الابتكار الاجتماعي
تمكين المناطق الريفية في الهند: استراتيجية توفير وسائل الراحة الحضرية في المناطق الريفية

مجلة اتجاهات الأثر الاجتماعي - العدد 21

تمكين المناطق الريفية في الهند: استراتيجية توفير وسائل الراحة الحضرية في المناطق الريفية

   Ministry Of RURAL Development

تعتبر الهند من بقاع العالم الأكثر اكتظاظاً بالسكان، وهذا يترتب عليه تحديات فريدة في تحقيق النمو والتنمية العادلة. ففي الوقت الذي تتقدم فيه المناطق الحضرية بسرعة في البنية الأساسية والفرص الاقتصادية ومستويات المعيشة، فإن المناطق الريفية غالباً ما تتخلف عن الركب، مما يؤدي إلى الهجرة من الريف إلى المدينة، والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي.

لمعالجة هذه التحديات، قدمت حكومة الهند مبادرة "التوفير المعدل للمرافق الحضرية في المناطق الريفيةProvision of Urban Amenities in Rural Areas (PURA) عام 2012، وتهدف المبادرة إلى توفير المرافق الحضرية الأساسية في المناطق الريفية وخلق فرص اقتصادية مستدامة، وتحسين نوعية الحياة وإبطاء موجة الهجرة إلى المدن.

يقدم هذا المقال نظرة عامة حول مبادرة PURA من حيث الدافع، والمكونات، ونموذج التمويل، والنتائج المتوقعة، مع تسليط الضوء على رؤيتها للتنمية الريفية الحضرية المتوازنة.

كان الدافع الأساسي من مبادرةPURA  هو إنشاء مجتمعات ريفية شاملة للخدمات الحضرية بشكل مستدام يمكّن المناطق الريفية من الوصول إلى الخدمات الشبيهة بالحضر من خلال:

−      توفير البنية والمرافق الأساسية.

−      تعزيز النمو الاقتصادي المحلي.

−      إشراك القطاع الخاص في جهود التنمية مع القطاع العام.

وقد صممت المبادرة لجعل الأرياف أماكن جذابة للعيش والعمل، ومن شأن هذا النهج أن يخلق أثراً يتمثل بـ "الهجرة العكسية"، حيث تصبح المناطق الريفية مجهزة تجهيزاً جيداً وقابلة للاستمرار اقتصادياً بحيث تحتفظ بسكانها بدلاً من خسارتهم للمراكز الحضرية، ومن جانب آخر تقل الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الحضرية نتيجة لتراجع الاكتظاظ السكاني.

كما نجحت المبادرة في جلب كفاءة القطاع الخاص، وجذب رؤوس الأموال الاستثمارية للاستثمار في المشاريع التي كانت مجدية اقتصادياً واجتماعياً، ووعد المجتمعات الريفية بمرافق أفضل، وتنمية ريفية مستدامة.

وقد استند برنامج مبادرة PURA  على ثلاثة مكونات:

assets4.png

ولعب كل مكون دوراً حيوياً في تحويل التجمعات الريفية إلى وحدات تقدمية مكتفية ذاتياً، كما يلي:

1.    المكون المادي: يعتبر الأساس في المبادرة، ويمثل تطوير البنية التحتية للمرافق الأساسية مثل:

1.1.  الطرق: تحسين وبناء شبكات طرقية تسهل الوصول إلى الأسواق، ومراكز الرعاية الصحية، والمرافق التعليمية.

1.2.  مياه الشرب والصرف الصحي: ضمان توفر مياه الشرب، والصرف الصحي المناسب لتحسين الصحة العامة لدى ساكني الأرياف، وانعكاس ذلك على تحسن مستويات المعيشة.

1.3.  الكهرباء: توفير الطاقة دون انقطاع لتلبية الاحتياجات السكنية، والتجارية، ودعم الصناعات، والزراعة، والتعليم.

1.4.  إدارة النفايات: الحفاظ على نظافة القرى مع أنظمة إدارة النفايات المناسبة، وتوفير صيانة دورية للمرافق العامة في القرى والأرياف لضمان استمرارها في تقديم الخدمات العامة للسكان.

من خلال تعزيز هذه المرافق الأساسية، أرست المبادرة البنية التحتية لنظام بيئي ريفي قوي حيث يمكن للناس أن يعيشوا بشكل مريح ومنتج.

2.    المكون الاجتماعي: يؤثر الوصول إلى المرافق الاجتماعية الأساسية بشكل كبير على جودة الحياة في المناطق الريفية. لذا تعمل المبادرة على تجهيز القرى بما يلي:

2.1.  المؤسسات التعليمية: تحسين معدلات معرفة القراءة والكتابة، وتوفير فرص تنمية المهارات.

2.2.  المراكز الصحية: تعزيز الوصول إلى الرعاية الصحية لضمان استقرار الصحة العامة، والحد من الوفيات بسبب الأمراض المنقولة، ودعم إنتاجية القوى العاملة.

2.3.  القاعات المجتمعية: إنشاء مراكز اجتماعية للتجمعات، والأحداث الثقافية، والخدمات المجتمعية.

أدى الاستثمار في هذه الجوانب إلى تحسين رأس المال البشري الريفي، وضمان حصول السكان على تعليم جيد وخدمات صحية، ومرافق ترفيهية بالقرب من منازلهم.

3.    المكون الاقتصادي: يشكل الجانب الاقتصادي مكوناً رئيساً في المبادرة لأنه يدعم فكرة الاكتفاء الذاتي في المناطق الريفية. وقد شجعت المبادرة على خلق فرص العمل، وتنمية المهارات في المناطق الريفية، من خلال:

3.1.  مراكز تنمية المهارات: تمكين الشباب والبالغين من اكتساب المهارات اللازمة للعمل في الصناعات المحلية، أو الزراعة، أو الشركات الصغيرة والناشئة.

3.2.  دعم الزراعة: تحسين الإنتاجية، تشجيع وصول المنتجات الزراعية إلى الأسواق المحلية والدولية، بحيث تظل الزراعة مصدر دخل أساسي في المناطق الريفية في الهند.

3.3.  المشاريع والصناعات الصغيرة: تشجيع نمو الصناعات الصغيرة، والحرف اليدوية، والسياحة الريفية، التي يمكن أن توفر فرص العمل وتحفز النشاط الاقتصادي.

وبالتالي تعمل مبادرة PURA من خلال المكون الاقتصادي على تنمية فرص العمل المحلية، مما يجعل القرى نابضة بالحياة اقتصادياً، ويقلل في نهاية المطاف من الحاجة إلى الهجرة إلى المناطق الحضرية.

وقد يتبادر إلى الذهن كيف بني نموذج المبادرة القائم على الشراكة بين القطاعين العام والخاص؟

كان نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أهم الابتكارات التي تميزت بها مبادرة PURA فقد دعت المبادرة الشركات الخاصة إلى التعاون مع الحكومة في تمويل وبناء وإدارة المشاريع الريفية. وفي ظل هذا النموذج:

هيكل التمويل: قدمت الحكومة التمويل اللازم لتغطية الفجوة في الجدوى، وسد العجز المالي في المشاريع لجعلها جذابة اقتصادياً للقطاع الخاص، وقد مكّن هذا الحافز المؤسسات في القطاع الخاص من الاستثمار في البنية الأساسية والخدمات الريفية، والتي قد لا تحقق أرباحاً عالية في البداية، ولكنها تعود بفوائد اجتماعية طويلة الأجل.

النهج القائم على المجموعات: ركزت مبادرة PURA على مجموعات من القرى، التي يتراوح عدد سكانها عادة بين 20 ألفا و40 ألف نسمة. وقد سمح هذا النهج بتحقيق وفورات الحجم وتعظيم أثر مشاريع البنية الأساسية، وبالتالي يمكن لكل مجموعة أن تعمل كمركز صغير للتنمية، كما يمكنها الاستفادة من الموارد المشتركة والتخطيط المشترك.

الاستفادة من الخبرات المتوفرة في القطاع الخاص: جلبت مشاركة القطاع الخاص في إطار مبادرة PURA الخبرة والابتكار والموارد المالية، مما سهل تقديم الخدمات بكفاءة، ولكن التوفيق بين المصالح الخاصة والأهداف الاجتماعية للمبادرة كان يشكل تحدياً، حيث تحمل المشاريع الريفية غالباً فوائد طويلة الأجل قد لا تسفر عن عوائد فورية. ولكن أطر التنسيق والإدارة الفعّالة كانتا حاسمتين لضمان تحقيق الأهداف العامة والخاصة على نحو متناغم.

وما الذي نتج عن هذا النموذج من الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص؟

o     الحد من الهجرة من الريف إلى الحضر: من خلال معالجة الأسباب الجذرية للهجرة (نقص الوظائف والتعليم والرعاية الصحية)، سعت المبادرة إلى إبقاء السكان منخرطين في مجتمعاتهم. ومن خلال تحسين الظروف المحلية وتوفير فرص العمل، وبذلك يكون قد تحقق هدف PURA وهو جعل "الهجرة العكسية" واقعاً ملموساً.

o     تمكين المجتمع: ركزت PURA بنحو كبير على مشاركة المجتمع، وحثت الهيئات، والمنظمات المحلية على مشاركة المجتمعات المحلية في التخطيط وصنع القرار، مما ساعد في ضمان تلبية المشاريع للاحتياجات المجتمعية الفعلية، وتعزيز الشعور بالملكية والمسؤولية بين السكان.

o     التنمية الريفية المستدامة: مع تحول التجمعات الريفية إلى تجمعات قابلة للاستمرار اقتصادياً، قد تشهد الهند مساراً تنموياً أكثر توازناً، حيث لم تعد المدن تواجه ضغوطاً هائلة من الهجرة الريفية، وتتطور المناطق الريفية بشكل مستدام.

 

ولكن وعلى الرغم من كل نقاط القوة التي أظهرتها مبادرة PURA، إلا أنها واجهت العديد من التحديات والاعتبارات، أبرزها:

●     تحدي قابلية التوسع: يتطلب توسيع نطاق نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المناطق الريفية تخطيطاً دقيقاً لمواءمة المصالح الخاصة مع أهداف التنمية الريفية طويلة الأجل، وغالباً ما تعطي مؤسسات القطاع الخاص الأولوية لعائدات الاستثمار، وهو ما قد يكون صعباً في البيئات الريفية دون دعم حكومي كبير.

●     تحدي التنسيق بين أصحاب المصلحة: يتطلب التنفيذ الناجح تعاوناً وثيقاً بين أصحاب المصلحة من مستويات متعددة، بما في ذلك الهيئات الحكومية، والمستثمرين من القطاع الخاص، والمجتمعات المحلية. ويكمن التحدي في إنشاء خطوط واضحة للاتصال والتنسيق لضمان التنفيذ السلس، ومعالجة أي مشكلات ناشئة على الفور.

●     التحديات اللوجستية: بعض المناطق الريفية نائية، مما يجعل الوصول إليها، وبناء البنية التحتية فيها صعباً ويحتاج إلى وقت طويل وتكلفة عالية.

وأخيراً وعلى الرغم من هذه التحديات يمكننا القول بأن:

مبادرة التوفير المعدل للمرافق الحضرية في المناطق الريفية (PURA) تمثل خطوة تحويلية في مسار التنمية الريفية في الهند. من خلال توفير وسائل الراحة التي تشبه المناطق الحضرية، وتعزيز الفرص الاقتصادية في المناطق الريفية، ويسعى القائمون على المبادرة إلى إنشاء اقتصاد ريفي قادر على الاكتفاء الذاتي، والحد من ضغوط الهجرة على المدن، وتمكين المجتمعات الريفية. وقد وفر تركيز المبادرة على البنية الأساسية المادية والاجتماعية والاقتصادية نهجاً شاملاً للتنمية الريفية يمكن اعتباره مثالاً نموذجاً يمكن دراسته وتكييفه وفقاً لعالمنا العربي من حيث الاحتياجات والموارد لتحقيق التوازن التنموي وتقليل الفجوات بين الريف والحضر، وبناء مناطق ريفية نابضة بالحياة ومزدهرة جنباً إلى جنب مع المناطق الحضرية.

 

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...