الابتكار الاجتماعي
نقاط الابتكار

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 12

نقاط الابتكار

   محمد سيف الأنصاري

شهد العقد الأخير تزايداً ملحوظاً في البحث والاستثمار في مجال التكنولوجيا الغذائية، حيث أدى ذلك إلى العديد من الابتكارات في مجال الطعام. يمكننا الآن استخدام تطبيقات الهواتف لطلب الطعام من مجموعة متنوعة من المطاعم بلمسة زر، ونرى نمو صناعة تربية اللحوم في المختبرات، كما تشير التحليلات إلى أن الاستثمار في مجال التكنولوجيا الغذائية قد ازداد عالمياً 40 مرة خلال العقد الماضي، ووصل إلى مستوى قياسي جديد يبلغ 26.9 مليار جنيه إسترليني في عام 2021.

 

ولكن رغم كل ذلك هل يتجه مستقبل الغذاء إلى الاتجاه الصحيح؟ لقد كان تركيز صناعة الأغذية حتى الآن على النجاح التجاري والاستدامة، ولكن هل يجب أن نوجه الابتكار في مجال الطعام نحو تحسين صحتنا؟

جذبت خدمات توصيل الطعام نحو 60٪ من الاستثمارات الرأسمالية الاستثمارية في المدة من 2017 إلى 2021. وكان تزايد منصات التوصيل، بالإضافة إلى تطور المطابخ التي تنتج وجبات للتوصيل، وتطور التشغيل المنزلي للمطابخ، يشكل تحدياً لجودة البيئات الغذائية.

على الرغم من أن هذه التطورات لم تكن تركز على الصحة حتى الآن، إلا أن أبحاثنا تظهر أنه يمكننا تحسين بيئات الطعام من خلال الابتكار. لذلك يجب توجيه التكنولوجيا والعمليات والأفكار الجديدة نحو توفير المزيد من الخيارات الغذائية الصحية إذا كنا نرغب في الحد من السمنة وتحسين صحة الناس.

ما الأثر الذي سيكون للارتفاع الأخير في الابتكار في مجال التكنولوجيا الغذائية في بيئات الطعام؟

يمكن أن يؤثر المكان الذي نعيش فيه، ونعمل داخله، ونتسوق من أسواقه، ونتعلم فيه، في الطعام الذي نأكله وفي صحتنا، يُسمى ذلك بيئة الطعام، وتشمل كل ما تجربه في تلك الأماكن من أطعمة. يعيش العديد منا في بيئات يكون الطعام الأكثر توفراً طعاماً غير صحي. البيئات الغذائية الفقيرة هي عامل مساهم رئيسي في السمنة في المملكة المتحدة، التي ارتفعت باستمرار لثلاثة عقود على الرغم من مقترحات العديد من السياسات المطروحة لمعالجة هذه المسألة.

شهد العقد الأخير "انفجاراً في الابتكار" فيما يتعلق بكيفية إنتاج وإعداد وتوزيع الطعام. ومع اختبار العديد من الأفكار الجديدة في السوق، تظهر تحليلات منظمة نيستا أن الاستثمار العالمي في رأس المال الاستثماري في مجال التكنولوجيا الغذائية وشركات الابتكار زاد نحو 40 مرة، من 670 مليون جنيه إسترليني في عام 2011 إلى 26.9 مليار جنيه إسترليني في عام 2021.

وفي المدة الزمنية الأخيرة بين عامي 2017 و2021 ازدادت سرعة نمو رأس المال الاستثماري في شركات التكنولوجيا الغذائية في المملكة المتحدة حيث نما بمعدل بلغ (108٪) مقارنة بالولايات المتحدة مثلاً أو الصين أو ألمانيا.

تلتزم رسالة منظمة نيستا للحياة الصحية بزيادة المتوسط ​​في عدد السنوات الصحية التي يعيشها الأفراد في المملكة المتحدة، وتهدف إلى القيام بذلك من خلال تقليل انتشار السمنة. وتركز جهودها على تحسين بيئات الطعام، وتسهيل تناول الطعام الصحي، بغض النظر عن المال أو الوقت القليل الذي يتوفر لدى الأشخاص، أو مكان إقامتهم، أو مدى وعيهم الصحي.

تهدف هذه الطريقة لتطبيق نموذج نقاط الابتكار الذي طورته نيستا، من خلال فهم أفضل للاتجاهات في مجال تكنولوجيا الأغذية والابتكار في مختلف جوانب النظام الابتكاري، وتنظر في التداعيات المحتملة لهذه الاتجاهات.

استخدم منهج نقاط الابتكار لتحليل مجموعات كبيرة من البيانات المتعلقة بالنشاط البحثي والاستثمار من رأس المال الاستثماري والحوار العام في أخبار الصحف والمناقشات البرلمانية، وقد حللت اتجاهات هذه المجموعات من البيانات لبناء صورة متعددة الأبعاد لنظام الابتكار في مجال الأغذية.

 بجانب هذا التحليل الكمي أجرت نيستا تمارين "فهم المعنى" النوعية باستخدام تقنيات الرؤية الإستراتيجية التي تشمل مجموعة واسعة من المعنيين بصناعة الأغذية، ومنهم المستثمرون والعلماء وخبراء الصناعة وصانعو السياسات، من خلال الاستعانة بلجنة من الخبراء للمساعدة في استكشاف بعض التداعيات الممكنة لهذه الابتكارات، ثم تصنيفها من حيث تأثيرها المحتمل في السمنة.

النتائج الرئيسية للتقرير

1. انفجار استثماري في توصيل الطعام واللوجستيات: تحدٍ لجودة بيئات الطعام

أظهر التحليل الذي نفذته منظمة نيستا أن الاستثمار في تكنولوجيا توصيل الطعام السريع، ومنصات تطبيقات توصيل الوجبات، ومنصات توصيل البقالة في خمس عشرة دقيقة قد ساهم في غالبية استثمارات رأس المال الاستثماري الأخيرة في تكنولوجيا الأغذية. وتشمل هذه الاستثمارات شركات توصيل وجبات الطعام الجاهزة، والبقالة بصورة رئيسية، والتي جذبت 60% من استثمارات تكنولوجيا الأغذية في مرحلة البداية على مستوى العالم في المدة من 2017 إلى 2021 (بمتوسط 11.2 مليار جنيه إسترليني سنوياً).

كما وجدنا أن جهات تمويل الأبحاث في المملكة المتحدة تتجه نحو هذا المجال من الابتكار، وقد دعمت مشروعات لتقليل تكاليف توصيل الوجبات الجاهزة، وتمكين الأعمال الصغيرة من مشاركة سائقي التوصيل خلال جائحة كوفيد-19. كما تظهر بيانات مؤسسة البحوث في المملكة المتحدة (UKRI) ومعهد البحوث الصحية الوطني (NIHR)  زيادة بنسبة 200% في التمويل بين 2017 و2021 لمشروعات مرتبطة بتوصيل الطعام (في حين زاد إجمالي تمويل الأبحاث الأساسية بنسبة 11% فقط)، وفي المدة الزمنية نفسها وجدنا أيضاً نمواً متزايداً في حوارات الأخبار بنسبة 350% من الإشارات في مقالات الجارديان، والتي نستخدمها كمؤشر على تغطية الأخبار.

بجانب نمو منصات توصيل الوجبات، حددنا أيضاً ارتفاعاً حاداً في الاستثمار في "المطابخ الظلامية"، مرافق التحضير التي تنتج وجبات الطعام لتوصيل الوجبات الجاهزة فحسب وليس للمطاعم. قدر ارتفاع الاستثمار في الشركات الناشئة المتخصصة في هذا المجال إلى 140 مرة بين عامي 2017 و2021، حيث وصل مجموع إيراداتها بمعدل يصل نحو 485 مليون جنيه إسترليني سنوياً. وقد دفع اعتماد المطابخ الظلامية أساساً بحاجة تقليل التكاليف، حيث يكلف طلب الطعام الجاهز من خلال تطبيقات التوصيل أجوراً إضافية، ولا تزال الشركات في هذا القطاع تواجه تحديات في تحقيق أرباح.

يمكن تحقيق مزيد من توفير التكاليف وزيادة الإنتاجية في المستقبل من خلال إدخال المزيد من الأتمتة، والروبوتات في المطابخ. أظهر تحليل نيستا أن الاستثمار العالمي في تمويل الشركات الناشئة المتخصصة في هذه التكنولوجيا المطبخية قد نما أيضاً بنسبة نحو 81% بين عامي 2017 و2021.

ونظراً لهذا النمو بدا من المقلق أن منصات توصيل الوجبات والبقالة تعرفت عليها لجنة الخبراء لدينا على أنها أكثر التكنولوجيا احتمالاً لزيادة السمنة في المملكة المتحدة. هناك أدلة على سبيل المثال تشير إلى أن الوجبات التي تُحضر خارج المنزل، والتي تشمل الوجبات الجاهزة، تحتوي على 21% من السعرات الحرارية أكثر من تلك التي تطهى في المنزل، وأن التعرض للوجبات الجاهزة يرتبط بارتفاع معدل انتشار السمنة. علاوة على ذلك تشير الكثافة الأعلى للوجبات الجاهزة في المناطق الأكثر حرماناً إلى أن زيادة استهلاك الوجبات السريعة قد تسهم في تعميق التفاوتات في مجال الصحة، لذلك بات من الضروري التأكد من توجيه الابتكار المستقبلي في هذا المجال نحو تحسين بيئة الطعام بجانب تطوير آليات للحد من الأضرار المحتملة.

2. ارتفاع ابتكارات إعادة التشكيل: أخبار جيدة لمستقبل صحتنا

يمكن لإعادة تشكيل الأطعمة تقليل كثافة السعرات الحرارية أو زيادة الشبع من خلال عدة آليات، منها تغيير نسب المكونات المختلفة، أو إضافة مكونات جديدة طورها الباحثون، أو تغيير عملية إعداد الطعام.

أظهرت التحليلات لبراءات الاختراع المتعلقة بإعادة التشكيل إشارات تشجيعية مبشرة حول الابتكار النشط في مجموعة متنوعة من أنواع إعادة تشكيل الأطعمة. على سبيل المثال: هناك نمو بنسبة نحو 165% على مدى العقد الماضي في طلبات براءات الاختراع التي تقلل من محتوى السعرات الحرارية للطعام من خلال إضافة مواد غير قابلة للهضم، مثل الألياف الغذائية، التي تمتلك أيضاً مجموعة من الفوائد الصحية.

كما قدر نمو الابتكار في براءات الاختراع المتعلقة بزيادة الشبع بنسبة نحو 580%، وهذا يتفوق تفوقاً كبيراً على الاتجاه العالمي الذي بلغ نموه نحو 70% في طلبات براءات الاختراع بين 2010 و2020، وهناك مؤشرات مشجعة بشأن تدفق الاستثمار في الشركات الناشئة، التي تستخدم علم الأغذية لإنشاء مكونات جديدة ومنتجات معاد تشكيلها، للحصول على طعام صحي من خلال محليات صناعية، أو منتجات محسَّنة بالألياف الغذائية، إلى منصات البرمجيات التي تمكن من إعادة تشكيل أطعمة متنوعة. قد زادت الاستثمارات في هذا المجال بمعدل تقريبي يصل إلى 25 مرة بين 2017 و2021. ومع ذلك كانت تقديرات مجموع الاستثمارات السنوية الكلية - 70 مليون جنيه إسترليني - صغيرة مقارنة بمعظم أنواع الابتكارات الأخرى، مما يشير إلى أن هذا لا يزال اتجاهاً ناشئاً في تمويل رأس المال الاستثماري.

وعلى النقيض من ذلك كان تمويل البحوث العامة في المملكة المتحدة لإعادة تشكيل الأطعمة قد تجمد في نفس المدة الزمنية، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 33%، لذلك فإن الأخبار الجيدة هي أنه بدءاً من نهاية عام 2022، أعلن عن تخصيص 15 مليون جنيه إسترليني إضافية لأبحاث النظام الغذائي والصحة الجديدة، وأعلنت (Innovate UK) عن مسابقة بقيمة 20 مليون جنيه إسترليني في تمويل المنافسة، والتي قد توفر أيضاً دعماً جديداً لإعادة تشكيل الأطعمة إلى جانب تحسين القيمة الغذائية.

ورغم الكثير من العمل والابتكارات أظهرت أبحاث لجنة الخبراء أن إعادة تشكيل الأطعمة لتقليل السعرات الحرارية في المشروبات الغازية سهلة نسبياً (حيث يمكن استبدال محليات سعرات حرارية منخفضة بالسكر)، ولكن إعادة تشكيل الأطعمة في فئات الطعام والسيناريوهات الأخرى يمكن أن تكون أكثر تحدياً بكثير. وتتضمن العقبات: الحاجة إلى الاستثمارات الكبيرة في رأس المال للبحث ومعدات الإنتاج، وقضايا تتعلق بقبول العملاء للمنتجات المعاد تشكيلها، والمنتجات الجديدة بالكامل، وتكلفة مرتفعة لمكونات جديدة. تلك العقبات يمكن أن تجعل إعادة تشكيل الأطعمة لتقليل السعرات صعبة ومكلفة، خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة التي قد تفتقر إلى موارد البحث والتطوير في الشركات الكبيرة.

3. مجموعات التغذية والوجبات الشخصية: يمكن أن يؤدي الوصول إليها وامتصاصها إلى الحد من المكاسب الصحية المحتملة 

تقدم خدمات التغذية الشخصية نصائح حمية مُخصصة لخصائص الفرد، مثل نمط الحياة والحالة الصحية في الجهاز الهضمي ومعدل الأيض. ورغم أن الأدلة على فاعلية هذه النصائح المُخصصة للأفراد ما تزال حديثة نسبياً، إلا أن عدد مستخدمي تطبيقات التغذية في المملكة المتحدة، التي يجري من خلالها تقديم هذه النصائح في كثير من الأحيان، قد زاد بأكثر من أربع مرات منذ عام 2017، حيث تبين التقارير وجود خمسة ملايين مستخدم في عام 2021. وفي نفس المدة الزمنية ارتفعت تمويلات الشركات الناشئة في هذا المجال بنسبة 552% على مستوى عالمي، لتصل إلى ما يقرب من 500 مليون جنيه إسترليني في عام 2021.

تحتوي صناديق الوجبات على مكونات مُختارة مسبقاً، ووصفات للعملاء لتحضير وجبات منزلية، مما يوفر الوقت في تخطيط الوجبات وعملية التسوق. وتشير التقارير إلى أن هناك 5.7 مليون عملية توصيل لصناديق الوجبات في عام 2022 في المملكة المتحدة، مقارنة بأربعة ملايين في عام 2017. كما تظهر البيانات أن استثمارات رأس المال الاستثماري العالمية في هذه الأعمال قد استقرت في السنوات الخمس الماضية، عند نحو 265 مليون جنيه إسترليني سنوياً، وقد ظهرت التغذية الشخصية وصناديق الوجبات وفق تحليل خبراء منظمة نيستا أكثر التقنيات إمكانية للحد من السمنة في المملكة المتحدة، إذا وفرت بوجه واسع النطاق مقارنة بالتدخلات التكنولوجية الأخرى التي جرت دراستها. وكلاهما لديهما إمكانية لتشجيع تناول الطعام الصحي ومساعدة المستهلكين على المشاركة وتعلم المزيد عن الطعام الذي يتناولونه ومن ثم اتخاذ خيارات صحية، ولكن هذه الابتكارات لم تختبر للتأثير في نطاق واسع، حيث يأتي كلا النوعين من الخدمات بسعر إضافي قد لا يتمكن أصحاب الدخل المتوسط والضعيف من تحمله، خاصة في ظل أزمة تكاليف المعيشة.

4. البروتينات البديلة: منطقة نمو سريع، ولكن بتأثير غير واضح في الصحة

تنقسم البروتينات البديلة، التي يجري تطويرها لاستبدال البروتينات الحيوانية التقليدية إلى ثلاث مجموعات رئيسية: البروتينات النباتية، والبروتينات المنتجة باستخدام تخمير الكائنات الحية الدقيقة، واللحوم المصنعة في المختبرات، حيث تزرع الخلايا الحيوانية في الظروف المختبرية والصناعية. وتظهر التحليلات أن البروتينات البديلة جذبت تمويل رأس المال الاستثماري الكبير والمتزايد (1.54 مليار جنيه إسترليني سنوياً، بمعدل نمو بنسبة 800% بين 2017 و2021). كما جذب هذا المجال من الابتكار مزيداً من تمويل البحث العام في المملكة المتحدة (1.7 مليون جنيه إسترليني سنوياً، مما يمثل نمواً بنسبة 175% بين 2017 و2021.). ومع ذلك لا يزال مجالاً ناشئاً، مع وجود مؤشرات على أن حماسة المستهلكين في المرحلة الأولى قد وصلت إلى ذروتها وأنه سيكون هناك نمو أقل في عام 2023.

علاوة على ذلك لا يزال الأثر الذي تتركه البروتينات البديلة في الصحة غير واضح. فقد تم التأكد من أن البرجر النباتية لديها سعرات حرارية أقل، ودهون مشبعة أقل، وألياف أكثر (على الرغم من احتوائها على مزيد من الملح) مقارنة ببرجر اللحوم، مما يشير إلى أنها تحمل فوائد غذائية. ومع ذلك أشار تقرير أعدته جامعة كامبريدج إلى أن العديد من منتجات البروتين البديلة تعالج معالجة مكثفة. وقد ربط الاستهلاك الكبير للأطعمة شديدة التصنيع بأمراض القلب والأوعية الدموية، وقد يتطلب الأمر دراسات إضافية مدتها 20 عاماً أخرى لفهم الآثار الصحية بالكامل.

 توصيات التقرير

استناداً إلى النتائج التي تم التوصل إليها والمشورة من الخبراء الخارجيين، طورت منظمة نيستا مجموعة من التوصيات حول الابتكار في مجال التكنولوجيا الغذائية، تعتمد على عدة توصيات أُعلِنَت أخيراً في تقرير نشرته منظمة نيستا وركزت بوجه خاص على إعادة التشكيل الغذائي، وتوسعت إلى الابتكارات الغذائية خارج موضوع إعادة التشكيل، حيث قدمت مجموعة إضافية من المقترحات المكملة للمساعدة في توجيه التكنولوجيا الغذائية نحو خلق بيئات طعام أكثر صحة. وهناك فرصة كبيرة للاستفادة من الابتكارات التكنولوجية الغذائية الحديثة، لتحسين البيئات الغذائية والصحة ومكافحة السمنة في المملكة المتحدة. حيث أبرز خبراء التكنولوجيا في منظمة نيستا عملية إعادة التشكيل بصفتها أحد الابتكارات الأكثر قدرة على تحقيق أثر إيجابي مقارنة بمجموعة من الابتكارات الأخرى.

قد تتضمن الابتكارات في مجال إعادة التشكيل استهداف فئات معينة من المنتجات الغذائية التي يمكن أن تكون أكبر تأثيراً، والعمل على ضمان توفر خيارات منخفضة السعرات الحرارية لجميع المستهلكين، ووضع أهداف للحد من السعرات الحرارية والإبلاغ الإلزامي عن البيانات من قبل القطاع الخاص المتعلقة بالصحة والإصلاحات، وإنشاء هيئة مخصصة لتصميم وتحديد الأهداف، بالإضافة إلى أن بعض هذه التوصيات قد تكون مفيدة لمشهد الابتكار التكنولوجي الغذائي الأوسع. وتنقسم هذه التوصيات إلى مجموعتين رئيسيتين: الحوافز المالية والمستهلكين.

 أولاً: التوصيات المتعلقة بالحوافز المالية:

يجب أن يجري إدخال حوافز مالية جديدة وتحسين التدابير القائمة لدعم الابتكار لتكون الأطعمة صحية بصورة أفضل. وبالرغم من أن بعض التدابير التالية قد تمثل تكلفة للخزينة البريطانية، إلا أن هناك أبحاثاً كبيرة تشير إلى عائد إيجابي جداً على الاستثمار من خلال التدابير التي تقلل من السعرات الحرارية. تشير النمذجة التي أجرتها وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية إلى أن انخفاض السعرات بنسبة 20 سعرة حرارية فقط يومياً، ما يعادل نحو 1% من معدل السعرات الحرارية اليومية الموصى بها وسطياً، سيؤدي إلى الفوائد التالية على مدى 25 عاماً:

  • 10,500 حالة وفاة أقل.
  • تقليل تكاليف الرعاية الصحية والاجتماعية بمقدار 2.52 مليار جنيه إسترليني.
  • زيادة الإنتاج الاقتصادي بقيمة 191 مليون جنيه إسترليني.
  • كما أن النموذج قد حسب القيمة المالية المرتبطة بتقليل الوفيات والأمراض، حيث بلغت الفوائد المالية 7.98 مليار جنيه إسترليني، مما يجعل مجموع الفوائد المالية 10.7 مليار جنيه إسترليني.

أظهرت أبحاث نيستا وجود عدة عوائق ومخاطر تواجه أنواعاً مختلفة من تقنيات الأغذية يمكن التعامل معها باستخدام تدابير مالية:

  • أشار خبراء نيستا إلى أن آلات إنتاج الطعام قد تكون قديمة وصلبة، مما يجعل من الصعب تطبيق التكنولوجيا الجديدة (مثل البخار بدلاً من القلي)، والتي تمتلك القدرة على تقليل السمنة. وقد يكون استبدال أو تحديث معدات إنتاج الطعام الحالية مكلفاً للغاية بالنسبة للمصنعين، لذلك يجب إيجاد وسائل للتخفيف من هذه التكاليف، ومن ثم تمكين التكنولوجيا من تقليل السعرات الحرارية.
  • أظهر التحليل الكمي وجود ابتكارات كبيرة حول إعادة تشكيل المكونات، لكن خبراء نيستا أشاروا إلى المخاطر والصعوبات المرتبطة بهذه الابتكارات. على سبيل المثال: إعادة التشكيل تعد معقدة وغالباً لا تكون مجرد استبدال لمكون واحد بآخر، وإنما تحتاج إلى مكونات جديدة عديدة، وبعضها قد يكون أكثر تكلفة، مما يزيد من تكلفة المنتج الإجمالية. وهناك مخاطرة أخرى، وهي أن المستهلكين قد لا يعجبهم المنتج الصحي الجديد بسبب الفارق في الطعم. لذا فهي نشاط صعب ومحفوف بالمخاطر خاصة للشركات الصغيرة التي تفتقر إلى ميزانيات كبيرة للبحث والتطوير.
  • أشار خبراء نيستا إلى أن توصيل الوجبات السريعة وتطبيقات توصيل الوجبات قد يشكلان أكبر مخاطر لزيادة السمنة، إلى جانب التقنيات التي تمكنهما مثل المطابخ الظلامية، والأتمتة بما في ذلك الروبوتات. وقد أظهر تحليل البيانات أن هذه التقنيات تلقى أعلى مستويات تمويل رأسمالي من قبل رؤوس الأموال الاستثمارية. لذلك يجب تحفيز الشركات الصناعية والمتاجر ومقدمي الوجبات الذين ينتجون الطعام الذي تحضره وتوصله المطابخ الظلامية، والأتمتة لتقديم الطعام الصحي وتشجيع الناس على شراء الأطعمة الصحية.

فيما يتعلق بتطبيقات توصيل الوجبات السريعة أشار خبراء نيستا إلى أن التكنولوجيا نفسها ليست سيئة مسببة للسمنة، ولكن ما يسبب السمنة هو الخيارات الغذائية غير الصحية التي يتم توصيلها. في المناطق السكنية ذات الدخل المنخفض، غالباً ما توجد كثافة عالية من الأعمال التجارية التي تبيع الطعام السريع عالي السعرات الحرارية، والتي تصبح مع مرور الوقت خيارات افتراضية متاحة في تطبيقات التوصيل، لذلك اقترح خبراء نيستا أن من خلال توفير المزيد من خيارات الأكل الصحي في المناطق التي تفتقر إليها حالياً، يمكن أن يكون لتطبيقات توصيل الوجبات الجاهزة أثر أكثر إيجابية في الوصول إلى الأطعمة الصحية.

  • قد تحمل بعض مجالات التكنولوجيا الغذائية أملاً في تقليل السمنة، ولكن ليس بالضرورة أن تكون جاذبة للمستثمرين، لذلك قد يصعب عليها الحصول على التمويل الذي تحتاج إليه للتطوير والتوسع. على سبيل المثال تميل التكنولوجيا الغذائية التقليدية مثل تطوير المكونات الجديدة، بدلاً من الشركات القائمة على البرمجيات، إلى أن تنطوي على إنفاق رأس مال عال، وهامش ربحي منخفض نسبياً، في حين أن الشركات التي تطور مواد غذائية معينة قد تواجه عقبات تنظيمية يمكن أن تجعلها أقل جاذبية للمستثمرين.
  • تشير البيانات إلى أن بعض القطاعات يسيطر عليها عدد قليل من المؤسسات الكبيرة. وهذا يعكس أهمية توفير إمكانية الوصول إلى رأس المال لمشروعات التكنولوجيا الغذائية في مرحلة مبكرة واعدة، ولكن ليس بالضرورة أن تكون جاذبة للمستثمرين.

وفيما يلي أهم التوصيات المتعلقة بالحوافز المالية:

التوصية 1: الإعفاء الضريبي للشركات من خلال إعادة تأهيل مصانع إنتاج الأغذية لإعادة تشكيل المنتجات من أجل الصحة

يجب أن تطلق هيئة الإيرادات والجمارك نظاماً جديداً يتيح لشركات تصنيع الأغذية والمطاعم تخفيض تكاليف المعدات الجديدة، إذا كان بإمكانهم أن يثبتوا أن المعدات الجديدة ستمكن من تقليل السعرات الحرارية. وقد حُددت عدة آليات قائمة يمكن تكييفها لتحقيق هذا الهدف.

بالنسبة للإنفاق الذي يتجاوز مليون جنيه إسترليني، هناك خياران ممكنان يمكن استخدام كل خيار وحده أو استخدام الخيارين معاً:

  • تتيح مخصصات رأس المال المعززة (نوع من بدلات السنة الأولى) للشركات خصم التكاليف الإجمالية لبعض التقنيات المنخفضة أو الخالية من الكربون مقابل أرباحها قبل الضرائب. ويمكن تنفيذ مخطط مماثل لتأهيل معدات تصنيع أو إعداد الأغذية، مما يتيح خفض السعرات الحرارية بدلاً من الكربون.
  • يوفر نظام الاستثمارات العاجلة بعد جائحة كوفيد زيادة بنسبة 130٪ في الإعفاء الضريبي على المعدات المؤهلة، ولكنه ينتهي في 31 مارس 2023. بعد 31 مارس يمكن تنفيذ نظام مماثل لمعدات تصنيع الطعام التي تقلل السعرات الحرارية أو تحضيره فحسب.
  •  بالنسبة للإنفاق الذي يقل عن مليون جنيه إسترليني:

- تتلقى المشتريات الصغيرة بالفعل إعفاءً بنسبة 100٪ من الإنفاق الاستثماري السنوي. ويمكن توسيع ذلك إلى 130٪ لمعدات تصنيع الطعام أو تحضيره المؤهلة لتقليل السعرات الحرارية.

- يجب على هيئة الإيرادات والجمارك، بالتعاون مع ممثلي الصناعة، إجراء دراسة لتحديد أنواع معدات التصنيع أو التحضير التي يجب أن تكون مؤهلة للإعفاءات. يتضمن ذلك مقارنة تكلفة المعدات مع عوامل مثل القدرة المحتملة على تقليل السعرات الحرارية.

التوصية 2: الإعفاءات الضريبية وتخفيض معدلات الأعمال لتحفيز وتمكين الابتكارات التي تعمل على تحسين صحة الأغذية والبيئات الغذائية

كما ذكرنا سابقاً وضعت حكومة المملكة المتحدة خطط ائتمان ضريبي، مثل مخصصات رأس المال المعززة (نوع من بدلات السنة الأولى) لتحفيز الصناعة على تغيير السلوك واعتماد تقنيات منخفضة الكربون. ويقترح خبراء نيستا استخدام سياسة ابتكار مماثلة موجهة نحو الرسالة لتحفيز وإزالة المخاطر في تطوير وتوزيع الغذاء الصحي والبيئات الغذائية، خاصة بالنسبة لذوي الدخل المنخفض، وفيما يلي وصيتان منفصلتان حول ذلك:

  • التوصية 2/أ. أن تنشئ الحكومة ضمن الإعفاءات الضريبية للبحث والتطوير معدلاً ثانياً من الإعفاء أعلى من المعدل الأساسي الحالي، والذي ينطبق على البحث في المنتجات الغذائية الصحية. وهذا من شأنه أن يحفز على وجه التحديد الاستثمار في البحث والتطوير نحو الابتكار في مجال الصحة.
  • التوصية 2/ب. أن تحصل الشركات التي يمكنها إثبات أنها تنتج وتبيع وجبات صحية على إعفاء من معدل الأعمال بنسبة 80%، كما هو الحال بالنسبة للجمعيات الخيرية، في حالة وجودها في مناطق ليس فيها خيارات غذائية صحية أو محدودة، وتعاني من ارتفاع معدلات السمنة، ونتائج صحية سيئة.
التوصية 3: إنشاء صندوق استثماري للتكنولوجيا الغذائية والبيئات الغذائية الصحية

يجب إنشاء صندوق استثماري خاص لدعم الابتكارات في مجال التكنولوجيا الغذائية وتحسين بيئات الأغذية الصحية. ويمكن أن تمول الحكومة والقطاع الخاص هذا الصندوق، ويستخدم لتقديم دعم مالي للشركات الناشئة والمشروعات التي تعمل على تطوير تقنيات غذائية جديدة ومبتكرة تهدف إلى تحسين صحة الأطعمة وتقليل السمنة. وقد يكون هذا الصندوق مكاناً للاستثمار في مشروعات ذات إمكانات عالية للنجاح والأثر الإيجابي في الصحة العامة.

ثانياً: التوصيات المتعلقة بالمستهلكين:

يمكن للمستهلكين أن يلعبوا دوراً حاسماً في تحقيق بيئات غذائية صحية، ومكافحة السمنة من خلال اتخاذ قرارات غذائية صحية وتفضيل المنتجات الصحية. ومع ذلك هناك عدة عوائق تجعل من الصعب على المستهلكين اتخاذ هذه القرارات بانتظام.

  • سلطت لجنة خبراء نيستا الضوء على إعادة تشكيل المنتج لتقليل السعرات الحرارية، أو زيادة الشبع، بصفته الابتكار ذا الأثر الإيجابي الأكبر على السمنة في المملكة المتحدة. وأظهرت البيانات وجود نمو مشجع في براءات الاختراع المتعلقة بإعادة التشكيل، فضلاً عن تمويل المشروعات الناشئة المتخصصة في إعادة التشكيل.
  • إن إعادة التشكيل خلسة، كأن تقلل الشركة المصنعة محتوى السكر في منتج ما دون إبلاغ المستهلكين، يمكن أن تكون وسيلة فعالة لتقليل كثافة السعرات الحرارية. ومع ذلك في بعض الحالات التي يستخدم فيها مكون جديد أو حتى تقنية جديدة، فإن إعادة التشكيل بطريقة خفية غير ممكنة. ولذلك فإن نجاح أو إخفاق بعض الابتكارات الناشئة في مجال تكنولوجيا الأغذية يعتمد على قبول المستهلك.
  • سلطت لجنة خبراء نيستا الضوء على قبول المستهلك بوصفه خطراً كبيراً قد يمنع اعتماده على نطاق أوسع. على الرغم من أن الأبحاث تظهر أن الناس يفكرون تفكيراً إيجابياً بالابتكار في إعادة التشكيل، فإن قبول المنتجات هذا لا يترجم دائماً إلى خيارات شراء فعلية، حيث تكون التكلفة والذوق من بين العوائق الرئيسية. ونظراً لحداثتها قد يواجه المستهلكون مشكلات حول التقنيات الجديدة الأخرى في مجال تكنولوجيا الأغذية، مثل البروتينات المخمرة أو الروبوتات، والتي تضيف مستوى آخر من التعقيد.
  • إن الإعلانات الأخيرة عن مسابقة تمويل (Innovate UK) بقيمة 20 مليون جنيه إسترليني، ومركز الابتكار الجديد الذي يركز على قبول الغذاء الصحي، بصفته جزءاً من نادي أبحاث الابتكار المفتوح في مجال النظام الغذائي والصحة (OIRC) الذي تبلغ قيمته 15 مليون جنيه إسترليني، إلى جانب التقوية الحيوية وعلم وظائف الأعضاء، هو تطور مرحب به في معالجة هذه القضايا. ومع ذلك فمن غير الواضح حتى الآن كيف سيوزع هذا التمويل عبر الابتكارات الغذائية المختلفة، وإلى أي مدى تشكل الأغذية المعاد تشكيلها جزءاً من هذه البرامج البحثية.

وفيما يلي أهم التوصيات المتعلقة بالمستهلكين:

التوصية 4: تقديم حوافز مالية للمستهلكين لشراء الأطعمة الصحية

يمكن تقديم حوافز مالية للمستهلكين لشراء الأطعمة الصحية على نطاق وطني. وقد تشمل هذه الحوافز خصومات على الضرائب أو برامج تحفيزية أخرى، مثل بطاقات الهدايا أو الخصومات المباشرة على الأسعار. كما يمكن تصميم هذه الحوافز بحيث تستهدف الفئات الاجتماعية ذات الدخل المنخفض والمعرضة بوجه أكبر لخطر السمنة.

التوصية 5: تعزيز التثقيف الغذائي وزيادة الوعي بالتغذية الصحية

يجب تعزيز التثقيف الغذائي وزيادة الوعي بأهمية التغذية الصحية وكيفية اتخاذ قرارات غذائية صحية. ويمكن أن تكون هناك حملات توعية وبرامج تثقيفية في المدارس والمجتمعات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، لتزويد المستهلكين بالمعلومات والأدوات اللازمة لاتخاذ قرارات صحية بشأن الأغذية التي يتناولونها.

التوصية 6: تطوير تقنيات لتحسين الوصول إلى الأطعمة الصحية

يمكن تطوير تقنيات لتحسين الوصول إلى الأطعمة الصحية في المناطق التي تعاني من نقص في هذا الصدد. وقد تشمل هذه التقنيات توسيع شبكات السلسلة الغذائية وتقديم خدمات التوصيل إلى المنازل، وإنشاء نقاط بيع متنقلة للأطعمة الصحية في المجتمعات ذات الاحتياجات الخاصة.

التوصية 7: تشجيع الصناعات على تقديم المزيد من الخيارات الصحية

يمكن تشجيع الصناعات على تقديم المزيد من الخيارات الصحية للمستهلكين من خلال التحفيز المالي والتشريعات. على سبيل المثال أن تقدم امتيازات ضريبية أو تخفيضات في الرسوم للشركات التي تنتج وتسوق المنتجات الصحية. أو أن تفرض قيود على المكونات غير الصحية في الأطعمة المصنعة.

التوصية 8: دعم البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا الغذائية والسمنة

يمكن تخصيص المزيد من التمويل للبحث والتطوير في مجال التكنولوجيا الغذائية والسمنة. وقد يكون هذا التمويل متاحاً للجامعات والمؤسسات البحثية والشركات الناشئة لدعم مشروعات تطوير تقنيات غذائية جديدة ومبتكرة تستهدف تحسين صحة الأطعمة ومكافحة السمنة.

التوصية 9: تشجيع الشركات على تقديم مزيد من المعلومات الغذائية

يمكن تشجيع الشركات على تقديم مزيد من المعلومات الغذائية على عبوات المنتجات وعلى القوائم الغذائية في المطاعم. ويجب أن تكون هذه المعلومات سهلة الفهم وشاملة، بما في ذلك معلومات عن السعرات الحرارية والدهون والسكر والألياف والبروتين والمكونات الغذائية الأخرى.

التوصية 10: تشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص والمنظمات غير الربحية

يمكن تشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص والمنظمات غير الربحية للعمل معاً على تحقيق بيئات غذائية صحية ومكافحة السمنة. يمكن أن يكون ذلك من خلال تنظيم مبادرات مشتركة، وتقديم الدعم المالي، وتوجيه الجهود نحو تحقيق الأهداف المشتركة لتحسين الغذاء وعملية التغذية.

تهدف هذه التوصيات إلى تحقيق أثر إيجابي في بيئات الأغذية والصحة في المملكة المتحدة وتقليل معدلات السمنة. وإذا نفذت تنفيذاً فعالاً وشاملاً، يمكن أن تسهم في تحقيق هذه الأهداف وتعزيز صحة المجتمع عموماً.

 

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...