مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 14
تجربة السائح Tourist Experience
يرتبط مفهوم (تجربة السائح – Tourist Experience) بمفهوم تجربة المستخدم (User Experience) والذي يشير إلى رحلة المستخدم الكاملة في التعامل مع منتج أو خدمة ما، ونقاط التماس والتفاعل بين المستخدم، والمنتج أو الخدمة، وكيف يجري العمل على ضمان تحقق رضا المستخدم عبر كل نقاط التماس، من أجل أن تكون تجربة المستخدم مرضية له، مما يضمن استمرار استخدام المنتج أو الخدمة.
فيما يتعلق بالسياحة يشمل مفهوم (تجربة السائح – Tourist Experience) رحلة المسافر بأكملها، بدءاً من اللحظة التي يبدأ فيها بالتخطيط لرحلته، مروراً بكل مراحل التنقل، والإقامة، والأنشطة السياحية، وانتهاء بعودته إلى المنزل، والذكريات التي يحملها معه لمدة طويلة بعد عودته إلى المنزل، وذلك من خلال استعراض كل نقطة اتصال وتفاعل يواجهها السائح، بما في ذلك الإقامة والنقل، والمعالم السياحية، والأنشطة وتناول الطعام، والتفاعلات مع السكان المحليين.
إن التجربة السياحية في جوهرها شخصية وذاتية للغاية، وتتشكل من خلال التفضيلات والتوقعات والدوافع الفردية، وتتكون من فسيفساء من الأحاسيس والعواطف والتصورات، التي تتجمع لتكوين انطباعات دائمة، وتشكيل تصورات المسافرين عن الوجهة، وفي عالم اليوم المترابط على نحو متزايد، تطورت التجربة السياحية إلى ما هو أبعد من مجرد مشاهدة المعالم السياحية لتشمل:
- الانخراط العميق أو الامتصاص الكامل للتجربة، والذي يتجاوز مجرد المراقبة السلبية، وينطوي على المشاركة النشطة والتفاعلية، وغالباً ما تسمح التجارب الغامرة للمسافرين بالخروج من مناطق الراحة الخاصة بهم، واستكشاف ثقافات غير مألوفة، واكتساب وجهات نظر جديدة، ويمكن أن يشمل ذلك المشاركة في التقاليد المحلية، أو تعلم الحرف التقليدية المحلية، أو الانخراط في التبادلات الثقافية الغامرة، كما قد يتخذ الانخراط أشكالاً عديدة، بدءاً من الإقامة مع عائلات محلية في مساكن منزلية، وحتى الشروع في جولات إرشادية يقودها سكان محليون ذوو معرفة، يقدمون نظرة ثاقبة حول تاريخ مجتمعهم وتقاليده وأسلوب حياته، لتزويد المسافرين بتجارب أصيلة وتحويلية، تعزز التفاهم الثقافي والتعاطف والتقدير للأماكن التي يزورونها.
- المشاركة الهادفة: تتضمن المشاركة الهادفة في السياحة خلق فرص للمسافرين للتواصل بعمق مع الوجهات والمجتمعات والأشخاص الذين يلتقون بهم في أثناء رحلتهم، وتتجاوز المشاركة الهادفة التفاعلات السطحية، حيث تنطوي على إقامة اتصالات حقيقية، وتعزيز الاحترام المتبادل، وإنشاء تجارب مشتركة، تترك أثراً دائماً في كل من المسافرين والمضيفين، ويمكن أن تتخذ المشاركة الهادفة أشكالاً مختلفة، مثل التطوع في مشروعات الحفاظ على البيئة المحلية، أو المشاركة في برامج التبادل الثقافي، أو دعم المؤسسات الاجتماعية التي تعمل على تمكين المجتمعات المحلية، ويكمن جوهر المشاركة الهادفة في قدرتها على خلق فرص للمسافرين للمساهمة بإيجابية في الأماكن التي يزورونها، سواء من خلال التبادل الثقافي، أو ممارسات السياحة المسؤولة، أو مبادرات التنمية المستدامة.
وأصبح التوجه نحو برامج الانخراط والمشاركة الهادفة جزءاً لا يتجزأ من التجربة السياحية التحويلية، التي أصبح لزاماً على الشركات السياحية توفيرها ضمن برامجها، مما يضمن للمسافرين فرصاً للتواصل مع مجتمعات الوجهة السياحية على مستوى أعمق، واكتساب بصائر ثقافية، وإنشاء ذكريات ذات معنى تتجاوز حدود السياحة التقليدية.
على هذا النحو تواجه الوجهات السياحية، والشركات السياحية تحدياً يتمثل في الابتكار والتكيف، لتلبية المتطلبات المتطورة للمسافرين المعاصرين، من الجولات التجريبية وأنشطة المغامرة إلى مغامرات الطهي، وأماكن الإقامة الصديقة للبيئة، حيث إمكانيات تعزيز التجربة السياحية لا حدود لها.
علاوة على ذلك في عصر يتميز بالاتصال الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، تمتد التجربة السياحية إلى العالم الافتراضي، حيث يشارك المسافرون مغامراتهم، ويبحثون عن الإلهام، ويؤثرون في قرارات السفر التي يتخذها الآخرون، وتلعب المراجعات عبر الإنترنت، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، ومدونات السفر دوراً محورياً في تشكيل التصورات، والتأثير في اختيارات المسافرين المحتملين.
في نهاية المطاف تمثل التجربة السياحية أكثر بكثير من مجرد حجوزات، وتنقلات، وإقامات، إنها فرصة لخلق لحظات من الفرح، والدهشة، والحماسة، والمتعة التي تترك بصمة لا تمحى في قلوب المسافرين وعقولهم، ومن خلال إعطاء الأولوية للاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، يمكننا أن نضمن أن كل تجربة سياحية ليست فقط لا تُنسى، ولكنها ذات معنى أيضاً، مما يترك إرثاً إيجابياً لكل من المسافرين والوجهات على حد سواء.