التصوير وفق إرشادات بعض المتاحف وتعليماتها. إلا أن دور المتاحف عالمياً أشمل وأوسع من مجرد صالات عرض فنية. حيث يبين ويبر ندورو المدير العام للمركز الدولي لدراسة صون الممتلكات الثقافية وترميمها ICCROM في مقالته حول الغاية من المتاحف: "إن المتاحف والمجموعات التراثية التي تضمُّها تشكّـِل واحدة من أقوى المنصَّـات المجتمعية للالتقاء ولمقابلة الأفكار والتشارك فـيها، إذ يمكن للمتاحف أن تسهم في التماسك الاجتماعي وفي العمل المناخي والصناعات الإبداعية والرفاهية الشخصية والجماعية كليهما".
فالمتحف وفق تعريف المجلس العالمي للمتاحف ICOM هو: "مؤسسة دائمة غير ربحية تعمل في خدمة المجتمع، حيث تبحث عن التراث المادي وغير المادي وتجمعه وتحفظه وتفسره وتعرضه"، ووفق معايير ذات المجلس فإن المتاحف يجب أن تتبع عدة معايير، مثل: أن تكون مفتوحة للجمهور، يتاح الوصول إليها، شاملة، تعزز التنوع والاستدامة، تتبع الميثاق الأخلاقي والمهني للمتاحف، تساهم في تبادل المعرفة ومشاركة الخبرات التعليمية والابتكارية. فكثير من المتاحف تتضمن عدة أقسام بالإضافة للقائمين على المتاحف Curator، مثل: أقسام التعليم والتواصل المجتمعي والتطوع وغيرها.
كثير من الدراسات تبحث الفرص التي توفرها المتاحف من خلال برامجها التعليمية للجمهور عامة وللمتخصصين مثل الأبحاث، أو برامج الإقامة أو الزمالة أو التدريب. كما تقدم فرصاً متميزة للمدارس لتعزيز التعليم غير الرسمي لجميع الأعمار، فهناك نظريات تعلم وأطر تعليمية ومفاهيمية خاصة بالمتاحف ضمن ما يسمى Museum Pedagogy)). وتأتي هذه الأنشطة والبرامج وفق أهداف كل متحف وتخصصه فهناك متاحف تاريخية أو فنية أو للمستقبل أو متاحف الأطفال.
تبين الإحصائيات أن عدد المتاحف حالياً حول العالم يقرب من 55 ألفاً، إلا أن عدد متاحف الأطفال لا يتجاوز 500 متحف حول العالم. تبين رابطة متاحف الأطفال أن أول متحف أطفال في العالم كان (Brooklyn Children’s Museum) (1899). ومن اللافت أن جميع متاحف الأطفال لا تعتمد على المقتنيات الثمينة، بل تعزز بيئات وأنشطة تفاعلية تعزز الابتكار والخيال والتجربة وإن كانت ضمن مسمى متحف.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن متاحف الأطفال تتميز بتقديم أنشطة عملية ترتكز على اللعب الهادف الممنهج بتفاعل عائلي، لدعم نمو الأطفال وتنمية مهاراتهم والتواصل مع الآخرين، والوعي الاجتماعي والعاطفي من خلال مساعدة الأطفال وعائلاتهم على فهم أنفسهم والعالم، والتفكير النقدي والتفكير الابتكاري من خلال تجارب تعلُّمٍ تُصمم بعناية من خلال عملية تفاعلية ومتعددة الحواس، فهناك دراسات عدة تبين أثر متاحف الأطفال. (Anderson et al, 2002, Karadeniz, 2010, Soble et al, 2022).
نقرأ كثيراً أن الأطفال هم جيل المستقبل، وننسى أو نتناسى أن الأطفال يجب أن يعيشوا حاضرهم ونعيشه معهم بفاعلية. وبالرغم من الدراسات التي تهتم بأثر متاحف الأطفال في تعلم الأطفال، والأثر الثقافي في مجتمعاتهم إلا أن هناك دراسات تتعلق بالفرص التي توفرها متاحف الأطفال من وظائف جديدة وفرص سياحية واقتصادية وعلاقات دولية، مثل 2014) (Christia, &Fine. وللأسف فإن عدد متاحف الأطفال في العالم العربي يعد على الأصابع دون استثمار واضح لهذه المؤسسات والفرص التي تقدمها سواء على مستوى التعليم غير الرسمي أو الاقتصادي أو الثقافي.
فمن خلال تجربتي والعمل في قطاع المتاحف وجدتها بيئة خصبة تعزز الابتكار الثقافي من حيث توفير بيئة عمل تبتعد عن الرتابة وتعتمد على الفنون والخيال والمرونة والأبحاث وخدمة قطاعات مختلفة على مستوى الدولة. ومن يقرأ كتاب علي عزت بيجوفيتش (الإسلام بين الشرق والغرب) يرى أهمية دراسة الفنون ودور الفن في نهضة الشعوب وصناعة ضمير الإنسان.
وكما قال البروفيسور:PierLuigi Sacco "لا يوجد من لا يهتم بالثقافة والفنون، إلا أن التحدي الذي يواجه قيادة المتاحف يكمن في كيفية مساعدة الجمهور على كيفية ربط الجانب الثقافي بحياتهم وممارساتهم واهتماماتهم". وكذلك فإن التواصل بين القطاعات وقطاع المتاحف يحتاج إلى تطوير وقيادة من نوع مختلف، خاصة بعد تحديات كوفيد 19 والتغيرات العالمية، وهذا من أهم توصيات تقرير مشروع ICOM بقيادة المتاحف التي توصي باعتماد توجه 2021 لتعزيز الدور الثقافي للفن عموماً والمتاحف خصوصاً. فقادة المتاحف يحددون أولويات مشروعاتهم وارتباطها بتغيرات المناخ، والتغيرات الرقمية، وتأثيرات جائحة كوفيد، والصحة النفسية، والشمولية وغيرها من التحديات التي تواجه الدول والشعوب.
وتستمر التحديات محلياً وعالمياً، والتي تواجه استثمار المتاحف عموماً ومتاحف الأطفال خاصة، فإن عدداً كبيراً من الناس لا يرون أي أهمية للفعاليات الثقافية، ويرون أن تمويل مشروعات إغاثية عادية أولى من الاستثمار في قطاعات تبني الأجيال وتغير التوجهات والسلوك، خاصة لو أحسن قادة المتاحف تعريف الابتكار وتحديد الأولويات وآليات العمل والشراكات المجتمعية، والبدء بها منذ الصغر، فكما يقول الدكتور كين روبنسون: "الخيال هو مصدر كل شكل من أشكال الإنجاز البشري. وهو الشيء الوحيد الذي أعتقد أننا نعرضه للخطر تعريضاً منهجياً في الطريقة التي نعلم بها أطفالنا وأنفسنا".
مراجع
- Anderson, D., Piscitelli, B., Weier, K., Everett, M., & Tayler, C. (2002). Children's museum experiences: Identifying powerful mediators of learning. Curator: The Museum Journal, 45(3), 213-231.
- Christia, J., & Fine, M. B. (2014). Travel, tourism and economic impact of the children's museum of south Carolina. The Coastal Business Journal, 13(1), 2.
- Karadeniz, C. (2010). Children's museums and necessity for children's museums in Turkey. Procedia-Social and Behavioral Sciences, 2(2), 600-608.
- Sobel, D. M., Stricker, L. W., & Weisberg, D. S. (2022). Relations between children's exploration in a children's museum and their reflections about their exploration. Child Development, 93(6), 1804-1818.