الابتكار الاجتماعي
قراءة في دراسة واقع التّفكير التّصميمي في العالم العربي

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 5

قراءة في دراسة واقع التّفكير التّصميمي في العالم العربي

   هنادي طريفة

المقدمة:

تم تنفيذ التّفكير التّصميمي بوصفه نهجاً للابتكار والإبداع على نطاق واسع في مجالاتٍ مختلفة، كما تم استخدامه في العديد من جوانب الحياة، ومع ذلك، قد يختلف تطبيق التّفكير التّصميمي من مجالٍ إلى آخر، ولمعرفة كيفية فهم التّفكير التّصميمي وتطبيقه في سياق الشركات أجرى باحثون من معهد هاسو بلاتنر (HPI) دراسة في عام 2015؛ والتي كانت أوّل استبيان واسعِ النطاق عن واقع اعتماد التّفكير التّصميمي في الممارسة العملية، بعنوان "الوضع الراهن لممارسة التّفكير التّصميمي في المنظمات"، وكانت هذه أول دراسة تُبين كيف يَنظر مجتمع الأعمال في جميع أنحاء العالم للتّفكير التّصميمي وطريقتهم في تطبيقه. ومع ذلك، كان هناك نقصٌ كبير في المشاركين في الاستبيان من البلدان الناطقة باللغة العربية، مما يجعل من الصعب استخلاص استنتاجات حول انتشار التّفكير التّصميمي هناك، أو تقديم تقرير إضافي حول الطرق التي يتم بها تطبيق المنهجية في هذه المنطقة، ولسد هذه الفجوة؛ تم إجراء دراسة واسعة النطاق للتحقيق في اعتماد التّفكير التّصميمي بين الأفراد وكذلك المنظمات في البلدان الناطقة باللغة العربية.

وتستخدم هذه الدراسة الشاملة أساليب منهجية متعددة لاستكشاف وفهم انتشار التّفكير التّصميمي في المنطقة، بما في ذلك الاستطلاعات عبر الإنترنت والمقابلات شبه المنسَّقة وتحليلات وسائل التواصل الاجتماعي.

وتم تقديم التقرير الأول لنتائج البحث بناءً على مراجعة ممنهجة للمؤلفات باتّباع إرشادات "عناصر التقارير المفضلة للمراجعات المنهجية والتحليلات الوصفية" ((PRISMA، وتغطي المراجعة عام 2010 بأكمله (المرة الأولى التي تمت فيها صياغة مصطلح "التّفكير التّصميمي" كترجمة عربية لمصطلح "Design Thinking") وتمتد حتى نهاية مايو 2019.

وكانت الأسئلة التي وجهت الدراسة على النحو التالي:

1. ما هو المصطلح العربي الأكثر استخدماً للتّفكير التّصميمي، ومتى ظهر لأول مرة، ومن صاغه؟

2. ما هي أكثر الجهات التي تروج لاستخدام التّفكير التّصميمي في العالم العربي (مؤسسات ربحية، مؤسسات غير ربحية، مؤسسات حكومية... إلخ)؟

3. ما هي الصناعات/القطاعات الأكثر استخداماً لمفهوم التّفكير التّصميمي في العالم العربي؟

التصميم المعتمد على البحث:

1. تحديد الكلمات المفتاحية:

أظهر التخطيط الأولي لجميع المصطلحات المرتبطة بالتّفكير التّصميمي أنه لا توجد ترجمة مقبولة على نطاقٍ واسع لمصطلح "Design Thinking" في العربية، ويعرض الجدول (1) مجموعةً من الكلمات المفتاحية التي تم تحديدها على أنها تشير إلى التّفكير التّصميمي باللغتين العربية والإنجليزية:

2. وضع استراتيجية البحث:

1. تم البحث في عدد من قواعد البيانات البحثية باستخدام كلمات البحث المفتاحية التي تم تحديدها سابقاً باللغتين العربية والإنجليزية.

2. تم استخدام مصطلحي "Design" و"Arab" لتضمين أكبر عدد ممكن من الأساليب المختلفة، ومن الممكن أن يقوم العلماء بتطبيق التصميم دون تسميته على هذا النحو، وبالتالي، قد لا تظهر لنا بعض النتائج ذات الصلة في عمليات البحث. ومع ذلك، فإن إضافة المزيد من مصطلحات البحث يمكن أن يزيد من مخاطر إفساد نتائج البحث. واستناداً إلى العدد المحدود لنتائج البحث التي راجعها الأقران؛ خلص البحث إلى أنّ مجال التّفكير التّصميمي في العالم العربي ربما كان في الغالب محصوراً في المجال العملي ولم تتم دراسته بشكلٍ صحيح من قبل مجتمع البحث الأكاديمي.

3. تم توسيع الاكتشاف من خلال إجراء بحث على الويب عن المحاولات والمبادرات وورش العمل والدورات التدريبية والمقالات ومنشورات المدونات ومقاطع الفيديو التي ذكرت التّفكير التّصميمي. وأسفر هذا البحث الموسع عن 150 نتيجة، مما يدعم افتراضات الدراسة الأولية حول التبني الأوسع للتفكير التصميمي خارج مجتمع البحث.

3. التصفية والاختيار:

قرر الباحثون اعتماد المفهوم الذي حظي بقبولٍ واسع النطاق للتفكير التصميمي بوصفه عملية وعقلية ونهجاً يتمحور حول الإنسان للإبداع والتعاون والابتكار، وركزوا على صلة المحتوى بمفهوم التّفكير التّصميمي، ونتج عن هذه العملية إدراج 11 مقالة أكاديمية و34 رابطاً على الويب.

4. تقديم تقارير عن النتائج:

إن قِسم النتائج مقسّم إلى خمسة أقسام فرعية، ويعكس كل قسم منها نتائج قطاع معين مع نشاط ملحوظ في التّفكير التّصميمي، وهي:

صياغة المصطلح العربي للتّفكير التّصميمي:

تم البحث باستخدام محرك جوجل وترجمات عربية مختلفة لمصطلح "Design Thinking"، وظهر أنّ المصطلح العربي "التّفكير التّصميمي" تم استخدامه أول مرة في عام 2010، في ترجمة "تيد توك" لتيم براون: "المصممون فكروا بصورةٍ أكبر"، وأظهرت الدراسة أيضاً أنّ هناك جدلاً مستمراً حول أدق ترجمة عربية لـ "Design Thinking"، فإلى جانب "التّفكير التّصميمي"، هناك ثلاثة مصطلحات أخرى يستخدمها الباحثون أو المصممون أو المؤلفون في المنطقة وهي: الفكر التصميمي، وتصميم التفكير، والتصميم المتمحور حول الإنسان. ومع ذلك، استناداً إلى البيانات التي تم جمعها، يمكننا أن نستنتج أنّ "التّفكير التّصميمي" (المصطلح الذي تمت صياغته في عام 2010) هو الترجمة العربية الأكثر اعتماداً على نطاق واسع لـ "Design Thinking".

دراسة استقصائية عن التّفكير التّصميمي في العالم العربي:

1.1 التّفكير التّصميمي والتعليم:

يبدو أنه في العالم العربي، تم تجربة التّفكير التّصميمي على نطاق واسع من قبل الطلاب الشباب المتحمسين في مختلف مستويات نظام التعليم. وفي عام 2011، صادفت طالبة تصميم جرافيكي من السنة الثانية في المملكة العربية السعودية كتاب "أساسيات التّفكير التّصميمي 08" للكاتبين جافين أمبروز وبول هاريس، وقدمت عرضاً باللغة العربية حول الموضوع.

وفي عام 2013 جاءت المحاولات الأكثر شمولاً لتطبيق التّفكير التّصميمي في قطاع التعليم من "جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا والبحث" في الإمارات العربية المتحدة، وكانت الرؤية القيادية لـ "جامعة خليفة" هي تدويل مناهج التصميم القائمة على البحث والاستقصاء ودمجها عمودياً في جميع برامج درجة البكالوريوس في كلية الهندسة.

وبحلول عام 2018، أصبح التعليم مجالاً ازدهر فيه التّفكير التّصميمي في العالم العربي. وحاول إبراهيم وعد (2018) تحليل قدرات وإمكانية إدخال التصميم الاجتماعي في تعليم التصميم للطلاب الجامعيين العرب وفي الدورات ذات الصلة في جامعة مشهورة في الشرق الأوسط (يتم الاحتفاظ بسرية اسم الجامعة)، وتركزت حجته على حقيقة أنّ التصميم الاجتماعي لديه القدرة على تقديم حلول مستدامة للعديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، لا سيما في العالم العربي.

 وتشير النتائج الرئيسية إلى وجود فهم حالي أساسي للتصميم الاجتماعي في الجامعة، وحدّد البحث عدداً من الدورات التدريبية الحالية ومشاريع الاستوديو والمهام الأخرى التي تذكّر بإيجاز بمبادئ التصميم الاجتماعي، ومع ذلك، أبرزت النتائج أنّ هذا الموضوع يتطلب مزيداً من الاندماج لأن العديد من طلاب التصميم لم يكونوا على دراية بالتحديات العالمية الحالية، كما بينت أن هناك نقصاً في التفكير النقدي، وتجلى هذا العجز في عملية تصميمٍ غير كافية ومشاركة محدودة في العمل التعاوني متعدد التخصصات، وتم تقديم العديد من التوصيات لتسهيل وجود تصميم اجتماعي أقوى في المناهج الدراسية، مثلَ: إدخال مفاهيم التصميم التشاركي/التصميم المشترك، والتّفكير التّصميمي، والتفكير النقدي.

ويؤمن أحمد همام (وهو مدرس مساعد بـ "جامعة حلوان – مصر"، والذي تركز أبحاثه على تطبيق منهجيات التّفكير التّصميمي في دراسة العلوم بين طلاب المدارس الابتدائية) إيماناً قوياً بأن استخدام التّفكير التّصميمي قد يُحدث ثورة في التعليم في المنطقة، ويدلل همام على إمكانات التّفكير التّصميمي لجذب الطلاب الشباب لمتابعة دراسة العلوم الطبيعية، والتي لا تزال محدودة في مصر.

وأما في المملكة العربية السعودية، فقدمت "جامعة الملك فهد للبترول والمعادن" سلسلةً من ورش العمل التي تم تصميمها لتعريف الطلاب بالتّفكير التّصميمي، وكان الهدف من ورش العمل هذه المساعدة في توجيه التعلم وتطوير مهارات التفكير الإبداعي للطلاب، بالإضافة إلى سد الفجوة بين التطبيقات النظرية والعملية. كما استهدفت ورش العمل العاملين بالجامعة بهدف تعزيز مهاراتهم المهنية والشخصية.

وثمة مبادرات أخرى في قطاع التعليم نفذها "المركز الوطني للقياس في المملكة العربية السعودية"؛ حيث تم تقديم سلسلة من ورش العمل التي تستهدف مديرات المدارس والمشرفات والمعلمات، وتهدف ورش العمل في المقام الأول إلى تحفيز تطبيق التّفكير التّصميمي في التعليم.

وفي "جامعة زايد" في الإمارات العربية المتحدة، بحثت مجموعة من الباحثين في كيفية التشارك في تصميم نظام تعليمي مؤثر وتحويلي ومستدام، يتم فيه وضع الطلاب كصنّاع تغيير في الابتكار الاجتماعي، واستفادت المجموعة البحثية من المبادرات المجتمعية والدعم المؤسسي من "جامعة زايد" لبناء منصة للابتكار الاجتماعي تسمى ""INNOCO (الابتكار والتصميم المشترك)، لتقديم دعم فعال للشباب المهتمين بتوسيع قدراتهم كصناع تغيير، ويسعى هذا النموذج إلى تحدي المناهج التعليمية الخطية الحالية ويبنى على الحاجة إلى نقلة نوعية في التعليم في المنطقة.

وتضمنت الجهود الإضافية لتجربة التّفكير التّصميمي والتعليم في العالم العربي ورقةً تم تقديمها في مؤتمر "CEID" في لندن عام 2018، وتناولت الورقة الوضع الحالي للتعليم العالي في العالم العربي، واستكشفت التحديات والعقبات التي يواجهها كل من الطلاب ومؤسسات التعليم العالي، وقد عرضت استكشافاً شاملاً لإمكانيات التعلّم الرقمي في التغلب على بعض هذه التحديات، واقترحت إطاراً للتفكير التصميمي كمسار محتمل يجب مراعاته عند إعادة تصميم خبرات التعلم الحالية في الجامعات العربية.

كما بدأ ظهور العديد من منصات الموك حول التّفكير التّصميمي في السنوات القليلة الماضية، وتم إصدار أول منصة موك مجانية في عام 2017 من قبل جامعة الملك خالد في المملكة العربية السعودية، وتم استضافتها على منصة موك الخاصة بالجامعة: kkux.org""، وقدم الدروس اثنان من أعضاء هيئة التدريس، وهما: فهد الأحمري وعبد الله الوليدي، اللذان حضرا تدريب التّفكير التّصميمي في جامعة ستانفورد وقررا تقديم المنهجية للطلاب العرب من خلال منصة موك التي تتضمن سلسلة من مقاطع الفيديو المسجلة، تليها اختبارات ومناقشات حول منتدى الدورة.

وقدمت منصة موك أخرى تسمى "رواق" بالشراكة مع هيئة "منشآت" دورةً مجانية باللغة العربية حول التّفكير التّصميمي في عام 2019، والتي قدمتها نسرين الشامي، وإن منتدى مناقشة الدورة التدريبية ليس نشطاً للغاية، ولا يتم الرد على غالبية الأسئلة أو الطلبات التي ينشرها المشاركون في منصة "موك".

1.2 التّفكير التّصميمي في قطاع التنمية:

واحدة من المؤسسات القليلة في المنطقة التي تركز على التصميم كأداة متعددة التخصصات للتنمية الاجتماعية والبحث هو "مركز مينا لأبحاث التصميم"، وهو منظمة غير ربحية تأسست في عام 2011 ومقرها في لبنان، وكان محور أولى منشورات وفعاليات المركز هو تسليط الضوء على العلاقة الأيديولوجية المتأصلة بين حركات الربيع العربي الشعبية التي تدعو إلى التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في المنطقة، واستراتيجيات التّفكير التّصميمي في حل المشكلات التشاركية والمنطلقة من أسفل إلى أعلى.

 وفي عام 2012، أطلق المركز ونظم مهرجان "أسبوع التصميم في بيروت" الأول، والذي كان بمثابة بداية أسابيع التصميم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ووسع المركز لاحقاً نطاق عمله ليشمل مبادرة ""Desmeem، التي استُوحيت تسميتها من مزيج من "Design" من اللغة الإنجليزية و"التصميم" باللغة العربية.

وإدراكاً لإمكانية تطبيق التّفكير التّصميمي على التنمية، درس الباحثان قاسم سعد وكارولين شوشانيان (2013) حالة مصر كمثالٍ ناجح لتطبيق نموذج التّفكير التّصميمي على ممارسات التصميم التقليدية، وذلك بهدف تحسين إنتاج الأشياء المادية، وأجرت الدراسة تتبعاً شاملاً لحالة مصر ووضعت إطاراً مفاهيمياً يربط بين العوامل التي ينطوي عليها تناول دور التصميم في الممارسة الاجتماعية والثقافية.

وتم اعتماد استخدامات التّفكير التّصميمي الرئيسية في قطاع التنمية الدولية من قبل "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" (UNDP) كأحد مجالات تركيزه الرئيسية في مجال الابتكار من أجل التنمية بين الدول العربية. وحدد "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" التصميم الذي يتمحور حول الإنسان على أنه "نهج إبداعي لحل المشكلات يبدأ باحتياجات المستخدم، ويؤكد على أهمية وجهات النظر المتنوعة، ويشجع على البحث عن الحلول بين جهات فاعلة متعددة".

وطُبّق النهج كوسيلة للاستجابة للحاجة المتزايدة لتصميم منتجات أو خدمات أو تجارب مستدامة في الدول العربية، ومع التركيز على تطبيق التّفكير التّصميمي بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي برنامجه الإقليمي للقيادة الشبابية (YLP) في عام 2015، حيث يهدف هذا البرنامج إلى بناء جيل من القادة الشباب والمبتكرين وصناع التغيير في المنطقة العربية، كما يطبق البرنامج منهجيات الابتكار، وأبرزها التّفكير التّصميمي، المصمم لمساعدة الشباب في إنشاء حلولٍ فعالة ومستدامة لمواجهة تحديات التنمية.

وتم تنفيذ مبادرة أخرى من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالشراكة مع مفوضية الاتحاد الأوروبي، وذلك لتعزيز التّفكير التّصميمي ومنهجيات اللين لتأسيس المبادرات بين الشباب العراقي استعداداً لمشاركتهم في منتدى الابتكار من أجل التنمية، وتم تقديم التّفكير التّصميمي كمنهجية لمساعدة الشباب على تصميم نماذجهم الأولية ومشاريعهم التجريبية لتقديمها في منتدى الابتكار من أجل التنمية.

وتضمنت المناهج الأخرى المتبعة لتطبيق التّفكير التّصميمي في مجال التنمية مفهوم التصميم الاجتماعي الذي اقترحَتْه دعاء العايدي (2017)، والتصميم الاجتماعي: هو مفهوم يهدف إلى تحسين نوعية حياة الناس بما يتفق مع قيمهم الثقافية من خلال تحفيز ذكائهم الاجتماعي. والفرضية الرئيسية للدراسة هي أنّ المصممين يسعون إلى إيجاد حلول هادفة ومستدامة من خلال المشاركة في تصميم وتهيئة الظروف والمواقف من أجل إفساح المجال لتفاعلٍ أكثر تعاطفاً بين الناس ومجتمعهم، وبعد أن كانت هذه الرسالة الرئيسية لدراستها، قالت: إن البحث في التصميم الاجتماعي "مبني على تكامل ثلاثة أشكال من العملية المعرفية للتصميم وهي: التعلم والممارسة والتفكير".

وبالمثل، أظهر البحث في تطبيق مبادئ التّفكير التّصميمي على التنمية المحلية في الجزائر أن هناك الكثير من المزايا في التركيز على المواطنين كمستخدمين رئيسيين لسياسات التنمية المحلية، كما سلّط البحث الضوء على أهمية إشراك المواطنين في تنفيذ برامج التنمية المحلية كوسيلة لتعزيز الملكية وتمكين السياسات المستدامة.

وفي عام 2018، أجرى باحث أكاديميّ دراسة بحثية لتحديد أثر "عمليات إدارة التصميم" (DMP) على عملية صنع القرار من خلال التّفكير التّصميمي، وركزت الدراسة على صانعي القرار من 78 منظمة غير حكومية محلية في قطاع غزة، وأظهرت نتائج البحث عدم وجود علاقة مباشرة بين عمليات إدارة التصميم وصنع القرار. ومع ذلك، كشفت المقابلات المتعمقة مع القيادة العليا أن التّفكير التّصميمي لديه القدرة على التوسط في العلاقة القائمة بين عمليات إدارة التصميم وصنع القرار.

وفي مجال دراسات العلوم الاجتماعية، قام الباحثان جمال محمد عثمان وعبد الرحمن أحمد دحلان (2019) بتكييف نهج التّفكير التّصميمي والتفكير المنظومي لحل مشاكل اللاجئين الإريتريين في السودان، ولفهم احتياجات الناس تم إنشاء وتطوير أدوات وضع نماذج الأعمال مثل مخطط نموذج الأعمال (BMC) ومخطط القيمة المقترحة (VPC)، وتشمل الحلولُ المقترحة المهارات التعليمية، مثل: برامج المهارات الفنية والمواد الدراسية وبرامج محو الأمية وبرامج التوجيه، ويقول الباحثان: إنّ المساهمة الرئيسية لعملهم هي تمكين اللاجئين من اكتساب المعارف والقيم والمهارات ليعيشوا حياة مُنتجة ومستقلّة.

وفي عام 2019، أطلقت "سبر"، وهي شركة عربية لتصميم الأعمال مقرها في تركيا، كتاباً بعنوان "التّفكير التّصميمي في الابتكار الاجتماعي" يقدم فيه غياث هواري وكندة المعمار التّفكير التّصميمي كمنهجية ابتكار، ويقدم المؤلفون في هذا الكتاب خطوات لتطبيق التّفكير التّصميمي على عملية حل المشكلات الاجتماعية ويناقشون دراسات الحالة، ويُعتقد أن هذا الكتاب هو أول كتاب يُنشر باللغة العربية يركز على التّفكير التّصميمي.

1.3 التّفكير التّصميمي في القطاع الخاص:

خلال السنوات القليلة الماضية، غيرت العديد من شركات التصميم الخاصة التي تم تأسيسها في المنطقة استراتيجية أعمالها وتحولت من مجال تقديم خدمات التصميم المرئي فقط إلى التركيز بشكلٍ أكبر على منهجيات الابتكار واعتماد أساليب التّفكير التّصميمي وتلك التي تتمحور حول الإنسان في عملها، وشركة "هيود" ((HUED مثلاً هي شركة استشارية للتصميم والابتكار تم تأسيسها في عام 2013 في المملكة العربية السعودية من قبل فريق تصميم خدمات صغير، وقامت الشركة بتوسيع وتطوير أساليب عملها بناءً على مبادئ التّفكير التّصميمي مثل التعاطف والاعتماد على بصائر المستخدم والتعامل مع الغموض وعدم اليقين وتصميم وتنفيذ الحلول على أساسِ نهجٍ محوره الإنسان، وتعتبر "هيود" الآن أول وأكبر شركة استشارية للابتكار والتصميم في السعودية.

والمثال الآخر هو شركة "ايرجو" ((ERGO وهي واحدة من أولى شركات الابتكار وتصميم الاستراتيجيات التي تتمحور حول الإنسان في المنطقة، وقد تأسست في عام 2016 في القاهرة - مصر، وتلتزم الشركة بتطوير الخبرة البشرية من خلال التصميم والابتكار، وتؤمن شركة "ايرجو" أيضاً بقوة التّفكير التّصميمي في جلب الابتكار إلى واحدة من أكثر المناطق الحساسة ثقافياً في العالم.

وفضلاً عن شركات التصميم الخاصة، تم تطبيق أساليب التّفكير التّصميمي والتركيز على المستخدم في أنواع أخرى من الكيانات الخاصة مثل العيادات الطبية الخاصة، ففي مصر _على سبيل المثال_ بعد التعرف على المشكلات المرتبطة بالأنظمة التي تركز على الأطباء مثل أوقات الانتظار والمواعيد، طبق الباحثون ميزات ووظائف للتصميم لتحسين جودة التواصل بين المرضى وموظفي العيادة، ويهدف الباحثون إلى تقليل أوقات الانتظار ووضع جداول زمنية للمرضى والموظفين، وباستخدام عيادة مصرية خاصة كدراسة حالة، صمم الفريق تطبيقاً للهاتف المحمول للمريض يسمى "عيادتك" من أجل دعم عمليات الحجز والاستشارة عبر الإنترنت.

وفي عام 2017، أطلقت "أكاديمية الابتكار بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية" برنامج "REVelate" للابتكار المؤسسي، وهو برنامج مكثف قائم على الفريق لمدة ثلاثة أيام مصممٌ لدعم الابتكار الجديد من قبل المؤسسات في المملكة العربية السعودية، ويتم تقديم البرنامج مرتين سنوياً في مقر "جامعة الملك عبد الله" ويستهدف مجموعة متنوعة من المؤسسات والشركات المتوسطة والكبيرة والمؤسسات غير الربحية والوكالات الحكومية، وكجزءٍ من برنامج "REVelate"، يعتمد برنامج الابتكار المؤسسي على التّفكير التّصميمي وإدارة التغيير وريادة الأعمال.

وقد واصلت استخدامات القطاع الخاص للتفكير التصميمي ازدهارها. ومع التركيز على إدارات الموارد البشرية وخبرة الموظفين، وتضمنت الاستخدامات العملية الأخرى للتفكير التصميمي إنشاءَ وتنفيذ إعادة تسمية العلامة التجارية وحملة تسويقية تالية لأكاديمية كرة القدم البريطانية في الكويت، وتم تطبيق التّفكير التّصميمي في سياق "ورشة عمل إدارة القيمة للعلامة التجارية"، والتي تضمنت أصحاب المصلحة الرئيسيين في التصميم المشترك لعلامة تجارية جديدة لأكاديمية كرة القدم البريطانية.

 وقد توصلت ورشة العمل إلى نتيجتين رئيسيتين وهما:

1. رؤية واضحة لمكانة العلامة التجارية لأكاديمية كرة القدم البريطانية بالنسبة للعملاء.

2. إشارة مباشرة لمدى ضرورة تطور العلامة التجارية لتحقيق هدف زيادة حصتها في السوق. 

 1.4 التّفكير التّصميمي وريادة الأعمال:

بين عامي 2014 و2015، أصبح التّفكير التّصميمي معترفاً به كأداة قابلة للتطبيق لمساعدة الشركات في العالم العربي، وركز التّفكير التّصميمي بشكلٍ أساسي على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم (SMEs)، وبدأ في خلق ضجة بين ساحات "الهاكاثون" (البرمجان) وحاضنات الأعمال ومراكز ريادة الأعمال، وكانت المنظمة المصرية غير الحكومية "نهضة المحروسة" من أوائل الذين اعتمدوا التّفكير التّصميمي كوسيلة لتعزيز الأعمال الصغيرة في شمال أفريقيا، ومن خلال حاضنتها الاجتماعية؛ كانت "نهضة المحروسة" من بين الأوائل في المنطقة الذين أقاموا ورش عمل منهجية للتفكير التصميمي في مجال الابتكار الاجتماعي، وتم إجراء ورش العمل في جميع أنحاء مصر بهدف إعداد رواد الأعمال الشباب لبدء أعمالهم التجارية الخاصة.

 والمبادرات المماثلة التي استخدمت التّفكير التّصميمي في مجال الابتكار الاجتماعي تشمل منظمة "بنا"، وهي منظمة غير ربحية للتنمية الاجتماعية وبناء القدرات تأسست في عام 2014، مقرها في تركيا ولكنها موجهة إلى اللاجئين السوريين، وركز عمل منظمة "بنا" على توجيه السوريين نحو تطوير مبادراتهم المجتمعية الخاصة للتعامل مع قضاياهم الأكثر إلحاحاً.

ومثال آخر على تكييف التّفكير التّصميمي في ريادة الأعمال هو منصة "ومضة"، وهي منصة تمكين ريادة الأعمال لرواد الأعمال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويهدف فريق ومضة _ومقره دبي_ إلى تقديم الدعم الذي يحتاجه رواد الأعمال عبر ثلاث منصات أساسية:

1. موقع إعلامي، وهو المصدر الرئيسي لأخبار الشركات الناشئة وريادة الأعمال في المنطقة.

2. صندوق استثماري، وهو أكبر صندوق استثمار في المراحل المبكرة في المنطقة.

3. ذراع البرامج التي تشمل سلسلة أحداث "ميكس إن مينتور".

وتم اتخاذ خطوات مماثلة في المملكة العربية السعودية في عام 2017، حيث تعاونت "مسرّعة (تَقدَّم) للأعمال الناشئة" مع "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا" لإنتاج سلسلة من المقالات التي تشرح وتوضح عملية التّفكير التّصميمي بهدف تعزيز الإدارة الرشيقة للشركات.

واستمرت الأصوات الأخرى على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في الظهور، وتشمل الأمثلة البارزة منشورات المدونات ومقالات المجلات التي تتناول العلاقة بين التّفكير التّصميمي ونجاح الأعمال وريادة الأعمال، من بينها المجلة الإلكترونية "رواد الأعمال" الإصدار العربي التي تأسست في عام 2014 لتصبح واحدة من مصادر المعلومات الجديرة بالثقة لرواد الأعمال العرب.

1.5 التّفكير التّصميمي في القطاع العام:

مع مرور الوقت، كانت هناك زيادة ملحوظة في استيعاب القطاع العام في العالم العربي للتّفكير التّصميمي، وما يوضح دمج التّفكير التّصميمي في القطاع العام هو "برنامج قيادات حكومة الإمارات العربية المتحدة"، الذي اعتبر أساليب التّفكير التّصميمي جزءاً لا يتجزأ من تطوير قادة المستقبل في دولة الإمارات العربية المتحدة.

 وكان "برنامج شباب الإمارات" أحد البرامج التي أطلقها برنامج قيادات حكومة الإمارات في يونيو 2017 بعد إنشاء "برنامج القادة المبتكرين" الذي انطلق في عام 2014، وينفذ البرنامج بالتعاون مع مكتب الشباب ويستهدف شباب الإمارات من الحكومة الاتحادية والمحلية، وكذلك القطاع الخاص، وتم تصميم البرنامج الذي يستمر ثمانية أشهر لتدريب الشباب الطموحين والقادرين الذين تتراوح أعمارهم بين 21 و35 عاماً، ويهدف البرنامج في نهاية المطاف إلى إعادة تنظيم وإعادة تصميم ممارسات العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وفي مصر، قامت وزارة الشباب والرياضة بالتعاون مع "برنامج القيادات الشبابية" التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بإنشاء معسكرات تدريب شبابية سنوية لدعم مبادرات الشباب في جميع أنحاء البلاد، ويعتمد البرنامج على منهجية التّفكير التّصميمي.

واتُخذت خطوة رئيسية أخرى صوب دمج أساليب التّفكير التّصميمي في القطاع العام تمثلت في إنشاء "مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي" في الإمارات العربية المتحدة، ويسلط الضوء على مزايا التّفكير التّصميمي في إيجاد حلولٍ إبداعية للمشكلات العصيبة في القطاع العام. علاوةً على ذلك، أطلقت حكومة الإمارات العربية المتحدة حدثاً سنوياً بعنوان "منتدى دبي العالمي لإدارة المشاريع" (2019)، والذي يقدم سلسلة من الفصول الدراسية حول مواضيع متنوعة لإدارة المشاريع، ويأتي في مقدمتها استخدام التّفكير التّصميمي في تعزيز إدارة المشاريع المرنة، ومن الأمثلة على ذلك وزارة المالية الإماراتية التي توفر لموظفيها تدريباً مكثفاً على منهجيات التّفكير التّصميمي بهدف تحسين مهاراتهم في حل المشكلات والمهارات التحليلية.

وفي المملكة العربية السعودية، تجلت جهود القطاع العام في إدخال التّفكير التّصميمي في قطاع الرعاية الصحية، حيث تعاونت وزارة الصحة مع "مدينة الملك عبد الله الطبية" لإطلاق سلسلة من ورش عمل التّفكير التّصميمي التي تهدف إلى تدريب المهنيين الطبيين على تطبيق منهجيات التّفكير التّصميمي لتحسين ظروف المرضى وتعزيز إجراءات السلامة في الخدمات الصحية.

المناقشة والاستنتاجات:

في هذا الفصل، تم تقديم معلوماتٍ عن استكشاف أولي للوضع الحالي للتّفكير التّصميمي في العالم العربي من خلال مراجعة ممنهجة للمؤلفات بناءً على إرشادات "عناصر التقارير المفضلة للمراجعات المنهجية والتحليلات الوصفية" ((PRISMA، وتغطي المراجعة عام 2010 بأكمله (الذي تم فيه للمرة الأولى صياغة ترجمة عربية لمصطلح "Design Thinking" وهي "التّفكير التّصميمي") ويمتد حتى نهاية مايو 2019.

ويقر الباحثون بالتقييدات التالية التي اعترت هذه الدراسة:

  • اقتصرت الكلمات المفتاحية الإنجليزية المحددة لإجراء البحث عبر الإنترنت الذي يركز على البلدان الناطقة باللغة العربية على كلمتين رئيسيتين "Arab" و "Arabic"، ويتكون العالم العربي من 22 دولة، وبالتالي، قد ينتج عن تصفية كل بلد على حدة المزيد من المقالات وتوسيع فهمنا لحالة التّفكير التّصميمي في المنطقة.
  • عدد قليل من الدول العربية بما في ذلك المغرب وتونس والجزائر تتواصل بشكلٍ رئيسي باللغة الفرنسية، ولم تشمل هذه الدراسة المقالات والفعاليات التي أجريت باللغة الفرنسية في المنطقة العربية.
  • معظم البيانات التي تم جمعها هي تقارير إخبارية ومدونات ومقالات عبر الإنترنت قد تتغير روابط الويب الخاصة بها بمرور الوقت. لذلك، ربما تم تفويت بعض الأحداث التي حدثت في وقتٍ سابق عندما بدأ التّفكير التّصميمي في الظهور في المنطقة.

تغطي هذه الدراسة جزءاً واحداً من دراسة واسعة النطاق، ويهدف الباحثون إلى مقارنة نتائج هذه الدراسة بنتائج الأجزاء الأخرى لتعزيز فهمنا لتاريخ التّفكير التّصميمي في العالم العربي وتطبيقه في مختلف القطاعات، ومع ذلك، فإن إحدى النتائج الرئيسية لهذه الدراسة هي تتبع الترجمة الأولى لمصطلح "Design Thinking" إلى "التّفكير التّصميمي" في اللغة العربية، فقد ظهر المصطلح في ترجمة تيد توك "المصممون فكروا بصورةٍ أكبر" لتيم براون في عام 2010، وصاغ هذه الترجمة العربية شفيق جابر، وهو مهندس أبحاث في مدرسة الاتصالات بباريس، الذي قام بترجمة الفيديو طوعاً.

وتُظهر الدراسة أيضاً أنّ هناك جدلاً مستمراً حول أدق ترجمة عربية لـ "Design Thinking"، فإلى جانب "التّفكير التّصميمي"، هناك ثلاثة مصطلحات أخرى يستخدمها الباحثون أو المصممون أو المؤلفون في المنطقة وهي الفكر التصميمي، وتصميم التفكير، والتصميم المتمحور حول الإنسان. ومع ذلك، استناداً إلى البيانات التي تم جمعها، يمكننا أن نستنتج أنّ "التّفكير التّصميمي" (المصطلح الذي تمت صياغته في عام 2010) هو الترجمة العربية الأكثر اعتماداً على نطاق واسع لـ "Design Thinking".

وتُظهر البيانات أيضاً أنّ التّفكير التّصميمي لا يزال في مراحله الأولى من التبني في المنطقة، ولكن يبدو أن شعبيته آخذةٌ في الازدياد في السنوات القليلة الماضية، لا سيما في قطاعات التعليم والتنمية وريادة الأعمال، والدول العربية التي يبدو أن لديها أعلى اعتماد للمنهجية هي السعودية ومصر والإمارات.

 

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...