مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 6
الابتكار والتطوير ودور التصميم
شكّل العامان الماضيان تحدياً للجميع في شتى أنحاء العالم، حيث توجب على جميع الحكومات والقطاعات التجارية والأفراد التكيّف مع جائحة كوفيد-19 العالمي. وفي المراحل المبكرة من هذا الوباء، قرر شركاؤنا في "مجموعة المفكرين التصميمين" أن نحول تركيزنا إلى مشروعٍ عالمي للبحوث البشرية مع الاستعانة بخبراتنا البحثية وانتشارنا الدولي من أجل إجراء مقابلاتٍ مع ما يقرب من 400 شخص حول العالم.
شاهد الفيديو التعريفي على الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=C0rmCdrqxBg
وقد حددت الشخصيات التي ظهرت في هذه البحوث كيف أثرت الأزمة على مجموعاتٍ مختلفة من الناس، بمن فيهم قادة وأصحاب الأعمال التجارية، والمهنيون العازبون، والأزواج الشباب، والعائلات الكبيرة، والمتقاعدون وغيرهم. ولقد سألناهم عن التأثير الفوري الذي تعرضوا له، وطلبنا منهم أيضاً إخبارنا كيف يخططون لتغيير حياتهم في المستقبل ما بعدَ الوباء؟ وكانت هذه لحظة تحفيزية لمعظم الناس، وفي مصطلحات إدارة التغيير نسمي هذه اللحظة "حتمية التغيير" فهي تحفز الأفكار وتحرك العمل الإيجابي.
وفي الآونة الأخيرة، بعد أن بدأ العالم يتغلب على الأزمة الصحية الراهنة وبدأ في العودة إلى شكلٍ من أشكال الحياة الطبيعية (وإن كان شكلاً معدلاً) توجهت أفكاري وخواطري الشخصية إلى دور التصميم ومهمة المصمم في بناء هذا المستقبل الجديد ما بعد كوفيد-19. ولقد تذكرتُ مؤتمراً حضرتُه قبل 10 سنوات تم فيه تحديد الأدوار المختلفة للمصمم، وهي كالتالي:
- المصمم باعتباره خبيراً استراتيجياً للأعمال، حيث يتولى عملية إدارة التغيير عن طريق استخدام التفكير التصميمي في معالجة المشكلات الكبيرة.
- المصمم باعتباره مشاركاً في الابتكار، حيث يتولى إعادة التفكير في العملية لتشمل تخصصاتٍ ومستخدمين أوسع، وذلك لخلق أفكار أفضل وأكثر.
- المصمم باعتباره عقلانياً، حيث يقدم حلولاً مختصّة وصارمة ويؤْمن أنَّ بإمكان البشر حل مشاكل العالم.
- المصمم باعتباره روائياً، حيث يتولى تصميم قصص ترسخ رؤيةً للمستقبل.
وأعتقد أنّ التحديات قد تغيرت بعد عشر سنوات، وربما أصبحت أكبر وأكثر عالمية بدون شك، وفي ضوء الحتمية المشتركة ربما أصبح بالإمكان إحداث تغييرات أكثر طموحاً وجوهرية، وأنا أفضّل أن أفكر بهذه الطريقة، فالتطور هو الاستجابة للتحديات الجديدة عند ظهورها، والتغيير والتكيف عند استجابتنا لها، وتعديل الطريقة التي نعيش بها حياتنا، وتصميم حلولٍ جديدة ومبتكرة. وربما يكون لدور التصميم ومهمة المصمم الآن فرصة أكبر من أي وقتٍ مضى. ففي السنوات العشر الماضية، تبلورت خبرتنا الجماعية وتطورت أدواتنا.
وأود أن أشير إلى بعض المصادر الأخرى التي ألهمت تفكيري التأملي.
حضرت مؤخراً مهرجان "Visa Pour L’Image" الدولي للتصوير الصحفي الذي يقام سنوياً في فرنسا ويستقطب أفضل المواهب الدولية في هذا المجال من جميع أنحاء العالم.
انظر إلى: https://www.visapourlimage.com/en
ولقد حضرت هذا المهرجان في عام 2020 ومرة أخرى هذا العام، وهو مهرجان كبير يحتاج الكثير من الوقت لمشاهدة جميع المعارض الفردية، وحضور المحاضرات، ومشاهدة العروض، وما إلى ذلك. وفي هذا العام وجدت نفسي مرهقاً نفسياً بعد 3 أيام، حيث بدا لي أنّ الصحف والمجلات والتلفزيون في جميع أنحاء العالم يريدون جميعاً مقالاتٍ مصورة بشرية تتضمن التفاصيل الدموية والمروعة عن الحرب والطاعون والفيضانات واللاجئين وما إلى ذلك. وبالنسبة لي، رأيت أن هذه الصور سلطت الضوء على كل الأمور السيئة التي تحدث في عالمنا، لكن لم يعكس أي منها الحلول لهذه الأحداث، ولم يقدموا الأمل أو الإلهام. فتركَتْ لديَّ شعوراً بأنه ثمة قدر كبير من العمل البنّاء الذي يتعين على المصممين معالجته، وأنه يتعين على التصوير الصحفي أن يتبنى نهجاً أكثر إيجابية وتفاؤلاً.
من التأثيرات الأخرى للإغلاق العام في ظل جائحة كوفيد-19 كان سلسلة البودكاست "99% Invisible" التي قدمها رومان مارس (انظر إلى: https://99percentinvisible.org/). واستمتعتُ تحديداً بالحلقة الأخيرة التي ناقشت كيف أثرت الحروب الماضية والأوبئة والكوارث على التغيرات في العالم الذي نعيش فيه، وكيف استجاب المصممون آنذاك بحلولٍ مبتكرة للتحديات التي نشأت في ذلك الوقت. وقد وصف العرض بعض الأمثلة المثيرة للاهتمام عن التطوير وهي كالتالي:
- ابتكار الأطعمة المعبأة والمعلبة المحفوظة: حيث تم إنشاؤها لأول مرة استجابةً لتحدي جائزة التصميم لعام 1795 الذي قدمه نابليون من أجل توفير الإمدادات الغذائية لقواته في حروب نابليون، وتطور التخزين من عبواتٍ زجاجية محكمة الغلق إلى الأغذية المعلبة في أوائل القرن التاسع عشر. ومع ذلك، لم يتم تقديم فتاحة العلب إلا بعد مرور 50 عاماً، ولم يتم تطوير تصميم فتاحة العلب من طراز P38 الشهير إلا بعد الحرب العالمية الثانية.
- ابتكار لعبة الجولف المصغرة في الولايات المتحدة الأمريكية: وحدث هذا بعد الكساد الكبير كاستجابةٍ ريادية للتوافر الواسع للأماكن البينية الخالية في المدن، وتقديم ترفيه أرخص وبأقل تكلفة، واعتماد التطور التكنولوجي الحديث للعشب الصناعي، وإعادة تدوير مواد النفايات وتحويلها إلى حلول مبتكرة وإبداعية لحدائق الألعاب.
- ابتكار "نافذة النبيذ" في فلورنسا: ففي عام 1634 انتشر وباء الطاعون في جميع أنحاء إيطاليا، وقد ابتكر بائعو فلورنسا هذا الحل الصغير في الجدار كإجراءٍ مبكر للتباعد الاجتماعي لمنع انتشار المرض. وبعد مئات السنين، عادوا إلى استخدام هذا الإجراء بشكل يومي استجابةً للسيطرة على جائحة كوفيد-19.
لكن ربما كان مصدر إلهامي الأكبر لكتابة هذا المقال هو التأخير الأخير في افتتاح معرض "إكسبو 2020 دبي" (انظر إلى:https://www.youtube.com/watch?v=Rb5m8nT7meo ). فمنذ خمس سنوات، تشرفت بتقديم ورشة عمل عن التفكير التصميمي في دبي لصالح وزارة التنمية الاقتصادية. وفي تلك المرحلة، كان التخطيط لمعرض إكسبو 2020 خلال احتفال اليوبيل الذهبي لدولة الإمارات العربية المتحدة يركز على موضوعاته الرئيسية المتعلقة بالاستدامة والتنقل والفرص. وركزت ورشة العمل المشتركة الخاصة بنا على موضوع الفرص لرائدات الأعمال، وتم وضع العديد من الحلول المبتكرة والتمكينية من قبل مجموعة متنوعة من المشاركين.
هذا المعرض العالمي أكبر وأكثر طموحاً من أي معرضٍ آخر قبله. وبعد تأجيله لمدة عام بسبب جائحة كوفيد-19، من المثير للغاية أن نرى كيف تم جمع 192 دولة معاً لأول مرة منذ بدء الوباء، حيث سيساعد هذا بالتأكيد في تشكيل عالمٍ أفضل. وأعتقد أن الفرص الرئيسية لهذا المهرجان تشمل -على سبيل المثال لا الحصر- ما يلي:
- خلق رؤية ينبثق منها الواقع.
- تطوير التعاون والتسامح الدوليان.
- تواصل العقول.
- إظهار الابتكارات الجديدة ومشاركتها.
- المشاركة في إيجاد حلول لأكبر التحديات التي نواجهها في العالم.
- خلق الأمل والشعور المشترك بالفرص المتاحة.
أخيراً، وفي الختام، أشعر بالفخر لكوني مصمماً ومعلماً لعملية التصميم وأرى أنّ المصممين سيتطورون ويستمرون في تطوير أدوات جديدة، وتوسيع معرفتهم وخبراتهم، وأنّ دور التصميم سيواصل تقديم المساعدة لصياغة حلولٍ لعددٍ لا يحصى من التحديات الجديدة والناشئة التي نواجهها. وآمل أننا وبصفتنا مصممين سنتمكن معاً من الاستمرار في إنشاء رواياتٍ مثيرة من شأنها توصيل وإثبات هذا العالم الأفضل لجماهير أكبر، فدعونا نفكر جميعاً بتفاؤل وإيجابية حول مستقبلنا الجماعي.
لا تترددوا في الاتصال بي إذا كنتم ترغبون في مناقشة أيٍّ من هذه الأفكار.