لماذا نبتكر في صناعة الغذاء؟

توطئة:

بعد الحرب العالمية الثانية تمتّعت الزراعة في معظم البلدان بالدعم والحماية، وحظيت التنمية الزراعية باهتمام كبير للوفاء باحتياجات الزيادات السكانية الضخمة استناداً إلـى استثمار كل ما هو ممكن من الموارد الطبيعية والزراعية، وفي أغلب الأحيان دون إجراء تدابير كافية لإمكانية استدامة الموارد والحفاظ على البيئة[1]، ولاحقاً في السبعينيات، برزت معضلة الأمن الغذائي على الصعيد العالمي عندما تنبه العالم إلى مخاطر تزايد الفجوة بين معدلات الطلب على الغذاء ومعدلات إنتاجه، وهي فجوة كانت تعاني منها في المقام الأول الدول النامية بصفة عامة ودول القارة الإفريقية بصفة خاصة، ويُعتبَر الأمن الغذائي من التحديات العالمية الرئيسية لا سيما في شرق إفريقيا حيث لا تزال تحديات القضاء على الجوع وسوء التغذية آخذة في الازدياد، أما الآن، فكل هذه الظروف آخذةٌ في التغيُّر، فالموارد الطبيعية والزراعية المطلوبة للمزيد من الاستثمار لم تعد متاحة، والقلق على حالة البيئة وتغيُّر المناخ آخذٌ في التصاعد، مما يفرض محددات جديدة على التنمية الزراعية[2].

وتشير التقديرات المستندة إلى "مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي"[3] إلى أن حالة الأمن الغذائي في عام 2020 كانت أسوأ مما كانت عليه في عام 2019 في معظم أجزاء العالم، وقد ساهمت جائحة كورونا  ((COVID-19 في تدهور الوضع نحو الأسوأ، وبحسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فقد عانى ما بين 720 و811 مليون شخص من الجوع في عام 2020، وكشفت هذه التقديرات عن أوجه عدم مساواة بين دول العالم، حيث عانى حوالي شخص من أصل خمسة أشخاص (21% من السكان) من الجوع في إفريقيا خلال عام 2020، وهذه النسبة هي أكثر من ضعف النسبة المسجلة في أي إقليمٍ آخر، ويلي إفريقيا كلاً من أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي بنسبة (9.1%) وآسيا بنسبة (9%)[4].

وبحسب تقريرٍ للأمم المتحدة فإننا اليوم بحاجة إلى تحولات كبيرة في النظم والسلوكيات الغذائية إذا أردنا ضمان الأمن الغذائي، والقضاء على الجوع وسوء التغذية، ويشير التقرير إلى كون الابتكار التكنولوجي شرطاً أساسياً للانتقال إلى نظم الأغذية المستدامة، ومع ذلك، فإن التكنولوجيا وحدها لا يمكنها تحقيق التحول المطلوب، حيث يتطلب التحول استخداماً استراتيجياً للحوافز الاقتصادية، وأشكالاً جديدة للحكم، وتغييرات في سلوكيات وطرق استهلاك وادّخار الغذاء.[5]

الابتكار الغذائي:

تُعرّف إيفا هانسون Eva Hanson، المختصة في سلامة الأغذية الرقمية، الابتكار الغذائي على أنّه: تطوير عمليات ومنتجات وخدمات غذائية جديدة، تهدف إلى تحسين حياة المستهلك، وكفاءة العمليات التجارية للأغذية، ويميل العاملون والباحثون في هذا المجال إلى التركيز على إيجاد طرق تجعل الخدمات الغذائية والتصنيع أكثر دقةً وأماناً واستدامة.

أهمية الابتكار الغذائي:

تكمن أهمية الابتكار الغذائي في العديد من الجوانب على صعيد الفرد والمجتمع وعالم الأعمال وفيما يلي نذكر أهمها[6]:

• تحقيق الأمن الغذائي: تفتح الابتكارات الغذائية الباب أمام الأفراد والبلدان الأشد فقرا ًوحاجة في جميع أنحاء العالم للوصول إلى الطعام، ويعتبر توفير الغذاء الآمن والكافي والمستدام للجميع أحد الأهداف الرئيسية لوكالات الأغذية الدولية، حيث تساهم الابتكارات الغذائية في تحقيق الوصول لهذا الهدف.

أحد الأمثلة على الابتكارات الهامة التي تساهم في تحقيق الأمن الغذائي يتمثّل في: استخدام التعبئة والتغليف النشط وحفظ الأغذية، حيث تتيح مثل هذه الابتكارات لموزعي المواد الغذائية الوصول إلى أماكن أبعد مع ضمان أن الطعام لا يزال آمناً للأكل عند وصوله إلى المستهلكين.

كما يعالج الابتكار الغذائي قضايا التأثيرات البيئية السلبية التي تؤثر تأثيراً كبيراً على الأمن الغذائي، كتشغيل عمليات تصنيع صديقة للبيئة تولّد انبعاثات غازات دفيئة أقل.

• أسواق جديدة ونمو أكبر: من خلال الابتكار الغذائي، تكتشف شركات الأغذية المزايا التنافسية والفرص الاقتصادية للنمو، حيث تحافظ المنتجات والعمليات الجديدة لصناعة الأعمال الغذائية على اتباع أحدث اتجاهات سلامة الأغذية، كما تساعد الشركات على التوسّع وتلبية احتياجات قطاعات أكبر من السوق.
• زيادة الإنتاجية: غالباً ما تهدف الابتكارات التي تستهدف عمليات التصنيع إلى زيادة كفاءة وفعالية عمليات التشغيل، مما يوفّر حلولاً يمكن أن تساعد الشركات على إنتاج المزيد بتكلفة أقل.
• إمكانية الوصول وكفاءة سلامة الأغذية: تساعد الابتكارات الغذائية في صنع أدوات أكثر ذكاءً تساعد الشركات على اتباع نظام غذائي أكثر استدامة ونهج يركز على التكنولوجيا، إذاً يعد الابتكار الغذائي جزءاً حيوياً من الصناعة، حيث يلبي متطلبات المستهلكين ويسمح للشركات بأن تصبح أكثر قدرة على المنافسة، أحد الأمثلة على ذلك هو عندما تستخدم شركات الأغذية نظام نقاط البيع (point of sale) يقوم هذا البرنامج الآلي تلقائياً بحساب نفقات وأرباح الأعمال ويربطها بجوانب أخرى من العمليات، بما في ذلك إدارة المخازن والمحاسبة، فضلاً عن عدم الحاجة للتدخل اليدوي المفرط.

خاتمة:

يحتاج العالم اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى إلى الاهتمام أكثر، والتركيز على الابتكار التكنولوجي في الغذاء في كافة المجالات، كالزراعة والتخزين والتعبئة والتغليف وسلاسل التوريد وغير ذلك، كما يحتاج، بشدة وضرورة، إلى إيلاء اهتمام أكبر بمسألة هدر الطعام وإيجاد حلول لها، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن هدر الغذاء على مستوى العالم يمثل ما بين 30 إلى 50% من إجمالي الأغذية المزروعة، وهذه نسبة كبيرة جداً تكفي لإطعام ملايين الأفواه الجائعة حول العالم، وتقليلها يتطلب تكاتف وتعاون الجميع، الحكومات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والمدارس والجامعات، ومع تزايد موجات الجفاف، والأزمات والكوارث الطبيعية، والحروب والصراعات المستمرة، ومعاناة الملايين من الجوع، وتزايد عدد سكان العالم، فإن تسخير التكنولوجيا والممارسات الذكية التي تقلل من هدر الأغذية، وتطيل مدة صلاحيتها، وتوفر حلولاً ذكية للزراعة وصناعة الأطعمة ستكون مجالات حاسمة للابتكار في المستقبل.