الابتكار الاجتماعي
عن الابتكار الغذائي ... الماهية والأهمية والمعوقات والمعززات

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 12

عن الابتكار الغذائي ... الماهية والأهمية والمعوقات والمعززات

   غياث خليل هواري

وفقاً لتقارير الأمم المتحدة من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 8.6 مليار نسمة في عام 2030، و9.8 مليار نسمة في عام 2050، و11.2 مليار نسمة في عام 2100. ومن أجل ضمان توفير ما يكفي من الغذاء المناسب للجميع، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية التي تتضاءل يوماً بعد يوم، بات التحول إلى أنظمة غذائية أكثر استدامة من الضرورات الأكثر إلحاحاً. ويتطلب ذلك حلولاً استثنائية لا تقتصر على تغيير الطريقة التي يصنع بها الغذاء، وإنما تتجاوز ذلك إلى تغيير طرائق توفير الموارد، واستخدامها وتصنيعها وتغليفها، وحتى تقليل خسائر الأغذية وهدرها في السلسلة الغذائية، فضلاً عن تقليل تأثير نفايات التغليف.

يرتبط توليد الطرائق الجديدة في تنفيذ منهجيات ابتكارية تعتمد على فهم عميق للتحديات، وتوليد الأفكار، واختبارها. حيث يشمل الابتكار في مجال التصنيع الغذائي تطوير عمليات ومنتجات وخدمات غذائية جديدة تساهم بوجه كبير في تحسين حياة المستهلك، واستدامة الموارد. وقد ساعدت العديد من الابتكارات في معالجة الأغذية، والحفاظ على العناصر الغذائية، وتحسين الجودة، والسلامة، والعمر الافتراضي للمنتجات الغذائية. فعلى سبيل المثال: ساعدت عمليات الإنتاج التي تستخدم الضغط العالي أو البخار، في المحافظة على الطعم المميز، والعناصر الغذائية في الطعام.

ما أنواع الابتكار الغذائي؟

يمكن تعريف الابتكار الغذائي[1] بأنه عملية تطوير المنتجات الغذائية الجديدة وعمليات الإنتاج، من أجل ضمان جودة ونوعية هذه المنتجات وسهولة الوصول لها. ويشمل الابتكار في مجال التصنيع الغذائي العديد من الأنواع ليشمل كافة مراحل سلسلة القيمة لعملية التصنيع الغذائي، حيث تتضمن:

ما منهجية ابتكار الحلول الغذائية؟

هناك عدد من المنهجيات الابتكارية التي يمكن اعتمادها في تطوير الحلول للتحديات الغذائية. ونستعرض فيما يلي منهجية التفكير التصميمي في تصميم الحلول للتحديات الغذائية، والتفكير التصميمي هو منهج منظم يرتكز حول الإنسان في تصميم حلول للمشكلات اليومية المعقدة في جميع مجالات الحياة. يعمل التفكير التصميمي مع المستخدم من خلال تحديد احتياجاته الحقيقية، ومن ثم ينتهي بتصميم حل يلبي احتياجاته، ويجري اختبار ذلك على أرض الواقع.

يراعى في حلول التفكير التصميمي أن تحقق ثلاثة معايير:

1. أن تكون مرغوبة: يجب أن يكون الحل مطلوباً من قبل المستخدمين، ويلبي احتياجاتهم الحقيقية.

2. أن تكون قابلة للتطبيق: يجب أن يجرَّب الحل، والتأكد من أنه قابل للتطبيق من الناحية التقنية.

3. أن تكون مجدية: يجب أن يكون الحل مجدياً اقتصادياً، ويساعد على تحقيق الربح والنمو. 

وتتميز منهجية التفكير التصميمي بإمكانية دمج الفلسفة الخاصة بها في أي صناعة، حيث يمكن تطبيقها في التحديات الاجتماعية، أو الصحية، أو الغذائية، أو البيئية، أو التعليمية. وتنطوي عملية التفكير التصميمي على المراحل الست التالية:

  1. الفهم: تحديد إطار للتحدي يوضح المشكلة والمستخدمين، وكيف هو انعكاسها على حياتهم من وجهة نظر فريق التصميم.
  2. التعاطف: التعمق في مساحة المشكلة التي يواجهها المستخدم، وتحديد تحدياته الحقيقية من خلال الاقتراب من حياته ومقابلته ومراقبته.
  3. تحديد المشكلة: إعادة تأطير المشكلة من خلال فهم احتياجات المستخدمين النهائيين وسلوكياتهم وتفضيلاتهم في المرحلة السابقة.
  4. التصور: توليد العديد من الأفكار التي تتناول احتياجات المستخدم النهائي مباشرة، واختيار أفضل الأفكار.
  5. النموذج الأولي: بث الحياة في فكرة الحل من خلال تجسيدها عبر النموذج الأولي، وتحويلها إلى واقع لاختبارها.
  6. الاختبار: اختبار الفكرة مع المستخدم النهائي، والتحقق منها، وتطويرها وفقاً لملاحظات المستخدمين.

ما أشكال حلول الابتكار الغذائي؟

  1. أدوات أو تقنيات جديدة: يعمل المبتكرون على تصميم أدوات جديدة، وتوظيف التكنولوجيا من أجل أن تقود المبتكرين إلى تجربة أساليب جديدة وإنجاز أشياء كان يعتقد في السابق أنها مستحيلة. على سبيل المثال: توفير أدوات جديدة في تطوير الزراعة المستدامة كأدوات الحصاد، والمعالجة، والإنتاج، والتوزيع.
  2. منهجيات جديدة: يطور المبتكرون في بعض الأحيان منهجيات جديدة في التعامل مع التحديات الغذائية. على سبيل المثال: تطوير منهجيات جديدة من أجل التعامل مع تحديات الهدر الغذائي.
  3. مكونات غذائية جديدة: يقدم المبتكرون مجموعة من المكونات الغذائية الجديدة، يتولد عنها أصناف غذائية جديدة، أساسية أو داعمة. على سبيل المثال: تطوير بعض المنكهات، أو المحسنات الغذائية.

كيف ينعكس الابتكار على الصناعات الغذائية؟

توفر حلول الابتكار الغذائي طرائق جديدة ومبتكرة في كل من توفير الموارد اللازمة للصناعات الغذائية، وعمليات وأنظمة الصناعات الغذائية، وتعبئتها وتغليفها وتقديمها للمستهلكين، والتعامل مع هدر الطعام، ومعالجة نفايات الطعام. ومن خلال تلك الجهود يمكن التوصل إلى ما يلي:

  1. ابتكار أنواع جديدة: يتيح الابتكار الغذائي المجال لتطوير أنواع جديدة تماماً من الطعام، وينطبق ذلك على المصانع التي تطور خطوط إنتاج لمنتجات غذائية جديدة، وينطبق كذلك على أصحاب المطاعم، الذين يطورون طرائق لتقديم خيارات جديدة في قوائم طعامهم للمستهلكين.
  2. تحسين المذاق: تعمل بعض الابتكارات الغذائية على تطوير نكهات الأغذية من خلال مزيج من المكونات الجديدة، وأساليب الإنتاج الجديدة. كما يمكن أن تساهم طرائق التخزين والتوزيع في الحفاظ على تلك النكهات لمدة أطول.
  3. تحسين الجودة الغذائية: لا ترتبط لذة الطعام بالقيمة الغذائية العالية له في أغلب الأحيان، ولهذا السبب تعمل العديد من الابتكارات الغذائية على إنتاج أطعمة تجمع بين لذة الطعم، والقيمة الغذائية العالية.
  4. تعزيز الاستدامة: تتوجه العديد من الابتكارات نحو الاعتماد على طرائق مستدامة لإنتاج الغذاء، ويرتبط ذلك بالحلول الزراعية، والحلول المتعلقة بالتعبئة والتغليف والتوزيع المعززة للاستدامة مما يعني حماية البيئة، وضمان إمكانية إنتاج الغذاء لسنوات عديدة قادمة.
  5. خفض التكاليف: تركز العديد من الابتكارات الغذائية على توفير حلول على مستوى العمليات، تضمن تحسين كفاءة العمل، وخفض التكاليف التشغيلية، مما يؤدي إلى انخفاض التكاليف بالنسبة للمستهلكين النهائيين، الأمر الذي ينطوي على إمكانات هائلة لفائدة البشرية.

وقد تجمع بعض الابتكارات المتقدمة بين أكثر من شكل، إذ تعمل بعضها على توفير أغذية عالية القيمة الغذائية، ولذيذة المذاق، وبتكلفة معقولة، أو بطرائق مستدامة، أو من خلال تقديم أنواع جديدة من الأغذية، أو قد تكتفي بالتركيز على شكل واحد من الأشكال المذكورة.

ما العوائق التي تحول دون تطبيق الابتكار في قطاع الصناعات الغذائية؟

تشمل عوائق تطبيق الابتكار في الصناعات الغذائية ما يلي:

  1. الافتقار إلى العقلية الابتكارية: الافتقار إلى منظومة التفكير التي تؤمن بأهمية الابتكار، وتتقبل المجازفة والمخاطرة في حال عدم التأكد من فاعلية الحلول، وتقبل فكرة توليد أفكار جديدة واختبارها وتطويرها.
  2. الافتقار إلى المعارف المطلوبة والبيئة الداعمة: لا يمكن تطبيق الابتكار في الصناعات الغذائية ما لم تبنَ منظومة المعارف اللازمة لذلك لدى فريق العمل، وتوفير الأدوات اللازمة، ومساحات العمل التي تمكن العاملين في قطاع التغذية من تطبيق منهجيات الابتكار في تصميم الحلول لمواجهة التحديات الغذائية.
  3. عدم وضوح الرؤية: إن عدم وجود رؤية بعيدة المدى، واضحة ومحفزة، تدفع العاملين في مجال الصناعات الغذائية إلى التعامل مع التحديات من خلال التركيز على النتائج قصيرة المدى فحسب، والعمل على حلها بطرائق إسعافية من خلال تقديم حلول قصيرة المدى، لا تراعي الصورة الكبيرة لجملة التحديات الغذائية، وتقاطعاتها مع التحديات الأخرى.
  4. قلة الموارد: يتطلب تطبيق الابتكار لمعالجة التحديات الغذائية مجموعة من الموارد اللازمة، والتي تشمل الموارد المالية، والبشرية، والإدارية، ويعد عدم توفرها عائقاً كبيراً أمام تطبيق الابتكار.
  5. الافتقار إلى القوانين الداعمة: إن عدم وجود سياسات وقوانين محفزة وداعمة لتطبيق الابتكار في عمليات تصميم المنتجات الغذائية يلعب دوراً كبيراً في عدم تبنيها، والاكتفاء بدلاً من ذلك باعتماد الطرق التقليدية.

معززات الابتكار الغذائي:

يمكن تعزيز الممارسات الابتكارية، والمساهمة في ازدهارها من خلال عدد من التوصيات تشمل ما يلي:

  1. تعزيز الوعي بأهمية الابتكار: إقامة الفعاليات التعليمية والثقافية، والبرامج الثقافية لتعزيز الوعي بأهمية الابتكار، واستعراض أهم ممارساته للمعنيين ممن يعملون في الزراعة، وفي مجال تصنيع الأغذية وتوزيعها وبيعها.
  2. بناء العقلية الابتكارية: يتطلب تطبيق الابتكار بناء المنظومة الفكرية اللازمة التي تساعد على فهم أهميته، والاستعداد الفكري لتعلمه وتبنيه، بحيث يكون مكوناً أساسياً مرتبطاً بالأهداف الإستراتيجية للمؤسسة.
  3. توفير البيئة الداعمة: يتطلب تطبيق الابتكار بناء البيئة المادية اللازمة، والتي تشمل توفير مساحات عمل، على سبيل المثال: (innovation labs)، و(maker space) مجهزة بالأدوات والمعدات اللازمة لتبادل الأفكار، وتصميم النماذج الأولية لاختبارها، وتوفير الفرص التدريبية والتعليمية اللازمة لتطبيقها.
  4. توفير الموارد المادية: وذلك من خلال العمل على تقديم بعض التسهيلات في الوصول إلى الموارد المالية المطلوبة لإعداد البيئات الابتكارية اللازمة لتطبيق ممارسات الابتكار. على سبيل المثال: توفير الموارد المادية اللازمة لتعزيز ممارسات الزراعة المستدامة.
  5. تطوير السياسات والتشريعات: وذلك من خلال العمل على تطوير التشريعات والسياسات التي تدعم عملية الابتكار، وتعزز ممارساته، وتوفير التسهيلات المخصصة للشركات التي تعمل على تطبيق منهجيات الابتكار في تصميم منتجاتها الغذائية من أجل التحفيز على تطبيقه على نطاق أوسع.

إن تبني الابتكار الغذائي لا يقتصر على الشركات الغذائية، وأصحاب المطاعم، والمقاهي. فنحن على المستوى الفردي يمكننا أن نتبنى الابتكار الغذائي من خلال عدد من الممارسات، على سبيل المثال: يمكننا أن ندعم المنظمات التي تمارس الابتكار الغذائي المستدام، وتحاول تقديم منتجات جديدة ومغذية ومستدامة إلى السوق، من خلال الشراء منها دون غيرها، والترويج لها، وإخبار الآخرين بوجودها، الأمر الذي يمكن أن يساعد على توسيع قاعدة عملائها، ويدعم استمراريتها في العمل، ويشجعها على الاستمرار في ممارساتها الابتكارية. حيث يتطلب تعزيز الابتكار الغذائي اتخاذ قرارات غذائية واعية على المستوى الفردي، والتفكير في الأطعمة التي نشتريها، والعلامات التجارية التي نتعامل معها، وفهم الملصقات الموجودة على العبوات الغذائية، فهذا كله يدعم مصنعي الأغذية في مواصلة مسيرتهم الابتكارية. ومع ارتفاع معدلات الابتكار الغذائي، سيستفيد الناس في كل مكان. فالأمر بالنسبة لبعض الأشخاص يعني الوصول إلى خيارات غذائية أكثر نفعاً وأقل تكلفة، وبالنسبة لآخرين يعني حماية البيئة بممارسات أكثر استدامة، أو ربما يعني الاستمتاع فحسب بتجربة أطعمة لذيذة بجودة عالية لم يكن من الممكن الوصول إليها في السابق، ومهما كانت الأسباب والدوافع فهي تعني حتماً أن دعم الابتكار الغذائي يؤتي ثماره.



[1]  وفقاً لمؤسسة Willow Brook Farm البريطانية

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...