الابتكار الاجتماعي
الابتكار الغذائي أحد مفاتيح التنمية المستدامة

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 12

الابتكار الغذائي أحد مفاتيح التنمية المستدامة

   عبير العبيد

أظهرت إحصائيات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP أن 821 مليون شخص يعانون من نقص التغذية المزمن بدءاً من عام 2017، وغالباً ما يكون ذلك نتيجة مباشرة للتدهور البيئي الذي تنجم عنه الكوارث الطبيعية، وفقدان التنوع البيولوجي بالإضافة للحروب والأزمات الاقتصادية، كما يعاني أكثر من 90 مليون طفل دون سن الخامسة من نقص الوزن نقصاً خطيراً. وهذا يدل على أن نقص التغذية وانعدام الأمن الغذائي الشديد يتوسعان حول العالم في مناطق عدة في أفريقيا، وآسيا الوسطى، وكذلك في أمريكا الجنوبية[1].

وذكر تقرير أهداف التنمية المستدامة لعام 2021، الصادر عن إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة، أن 2.37 مليار شخص ليس لديهم طعام، أو غير قادرين على تناول طعام صحي متوازن بانتظام

لذا تسعى الأمم المتحدة إلى إنهاء جميع أشكال الجوع وسوء التغذية بحلول عام 2030، والتأكد من حصول جميع الناس وبخاصة الأطفال على ما يكفي من الغذاء طوال العام من خلال تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ونظراً لذلك ازداد التوجه والسعي لتوظيف تقنيات الابتكار في رحلة إنتاج الغذاء بدءاً من الحقول وصولاً للأسواق، فيما يسمى بـ "الابتكار الغذائي Food Innovation".

فما الابتكار الغذائي؟ وما أشكاله؟ وما دوره في تحقيق التنمية المستدامة؟

سنحاول من خلال هذا المقال الإجابة عن هذه التساؤلات.

يمكن تعريف الابتكار الغذائي[2] بأنه عملية تطوير المنتجات الغذائية الجديدة وعمليات الإنتاج، من أجل ضمان جودة ونوعية هذه المنتجات وسهولة الوصول لها.

ويعد الابتكار الغذائي الشرارة الحيوية في صناعة الأغذية التي تضمن الحصول على منتجات غذائية مستدامة، وصديقة للبيئة إلى جانب تحقيق عوائد مادية.

يأتي الابتكار الغذائي في أشكال عدة، تتنافس من خلالها الشركات لرفد كل حلقة من حلقات سلسلة الإمدادات الغذائية بطرائق جديدة ومبتكرة لصناعة الأغذية، وتغليفها، وتخزينها، وتوزيعها بهدف الوصول لطعام أكثر تغذية، وأكثر استدامة، وأقل تكلفة.

وقد عددت الشبكة الآسيوية Eastern Eye الصادرة في بريطانيا ضمن مقال نشر على موقعها بعنوان "لماذا يعد الابتكار الغذائي مهماً؟"[3] مجموعة من أشكال الابتكار الغذائي نذكر منها:

  1. ابتكار أنواع جديدة من المحاصيل والأطعمة: يتمثل في عمليات التعديل الوراثي لبعض المحاصيل التي تحسن من جودتها وتزيد إنتاجيتها الأمر الذي سيؤدي إلى ظهور فصائل جديدة أكثر جودة وإنتاجية. أما بالنسبة لابتكار الأطعمة فيتمثل بتطوير بدائل جديدة حتى في المنتجات التقليدية، وإنتاج أطعمة محسنة عن طريق تقليل كمية بعض المكونات، أو إضافة مكونات جديدة، أو استبدال المكونات المستخدمة تقليدياً بمكونات أخرى صحية.
  2. الابتكار في جعل الطعام أكثر تغذية: السعي لضمان استخدام مواد أولية ذات جودة عالية لتدخل في الصناعات الغذائية وتضمين المقويات والمواد المغذية فيها، والحد من استخدام المواد ذات الأضرار القريبة أو البعيدة المدى على صحة الإنسان الجسدية والنفسية.
  3. تحسين الاستدامة: ابتكار أساليب مستدامة في إنتاج الغذاء ونقله وتصنيعه وتوزيعه، بما يضمن حماية البيئة وضمان إمكانية الوصول للغذاء لسنوات عديدة.
  4. ابتكار أساليب وأدوات تساعد على تخفيض التكاليف: إن خفض تكاليف الغذاء يعني قدرة شريحة واسعة من البشر على الوصول له، ومن ثم ضمان تحقق الأمن الغذائي العالمي، مما يجعل ابتكار أساليب وأدوات تساعد على توفير غذاء ذي جودة عالية، وبأقل التكاليف حاجة ملحة لا بد من السعي لتحقيقها.

ويلعب الابتكار الغذائي دوراً حاسماً في تحقيق مجموعة من أهداف التنمية المستدامة وهي:

الهدف الثاني: صفر جائع (القضاء على الجوع)

يدعم الابتكار الغذائي قطاع الزراعة والغذاء، من خلال الحلول التي يوفرها خلال دورة حياة الغذاء ضمن جهود القضاء على الجوع والفقر، ومن تلك الحلول على سبيل المثال لا الحصر: حلول الزراعة المستدامة، تقنيات التخزين والتغليف والتعبئة التي تضمن الحفاظ على صلاحية الغذاء، واحتفاظه بخصائصه المغذية، وبأقل التكاليف.

الهدف الثالث: الصحة الجيدة والرفاهية

إن ظهور عادات الأكل الصحية واحتياجات المستهلكين لاتباع نظام غذائي صحي دفع الشركات المصنعة للغذاء إلى الابتكار في صناعتها، من خلال استبدال المكونات الغذائية الأكثر صحة والمغذية بالمكونات غير الصحية، والتركيز على فوائد الغذاء المنتج ودوره في تقليل المخاطر المحتملة للأمراض.

الهدف التاسع: الصناعة والابتكار والبنية التحتية

مع تحرك صناعة الأغذية نحو اتباع نظام غذائي أكثر استدامة ونهج يركز على التكنولوجيا، يمكن لمشغلي الأعمال الغذائية والعملاء توقع حلول أكثر ذكاءً، ومزيد من الخياراتويعد الابتكار الغذائي جزءاً حيوياً من الصناعة، لكونه يلبي متطلبات المستهلكين ويسمح للشركات بأن تصبح أكثر قدرة على المنافسة.

الهدف الثاني عشر: الاستهلاك المسؤول والإنتاج

يساعد الابتكار الغذائي على اتخاذ قرارات غذائية ليس على مستوى الشركات المصنعة للغذاء فحسب، وإنما على مستوى الأفراد (المستهلكين)، حيث تشرح ملصقات التغذية الموجودة على المنتجات الغذائية للمستهلك خصائص هذه المنتجات من حيث المواد المستخدمة في تصنيعها (عضوية، صديقة للبيئة، …)، والتي توضح أن المنتجات صنعت ضمن ظروف صحية، تعكس التزام الشركات بإنتاج غذاء غير مضر للإنسان ولا البيئة، وكذلك التزام المستهلكين بالاستهلاك المسؤول.

الهدف الثالث عشر: تحسين المناخ

يعالج الابتكار الغذائي قضايا ذات آثار بيئية سلبية تؤثر كثيراً في الأمن الغذائيتُكتَشف العمليات التي تولد انبعاثات غازات دفيئة أقل من خلال الابتكارات الغذائية.

الهدف السابع عشر: الشراكة من أجل الأهداف

يشكل الابتكار الغذائي حلقة وصل تصل قطاعات عديدة فيما بينها، الزراعة، والصناعة والتجارة، وغيرها من القطاعات، وهذا يتطلب عقد الشراكات بين الشركات والمنظمات من جهة، ومؤسسات حكومية من جهة أخرى لتحقيق أهداف مشتركة تعزز التنمية المستدامة.

وأخيراً يمكننا القول: إن الابتكار الغذائي أحد مفاتيح التنمية المستدامة، ولكنه يتطلب تعاوناً بين جهات محلية ودولية عديدة لضمان الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا وتحسين إنتاجية ونوعية الغذاء.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...